على الجدار الممتد بلا فراغ، اصطفَّت مكتبة مليئة بمواد وأبحاث متخصصة في فن التفاوض.
كان بايك سا أون قد حصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية، وشارك خلال مسيرته في دورة تدريبية بالأكاديمية الفيدرالية للتحقيقات في الولايات المتحدة، كما أكمل برنامجًا تدريبيًا حول التفاوض مع الخاطفين تحت إشراف شرطة نيويورك.
في مواقف الأزمات، كان تسعة من أصل عشرة متدربين يستسلمون تحت تأثير التوترات العاطفية عندما يتم استخدام الرهائن كوسيلة ضغط.
ولكن بايك سا أون كان مختلفًا، لم يكن يرف له جفن أمام استفزازات الخاطفين أو تهديدهم بالسلاح.
أساس التفاوض هو الحوار. وفهم الطرف الآخر على المستوى الإنساني.
هذا ما يتطلبه التفاوض عادةً، حيث تُعتبر مهارة “التعاطف” سلاحًا أساسيًا لنزع أسلحة الخصم عاطفيًا وإقناعه.
لكن بايك سا أون قلب هذا المفهوم رأسًا على عقب تمامًا.
اللامبالاة الباردة.
الأسئلة المحسوبة وغير الأخلاقية.
التحكم العاطفي الدقيق إلى درجة التلاعب.
كل هذه الصفات جعلته بعيدًا كل البعد عن صورة المفاوض التقليدي.
لم يكن هدفه حماية الرهائن بقدر ما كان يستمتع بالضغط على الخاطفين واستنزافهم نفسيًا.
كانت هذه الطبيعة سببًا في غضب والدته التي أدركت هذا النقص العاطفي لديه، وقررت منعه بشدة من الاقتراب من هذا المجال.
‘إنه مجرد متحدث لاذع، لكنه لا يصلح أن يكون مفاوضًا.’
كان هذا الحكم القاسي هو رأي والدته.
ورغم ذلك، فإن هذه القدرات نفسها هي التي شكَّلت القاعدة التي بنى عليها نجاحه كسياسي بارع ومخادع.
“جرذ يختبئ خلف صوت مُعدل.”
تمتم بهذه الكلمات بينما كان يضرب طرف أحد الكتب بأصابعه.
صوته، الذي بدا خشنًا أصلاً، أصبح وكأنه ورق صنفرة يمزق الهدوء.
***
لم تُزل هي جو عينيها عن الشاشة التي كان يظهر فيها ذلك السايكوباثي.
ذات مرة، لجأت لاستشارة قانونية بخصوص عقد الزواج الظالم الذي أُجبرت عليه.
لكن سواء كان الأمر يتعلق بمكتب استشارات مجاني أو بأحد مكاتب المحاماة الكبرى، كانت النتيجة دائمًا واحدة.
“عفوًا؟ النائب بايك؟”
“صحيفة سانغ كيونغ إلبو؟”
نفوذ عائلة زوجها، الممتد من جد زوجها وحتى والد زوجها، كان يُهيمن بالفعل على المجال القانوني بأكمله.
لا أحد كان يرغب في الاصطدام بنائب يُعتبر مرشحًا قويًا لرئاسة الجمهورية.
لم يكن هناك محامٍ واحد مستعد للطعن في ذلك العقد غير العادل.
『سأُدمر عملك بالكامل، هل تفهم؟』
‘سأُدمر عملك بالكامل، هل تفهم؟’
في غرفة الفيديو بمركز الترجمة بلغة الإشارة، كانت يدا هيجو تتحركان بسرعة ودقة، وكأنها ماء يتدفق بلا انقطاع.
『لا تتحرك، ستؤذي نفسك. إذا تحركت، ستُقتل!』
‘لا تتحرك، ستؤذي نفسك… إذا تحركت، ستُقتل!’
حتى حاجباها المرتبان ارتفعا بنفس الطريقة الغاضبة التي ظهر بها الممثل على الشاشة.
وأخيرًا، حان الوقت.
الليلة… هذه الليلة…
ستتصل هي جو ببايك سا أون.
كونها مترجمة بلغة الإشارة، كانت معتادة على تقليد أسلوب الكلام ونقل المشاعر كما هي.
وبما أنها تدربت باستخدام العديد من مقاطع الفيديو كمواد تعليمية، فإن تقمص شخصية الخاطف لم يكن أمرًا صعبًا بالنسبة لها.
“هي جو! هل أنت هنا…؟”
في تلك اللحظة، أطل مدير المركز من خلف الباب المفتوح، مترددًا وهو ينظر إلى الداخل.
ظهر على الشاشة مشهد لرجل مخيف المظهر يعلّق شخصًا نصف ميت من السقف ويهدده بكلمات قاسية ومخيفة عن تقطيع جلده وما إلى ذلك.
“هي جو…، أممم، هي جو…؟”
تقدم المدير، وهو رجل في أوائل الأربعينيات من عمره، بخطوات مترددة إلى داخل الغرفة، لكن هي جو كانت قد استغرقت تمامًا في حالتها.
كانت تتصبب عرقًا، مترجمة المشهد بكل تفاصيله بوجهها وجسدها بالكامل.
حتى عندما اقترب المدير، لم تتوقف هي جو عن أداء الترجمة بلغة الإشارة إلا بعد أن وجد جهاز التحكم وأوقف الفيديو مؤقتًا.
“عزيزتي… هل تغيرت ذائقتكِ فجأة؟”
قال المدير وهو ينظر إلى هي جو، التي كانت وجنتاها قد احمرتا بفعل الحرارة، بينما استدارت أخيرًا.
في مواجهتها، وقف رجل يرتدي قميصًا استوائيًا وسلسلة ذهبية طويلة، أشبه بتلك التي يرتديها مغنو الراب، وهو يرمش بعينيه باستغراب.
“هل هذا بسبب خسارة عملكِ في البث؟ إذا كان الأمر كذلك، سأبحث عن وظيفة أخرى لك…”
‘إنها مجرد تمرينات.’
أجابت هي جو بلغة الإشارة بهدوء.
لو كان للغة الإشارة صوت، لكان صوت هي جو شبيهًا بسيدة أنيقة ومهذبة، حركاتها كانت واضحة، منظمة، ومفعمة بالرقي.
“لكن أي نوع من التمارين هذه لتبدو بهذا الشكل المخيف؟”
‘فقط… تحسبًا لأي حاجة.’
“حاجة؟”
أي حاجة تستدعي مثل هذه العبارات الدامية؟ أهو أمر ضروري حقًا؟
راقب المدير هي جو بعينين قلقتين.
“لم نتلقَ أي اتصالات إلى المركز. هل تعاملتِ مع الشرطة كمترجمة؟ أو ربما طلب منكِ أحد المرابين الترجمة لأن مدينه أصم؟”
‘لا، ليس كذلك.’
“إذن، لماذا تقومين بأشياء غير معتادة؟ لقد كدتِ تصيبينني بسكتة قلبية!”
قال المدير وهو يضغط على صدره بتظاهر.
“ما زلت أبحث عن عمل مناسب لكِ، لذلك استريحي قليلاً. سأحاول إيجاد عمل لا يتطلب الترجمة الصوتية. فقط لا تفرغي توتركِ بهذه الطريقة المخيفة.”
هي جو لم تكن سوى مترجمة بلغة الإشارة “منقوصة”.
كانت تعاني من مشكلة مزمنة في التحدث أمام الآخرين، مما حدّ من فرصها المهنية.
غالبًا ما اقتصرت مهامها على دعم الآخرين أو الترجمة في مواقف أحادية الاتجاه حيث لا حاجة للكلام.
لغة الإشارة ليست مجرد حركات باليد، إنها تتطلب تعبيرات وجهية تنقل المشاعر والنبرة بدقة.
في هذا المجال، كانت هي جو بارعة في إيصال الفروق الدقيقة بين عبارات مثل “أحسنت” و”أحسنت جدًا”.
حركات شفتيها، تعابير حاجبيها، وحتى اتجاه جسدها كانت متناغمة ومقصودة، ولم تكن تترك أي تفصيل للصدفة.
ورغم أن وجودها كان خافتًا في أغلب الأحيان، إلا أنها كانت تمتلك موهبة نادرة في نقل مشاعر الآخرين وكأنها لوحة متكاملة.
هي جو كانت أشبه بظل أو خلفية، تعمل بصمت ودون أن تلفت الأنظار، لكن في الوقت نفسه، تنقل الرسائل والمشاعر بحرفية عالية.
لهذا السبب كان وضعها مؤلمًا.
كيف لمترجمة لغة الإشارة، التي وظيفتها تسهيل التواصل، أن تعجز عن التحدث بنفسها؟
دورها كرسول كان دائمًا غير مكتمل، مما أبقاها دائمًا نصف مترجمة.
“هي جو، إذا كنتِ تتعلمي الترجمة كي لا تفقدي مهاراتكِ…”
قال المدير وهو يضم ذراعيه أمام صدره، محاولاً إبعاد الأفكار غير المريحة.
“ألا تستخدمين مقاطع الفيديو الخاصة بالمتحدث بايك سا أون للتدريب بعد الآن؟”
“……!”
في تلك اللحظة، شعرت هي جو بوخزة غريبة، كأنها قُرِصَت فجأة.
كانت ترتدي قميصًا واسعًا وسروال جينز وقبعة بيسبول تخفي ملامحها إلى حد كبير، مما جعلها تبدو كطالبة جامعية بريئة.
لكن، من وراء حافة القبعة، كانت نظرات عينيها تحمل شيئًا غريبًا، مثيرًا للتوتر.
حاول المدير طرد شعور البرد الذي تسلل إلى جسده وأكمل حديثه.
“بالنسبة للمتحدث بايك سا أون، لقد قام بالعديد من المؤتمرات الصحفية مؤخرًا، وهناك الكثير من مقاطع الفيديو له. هل تريدين أن أجلب لكِ بعضها؟ كنتِ تقولين دائمًا إنها كالكتب المدرسية في التدريب، أليس كذلك؟”
التعليقات لهذا الفصل " 8"