لم تعد ترغب في تلقي مكالمات أختها التي كانت قلقة على حالتها النفسية، أو اتصالات المدير هان جون.
ووجدت نفسها مرة أخرى حبيسة منزلها.
ومع ذلك، ما إن يرن الهاتف! حتى تسرع لالتقاطه بسرعة مذهلة كأنها سنجاب نشيط.
“مرحبًا؟”
―……
كان صوت تنفس الطرف الآخر مختلفًا عن المعتاد، كأنه توقف فجأة أثناء الشهيق.
“لماذا تتصل مرة واحدة فقط في اليوم؟”
―……
“ألا يمكنك الاتصال أكثر من ذلك؟”
―……
“لا بأس، حتى لو قالوا إنني مجنونة.”
“حتى لو اعتقدوا أنني مريضة نفسيًا.”
قالت هي جو وهي تغمض عينيها بإحكام.
“سأجدك.”
―……
“لذا انتظر فقط.”
―……
“مهما كان المكان الذي أنت فيه، سأجدك.”
حتى لو كنت شبحًا، سأعثر عليك.
أمسكت هي جو هاتفها بقوة وكأنها تستمد منه شجاعتها.
***
كانت زيارتها الأولى إلى السجن كئيبة وباردة.
جلست هي جو في غرفة الزيارة، وهي تضبط ملابسها دون داعٍ، بانتظار الشخص الذي ستلتقي به.
بعد قليل، ظهر الرجل برفقة الحارس. كان ذلك الرجل هو بارك دو جاي، المساعد الشخصي المقرّب من بايك سا أون.
كانت هي جو على علم مسبق بمدى قربه من بايك سا أون.
“مرحبًا.”
عندما ألقت التحية، تهرّب بارك دو جاي من النظر إليها.
كان مظهره بائسًا للغاية، كما لو أن حياة السجن أرهقته. إحدى عينيه كانت منتفخة، وشفتاه متشققتان، وكان يمشي متثاقلًا كما لو أن أطرافه مصابة.
“جئت لأقابلك، لأنني أريد أن أعرف شيئًا…”
ابتلعت هي جو ريقها بصعوبة وسألت بصوت مهتز.
“أين هو؟”
“.…..!”
توقف بارك دو جاي عن الحركة وحدّق في عينيها.
“أعلم أن ما أقوله يبدو كأنه هذيان مجنون، لكن هذا ما أشعر به. هذا مجرد إحساس، ولكنه قوي جدًا.”
“..….”
“في حياتنا، أحيانًا يكون علينا أن نطارد أشياء غير منطقية. بالنسبة لي، هذا هو الوقت الآن. أين هو؟”
“لا أعلم.”
أجاب بوجه جامد.
ثم أدار رأسه بعنف وكأنه يرفض الحديث أكثر، وأشار للحارس ليرافقه للخروج.
في تلك اللحظة، أمسكته هي جو من معصمه فجأة.
“كنت أنت من دفعني.”
“……!”
نظر إليها بارك دو جاي بوجه شاحب.
“كنت أنت من دفعني في ورشة العمل، أليس كذلك؟”
“..….!”
“هل تريد أن نتحدث عن ذلك أولًا؟”
ارتعشت عيناه بنظرة متوترة.
وبهذا التهديد الضمني، عاد وجلس على الكرسي.
لقد أصبح التهديد أسلوبًا اعتادت عليه هي جو، خاصة بعد شهر من التعلم المستمر على هذا النوع من الضغط.
“تبدو وكأنك تواجه صعوبات هنا.”
“……!”
“أجبني بصدق على أسئلتي.”
حدّقت هي جو في عينيه وقالت بحزم.
“حتى لو كانت عائلتي قد خسرت كل شيء، إلا أنني ما زلت الابنة الثانية لصحيفة سانكيونغ إلبو. ألا تعتقد أن نفوذي أقوى من رجل مسجون مثلك؟”
“.…..”
تبادل الاثنان نظرات مشحونة في الهواء، قبل أن تتنهد هي جو وتسترخي، وكتفاها يتدليان.
“لم أطلبك للحكم عليك الآن. كل ما أريده هو معرفة أي شيء قد يكون لديك عن بايك سا أون.”
قاطعتها كلماته فجأة.
“أختي الصغيرة اختفت عندما كنا أطفالًا.”
“..….!”
“تلك الحادثة دمّرت عائلتنا. كان ذلك في أواخر التسعينيات، عندما كانت حوادث اختفاء الأطفال في ذروتها. والدي ترك وظيفته وجاب البلاد بحثًا عنها.”
“……”
“في غضون ثلاث سنوات، انتقلنا من شقة متوسطة المساحة إلى منزل أصغر، ثم إلى شقة صغيرة مستأجرة، حتى انتهى بنا المطاف في شقة متهالكه.”
واصل صوته المظلم حديثه.
“أصيبت أمي بالاكتئاب ثم انهيار عصبي، وفي النهاية رحلت عنا.”
“..….”
“حينها قابلت الأستاذة سيم.”
“..….!”
“السبب الذي جعلني أظل بجانب المتحدث الرسمي كل هذا الوقت هو…”
نظر إليها بعينين فارغتين كأنهما فجوتان سوداوان.
“لأنني كنت أعتقد أن بايك سا أون هو من أذى أختي الصغيرة.”
“……!”
“بالطبع، كنت أعتقد أنه الشخص الذي كنت أعمل معه.”
رفع يديه المكبّلتين إلى وجهه ومسح عليهما.
“لم أكن أعلم أنه ليس هو.”
بدت ملامح وجهه الملتوية وكأنها مليئة بالعذاب.
“لقد كنت أساعد الجاني طوال الوقت.”
ضحكة جافة تسللت من بين شفتيه المتشققتين.
كل ما حدث―
دفع هي جو، إخفاء الهاتف المخصص للتفاوض في حقيبة الظهر، التلاعب بموقع المكالمات أو تدمير التسجيلات الصوتية―كان من تخطيطه.
لقد اصبح يشبه الأستاذة سيم وابنها دون أن يدرك ذلك.
ثم رفع كتفيه المثقلتين وتحدث بنبرة واضحة.
“إنه حي.”
اتسعت عينا هي جو.
“إذا كان هو الشخص الذي أعرفه، فهو على قيد الحياة.”
“……”
“ماذا؟ إلى جمهورية أرغان؟”
وضعت هونغ إينا يدها على خاصرتها وأطلقت ضحكة حادة.
“تلقيت اتصالًا من وزارة الخارجية. قالوا إن طلبًا للحصول على تصريح استثنائي لجواز السفر قد تم تقديمه. لكن الاسم كان هونغ هي جو. وسألوني إن كان الأمر يتعلق بجدول صحيفة سانكيونغ إلبو.”
لم تفعل هي جو سوى أن رفعت كتفيها بلا مبالاة، بينما كانت عيناها لا تزالان مثبتتين على كومة الملابس أمامها.
“فقط أريد الاستفادة من امتيازات عائلة الأثرياء في مثل هذه المواقف.”
“هل فقدتِ عقلكِ؟ بأي جرأة تذهبين إلى هناك؟ هل تعلمين ما الذي ينتظركِ هناك؟”
“……”
لم ترد هي جو واكتفت بطيّ ملابسها بصمت.
كان واضحًا أنه إذا كان بايك سا أون قد أخفى نفسه، فلن يكون سوى في جمهورية أرغان.
المكان الذي أدى فيه خدمته العسكرية، والبقعة التي كانت نقطة انطلاقه نحو مناطق الصراع الداخلي.
كانت عيون بارك دو جاي مليئة باليقين.
عندها، لم تتمالك إينا أعصابها، وأمسكت بذراع هي جو بعنف.
“استيقظي!”
“……”
“لا تخبريني أن كل هذا من أجل بايك سا أون؟”
نظرت هي جو إليها بهدوء، وملامح عناد لا يمكن كسره ارتسمت على وجهها.
عبست إينا وبدأت في جذب شعرها بغيظ.
“طلبت منكِ الانتظار قليلًا فقط! أنا أتحرى عن الأمر الآن. هناك بالتأكيد شيء مريب. فقط امنحيني المزيد من الوقت―”
“أختي.”
أمسكت هي جو بيد أختها المرتبكة وسحبتها بلطف.
“شكرًا لأنكِ سمحتِ لي بالهرب وقتها.”
“……!”
“وشكرًا لأنكِ أعطيتني فرصة للبقاء بجانب ذلك الرجل.”
ارتجفت عينا إينا عند سماع تلك الكلمات الهادئة، لكن العميقة.
“ولكن، إذا كنتِ تفعلين هذا بدافع الشعور بالذنب―”
شدّت هي جو على يد أختها بقوة.
“فقد حان الوقت لتتوقفي.”
“……!”
“لأني لم أخسر شيئًا.”
قالتها هي جو بابتسامة تعلو وجهها.
“أرجوكِ، إذا لم يكن الشعور بالذنب وحده هو ما يدفعكِ نحوي، فتظاهري بعدم معرفة أي شيء ودعيني أذهب.”
“…… أنتِ بهذا تذهبين للموت.”
“لا، بل أذهب للكلام.”
أدارت إينا رأسها لتخفي عينيها المحمرتين.
كانت أرغان بلدًا خطيرًا، ومع ذلك لم تستطع إيقاف هي جو.
شعرت أن الأمر ليس مختلفًا عما فعلته هي نفسها حين هربت بشراسة لتتجنب الزواج، وخاطرت بحياتها للخضوع لعملية طبية غير قانونية.
كانت إينا ترى دائمًا أن الأب اللامبالي وزوجة الأب المادية، بالإضافة إلى أنانيتها هي، يشكلون مزيجًا مثاليًا.
لكن الوحيدة التي بدت كأنها لا تنتمي لهذا الخليط كانت هي جو، الأخت الصغرى غير الشقيقة، التي كانت شفافة كالماء، واضحة في كل شيء.
تلك اليد الصغيرة التي مدت لها يد العون حين كانت لا تسمع شيئًا.
“على ما يبدو… كنت متأخرة جدًا، أليس كذلك؟”
تمتمت إينا بكلمات مبهمة وهي تحتضن هي جو.
شعرت وكأن هي جو قد سُلبت منها بالكامل لصالح بايك سا أون.
“كان عليّ أن أتزوج حينها، أليس كذلك؟”
“الآن لم يعد ذلك ممكنًا.”
ردت هي جو بحزم جعل إينا تمسح أنفها بغيظ دون سبب واضح.
***
أشعة شمس حارقة.
وراء المباني المدمرة، تلألأ بحر زمردي بارد.
سحبت هي جو الوشاح القديم الذي يغطي رأسها ليغطي أنفها حتى منتصف وجهها.
كانت الرمال المتطايرة مع نسيم البحر تتسلل إلى فمها أحيانًا، مما يزيد من شعورها بالعطش سريعًا.
لعقت شفتيها الجافتين وهي تسرع في خطاها.
كانت هذه البلاد الغريبة، حيث تمتزج السهول الواسعة مع الصحراء، جميلة في ظاهرها، لكنها عانت من الفوضى المستمرة لأكثر من عشرين عامًا.
أعلام ممزقة كانت ملقاة بشكل عشوائي على الأرض، والخيام المؤقتة المنتشرة هنا وهناك كانت قد تعرضت بالفعل للتلف.
تجاوزت هي جو كل هذا وهي تصعد تلة منخفضة مغطاة بالنباتات الكثيفة.
مركز فيبن الخاص لرعاية الأطفال.
عندما أسدلت الوشاح عن وجهها، لوّح لها طفل وهو يستخدم لغة الإشارة قائلاً.
‘معلمة!’
فردت بلغة الإشارة.
‘انحنوا بهدوء…!’
اقتربت سريعًا من أكثر من عشرة أطفال.
مرّ شهران منذ أن جاءت إلى جمهورية أرغان كمترجمة دولية متخصصة في لغة الإشارة.
كانت تعمل معلمة للصم في مركز رعاية للأطفال، حيث كانت تُعلّم لغة الإشارة.
“هي جو، بسرعة!”
نادت مديرة المركز بإنجليزية متكسرة وهي تلوّح لها بقلق.
وفقًا للمعلومات التي حصلت عليها المديرة، كان من المتوقع أن تندلع معركة شوارع هنا الليلة.
لذلك، كانوا يحاولون نقل الأطفال إلى خيمة الأمم المتحدة بأمان.
التعليقات لهذا الفصل " 65"