“أمي استغلت ابنتها لتقوية مكانتها، لكن أنا لا يحق لي أن أفعل شيئًا مشابهًا؟”
“…….”
“إذا كان الأمر كذلك، فليكن التعامل بيننا عادلًا!”
استفاقت أختها الكبرى، التي كانت تغفو بجانبها، على الصوت العالي وشعرت بالارتباك.
حاولت إينا التدخل لتهدئة الوضع بينهما، لكنها سرعان ما أدركت أن ذلك بلا جدوى.
كانت هي جو قد وصلت إلى حدود صبرها، ولم يكن غضبها هذا وليد اللحظة.
حتى إينا، التي عُرفت بهدوئها، شعرت للحظة وكأنها تحت وطأة هيبتها الغاضبة.
“أمي تكرهني، أليس كذلك؟”
“……!”
“كيف يمكن أن تحبي طفلة صنعتها من ماضٍ تكرهينه؟ من الطبيعي أنكِ كنتِ تجدين صعوبة في تحمّل رؤيتي أعيش طفولتي في قصر فاخر، أتناول أفضل الطعام، وأرتدي أجمل الملابس، وأنام في أروع الغرف.”
شحب وجه كيم يون هي بشكل ملحوظ.
“كلما عدتِ إلى المنزل بعد سماع أقاويل الناس عن ماضيكِ، كنتِ دائمًا تبحثين عني. تُمسكين بأي خطأ مهما كان تافهًا، وتسخرين مني بلا رحمة.”
“…….”
“كان عليكِ أن تشهدي المعاملة القاسية التي أتلقاها، فقط لتشعري ببعض الراحة. كنتُ أنا مصدر التسلية الوحيد لكِ في هذا الجو الجاف داخل عائلة الأثرياء.”
“……!”
“كنتِ تتمنين لي الشقاء، لأن وجودي كان يعكس كل ما فقدتِه، كل ما لم تحصلي عليه.”
اعتدلت هي جو في وقفتها، وألقت كلماتها الأخيرة بثقة.
“الحقيقة هي أنكِ لا تستطيعين العيش من دوني.”
لم تجد كيم يون هي ما تقوله؛ ظلت تحدق بها بعينين متسعتين دون أي رد.
“كفي عن استغلالي كقربان لتحافظي على وجودكِ.”
“أنتِ…….”
“لن أكون قربانكِ مرة أخرى.”
تراجعت هي جو خطوة للخلف، متعمدة خلق مسافة بينها وبين والدتها.
مدت كيم يون هي يدها بشكل غريزي لتستعيدها، لكن هي جو أبعدتها ببرود.
“سأقولها بوضوح، لم أعد بحاجة إليكِ.”
“……!”
“لن أحبكِ مجددًا.”
في تلك اللحظة، مرّ بخيالها مشهد صندوق الرماد الفارغ الذي لم تتمكن من ملئه.
“لأبدأ الحب، كان عليّ أن أتعلم كيف أضع حدًا لكل ما يضرني. لكن للأسف، أدركت ذلك متأخرًا.”
“يمكنني العيش الآن، بدونكِ.”
***
متى كانت آخر مرة فتحت فيها تلك الستائر الثقيلة؟
تساءلت هي جو وهي تشعر بخمول فكري يثقلها.
منذ انتهاء الجنازة، لم تغادر سرير زوجها قط.
كانت تغرق في النوم كل ليلة، معتقدة أن ما حدث كان مجرد كابوس، وأنها ستستيقظ لتجد كل شيء على حاله.
لم تشاهد الأخبار، ولم تتواصل مع أحد؛ فقط عاشت وكأنها ميتة.
لولا أختها التي كانت تأتي بين الحين والآخر بالطعام، لربما كانت هي جو قد ماتت جوعًا.
“هي جو، هل ستظلين مستلقية هكذا إلى الأبد؟”
“…….”
لم يكن الأمر يتعلق بحب عظيم شاركته مع بايك سا أون أو بعهود كبيرة، لكنها فقدت كل رغبة في الحياة.
كانت قد كافحت بشدة لتكون مختلفة عن والدها، لكن بمجرد أن استجمعت قواها، اكتشفت أنها أصبحت الشخص الذي كانت تهرب منه طوال الوقت.
كانت هي جو تتابع الغبار الذي يطفو في الهواء بنظرات شاردة، وهمست.
“لم أكن أرغب في الهروب من الزواج المدبر، بل في الحقيقة…”
“نعم؟”
“في الحقيقة، أعتقد أنني كنت أرغب فيه.”
“……!”
“على الأرجح كنت أرغب في ذلك. أعتقد أن هذا كان شعوري الحقيقي…”
تلك الكلمات التي كانت تبدو صعبة جدًا خرجت بهدوء.
بالنسبة لخسارة ذلك الشخص بالكامل، كانت تلك الكلمات مجرد تافهة.
كانت كلمات بسيطة للغاية، لكنها الآن شعرت وكأنها سم، ينتشر في جسدها.
“لكن بما أن أختي كانت مخطوبة له، كنت أخفي مشاعري بشدة. خشيت أن يتهموني بأنني أسعى وراء رجل آخر مثل والدتها… فقط كنت أخفي مشاعري.”
“…….”
“لهذا، في بعض الأحيان شعرت أنني أختنق.”
“……هل كان الأمر هكذا؟”
“نعم… كانت مراقبة نظرات الناس، وبلع مشاعري بقوة، أمرًا مملًا جدًا لدرجة أنني فكرت في بعض الأحيان في أن أختفي تمامًا. لكن في النهاية―”
توقفت هي جو عن الكلام للحظة.
كان من الصعب أن تكبت تلك الأحاسيس التي كانت تجتاحها.
“لقد اختفى ذلك الشخص.”
“…….”
“أختي كانت مخطئة. الشخص الذي تألم هو أنا، أما هو فقد أصبح مجرد قطرة ماء.”
غطت الوسادة بلطف بالدموع.
ربما كان السبب في أن والدها فقد عقله ليس خيانة الحب، بل ربما لأنه لم يبذل قصارى جهده.
حاول ألا يتألم بأقصى ما يستطيع…
لكن تلك الندمات بدأت تأكل روحه شيئًا فشيئًا.
ظل منظر ظهره الذي كان يتكرر كل ليلة ينتهي في النهاية بالكراهية الذاتية.
وكانت دوامة الندم تدور في رأسه دون أن تنطفئ، تدور في حلقاتها بلا توقف.
وكانت تلك الندمات تشرب دماءه.
“……!”
في تلك اللحظة، دخل الضوء فجأة. كانت أختها ترفع الستائر الثقيلة جانبًا.
أغمضت هي جو عينيها بسبب ضوء الشمس الساطع، وعبست.
“هل تودين الخروج معي؟”
“…….”
“الثلج يتساقط في الخارج، وأنتِ الآن في الثلاثين.”
“……!”
فجأة، رفعت هي جو وجهها من تحت الأغطية.
“أنا في الثلاثين؟”
“هاه؟ نعم، لقد مر العام.”
عند سماع تلك الكلمات، نهضت هي جو من السرير وكأنها دجاجة ميتة، ثم بدأت بتغيير ملابسها بسرعة، ملتقطة ما يلوح في يدها من أشياء.
كانت هونغ إينا مذهولة، غير قادرة على تصديق ما تراه.
“ماذا… ماذا تفعلين؟”
“قلت نخرج.”
“ماذا؟”
“أحذية جميلة وحقيبة.”
تمتمت هي جو بشكل آلي.
“يجب أن أشتريها.”
“ماذا؟”
تتبعت هونغ إينا هي جو بنظراتها، غير قادرة على فهم تصرفاتها السريعة.
***
هكذا، في سن الثلاثين، اشترت هي جو أحذية جميلة وحقيبة جديدة.
وبعد عشرة أيام، ذهبت إلى مركز رعاية الكلاب الضالة لتنظيف الأرضيات.
بعد قضاء اليوم كله في اللعب مع الجراء التي كانت تتعلق بها بلا توقف، شعرت بالتعب الشديد.
ومن بين تلك الجراء، كان هناك البعض الذي كان يحدق في النوافذ بجو من الحزن، مستسلمين تمامًا.
شعرت هي جو بشيء من الحزن تجاههم، فاقتربت منهم ومسحت على ظهورهم النحيلة.
وبعد عشرة أيام أخرى، قررت الذهاب إلى الكاريوكي حيث لم تترك المايكروفون من يدها. وفي لحظة غير متوقعة، تبعها أختها ومدير المركز هان جون، اللذان اكتفيا بالتصفيق وقرع الطبل بطريقة مترددة. وعندما صرخت بأعلى صوتها، شعرت بارتياح عميق.
مضت عشرة أيام أخرى.
ذهبت هي جو لزيارة فنان، وترك وجهها الكئيب أثرًا على اللوحة.
بينما كانت جالسة ساكنة، كان الألم في داخلها يزداد، ولكن عندما تسلمت اللوحة، اكتشفت أن الصورة كانت مختلفة تمامًا عن الحقيقة.
هل كان من الممكن أن يرغب بايك سا أون في رؤية هذه الصورة؟
فكرت في الأمر بسرعة.
ثم، بعد عشرة أيام أخرى، خرجت هي جو لتناول الطعام في الخارج. ولكن مرة أخرى، كان أختها ومدير المركز هان جون يرمقانها بنظرات متكررة، مما جعلها لا تستطيع أن تأكل بسلام.
في تلك الليلة، تقيأت كل الطعام.
ومرة أخرى، بعد عشرة أيام، بدأت في ممارسة الرياضة. بما أنه كان قد طلب منها ألا تمرض، قررت أولاً أن تخرج إلى الشمس.
عندما خرجت أمام منزلها وسارت في الحديقة، رأت هاتفًا عموميًا يتم هدمه. شعرت بشيء غريب وعادت بسرعة إلى منزلها.
ثم مرت عشرة أيام أخرى.
الآن، بدأت هي جو تبحث عن طريقة لعدم التفكير فيه.
لكن لا جدوى.
جربت كل ما قاله لها، ومع ذلك، لم تشعر بأي تحسن. لم يكن هناك حل بعد الآن.
***
“هل جاء أي عمل يا مدير المركز؟”
سألت هي جو بصوت هادئ وهي تدخل مركز الترجمة بلغة الإشارة بعد غياب طويل، بينما كان وجهها يبدو مرهقًا.
“عمل؟”
“لقد مر وقت طويل منذ آخر مرة عملت فيها.”
“همم…”
فرك مدير المركز هان جون حاجبيه في تفكير.
“لماذا؟”
“في الواقع، هناك شيء واحد، لكن… لست متأكدًا إذا كنت تستطيعين القيام به.”
“ماذا تعني بذلك؟ ألا تستطيع مترجمة الإشارة في المقر الرئاسي أن تقوم بأي شيء؟”
لعبت هي جو بأزهار الزينة الموضوعة على الطاولة، معبرة عن استيائها.
“لكن لم تفعلي الترجمة الصوتية من قبل. لا تزالين تشعرين بغرابة عند التحدث معي، أليس كذلك؟ ربما تحتاجين بعض الوقت للتأقلم.”
“لا داعي للقلق، كان لساني قد تحرر من التهديدات.”
“ماذا؟”
“نعم، كان ذلك.”
كانت إجابتها خالية من الحماسة أو التأثير، فتنهد مدير المركز بعمق قبل أن يحدق فيها وكأنما يريد اختبارها.
“حفل زفاف في قاعة ماريد. ترجمة كلمة الشكر من العروس.”
“……!”
“هل يمكنكِ فعل ذلك؟ إذا كان الأمر صعبًا يمكنكِ التخلي عنه.”
“لا، يمكنني فعله.”
أجابت هيجو بهدوء.
***
كانت القاعة المحاطة بالزهور جميلة جدًا.
كانت هذه المهمة ترجمة كلمة الشكر التي تلقيها العروس الصماء للحضور.
جلست هي جو في مكانها، مرتدية زيًا أنيقًا من قطعتين، بين الحضور في حفل الزفاف.
ظل وجهها خاليًا من التعبير بينما كانت تراقب مراسم الحفل دون أن تبتسم أو تظهر أي انفعال، فقط تتحقق من ساعتها بين الحين والآخر.
“الآن، في آخر فقرات الحفل، العروس ستلقي كلمة شكر لزوجها! نرجو من المترجمة أن تصعد إلى المسرح.”
أعلن المذيع عن آخر فقرات الحفل.
نهضت هي جو من مكانها وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تصعد.
رأت العروس ذات الفستان الأبيض تنظر إليها وتخفض رأسها قليلاً.
ثم، ركزت هي جو انتباهها على العروس التي أمسكت بالميكروفون وبدأت في الترجمة بلغة الإشارة.
“إلى زوجي الحبيب.”
كانت تلك هي أول تجربة لها في الترجمة الصوتية.
رغم أن صوتها كان يرتجف قليلاً، إلا أن نغمته الرفيعة كانت تتدفق بثبات.
لم ترفع عينيها عن يدي العروس.
“لقد مر وقت طويل منذ أن التقينا لأول مرة. في البداية كنت لا أملك شيئًا، أما الآن فأنا موظفة وأتقاضى راتبًا.”
في زاوية القاعة كان هان جون، الذي جاء دون دعوة، يرتدي نظارات شمسية، يراقبها وهو يعبس حاجبيه بقلق.
أول ترجمة صوتية لها، كيف يمكن أن تفوت؟!
كان هذا هو اللحظة التي ستصبح فيها مترجمة الإشارة كاملة، لكنه لم يشعر بأي فرح، بل كان القلق يعصر قلبه.
“في الحقيقة، لدي الكثير من الامتنان لك يا حبيبي، لكنني كنت باردة في التعبير عن مشاعري. لهذا، أردت أن أستخدم هذه اللحظة لأعبر عن ما في قلبي.”
كان وجهه يعكس التوتر والجدية.
“شكرًا لك لأنك دائمًا تحبني وتحملني.”
بدأ صوت هي جو في الاهتزاز.
“أنت تحتضنني أعمق من والدي، وعندما تحتضنني، أشعر وكأنني ولدت من جديد.”
ولكن، فجأة، توقف صوتها.
كانت هي جو قد أغلقت شفتيها بإحكام بينما كانت تترجم، وبدأ الحضور في التململ.
لكن بمجرد أن التقت عيينها بعيني العروس، تمكنت أخيرًا من السيطرة على نفسها.
“أشعر بالأمان.”
كان يدها التي تمسك بالميكروفون ترتجف، وكان هذا واضحًا للجميع.
فرك هان جون خده وهو يتنهد. هذا لم يكن مجرد توتر من أول ترجمة صوتية.
كانت تلك هي… هي جو.
“أحيانًا أشكرك لأنك تؤنبني. بفضلك أصبحت شخصًا أفضل.”
ثم، توقف صوتها مجددًا.
كانت هي جو تكاد تبكي بينما كانت تشد على شفتيها بإحكام.
“شخصًا أفضل…”
في تلك اللحظة، لاحظت العروس أن هي جو بدأت تبكي، فبدأت هي الأخرى في محاولة للسيطرة على دموعها.
ضحك الحضور بسبب رؤية المترجمة تبكي أولًا، لكن هان جون لم يستطع الضحك.
التعليقات لهذا الفصل " 63"