‘―عشِ حياتك بحرية طوال عمركِ، لكن حينها فقط تذكريني ولو قليلاً.’
كانت هي جو تحاول القيام بالغسيل المتأخر، لكنها ألقت بالملابس جانبًا ونهضت فجأة.
رغم أن أسلوبه كان دائمًا غامضًا وصعب الفهم، إلا أنها شعرت بأنها لا تستطيع تجاهل الإشارات هذه المرة.
كان اندفاعها للخروج تصرفًا غريزيًا. لم يكن لديها وقت لإعادة التفكير في الجروح القديمة.
‘لا يمكن أن ينتهي الأمر هكذا…!’
بينما كانت تبحث عن معطفها ومفاتيح السيارة، رن هاتفها فجأة.
فحصت الشاشة، وبمجرد أن أجابت، صرخت أختها في الطرف الآخر:
―أين أنت؟! هل أنتِ بالقرب من المتحف التذكاري؟
أجابت هي جو “لا” وهي تنقر مرتين على الشاشة.
عندها، خفضت أختها صوتها فجأة وترددت قليلاً.
—……هل قرأتِ الخبر؟
تذكرت هي جو أن أختها كانت أول من نشر مقالًا حصريًا.
―حاولتُ معرفة من تكون المرأة الأخرى… لكن لم أتمكن من ذلك.
“…….”
―في الأصل، كان التسجيل الصوتي مقطوعًا بالكامل من جهة صوت المرأة.
أخذت هونغ إينا تلهث قليلاً بسبب انفعالها.
―هل يحاولون حماية المرأة أم ماذا؟
لم تستطع أختها إخفاء غضبها، وقالت بصوت مفعم بالاستياء.
―كان يجب عليّ إنهاء هذا الزواج منذ البداية…!
أضافت محذرة بقلق.
―لا تأتي إلى هنا بأي حال من الأحوال، ابقي في المنزل اليوم…! المكان هنا مزدحم جدًا بالصحفيين، بالكاد يمكن التحرك، وهذا يثير الريبة.
كان صوت أختها يحمل شيئًا من الاستعجال المقلق.
―هاه… لماذا أشعر بهذا الشعور السيئ؟
بدت وكأنها تركض من مكان إلى آخر، إذ كان صوت أنفاسها يتسارع.
―أين بالضبط بايك سا أون الآن؟ كلنا هنا، فمن هم هؤلاء الصحفيون الذين يعقد معهم البث المباشر؟
جمعت هي جو معطفها على عجل وخرجت إلى غرفة المعيشة.
―يا إلهي… هل تصرفت باندفاع شديد؟ هاه، أنا حقًا أفقد عقلي. ماذا يحدث بالضبط؟
أبعدت هونغ إينا الهاتف قليلًا لتلتقط أنفاسها، لكنها فجأة سألت بصوت جدي.
―هي جو، هل تصرف بايك سا أون بغرابة مؤخرًا؟
ردت هي جو بسرعة وهي تنقر على الشاشة لتظهر استعجالها، فترددت أختها قليلاً قبل أن تطلق تنهيدة طويلة.
―أنا آسفة… في الواقع، المقال عن الخيانة… كتبناه بناءً على معلومات قدمها زوجكِ.
“……!”
ماذا؟
من الذي… أبلغ عن ذلك؟
―لكن عندما فكرت في الأمر، بدا غريبًا. لماذا يقوم بايك سا أون بتصرف يضر بسمعته؟ إنه ليس من هذا النوع أبدًا.
كانت هي جو تقف مذهولة، وكأنها تحت تأثير شيء غريب، قبل أن تشغل التلفاز دون وعي.
―حتى مع وجود مؤتمر صحفي، لم يُسمح للصحفيين بالدخول…! نحن عالقون هنا في قاعة العرض. فما هذا البث المباشر؟
نظرت هونغ إينا حولها إلى زملائها الذين كانوا يتهامسون في توتر.
―هل لاحظتِ أي شيء غريب في المنزل؟
في تلك اللحظة، توقفت عينا هي جو على شاشة التلفاز وتجمّدتا هناك.
『الشخص المعني ليست عشيقة. لم أُخلّ يومًا بواجبي أو إخلاصي الزوجي. مجرد هذا الافتراض بحد ذاته يزعجني.』
كان من الواضح أن هذا التبرير كاذب، وشعرت هي جو بغصة حارقة في صدرها.
『زوجتي هي صاحبة رقم 406 المذكور في التسجيل الصوتي.』
“……!”
ماذا؟
ماذا قال للتو؟
406 هي… زوجته؟
هل كان يعلم ذلك؟
منذ متى؟
بقيت هي جو متيبسة، غير قادرة حتى على أن ترمش بعينيها. شعرت فجأة أنها بحاجة ماسة لرؤيته الآن.
عليها أن تواجهه مجددًا…!
هل يعقل أنه كان يعرف كل شيء طوال الوقت؟
هل كان يدرك كل شيء ورغم ذلك أجرى تلك المكالمة معي؟
بدأت يداها تتحركان بجنون بحثًا عن مفاتيح السيارة.
『أنا لست ابن المرشح بايك يو يونغ. لست حفيد بايك جانغ هو. أنا الابن غير الشرعي للنائب الراحل بايك جانغ هو، الذي احضره عندما كان في السبعين من عمره.』
ظل صوته هادئًا وواثقًا كالعادة.
عندها توقفت يدها التي كانت تعبث بدرج المكتب.
طرفت عيناها ببطء وهي في حالة من الصدمة.
『قد تثير خلفيتي تساؤلات أخرى، ولكن الشيء الوحيد الذي يمكنني تأكيده هو أمر واحد فقط.』
“…….”
『أنا زوج امرأة واحدة. وهذا هو الاسم والمكانة الوحيدة التي صنعتها بنفسي.』
انحنت هي جو لتبحث عن مفاتيح السيارة، لكنها توقفت في مكانها.
في لحظة، غطى الضباب عينيها وأصبحت رؤيتها مشوشة بالكامل.
يدٌ فقدت السيطرة على نفسها، تلتقط أشياء لا فائدة منها لتسقطها مرارًا وتكرارًا.
『إذا أصبحت “بايك” أخيرًا―』
“……!”
اتسعت عيناها فجأة، كان ذلك شيفرة سرية بينهما، رسالة خاصة موجهة إلى هي جو وحدها.
『ابحثي عني.』
في تلك اللحظة، انقطع البث المباشر فجأة.
“……!”
شعرت ساقاها بالتخاذل وفقدت قوتهما.
كان شعورًا مشؤومًا يسيطر عليها.
أرادت الذهاب إليه على الفور.
لم يسبق أن تمكنا من تبادل الكلمات المهمة بينهما.
لم يقولوا لبعضهم أي شيء حقيقي.
كانت تختبئ خلف مخاوفها، تزن الأمور بخوف وجبن، غير قادرة على الاعتراف بأي شيء.
هل كان يشعر بالخوف مثلها؟
هل كان ما يخيفه هو الحب؟
في اللحظة التي التقطت فيها مفاتيح السيارة، أبصرت من خلال النافذة الكبيرة مشهدًا مروعًا.
في السماء الزرقاء، تصاعدت أعمدة دخان سوداء بشكل هائل ومفاجئ.
‘أين هذا المكان…؟’
تساءلت بعقل شارد.
‘أين هو بايك سا أون الآن؟’
وفي الوقت ذاته، سمعت عبر الهاتف صراخ أختها المتقطع، يصدم أذنيها كالصاعقة.
—انفجر…! لقد انفجر المتحف التذكاري…!
『انفجار في متحف بايك جانغ هو التذكاري، التحقيق جارٍ (عاجل)』
『حادث أم هجوم إرهابي؟ انفجار خط أنابيب الغاز (عاجل)』
كانت الأخبار العاجلة تظهر على شاشة هاتفها طوال الطريق وهي في التاكسي.
كانت أصابع هي جو ترتعش وكأنها لا تصدق ما تقرأه.
شفاهها التي أصبحت ممزقة بسبب القلق ووجهها الشاحب، لم يعد يبدو وكأنه ينتمي لعالم الأحياء.
“هاه…!”
كانت تحاول الاتصال ببايك سا أون مرارًا وتكرارًا، لكن دون جدوى.
عندما وصلت أخيرًا، كان مشهد المتحف التذكاري أشبه بجحيم على الأرض.
سيارات الإسعاف، رجال الإطفاء، والشرطة قد احتشدوا في المكان.
أما الصحفيون، فقد تكدسوا خلف شريط أصفر يحظر الدخول، يتحدثون بصوت عالٍ في مكالمات هاتفية.
كان أحد جدران المبنى قد انهار بالكامل، بينما ظهرت الهياكل الحديدية المنحنية كأنها عظام مكشوفة.
وكان الغبار يسقط من حين لآخر على شكل كتل كثيفة، مما جعل أصوات السعال تتردد في الأرجاء.
شعرت هي جو بدوار شديد بسبب الرائحة الكريهة للغاز المنتشر في الهواء.
“لا يمكنكِ الدخول! تراجعي إلى الخلف!”
صرخ أحد رجال الشرطة وهو يمنعها من التقدم.
“أنا… فقط…”
تمتمت هي جو بصوت متهدج، وهي تخطو خطوات مترددة إلى الأمام.
“قد تحدث انفجارات إضافية أو انهيارات ثانوية! الوضع تحت التحقق الآن، لذا يُرجى الالتزام بالتعليمات!”
قال الشرطي بحزم، بينما بقيت هي جو عاجزة عن الحركة، وعيناها مشدودتان إلى الأنقاض.
عضَّت هي جو شفتيها وهي مضطرة للتراجع بضع خطوات إلى الخلف.
‘أين يمكن أن يكون الآن…؟!’
رغم دفعها وسط الحشد المتزايد، استمرت في الدوران حول سيارات الإسعاف بلا توقف، وكأن قلبها لن يهدأ إلا برؤيته.
‘أرجوك، أرجوك كن بخير…’
عيناها تائهتان بين الغبار المتصاعد، تبحث بلا جدوى وكأنها طفلة ضائعة.
إلى أين يجب أن أذهب الآن؟
إلى أين يمكن أن أذهب؟
المبنى المهدم أمامها بدا مشوهًا بالكامل، فقد هيبته السابقة إلى الأبد، فيما كان الدخان الرمادي لا يزال يغطي السماء بشكل كثيف.
في تلك اللحظة، رأت وجهًا مألوفًا يلوح من بعيد.
“……!”
مدّت عنقها، تتبع ذلك الظل المألوف، بينما تتسلل بخفة بين الحشود.
كان ذلك وجه حماتها، سيم كيو جين.
وقفت الحماة محدقة بشكل شارد إلى المبنى المنهار، بينما غطى الغبار الكثيف شعرها وكتفيها بالكامل.
ركضت هي جو نحوها، مما جعل سيم كيو جين تلتفت ببطء إلى مصدر الحركة.
“عزيزتي—”
عيناها كانتا محمرتين من الدموع والغبار.
ما هذا…؟ ما الذي يحدث هنا؟!
بدا وجهها وكأنها على وشك الانفجار بالبكاء.
عجزت هي جو عن الكلام، وقفت متجمدة دون أن تعرف كيف تبدأ أو ماذا تقول.
كيف يمكنها أن تشرح أن المختطف الحقيقي كان بايك سا أون الحقيقي، وأن الرجل الذي عاش باسمه طوال الوقت لم يكن سوى الابن غير الشرعي لبايك جانغ هو؟
كان عقلها مثقلاً بالتساؤلات.
كيف يمكنني مواجهة حماتي الآن؟
في تلك اللحظة، همست سيم كيو جين بصوت مضطرب.
“أم أنه… كان زوجكِ من البداية؟”
“……!”
ارتعشت شفتيها، وكانت ملامحها تحمل ارتباكًا غريبًا.
مدّت يدها بسرعة وأمسكت بمعصم هي جو بقوة.
“هاه…!”
كانت قوة قبضتها شديدة.
احتضنت سيم كيو جين كنّتها بقوة، ودفنت وجهها في كتفها.
“عزيزتي، أهم شيء في المفاوضات هو الصبر. هذا ما تعلمته، وهذا ما درّسته طوال حياتي. لذا، قررت أن أعيش بخضوع وصمت.”
كان صوتها البارد يطعن كالسيف.
“حتى أتمكن من إقامة أكثر الجنازات صخبًا لابني في هذا العالم.”
“……!”
“صبرت، وتحملت…”
بدت كتفاها ترتجفان وكأنها تبكي، لكن هي جو عرفت الحقيقة.
كانت سيم كيو جين تحاول كتم ضحكة هستيرية، وارتعاش جسدها كان يشي بذلك.
“الآن، سيعرف الجميع بموت بايك سا أون.”
“……!”
“سيعرف الجميع أن ابني قد مات.”
كان صوتها مليئًا بحقد دفين، لكنه بدا أيضًا فارغًا وقاسيًا بشكل لا يُطاق.
“لذا، سأستعيد الآن الهاتف المستخدم في المفاوضات.”
همست تلك الكلمات على مقربة من أذنها، مما جعل هي جو تشعر وكأنها حيوان محاصر وقع في مصيدة.
“أوه… أوه…”
التفت عنقها المتصلب ببطء، كأنه خشب ملتوي، لترى عيني حماتها الباردة والهادئة.
“هيا، أعطني إياه بسرعة.”
دست سيم كيو جين يدها فجأة في جيب معطف هي جو، وبحركة حاسمة أخرجت الهاتف المستخدم في المفاوضات.
“أم… أمي…”
حاولت هي جو الكلام، لكن الكلمات خرجت فارغة، شفتيها تتحركان بلا جدوى.
بدأت سيم كيو جين تتفحص الهاتف بعناية، أصابعها تلامسه وكأنها تحاول فهم كل ما حدث من خلاله.
كانت ملامحها خالية من التعبير، لكنها حملت مزيجًا مربكًا من البرود والحزن.
“يا لغبائكِ.”
تمتمت بتلك العبارة بصوت منخفض.
ثم استدعت الذكرى التي لم تُفارق ذهنها منذ سنوات.
ذلك اليوم الذي قابلت فيه ابنها، الذي كانت تظن أنه مات منذ زمن طويل، داخل السجن.
كان ذلك بسبب مكالمات متكررة ومزعجة كانت تصل إلى الشركة.
لكن فرحتها برؤية ابنها كانت قصيرة.
ابنها الحقيقي، الذي كان يقضي عقوبته بسبب سلسلة من الجرائم، بما في ذلك الاعتداء والشروع في القتل.
ابنها الذي تفوح من أظافره رائحة العفن والدم.
عندما استعاد ذاكرته فجأة وأخذ يصرخ.
أمي، أمي—!
وهو يبكي كطفل صغير، لم تستطع سيم كيو جين إلا أن تعبس قليلًا أمام ذلك المشهد.
التعليقات لهذا الفصل " 61"