الأشياء التي تنتهي صلاحيتها تفسد بلا شك.
ولا يمكن أن يكون الاسم استثناءً لهذه القاعدة.
عندما عاش بايك سا أون تحت عباءة اسم طفل ميت، بدأ بالتعفن داخليًا يومًا بعد يوم.
ومع ذلك، كان يتعلم ويكتسب المهارات بشكل يائس كي لا يكتشف بايك جانغ هو ذلك.
كان عقله مشغولًا بخيارين فقط، الغرق في قاع النهر أو البقاء حيًا.
ولكي لا يغرق، كان دائمًا يقف على أطراف قدميه ويرفع ذقنه عاليًا.
هكذا كان عليه أن يتحمل يومًا بعد يوم وهو يتراكم عليه كعبء ثقيل.
نتيجة لذلك، تعلم كيف يبتسم بشكل مقبول وكيف يرد بطريقة مناسبة.
“الفتاة التي ستتزوجها لاحقًا هي الابنة الكبرى لتلك العائلة. لذا، من الأفضل أن تحاول كسب ودها منذ الآن.”
“حسنًا.”
شعر بالغثيان داخليًا لكنه اعتاد ضبط نفسه جيدًا.
حتى دور الحفيد لم يكن كافيًا، والآن عليه التفكير في المستقبل أيضًا…
كان قيدًا لا نهاية له.
عند مشاهدة والديه بالتبني وهما يمزقان بعضهما كل ليلة، بدا الزواج مجرد واجهة زائفة، أشبه بنافذة عرض.
عمل، مكاسب، سجن، عقود، أوراق…
اتحاد بلا معنى، بلا مشاعر.
هذا العالم كان مليئًا فقط بالقذارة والتفاهة.
بمرور الوقت، بدأت ملامح الملل، التي لا تتناسب مع عمره، تكسو وجه الصبي كأنها طحلب ينمو عليه.
وفي أحد الأيام، حدث أن استرق السمع لمكالمة بايك جانغ هو بالصدفة.
“… أغلقوا ذلك المرسى.”
“……!”
كان ينزل السلم لكنه توقف فجأة.
“لم يعد هناك أدلة لنتخلص منها، ولا أحد يعيش هناك. أعدوا المكان ليصبح ملكية خاصة مجددًا. بالمناسبة، ألم يتم العثور على سانغ هون بعد؟”
سانغ هون؟ كان الحارس الصامت للمرسى.
“هاه… دعه وشأنه، إنه شخص ترك حتى أصابعه وراءه. ربما وجد امرأة تروقه في مكان ما. أوقفوا البحث عنه، هذا يكفي.”
تزلزلت نظرات الصبي.
مع دخوله سن المراهقة، بدأت مشاعره أحيانًا تفقد السيطرة، وكان هذا اليوم أحد تلك الأيام.
لكن لماذا شعر الآن بغصة لا تُحتمل؟
كأن صدره كان يُسحق تحت وطأة شيء ثقيل، ركض فورًا خارج المنزل عبر الباب الخلفي.
ركض دون أن يعرف إلى أين، فقط حيث تقوده قدماه، وحيث تذهب عيناه. إلى الأماكن التي يعرفها، الطرق المظلمة والرطبة.
كان يتحرك كأنه يبحث عن ملاذه الأول، عن الظل الذي يخفيه.
ثم جاءه الإدراك فجأة.
“كنت أعرف أنني سأعود يومًا ما.”
كانت دقات قلبه العنيفة تصم أذنيه.
كان هناك يقين غامض، شعور بأن عليه أن يعود إلى هناك يومًا ما.
نعم، العودة إلى موطنه. المكان الذي عاشت فيه “أنا” الحقيقية.
لكن، لم يعد هناك مكان للعودة إليه.
حين فكّر في اختفاء المكان والأشخاص وكل شيء كان يربطه بالماضي، شعر بفراغ غريب في داخله، وكأن جوفه قد صار فارغًا تمامًا.
آنذاك فقط أدرك حقيقة القشرة التي كان يختبئ خلفها.
كل شيء مزيف.
كل شيء كان مسرحية.
الثلاث سنوات الماضية، التي كانت أشبه بقيود تكبّله، اندفعت إلى ذاكرته كأنها انهيار جارف.
كان يريد الصراخ بأعلى صوته حتى تكاد الأوردة في رقبته تنفجر، لكن كل ما استطاع فعله هو قبض يديه بإحكام.
داخله يغلي غضبًا، وجفناه من الداخل كانا يشتعلان ببرودة شتوية.
لم يكن يعرف كيف يتعامل مع تلك المشاعر المتضاربة التي تخنقه، فوقف بلا حول ولا قوة.
وفي تلك اللحظة،
“……!”
التقت عيناه بشخص اقترب منه بصمت تام.
كان طفلًا صغيرًا بالكاد يصل طوله إلى خصره. عيناه كبيرتان ومستديرتان كعيني أرنب.
بدا بريئًا لدرجة جعلته يتساءل إن كان يستطيع حتى قراءة الأحرف.
وجنتاه حمراوان كأن شخصًا لوّنهما بعناية باستخدام قلم شمع.
شعره القصير، الذي كان متناثرًا على قمة رأسه كأنه مشحون بالكهرباء الساكنة، زاد من غرابة مظهره.
‘هل هذا طفل حقًا؟ أم أنه دمية؟’
في تلك اللحظة، استرخى التوتر الذي كان ينهش جسده، وخرجت أنفاسه المكبوتة دفعة واحدة.
بمجرد أن أدرك أن من يقف أمامه ليس إلا طفلًا صغيرًا، انهارت مشاعره تمامًا.
استند بايك سا أون على الحائط وهو يلهث لاستجماع أنفاسه.
“ه، هل أنت بخير؟ هل تشعر بالألم؟”
“…….”
ربما لأن هذا الشيء الصغير والناعم كان مختلفًا عنه تمامًا.
تملّكته مشاعر قذرة وبائسة.
كان قد تحمّل كل شيء بصعوبة حتى الآن، لكن…
في تلك اللحظة، شعر بشيء حار يوشك أن ينفجر من داخله. على الفور، رفع يده ليغطي عيني الطفل.
لم يكن على أحد أن يرى هذا المشهد.
كان ذلك فعلًا غريزيًا للدفاع عن النفس.
“هاه…!”
“……”
“هاه…”
“هذا الطفل من أي منزل؟ كيف يمكنني أن أسكت فمه؟”
رغم ذلك، بينما كان يضغط على حلقه بكل قوته—
“السنجاب الصغير لا يستطيع أن يذهب للحمام…”
“……”
“أنا لا أحب الجوز، أنا أحب العنب…”
“……”
“عنب، عنب، عنب أخضر…”
“……”
“أمسك ببطني واضغط…”
“……”
في لحظة، انفجرت الأشياء السوداء واللزجة التي كانت تسد حلقه.
ما هذا؟
الصوت الصافي الذي كان مثل اللؤلؤ حفز أعصابه.
نقاء لم يختبره طوال حياته. لكنه كان مخيفًا مثل الجثث.
انسحب الفتى غريزيًا . كان تنفسه الهارب يثير حكة في حلقه، وكانت أضلاعه مشدودة بطريقة غريبة.
لم يكن الفتى يعي أن تلك كانت محاولة للراحة.
***
“هذا الأخ ليس بايك سا أون.”
“……!”
“وجهه مختلف، جدي. وجهه ليس كما كان في الحديقة عندما رأيته من قبل…”
عندما أشارت الفتاة، التي كانت مخطوبة، إلى الفتى بإصبعها، اقترب بايك جانغ هو مبتسمًا بسخرية.
أمسك بيده العجوزة، وكانت المفاصل البارزة على ظهر اليد واضحة.
كان وجه بايك سا أون خاليًا من التعبير، لكن عضلات رقبته اهتزت للحظة.
ثم انقلبت السيارة التي كانت تحمل الفتاة.
كان حادثًا مروريًا ضخمًا أدى إلى مقتل الشقيق والمربية، وتعرضت الابنتان للإصابة.
أعلن بايك جانغ هو الخبر بينما كان يقلب الصحيفة على طاولة الإفطار.
“كان يجب عليك أن تكون حذرًا في كلامك.”
“هل الابنتان خير؟”
سأل بايك سا أون دون أن يقصد، فالتقت نظرته بنظرة جده التي كانت ثابتة عليه.
“خطيبتك أصيبت في أذنها، وقالوا إنه من المحتمل أن تفقد السمع تمامًا.”
لم يكن اهتمامه منصبًا على الابنة الكبرى.
لكن الفتى الذي كان بارعًا في إخفاء مشاعره لم يسأل مجددًا.
كان يفكر في أن إصابة الأذن التي تمنعه من السمع تعني أنه من غير المحتمل أن ينجو الثاني أيضًا. شعر بشد في رقبته.
“في النهاية، كان هذا أمرًا جيدًا. رئيس هونغ سيكون ممتنًا لنا لأننا قبلنا ابنته المعاقة.”
كانت كلمات غير مبالية.
“ولادتك أيضًا لم تكن مشرفة للغاية، لذلك قُبلنا لزوجة ناقصة ليس خسارة على الإطلاق. بل بالعكس، نحن من في دين لهم، وهذا يكفي.”
منذ ذلك اليوم، أصبح الفتى يواجه الكوابيس بشكل متكرر ويستيقظ منها.
كان بايك جانغ هو يمارس سلطته المطلقة، بلا رحمة.
“تبا… بايك جانغ هو.”
كان ظهره المبلل بالعرق البارد بعد أن استفاق فجأة.
رغم أنه كان مجرد حلم، شعر كما لو أن رائحة السمك العفنة كانت قد التصقت في مجرى أنفه.
“هاه…”
العالم مكون من الماء.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن جسم الإنسان يتكون من 70% من الماء.
كان الأمر مروعًا.
فجأة، شعر كما لو أن عنقه كان يضيق، وكان تنفسه يزداد صعوبة. لكن في الظلام الكثيف، أضاء ضوء واحد فجأة.
“.…..!”
كان من الجيران.
ربما كان ذلك من تلك اللحظة. بدأ ضوء يشبه منارة يضيء الفتى المرهق من كوابيسه.
“.…..”
سمع أن الأخت الكبرى أصيبت في أذنها، وأن الأخت الصغرى لا تستطيع التحدث.
اليوم أيضًا، جلس بايك سا أون في الظلام وحده، يستمتع بذلك الضوء.
في وقت نوم الجميع، كان يضيء الضوء في السر، ويعمل بيديه بجد.
“… هونغ هي جو.”
نطق باسمها بلامبالاة.
في البداية، لم يكن يعرف ما الذي ستقوله تلك الفتاة أو كيف ستتصرف، فظل يراقبها عن كثب.
كان يعتقد أنه يجب عليه إخماد حماستها في كل اجتماع اجتماعي يشارك فيه.
لكن قبضته على يده كانت صغيرة جدًا وطرية، فاختفى عزمه.
وبعد الحادث، أصبح كل شيء عديم الفائدة.
قالوا إنهت أصيبت بالتهاب في الحنجرة بسبب الصدمة من الحادث؟
“.…..”
فجأة، عبس بين حاجبيه دون أن يدرك.
عندما كان يعاني من كوابيس ويقض معظم وقته، كان يراها تمارس لغة الإشارة حتى الفجر، ثم يغفو من جديد.
استمرت تلك الحياة حتى قبل التحاقه بالجيش.
ربما بسبب عدم قدرتها على الكلام، كانت تلك الفتاة مختلفة عن الآخرين؛ كانت صامتة، لا تخرج منها أي كلمات مؤذية.
عندما كان يحدق في صورتها المنعكسة على نافذة، كانت تبدو وكأنها سمكة استوائية صغيرة في حوض مائي، تتحرك بلطف في الماء.
‘من المؤكد أن الماء يتلاطم داخل جسدها.”‘
رغم أنها لا تستطيع الكلام، كانت قطرات الماء تتناثر من أطراف أصابعها، مما أثر فيه بشدة.
كنت أخاف من الماء وأكرهه، لكن ماء هونغ هيج و… ماءها كان إرادة وحياة، إشارة على أنها على قيد الحياة.
في النهاية، أصبح صمتها هو الصوت الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة له، الذي كان قد مل من كل شيء في هذا العالم.
“إذا نمت مبكرًا، ستكبر بسرعة.”
تمتم بايك سا أون وهو يضع يديه خلف رأسه ويتنهد.
كانت هي تنمو باستمرار، على عكسه. كان ذلك شيء رائع بالنسبة له.
***
كان الفتى يكبر أيضًا مع مرور الوقت، ولكن نظره كان دائمًا كما هو، يراقب الفتاة وهي تكبر.
لم يكن يشعر بالملل من ذلك، بل كان يراه هوايته الوحيدة.
كان يستمتع بملاحظة الفروق بين الأمس واليوم في تطور هونغ هي جو.
بدلاً من الانغماس في حياته التي كانت مجرد قشرة، كان يفضل مشاهدة هي جو لأنها كانت تمنحه الراحة، وكان يرى في ذلك شيئًا ذا قيمة.
“لا تغفِ.”
صرخ وهو يضرب الطاولة، موجهًا نظره نحو هونغ إينا.
“أختكِ الصغرى تبقى مستيقظة، فلماذا أنتِ تغفين؟”
على الرغم من أن خطيبته كانت هونغ إينا، إلا أنه لم يكن يعجبه شيء فيها.
عندما كان يعبس جبينه ويكمل تصحيح الأسئلة بدون مشاعر، شعر فجأة أن الغرفة أصبحت هادئة بشكل غريب. عندما رفع عينيه…
“…….”
ماذا كان هذا؟
مال رأسه.
كان رأس هونغ إينا تسقط بلا قوة، وكانت هي جو الصغيرة ترفعها بكلتا يديها.
نظرت الفتاة إليه بنظرة يائسة.
هل تطلب مساعدته؟
“…….”
كان بإمكانه أن يضرب رأسها ليوقظها فقط. وضع ذقنه ببطء على يده.
هل تلك حقًا إنسانة؟ الأشخاص الذين يعرفهم هم فقط العجوز بايك سا أون، والعمّ بايك يو يونغ، وزوجته…
ارتجفت حاجباه.
كانت هي جو تحاول جاهدة أن لا تلمس وجه أختها الزجاجي البارد، محشورة يدها الصغيرة بينها.
نظر إليها بشدة، وكانت يدها الصغيرة كما لو أنها بلا حياة، مثل ورقة شجرة خريفية.
“مسكينة… تفتقدين للكثير.”
همس وهو يضرب اختبارها بعلامة حمراء. ثم، ضرب رأس هونغ إينا بحركة مفاجئة بقوة.
التعليقات لهذا الفصل " 58"