“بارك دو جاي، منذ أيام الجامعة في كوريا وأنت دائمًا ما تتواجد في كل مكان أتواجد فيه؛ في المحاضرات، المؤتمرات، الأنشطة الخارجية، وكل ما يلامس نطاقي.”
تغيرت نبرة بايك سا أون فجأة من الرسمية إلى غير الرسمية، مما جعل عيون مساعده تتسع دهشة.
“هل تعرف لماذا اخترتك لتكون مساعدي المباشر؟”
“…….”
“لأنني أريد أن أتحكم حتى في الأمور التي تحدث خلف ظهري.”
“……!”
بدأت ملامح بارك دو جاي المتوترة تتصلب تدريجيًا، لكن بايك سا أون لم يعر ذلك اهتمامًا، وبدأ يعدل من هندامه بهدوء.
لامس طرف أكمامه ورتب ربطة عنقه قبل أن يثبت نظره على مساعده.
“اترك هذا لي. اذهب إلى قاعة العرض وسيطر على الصحفيين هناك. وبالمناسبة، شاهد فيلم وثائقي بايك جانغ هو أيضًا.”
“……عذرًا؟”
“لقد بذلت قصارى جهدك حتى الآن.”
صعد بايك سا أون السلالم بخطوات ثابتة إلى المنصة، تاركًا بارك دو جاي يقف مكانه ممسكًا قبضته بإحكام، ينظر إليه بغضب قبل أن يختفي عن الأنظار خارج القاعة.
اليوم كان موعد العرض الخاص لفيلم وثائقي عن الراحل بايك جانغ هو.
حدثٌ كان من المفترض أن يسلط الضوء على إنجازات بايك جانغ هو للمرة الأولى في عرض رسمي أمام وسائل الإعلام.
لكن بايك سا أون تعمد أن يتزامن موعد المؤتمر الصحفي مع موعد عرض الوثائقي، مما تسبب في ازدحام القاعة بصحفيي الأقسام السياسية، الثقافية، والاجتماعية.
“لقد وصل المتحدث الرسمي!”
انبثقت وميض الكاميرات كاللهب، أعمت عينيه للحظة، لكنه ظل محافظًا على وجهه الخالي من التعبير.
عقله، رغم كل هذا، كان لا يزال عالقًا في غرفة هي جو التي تفقدها للمرة الأخيرة، مما جعل تفاحة آدم تتحرك بشكل طفيف.
“السيد بايك سا أون!”
“المتحدث بايك سا أون، نرجو توضيح حقيقة شائعات الخيانة الزوجية على الفور!”
“مع من كنت تجري تلك المكالمات الفاضحة؟ هل يمكنك توضيح هوية المرأة المعنية؟”
“صوت المرأة لم يُسمع أبدًا، هل هناك تسجيل أصلي مخفي؟”
رغم الفوضى العارمة والصيحات العشوائية من الصحفيين، كان ذهن بايك سا أون مشغولًا بشخص واحد فقط، هي جو.
كل ما أراده هو أن تبقى بأمان.
إذا كان هناك شيء قد يعرّضها للخطر، حتى لو كان اسمه ذاته، فلن يسمح بذلك مطلقًا.
والآن، كان يعلم أن الوقت قد حان لإنهاء هذا القلق الذي طال أمده.
في اللحظة التي أمسك فيها بالميكروفون واستعد للحديث، حدث شيء غير متوقع تمامًا.
—هل تسمعني؟
“……!”
فجأة، وصل صوت غريب عبر السماعة المثبتة في أذنه.
هذا الصوت…؟
لكن بايك سا أون حافظ على ثباته واستمر في إلقاء تحيته الافتتاحية.
“مرحبًا، معكم بايك سا أون.”
—أجل، إنه أنا. كيف حالك؟
كان ذلك الصوت، صوت المكالمة الأولى قبل تعديل الصوت وتحريفه.
إنه الصوت الحقيقي لبايك سا أون، الشخص الذي كان يُعتقد أنه مات منذ زمن.
—تبدو في حال جيدة، أما أنا فقد عشت حياة جحيمية!
عندما حاول نزع السماعة من أذنه، ارتفع الصوت بحدة مهددًا.
—جرّب فقط أن تخلعها…!
إنه يراقب.
فكر بايك سا أون بهدوء عميق.
—إذا خلعتها، فسأمزق هونغ هي جو وأقتلها!
يا له من حثالة…
قبض بايك سا أون على أسنانه حتى كاد فكّه يتحطم.
الحقيقة المخفية التي حاول الجميع إنكارها.
الحفيد الحقيقي للراحل بايك جانغ هو لم يكن سوى وحش لا يعرف الرحمة.
منذ الصغر، كان طبعه قاسيًا إلى حد لا يُصدق.
يُقال إنه في عمر الرابعة، قتل قطة بيديه وقام بتشريحها قطعةً قطعة.
وكان الذي اكتشف الطفل، الذي كان يتأمل يديه الملطختين بالدماء بوجه بريء وكأنه مسحور، هو بايك جانغ هو نفسه.
—عندما كنت صغيرًا، كنت أستمتع باللعب بكل ما هو ضعيف ومثير للشفقة.
“.…..”
—هونغ هي جو؟ إنها تمامًا كذلك، أليست كذلك؟
كان أسلوبه في الحديث مليئًا بالسخرية والتهكم، وكأنه يتباهى بطبيعته الوحشية.
—كل أثر تركته على اسمي، سأمسحه عن بكرة أبيه. لكن هونغ هي جو التي تعيش بصفتها زوجة بايك سا أون تثير أعصابي. أنا أريد أن أبدأ من الصفر تمامًا!
بينما كان يتحدث بهذه القسوة، كان جسد بايك سا أون يرتجف قليلاً، خاصة أسفل عينيه.
—لذا لا تجرؤ على نزع السماعة.
“.…..”
—عليك أن تلتزم بما أمليه عليك.
شعر بايك سا أون بأن أنفاسه تكاد تنقطع، فقام بفك ربطة عنقه قليلاً.
—اعترف بجميع خطاياك هنا أمام الجميع، وتراجع.
أدرك أنه طالما لم يُزِل هذا التهديد من جذوره، فإن هي جو ستظل هدفًا دائمًا للخطر.
—أخبرهم من تكون حقًا.
لكن بينما كان يستمع لصوته المتحمس والمرتجف، ابتسم بايك سا أون بخبث دون أن يُلاحظ.
عذرًا، لكن اليوم سيُدفن اسم “بايك سا أون” للأبد.
لن يتمكن أحد من استخدام هذا الاسم مجددًا.
—عندما تُدمَّر سمعتك بالكامل، سيعود الاسم لي مجددًا.
وأخيرًا، التقى الاثنان اللذان تبادلا الأدوار بشكل كامل.
***
كانت المرة الأولى التي يرى فيها النائب بايك جانغ هو، ذو الشعر الأبيض الكثيف، حين كان في الثانية عشرة من عمره. وقتها، كان يعيش حياة بسيطة وهادئة مع والده الصامت.
وُلد الفتى بلا اسم، في الماء. كان والده صيادًا، وكان منزلهما كوخًا متواضعًا قريبًا من بركة صيد الأسماك.
مكان تفوح منه رائحة الماء والأسماك من كل اتجاه.
عند شروق الشمس، كانت البحيرة تنعكس كالمرآة، حيث يبدأ يوم الصيد.
كان والده يقضي يومه من الصباح حتى المساء بتنظيف صنارة الصيد وتثبيت الديدان المتلوية على الخطاف.
أما زبون الصيد الوحيد الذي كان يرتاد هذا المكان فهو النائب بايك جانغ هو.
كلما أتى إلى هنا، كان يتفحص جسم الفتى ووجهه بدقة، وكأنه يقيس مدى نموه.
لم يكن بايك جانغ هو يظهر أي تعابير واضحة على وجهه، لكن الفتى، بحدسه الفطري وذكائه الحاد، استطاع أن يلمح شيئًا ما.
كان العجوز يخفي مزيجًا من الرضا والانزعاج، رغم أنه لم يستطع فهم السبب في البداية.
رغم ذلك، كان والده دائمًا ينحني رأسه احترامًا، ويرافق بايك جانغ هو في قارب صغير إلى أماكن بعيدة في النهر.
“أبي، ماذا كنتما تُلقيان في النهر؟”
“……!”
تحت نظرة والده الصامتة، واصل الفتى كلامه.
“لقد رأيت كل شيء. رأيتكما تلقيان شيئًا في النهر.”
“لا تتدخل في ما لا يعنيك.”
“لكن يا أبي―”
“قلت لك، لا تنادني بإبي. أنا لست والدك.”
“……”
كان والده يواصل تثبيت الديدان على الخطاف بحركات آلية، وكأنه يحاول تجاهل الفتى وكلماته.
‘ما الجدوى؟’
فكر الفتى في نفسه.
حتى لو كنت طفلًا متروكًا، فسأنتهي إلى أن أكون مثله. صيادًا كثيف اللحية، ذا بنية ضخمة، لا يفعل شيئًا سوى تثبيت الديدان على صنارة الصيد.
لكن في أحد الأيام، أحضر بايك جانغ هو طفلًا في المرحلة الابتدائية معه.
“هذا الصبي هو حفيدي.”
كان الفتى الذي أحضره يبدو في نفس عمر الصبي تقريبًا. ما ميّزه كان ابتسامته الواسعة التي عكست سعادته الغامرة.
قال بايك جانغ هو بصوت هادئ.
“سأقود القارب بنفسي، لذا أعرنا واحدًا.”
انحنى الرجل الذي كان يُدعى والد الصبي بصمت، دون أن ينبس ببنت شفة.
عندما شق القارب طريقه عبر المياه، ركض الصبي على طول التل المحيط بالبحيرة.
كانت البحيرة مستديرة، لذا كان من السهل تتبع المسار مهما ابتعد القارب.
مرة أخرى، شاهد الصبي حقيبة كبيرة تُلقى في قاع النهر لتغرق بهدوء في أعماقه.
بدا واضحًا أن الحقيبة لم تطفُ أبدًا مرة أخرى.
‘ربما وضعوا الحجارة بداخلها؟’
استمرت زيارات بايك جانغ هو وحفيده في نهاية كل أسبوع. وفي كل مرة، كان المشهد يتكرر، حقيبة ثقيلة تُلقى في المياه.
الشيء اللافت للنظر أن الحفيد كان دائمًا مبتسمًا ابتسامة واسعة ومشرقة، بينما ازدادت تعابير وجه بايك جانغ هو كآبة وحدة.
بمرور الوقت، اعتاد الصبي على هذا السلوك الغريب، حتى لم يعد يثير استغرابه.
ولكن في إحدى الليالي، قُبيل منتصف الليل، استيقظ الصبي مفزوعًا.
كانت أصوات تلاطم المياه تملأ الجو، كما لو أن هناك صراعًا عنيفًا يجري.
تردد للحظة، لكنه أمسك بمصباح يدوي وخرج لتفقد ما يجري.
كانت السماء حالكة السواد، ولم يكن سوى صوت المياه يعكر السكون.
هناك، عند حافة الماء، رأى شخصًا يقف وحيدًا.
‘هل هذا الجد؟’
ظن الصبي أن العجوز ربما كان يحاول صيد السمك بيديه العاريتين.
ولكن عندما اقترب منه أكثر، أسقط المصباح اليدوي من يده.
“ما هذا؟!”
تدحرج المصباح على الحصى، بينما استدار بايك جانغ هو لينظر خلفه بعينين حمراء كالدم.
شعره الأبيض الناعم كان فوضويًا بطريقة غير معهودة، وسرواله مبلل حتى الركبتين، وذراعاه مغمورتان في الماء حتى المرفقين.
“ما الذي تفعله؟!”
صرخ الصبي، غير مصدق لما يراه.
قال العجوز بصوت منخفض لكنه صارم.
“لا تقترب.”
تردد الصبي للحظة، لكنه كان مصدومًا مما رآه.
أسفل يدي العجوز، كان حفيده الذي كان دائم الابتسام، يرفرف بذراعيه وساقيه في محاولة يائسة للنجاة.
التعليقات لهذا الفصل " 56"