الحفيد الأكبر للراحل بايك جانغ هو، والابن الوحيد لمرشح الرئاسة القادم وأستاذة جامعة كوريا، سيم كيو جين.
الرجل الذي عرفته لمدة تقارب العشرين عامًا، الرجل الذي أحبته سرًا، بل وتزوجته…
لم يكن في الحقيقة بايك سا أون؟
‘وذلك الخاطف هو بايك سا أون الحقيقي؟’
شعرت هي جو بقشعريرة تسري في جسدها.
رغم أن كل شيء كان يبدو متشابكًا، إلا أن الصورة بأكملها بدأت تتضح أمامها الآن.
لقد كانت محاطة بالكذب. العالم بأسره قد خدعها.
كل ما توقعته هي جو عندما سمعت عن عودة أختها كان مجرد طلاق هادئ وبسيط.
‘لكن الآن، اعتراف؟’
كل ما عرفته واعتقدت به انقلب رأسًا على عقب.
ظهور بايك سا أون الحقيقي الذي كانت تعتقد أنه ميت قلب عالمها بالكامل.
تحت تأثير هذه الصدمة، استغرقت هي جو أكثر من خمس ساعات للعودة إلى المنزل، رغم أنها كانت في نفس مدينة سيول.
كان ذهنها لا يزال غارقًا في الفوضى، ولم يكن هناك أي شيء واضح أو مرتب.
‘ما هذا؟ هل نحن في قصة الأمير والفقير…’
من بين القصص التي سمعتها بشكل عابر خلال يوم الذكرى، كانت هناك واحدة تقول إن النائب الراحل بايك جانغ هو كان يُغدق بحبه على بايك سا أون بشكل مبالغ فيه، لدرجة أنه لم يظهر أبدًا في المناسبات العامة حتى بلغ المرحلة الإعدادية.
وبالتالي، لم يشهد أي من أقاربه مراحل نموه.
إذاً، لو حدث وتغير الطفل في تلك الأثناء، لكان من الممكن ألا يلاحظ أحد ذلك.
لكن ماذا عن والدي زوجها، اللذين عاشا معه في نفس المنزل؟ هل يمكن أن يكونا قد عرفا بالأمر ومع ذلك خدعا الجميع بهذه البراعة؟
لماذا؟
ما السبب الذي قد يدفعهما لفعل ذلك؟
كانت هي جو تجلس في الظلام، ممسكة بهاتفها وكأنها تناجيه في صمت.
‘إذن، من هو حقًا بايك سا أون؟’
بل بالأحرى، الرجل الذي عاش متقمصًا شخصية بايك سا أون طوال هذا الوقت؟
الرجل الذي أحببته…
كيف كانت حياته حقًا؟
الصبي الذي كان يختبئ خلف الجدران ويبكي بصمت، حتى دون أن يُسمح له بالبكاء كما يشاء.
الصبي النحيل، الشاحب، الذي كان يكره الطعام، والذي كان لسانه دائمًا ينطق بكل قسوة.
الرجل الذي أحببته…
‘ظننت أنني أخيرًا، وبعد كل هذا الوقت، قد وصلت إليه حقًا…’
ظننت أن هناك احتمالًا أن يكون لنا مستقبل مختلف…
مسحت هي جو عينيها الحمراوين وهي تمسك بهاتفها مرة أخرى.
عندما أشار عقرب الساعة إلى العاشرة مساءً، رفعت يدها تلقائيًا.
‘ربما هناك سوء فهم… ربما!’
لم يكن هناك شيء واضح حتى تسمع منه بنفسها.
رن الهاتف، مرة، ثم ثانية…
‘سأسأله… سأسأله وأعرف الحقيقة…’
―أجل، 406.
كان صوته مرهقًا، لكنه حمل نبرة خافتة من الترحاب.
كانت لديها الكثير من الأسئلة، لكن فجأة شعرت بحلقها يحتبس بحرارة.
مشاهد متداخلة مرت في ذهنها، اللقاءات الخانقة، صمت أختها، وحقيقة كونها مجرد رهينة طُلبت كشرط.
كل هذه الأمور كانت ثقيلة على قلبها، لكنها شعرت بالألم أكثر بسبب المشاعر التي لم تصل، والأفكار التي لم تجد طريقها للاتصال.
رفعت هي جو ذراعها لتغطي عينيها اللتين امتلأتا بالدموع، وسألت بصوت مرتجف.
“لقد سمعتُ… شيئًا غريبًا جدًا.”
بدأت شفتاها ترتعشان.
“أنَّ المتحدث الرسمي للمقر الرئاسي يصنع الشائعات بنفسه، هذا وحده صادم بما يكفي―”
―……!
“لكنهم يقولون إن بايك سا أون… ليس بايك سا أون.”
―…….
“كيف يعقل هذا؟”
كانت هي جو تتحدث وكأنها طفلة تشتكي ظلمًا مريرًا، تُخرج كل ما في قلبها دفعة واحدة وهي تلهث.
―أسألكِ، إن أتيتُ إليكِ بعد الطلاق، هل ستقبلين بي؟
“ما هذا…؟”
لم تصدق ما تسمعه. شعرت وكأنها تلقت خيانة أخرى، فعبست ملامحها وهي تحاول استيعاب كلماته.
“… هل تعني أنك ستلتقي فعلاً بساكونغ يوك؟”
―هل هذا غير مقبول؟
ارتعش طرف عينيها.
“أنت، أيها الوغد… زوجتك! هونغ هي جو…”
―…….
“لقد كنت أعلم، كنت أعلم أنك شخص مزدوج، شخص مختلف من الخلف إلى الأمام! لكن مع ذلك، هونغ هي جو… هونغ هي جو…”
ماذا يمكن أن تقول؟
أكنت أقول إنني أحببته؟
هل كنت سأقول إنني أردت أن أصدق؟
هل كنت سأقول إنني كنت أعتقد أننا سننتهي بنهاية مختلفة؟
لكن المرأة الفقيرة كانت عاجزة عن قول مثل هذه الكلمات.
أكثر مشاعرها صدقًا في تلك اللحظة كانت ربما أكثر الكلمات ضعفًا.
أصبح غرورها مثل الأشواك، برزت. كانت هي جو تعرف أكثر من أي شخص آخر ما يعنيه أن تكون في حالة ضعف، تتوسل وتلجأ.
“لا، لن ألتقي بك.”
قالت ذلك عازمة، عينيها تحدقان بعناد.
“حتى لو تخلَّيت عن كل شيء، وطلقت، وجئت إليّ.”
―…….
“لن أقبل، أنا أكرهك، أكره بايك سا أون، أكرهك جدًا.”
―…….
“منذ البداية، منذ أول مرة رأيتك، كنت أكرهك. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كنت أضطر إلى تلقي هذه المكالمات المهددة المملة.”
فجأة، شعرت وكأن قلبها يتمزق، ودموعها بدأت تنهمر.
كان الألم يكاد يخنقها، ولم تعرف ما إذا كان هذا الشعور غضبًا أم لومًا.
لكن بغض النظر عن ذلك، أرادت أن تبكي بصوت عالٍ.
ورغم ذلك، لم تستطع التوقف عن الكلام.
“كان يجب عليّ أن أتجنب المكالمة من البداية. كان يجب أن أترك كل شيء يجف في صمت، وألا أخوض هذه التجربة أبدًا. كان يجب أن أتوقف عن التحدث معك. كان يجب أن أظل جاهلة بكل شيء…”
كانت مكالمات التهديد تلك بمثابة حلقة وصل كشفت الكثير مما كانت تجهله هي جو عن زوجها.
بفضلها، تغيرت طبيعة العلاقة بينهما بطريقة غريبة.
لكن الآن، لم يعد هناك سوى الألم المرير الذي يعصف بها.
انتقلت هي جو بخطوات ثقيلة إلى غرفة نوم الرجل.
توقفت عيناها على معطفه المعلق على كرسي بجوار المنضدة.
―هل ندمتِ على ما مرّ بيننا؟
“…….”
مسحت دموعها بصمت وهي ترفع المعطف.
كانت رائحته ما تزال عالقة به، تلك الرائحة التي كانت تشعرها بالأمان منذ ساعات فقط.
دفنت وجهها في طيات المعطف، متشبثة بآخر بقايا حضوره.
“من تكون بحق السماء؟”
―…….
“إذا لم تكن بايك سا أون… فمن أنت حقًا؟”
كان صوتها بالكاد مسموعًا، وكأنه خرج من أعماق جرح مفتوح.
لكن الرجل، كما هو معتاد، لم يقدم أي تبرير أو تفسير.
أحكمت هي جو قبضتها على المعطف، أغمضت عينيها بإحكام وكأنها تحاول الهروب من الحقيقة. ومع ذلك، وجدت نفسها تجبر الكلمات على الخروج، تلك الكلمات التي كانت مجرد التفكير بها يثير الرعب.
“هل كنت… هل كنت حاضرًا عندما مات بايك سا أون؟”
―هل وصلتِ إلى هذه الحقيقة بالفعل؟
“……!”
تجمدت هي جو في مكانها عند سماع إقراره.
―ومتى بدأتِ بالتواصل مع ذلك الشخص؟
“أي شخص؟”
― “بايك سا أون، ذلك الذي قام بتغيير صوت ساكونغ يوك.”
“……!”
كانت تحاول، بكل قواها، أن تنكر الحقيقة، أن تُقنع نفسها بأنها مجرد وساوس شيطانية.
لكنها لم تعد قادرة على الهروب من وقع الكلمات.
شعرت وكأن رقبتها قد تجمدت، وأن أطرافها أصبحت فاقدة للإحساس.
سقطت رأسها للأمام، وكأنها تحمل عبئًا لا يُطاق.
“إذن… هذا صحيح…”
“يبدو أنه كان كذلك بالفعل…”
—هل كان يُهددكُ ذلك الشخص؟
“لا… ليس كذلك.”
—بايك سا أون شخص خطير. إذا تورطتِ معه بلا تفكير، فــ…
“قلتُ لك إنه ليس كذلك!”
صرخت هي جو بعناد، وكأنها تحاول إقناع نفسها قبل إقناعه. بدا غريبًا ومزعجًا لها أن يشير إليه باسم بايك سا أون وكأنه شخص آخر.
أنت بايك سا أون… فلماذا تتحدث عنه وكأنه ليس أنت؟
امتلأت عيناها بالاضطراب، مشاعرها تغلي بداخلها.
“بأي ثمن… بأي طريقة كانت…”
رفعت صوتها حتى احمرت عيناها وعنقها من شدة الانفعال.
“أردتُ أن أعيش كما يحلو لي، ولو لمرة واحدة! حتى لو كان ذلك يعني الفوضى، أردتُ فقط أن أتحرر! لم أفعل هذا بسبب تهديد أو إجبار، بل فقط لأنني أردتُ أن أكسر قيودي.”
قيود فرضها أهلها، أهل زوجها، بايك سا أون نفسه، وحتى قيودها الذاتية التي صنعتها بسكوتها وسلبيتها.
مع كل مكالمة هاتفية، شعرت وكأنها تقترب خطوة من التحرر.
“لكن هذا… هذا…”
أنت من فعل هذا…
أنت من جعلتني أتردد في قراراتي…
ساد الصمت طويلًا بينهما، صمت ثقيل وكأنه يُعلن نهاية كل شيء.
كان يومًا مرهقًا، وبدت ملامحها شاحبة ومتعبة وهي تمرر يدها على وجهها.
—إذا كشفتُ كل شيء لساكونغ يوك، فما الذي سيتغير؟
صوته، رغم محاولاته لكبح مشاعره، كان ينضح بالغضب المكبوت.
—امرأة تريد الحرية… ما الذي يمكنني أن أقوله لها؟
“.…..”
—كلماتي قد تصبح قيدًا جديدًا لها، أليس كذلك؟
كان صوته يرتجف وهو يكمل.
—أم أنكِ، إذا شعرتِ بالشفقة عليّ، ستبقين بعيدة عن ذلك الشخص؟
“ما الذي تقوله الآن؟…”
—عندما مات بايك سا أون، نعم، كنتُ هناك. بايك سا أون غرق في الماء، وكل ما فعلته هو المشاهدة.
“كفى…”
—شاهدتُه يغرق في النهر الصافي، منذ البداية حتى النهاية…
“قلتُ كفى…! توقف!”
انهارت هي جو على ركبتيها ودفنت وجهها في كفيها.
امتزجت أنفاسهما المضطربة، عاكسة الألم والفوضى التي تعصف بكل منهما.
شعرت بغثيان يتصاعد في حلقها.
أخيرًا، بدأت أفهم كوابيسه، ذلك الكابوس المتكرر منذ طفولته.
هذا الرجل كان يرى وجهه من منظور بايك سا أون…
غارقًا في كابوس لم يستطع الهروب منه.
“أوه…”
حبست دموعها واحتضنت ذراعيها، وسألت بصوت يائس.
“لماذا؟ بأي عقلية فعلتَ ذلك؟… لماذا تورطتَ في أمر كهذا؟”
ضحكة قصيرة ومقتضبة اخترقت صمتها.
كان رد فعله غريبًا ومثيرًا للقلق.
—لماذا، تقولين؟…
امتد صوته المنخفض المكسور وكأنه يُجاهد للخروج.
لم تحمل نبرته أي إحساس، مجرد صوت جاف وقاسٍ.
كانت تلك الجملة هي الأكثر برودًا وجفاءً مما سمعته منه طوال الوقت.
التعليقات لهذا الفصل " 54"