“موظفونا سيموتون من الجوع، بينما أنتم، المسؤولون عن شؤون الدولة، تتحدثون بهذه الأكاذيب المترفة! تبًا―!”
في لمح البصر، صعد رجل إلى المنصة.
كان يحمل شيئًا حادًا يلمع بقوة تحت أشعة الشمس.
في لحظة خاطفة، أدركت هي جو أن وجهه مألوف؛ لقد كان أحد أفراد المجموعة التي شاهدتها عند المدخل، ضمن المتظاهرين.
‘ما هذا…؟’
لكنها كانت بطيئة في رد فعلها. حين رفعت ذراعيها بتردد، كان الرجل قد اندفع نحوها ممسكًا بالسكين.
في نفس اللحظة، اصطدمت أنفها الصغير بصدر بايك سا أون بقوة.
كان قد أسرع باحتضانها ودفعها جانبًا، ثم ركل الرجل بلا رحمة.
“التحول نحو التعافي الأخضر، والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكاربون، يتطلب منا تعزيز التكنولوجيا العلمية ودعمها بنشاط―”
لم يتوقف صوته الثابت عن الإلقاء، حتى وهو يوجه ضربات قاسية ودقيقة نحو المعتدي.
كانت ركلاته مباشرة وقوية، تستهدف النقاط الحساسة بلا هوادة.
في النهاية، انقلب الرجل وسقط عن المنصة، حيث سارعت فرق الحراسة للسيطرة عليه فورًا.
بينما كان المعتدي يُسحب بعيدًا وهو يصرخ بصوت عالٍ، لم يُظهر بايك سا أون أي علامة على التوتر. بدا وكأنه لم يفقد هدوءه للحظة.
منذ البداية، حافظ على إيقاعه دون أن يتغير، وحتى عندما كان يركل المعتدي بعنف، استمر في إلقاء خطابه بثبات.
في تلك اللحظات، تحركت يدا هي جو تلقائيًا.
كان تدريبها على لغة الإشارة متقنًا لدرجة أن حركاتها خرجت بشكل فوري، رغم أن أذنيها كانتا كأنهما مغلقتين، وساقيها ترتجفان بشدة.
في خضم تلك الفوضى، كان صوت بايك سا أون الواثق كأنه يرسم لها طريقًا مستقيمًا وسط الظلام.
“—ومشاركتها مع الدول النامية هو التحدي الذي يجب أن نواجهه.”
لكن شيئًا غريبًا كان يحدث.
كانت يده لا تزال تحتضن كتفها بإحكام، ونظراته لم تبتعد عنها، متجاهلًا الصحفيين والحضور، وهو يواصل خطابه.
كانت أنفاسه أسرع قليلًا، وصوته يحمل نبرة حادة، وعيناه الغاضبتان تراقبان وجهها بقلق.
دون أن يدركا، تحولت وقفتهما من الوقوف جنبًا إلى جنب إلى مواجهة بعضهما البعض بطريقة غير مألوفة أثناء الخطاب.
“تحقيق أهداف التنمية المستدامة بمفردنا أمر صعب، ولذلك تُعد الشراكات عاملًا بالغ الأهمية.”
لم يكن هذا الوضع الغريب يقتصر عليهما فقط.
حتى الصحفيون والجمهور لاحظوا الأمر وبدأت الهمسات تتعالى بينهم.
وحين انتهى الخطاب، انفجرت القاعة بالتصفيق، لكن معانيه كانت متنوعة، بين إعجاب ودهشة وربما ارتباك.
انحنت هي جو لتحية الحضور، بينما كان وجهها يعكس شعورًا بالذهول. لكنها شعرت فجأة بيده تقبض على وجهها بقوة.
“هل شعرتِ بالخوف؟ هل تأذيتِ في أي مكان؟”
في تلك اللحظة فقط، انطلق نفسها المحتبس، وبدأت أنفاسها تتلاحق بسرعة، حتى كادت صدرها يرتجف.
شعرت بدوار خفيف جعل رؤيتها تتهتز.
اقترب بايك سا أون من أذنها ليتفحص نبضها، ثم تمتم بشتيمة غاضبة، “ذلك المعتوه المجنون…”
ربّت على كتفها بلطف وقال.
“اهدئي الآن. لقد أديتِ الخطاب بشكل رائع.”
بمجرد أن سمعت كلمات الإطراء تلك، شعرت هي جو بسعادة خفية تتصاعد في داخلها.
أمسك بايك سا أون بيدها وقادها من المنصة إلى الغرفة المخصصة للاستراحة بخطوات سريعة، ثم أغلق الباب بإحكام.
دون أن ينطق بكلمة أخرى، جذبها إلى أحضانه بقوة، وكأنه يحاول تهدئة انفعالاتها الشديدة التي كانت تتملكها.
قال بصوت هادئ وعميق، بينما يضع ذقنه على قمة رأسها ويشدها نحوه أكثر.
“منذ أن عرفتكِ، أصبحت كل الأماكن في هذا العالم تشكل خطرًا. حتى لو تركتكِ في ملعب أطفال، سأظل قلقًا حد الموت.”
غطت هي جو بالكامل بين ذراعيه، وراحت تستنشق عبيره المألوف الذي أحاطها كملاذ دافئ.
أضاف بصوت أشبه بالهمس، بينما شعرت بأنفاسه الدافئة تتخلل شعرها.
“وربما سأظل كذلك طوال حياتي.”
كان تنفسه العميق يشبه إيقاع نبضات القلب، وصوته الرنان يخترق جسدها كصدى طمأنينة.
تسللت إلى نفسها مشاعر الانتماء، كما لو أن هذا الحضن كان عالمها بأسره.
‘هاه…’
شعرت فجأة بدوار خفيف، وكأن كل شيء أصبح واضحًا بطريقة غير متوقعة.
حتى في الظلام الحالك، كان صوته هو الدليل الذي قادها بخطى ثابتة، كأنه شعاع النور الوحيد في حياتها.
حينها فقط أدركت الحقيقة التي كانت تخشى مواجهتها.
‘أنا… أحبك.’
كان هذا الإدراك كاشفًا ومؤلمًا في آنٍ واحد.
تلك الجروح التي ظلت تخفيها طوال الوقت، والتي كانت تكابر من أجلها، بدأ هذا الرجل يزيلها ببطء ودون عناء.
تذكرت كلماته التي قالها لها في لحظة ضعف.
هل يمكن أن يكون هناك طريق آخر لنا؟
رغم أن عباراته لم تكن موجهة إليها مباشرة، إلا أن نظراته كانت تفضحه.
من البداية إلى النهاية، لم يرَ أحدًا غيرها.
هي، المرأة الوحيدة التي أسره جمالها وعاطفتها، تلك التي كانت ترتجف بين يديه، مرتعشة بلون أحمر قانٍ يعكس عمق مشاعرها.
‘إذا كان هناك مكان متبقٍ لي، ولو قليل…’
هل يمكن أن نتغير؟
إذا كشفت أنني أنا ساكونغ يوك… هل ستقبلني؟
كان يريد كل شيء، التمسك بهوسه تجاه زوجته، والحفاظ على اهتمامه بساكونغ يوك.
في تلك اللحظة، أمسكت هي جو بذراعه بقوة، ووجهها شاحب كأن الحياة غادرته.
“……!”
نظرت إلى كم بدلته السميكة وقد تمزقت بشفرة حادة، كاشفة عن خط أحمر دقيق على بشرته.
شعرت برعب يعصر قلبها وهي ترى الجرح البسيط.
قال ببرود وبابتسامة لا مبالية.
“لا شيء، مجرد خدش. لقد مر بجانبي فقط.”
سحب ذراعه بهدوء من قبضتها وكأن الأمر لا يستحق القلق، لكنه سرعان ما جذبها نحوه بقوة، كما لو كان يرفض أي مسافة تفصل بينهما.
“إلى أين تعتقدين أنكِ ذاهبة؟”
لم تستطع هي جو إلا أن تجد نفسها تنسحب بصمت إلى أحضانه.
***
عندما خرجا إلى الخارج متجهين نحو السيارة، لاحظت هي جو نظرات متفرقة تتجه نحوهما.
حاولت جاهدة تجاهل تلك العيون التي شعرت بها تلتهم وجهها، وأسرعت بخطواتها.
لكن الحرارة في وجهها الذي تحول إلى اللون الأحمر لم تهدأ بسهولة.
رن هاتفها فجأة بصوت عالٍ، فاندفعت تبحث عنه بارتباك في جيبها.
كانت المكالمة من رقم مجهول.
بمجرد أن رأت الشاشة، شعرت بقلبها ينبض بجنون، وكأن أضلاعها تضيق عليه.
‘ليس الآن… بالتحديد الآن…!’
بينما كانت تتردد بشحوب وهي تحدق في الهاتف، أمسك أحدهم بمعصمها فجأة وجذبها نحو درج الطوارئ.
كانت قبضته قاسية، لدرجة أنها شعرت بألم يخترق عظامها، وكأن الشخص يفرغ غضبه في تلك اللحظة.
أُلقيت هي جو بعنف إلى الزاوية، فأسرعت تمسك معصمها المتألم وتحاول تخفيف الألم.
“هونغ هي جو، أنتِ… أيتها الـ…!”
التقت بنظرة أختها الباردة، وكأن سرها انكشف فجأة، وشعرت بالدماء تهرب من وجهها.
“لا يمكن أن يكون، صحيح؟”
ضغطت عليها أختها بحدة، بصوت يشوبه الشك.
“أنتِ… لا يمكن أن يكون ما أفكر فيه صحيحًا، أليس كذلك؟”
لكن هي جو لم تستطع الرد. كان هناك الكثير من الأمور التي لا تستطيع البوح بها، والكثير مما تعجز عن مواجهته، وخاصة بعد ما أدركته للتو.
“تعبيرات وجهكِ على المنصة…”
تذكرت هونغ إينا شيئًا، ثم أطلقت ضحكة فارغة.
“لا تقولي لي أنكِ بالفعل معجبة ببايك سا أون؟”
“……”
رفعت إينا يدها إلى رأسها وأزاحت شعرها إلى الخلف، وعضت شفتيها بغيظ.
لم تكن هي جو مستعدة بعد لهذا الحوار مع أختها.
اكتفت بخفض رأسها بصمت، لكن إينا غيرت السؤال مباشرة.
“منذ متى؟”
لم يعد هناك مفر.
حركت هي جو يديها ببطء وأجابت بلغة الإشارة.
‘منذ وقت طويل…’
ضحكت هونغ إينا بخفة وهي تنظر إلى الفراغ، ثم فجأة بدأت تضرب الحائط بعنف بقدميها قبل أن تجلس على الأرض، مخفية وجهها بيديها.
شعرت هي جو بتوتر يغمرها إزاء تلك الطاقة الغامضة والمخيفة التي صدرت من أختها.
هل كان عليها أن تعتذر؟
أن تقول إنها آسفة لأنها أحبت خطيب أختها؟
أن تعترف بخطئها لأنها تطاولت على ما ليس من حقها؟
بينما كانت هي جو تحاول ترتيب أفكارها، خفضت رأسها بارتباك لتختار الكلمات المناسبة.
لكن أختها، التي وقفت فجأة واقتربت منها مجددًا، كان في عينيها غضب مشتعل ينذر بشيء مخيف.
“هل كان بإمكانها، تلك الحورية، أن تحب الأمير رغم أنها لم تنقذه من الغرق، رغم أنها رأت شيئًا فظيعًا في سفينته؟”
مرت العديد من المشاعر في لحظة، كالتيار السريع، لكن لم تستطع هي جو تحديد ما كانت تلك المشاعر بالضبط.
كل شيء كان سريعًا للغاية وعنيفًا.
فقط غضب أختها وهلعها كانا واضحين في ذهنها.
“هي جو، أنا… اختفيت قبل الزفاف من دون أن أخبركِ…”
“……”
“لقد هربت ببساطة.”
“……!”
“لا أحد، حتى أبي، صدقني. لا أحد كان هناك ليصدقني، كان علي أن أترك كل شيء وأهرب!”
هل لا تزال لديها عادة الإشارة؟ كانت تلوح بيدها في الهواء وتصر على أسنانها، كما لو كانت تشعر بالانفجار.
ثم، وبوجه مليء باليأس، أمسكت أختها هي جو من كتفيها.
كانت هي جو تتذكر أختها دائمًا هادئة ومطمئنة. لذلك، كانت هذه التصرفات المثيرة للقلق غريبة عليها.
في مواجهة هذا التوتر، قبضت هي جو على يديها في قبضة محكمة.
“عندما تظاهرت بعدم معرفة مشكلة النطق لديكِ…”
تردد لسان أختها قليلاً قبل أن تتابع.
“لم يكن الأمر مجرد أنانيتي، بل لأنني كنت أعتقد أنه من الأفضل أن أبقي فمي مغلقًا.”
“……”
“كان ذلك… أكثر أمانًا.”
كانت كلماتها غير مفهومة في البداية.
نظرت هونغ إينا حولها بعينين مرتجفتين، ثم خفضت رأسها.
بينما اقترب وجهها، لاحظت هي جو عينيها المملوءتين بالدماء. همست أختها بصوت خافت.
“عندما كنت صغيرة… قلت شيئًا لا يجب قوله.”
ولا زالت، كما لو كانت خائفة، عيناها ترتجفان.
“هذا الشخص ليس بايك سا أون.”
“……!”
“وجهه مختلف، جدي.”
صُدمت هي جو عندما سمعت اسم جدي فجأة.
أخذت إينا، التي كانت شاحبة كالروح، تردد كلمات الطفل.
“قلت ذلك للدكتور بايك جانغ هو. قلت له إن وجهه مختلف عن الوجه الذي رأيته سابقًا…”
لم تكن أختها قادرة على إخفاء ارتباكها، فقد لمحت توترها في طريقة لسانها الذي كان يلعق شفتيها.
“كيف كان وجه الدكتور بايك جانغ هو حينها…”
عندما تذكرت إينا تلك اللحظة، ارتجفت من شدة الرعب، وتقلصت كتفيها.
كل شيء بدأ في الحديقة الجميلة.
في اللحظة التي قدم فيها خطيبها، أشار بإصبع منتفخ نحو بايك سا أون.
فقد تحول الهواء الرخو فجأة إلى سكينٍ حاد، وكان الإحساس الذي يحدق في الفتاة الصغيرة ما زال عالقًا في ذاكرة هي جو.
لقد اقترب منها الجد بابتسامة غريبة، وضغط على وجهها بأيدٍ متجعدة، وعندما شعرت بخشونة يديه على وجنتها، تسمرت في مكانها.
وفي ذلك الوقت، كانت كلمات الجد التي رددها، تحت دعوى البركة، في الواقع تحذيرات. لكن إينا لم تفهم ذلك إلا بعد أن نضجت.
من هنا بدأ كل شيء، من تلك الكلمة الطائشة.
كانت تحاول التباهي بمعرفتها، وتضحك على تلك القصص التي كانت تدعيها عن تعليمها المنزلي.
تذكرت وجه بايك سا أون الذي رأته ذات مرة، ثم اكتشفت الفرق الكبير بينه وبين الفتى الذي كان أمامها الآن.
التعليقات لهذا الفصل " 52"