“كنت احب النظر من النافذة في هذه الغرفة. لماذا تعتقدين أنه كان كذلك؟”
لم أستطع أن أُبعد عيني عن وجهه غير المكترث وهو ينظر إلى ما وراء النافذة.
زاويته الجانبية التي كانت تتشكل مثل تمثال منحوت، والخطوط الأنيقة لجسمه الذي خلق تلك المنحنيات الراقية في مكانه، جعلت هي جو تفكر في الماضي الذي لا تستطيع حتى تخيله.
“كنت أستيقظ بعد أن أحلم دائمًا بالسقوط في النهر، وعندما أستيقظ، كنت أرى هونغ هي جو هناك، تتحرك يديها. كنتِ طفلة، شديدة النشاط، لا أنام حتى الصباح.”
“……!”
“ومع ذلك، لم أستطع فهم كلماتكِ. كنت أشعر وكأنني غارق في الماء. ربما مثلما يحدث عندما تذهب إلى حوض السمك؟ أم أنني ما زلت غارق في الماء؟”
كانت هذه المرة الأولى التي تسمع فيها هذه الكلمات.
“لكن، عندما كنت أرى إيماءتكِ، شعرت بالاطمئنان.”
“……”
“الحلم انتهى، وهذا هو الواقع.”
كانت يده الصغيرة تعطي إشارة لي مثل ورقة شجر في الخريف. ثم غطت يده يد هي جو بينما قال.
شعرت هي جو فجأةً بدفء خفيف جعل قلبها ينبض.
“علميني لغة إلاشارة.”
“……!”
عندما نظرت إليه بدهشة، أمال رأسه.
“أنا فضولي بشأن لغة هونغ هي جو.”
ذلك الوغد…
فجأة، الآن فقط؟
“عندما كنت صغيرة، كنت تفعلين هذا طوال الوقت.”
نقر بإصبعه الصغير على ذقنه.
كانت هي جو تعض على لسانها من الداخل.
تذكرت كلمات تلك السيدة التي قالت إنه إذا أراد الرجل أن يهرب من زوجته، فإنه يشتري لها الزهور والهدايا.
إنه حقًا وغد…
عندما كانت صغيرة، كان أول شيء تعلمته، والأكثر استخدامًا، هو لغة الإشارة التي تعني كل شيء على ما يرام.
“أنا ما زلت أنتظر.”
تلاقت أعينهما في الظلام.
“لتكوني أول من يتحدث.”
بينما كانت هي جو تضغط على شفتيها، كانت نظرته مشتعلة بشدة.
كانت ليلة من الأحلام المتناقضة.
***
“بايك سا أون―!”
كانت والدتها تقف في المدخل مرتدية فستاناً مخملياً.
كل شيء بدأ من طقم الهدايا الذي قدمته لها حماتها كواجب.
بعد انتهاء طقوس الجنازة، كان بايك سا أون على وشك مغادرة المكان فوراً، لكن والدتها قالت له.
“لقد جئت حتى هنا، لا يمكن أن تذهب هكذا بدون أن تأخذ الطعام.”
ثم قامت بتعبئة الطعام له.
على إثر ذلك، زارت هي جو منزل والدها رغم أنه لم يكن ضمن خططها.
“انك متعب، لكن ما الذي جاء بك إلى هنا؟ أليس كذلك؟”
كان نظرها اللطيف المائل يبدو مفعماً بالإعجاب.
شعرت هي جو بالتوتر عندما تصرفت بطريقة غير مريحة وهي تخلع حذاءها بسبب حفاوة والدتها.
ما زالت كيم يون هي مشغولة بتقديم الهدايا، بينما كانت تقودهم إلى غرفة المعيشة.
“أليس والدك هنا؟”
“هو الآن…”
لحظة، نظرت إليها بنظرة سريعة. كانت تلك النظرة تحمل شيئاً غريباً.
كانت عيونها السوداء الأنيقة، بدا وكأنها تضحك أو ربما كانت تشعر بالحرج في الوقت نفسه.
كانت والدتها دائمًا صريحة في مشاعرها، لكن في تلك اللحظة، لم تتمكن هي جو من فهم ما تفكر فيه على الإطلاق.
ومع ذلك، كانت هناك نذير غريب يسري في ظهرها.
فقط هي جو، الابنة التي أصبحت حساسة لمشاعر والدتها نتيجة تعلم طويل، كانت قادرة على ملاحظة تلك الدقيقة.
شعرت هي جو فجأة بالعطش، وكان شعور غير مريح بدأ يتسلل إلى قلبها.
ثم ابتسمت كيم يون هي بابتسامة متكلفة وحولت الحديث.
“لنشرب الشاي أولاً.”
جلست السيدة كيم بهدوء ووضعتهما في مقعديهما.
ثم، عندما تم إعداد الحلويات، جلست على الأريكة الفاخرة، وهي تراقبهم بالتناوب.
“مرت ثلاث سنوات منذ زواجكما، وهذه هي المرة الأولى التي أراكم فيها معًا.”
عندما همت هي جو بأخذ فنجان الشاي، أمسك بها فجأة من معصمها.
“اشربي من فنجاني.”
أشار بايك سا أون إلى فنجانه الذي كان قد فتح غطاءه مسبقًا ليبرد.
“لا تتعجلي في الشرب حتى لا تحرقي سقف فمكِ.”
بالتأكيد كان شايه أقل حرارة.
أخذت هي جو فنجان الشاي الذي دفعه إليها بايك سا أون دون أن تفكر، ثم وضعته على شفتيها.
بينما كانت السيدة كيم تراقب بهدوء الموقف بين الشخصين، مرت نظرة غريبة على عينيها.
” بايك سا أون، الآن وقد تحدثنا بصراحة، أليس العيش مع هي جو مملاً بالنسبة لك؟”
“……!”
توقفت هي جو للحظة لكنها ابتلعت الشاي وكأنها لم تشعر بشيء.
“لا تستطيعين حتى التحدث، ولا تعرفين شيئًا، أعتقد أنكِ لم تكوني مناسبة للعيش مع بايك سا أون.”
لم تشعر هي جو بمذاق الشاي، بل كان الماء فقط حارًا في فمها.
رغم أن تقليل والدتها من شأنها أمام العائلة أو الآخرين كان أمرًا مألوفًا، إلا أن اليوم كان مختلفًا، وكانت وجهها يحمر خجلًا.
“ليس الأمر كذلك.”
“ماذا؟”
في تلك اللحظة، وضع بايك سا أون فنجانه بصوت مسموع على الطاولة.
“هي جو ممتعة للمراقبة فقط. وأيضًا…”
انحنى قليلاً ووضع يده بالقرب من ركبته، محنيًا جسده ولكن نظرته لم تفقد قوتها.
كان يوجه نظرة صارمة وقوية إلى والدة هي جو، وكأنها تخترقها.
“هذا التواضع مزعج.”
“ماذا تقول؟”
“لا تعودي أبدًا لتقليل شأن هي جو أمامي. لن يجعل ذلك هيبة لكِ، بل هو إهانة لي. لن أقبل هذا، وأتمنى ألا تفعليها مجددًا.”
كانت السيدة كيم في حالة من الدهشة بعد هذه الكلمات الحازمة.
“بايك سا أون، هل لديكِ امرأة أخرى؟”
فجأة، نفثت هي جو الشاي من فمها، وفي ذات اللحظة، مد بايك سا أون يده بسرعة.
أمسك بذقنها حيث كان الشاي يتساقط، ومسح وجهها بيديه العاريتين، وهو يمسح الماء المتساقط برفق.
احمرت وجهها، وظلت تسعل بصوت منخفض.
كانت والدتها تضيق عينيها وتراقب الشخصين عن كثب مرة أخرى.
“……هذا غريب.”
كان صوتها يوحي بأنها تسأل لماذا يفعلان شيئًا لم يفعلاه من قبل.
“هي جو.”
في تلك اللحظة، وضعت والدتها فنجان الشاي على الطاولة بصوت خفيف.
ثم رفعت طرف فمها بشكل غريب.
“سمعت أن هونغ إينا قادمة.”
“……!”
في تلك اللحظة، شعرت هي جو وكأن الكلمات لا تعني لها شيئًا، وكأنها لغة أجنبية.
بدأ قلبها ينبض بسرعة شديدة وكأنها ستنفجر.
رغم أنها سمعت ما قيل، إلا أن الكلمات لم تكن واضحة في ذهنها، فمرت كلمات والدتها وكأنها صدى غير حقيقي.
لكن عندما شعر هو بأصابع يده التي كانت على ذقنها، تتحرك فجأة وتصبح متيبسة، كان هذا الشعور حيًا وواضحًا.
لم يكن هذا صدى وهميًا.
فجأة، بدأت هي جو تفهم كل شيء.
أختها… ستعود؟
أدارت رأسها بصوت مرتفع وأخذت تحدق في والدتها بدهشة.
“لم أكن أعرف أين كانت تعيش وماذا كانت تفعل. لكن يبدو أن رئيس هونغ كان يعرف.”
قالت والدتها وهمست بخفة.
“لكنها على الأقل ابنتها الحقيقية، لذلك يبدو أنها كانت تهتم.”
“سمعت أنها كانت في ألمانيا لإجراء عملية، وكانت تأخذ وقتًا طويلاً.”
قالت كيم يون عي وهي تضرب أذنها بلطف.
“لكنها تقول الآن أنها تسمع جيدًا.”
“……!”
شعرت بشيء غريب في حلقها.
رفعت والدتها كتفها في حركة كأنها تقول، أعتقد أن عملك قد انتهى الآن.
ابتسمت والدتها كما لو أنها تقول هل هو جيد؟، وبقيت ابتسامتها عالقة في ذهنها.
الآن، ستعود خطيبة بايك سا أون الحقيقية.
أختها ستعود.
كانت مشاعر الحنين والحذر، الفرح والدونية، تضغط عليها وكأنها دفعتها إلى الأسفل، حتى إلى الأعماق.
***
أوصلها بايك سا أون إلى باب منزلها، ثم عاد إلى مكتبه.
عندما وصلت إلى منزلها، شعرت كأنها اختفت في فجوة بلا قاع، وكان قلبها فارغًا.
جلست في غرفتها المظلمة، ممسكة بهاتفها المحمول فقط، وكأنها لا تعرف ماذا تفعل.
‘أختي ستعود…’
مسحت هي جو وجهها الشاحب بأيدٍ مرتجفة.
لعلها كانت لتبقى في المستشفى بدلاً من ذلك.
كان هناك خوف مستمر يراود قلبها، شعور عميق من القلق الذي كان يزعجها طوال الوقت.
هل كانت طوال هذا الوقت في وهم؟
حتى وإن كانت قد بذلت جهدًا في عدم السعي للطلاق…
‘إذا عادت أختي…’
إذا قررت أختها أن تتدخل.
وجود هونغ إينا قد يغير كل شيء تمامًا.
كانت هذه الحقيقة وحدها تكسر شيئًا في قلب هي جو.
لم يعد بإمكانها أن تتمسك بشيء.
حتى بعد العاشرة مساءً، لم يكن لديها أي حافز للاتصال، وكان مجرد التحرك صعبًا ومرهقًا.
كان شعور العجز الذي نسيته منذ فترة يعاودها الآن.
‘هل من المجدي أن أتصل؟’
كانت عيون هي جو تغرق في الظلام.
مرت دقائق، ثم نصف ساعة، ثم أكثر من ساعة…
وهي مستلقية على السرير، تومض عيونها فقط، حتى رن هاتفها فجأة.
“……!”
هل هو مختطف؟
قفزت هي جو فجأة وأخذت هاتفها، بحثت في حقيبتها بسرعة.
لكن على عكس توقعاتها، الاسم الذي ظهر على الشاشة كان…
‘لماذا…؟’
كانت هيجو تحمل الهاتف كما لو كان منديلًا مستخدمًا، مكتوبًا عليه الزوج التجاري.
هل يجب عليها أن تجيب أم لا؟ كانت في تردد حتى اضغطت في النهاية على زر الاتصال.
—هونغ هي جو.
بمجرد أن أجابت على الهاتف، اندفع صوته إليها.
—لا تحتاجين لأن تقولي شيئًا، استرخي.
“……!”
أعطى بايك سا أون أوامر كما لو أنه كان يقرأ أفكارها.
—هل كنتِ نائمة؟ إذا كنتِ كذلك، فقط دقي على الهاتف قليلاً.
“……”
عندما لم تفعل أي شيء، أصدر صوتًا منخفضًا “همم” وهو يحاول معرفة سبب سكوتها.
ما الذي يحدث؟
—هل كنتِ تتحدثين مع مدير هان جون؟
اتسعت عيون هيجو بدهشة.
‘لماذا فجأة يتحدث عن مدير هان؟’
—هل كنتِ تتحدثين مع مدير هان؟
ما هذا…؟
شعرت هي جو بغضب شديد وضربت الشاشة.
ثم، كما لو أنه كان ينتظر، ساد الصمت.
إن لم تكن نائمة أو تتحدثين مع شخص آخر، لماذا…
انخفض صوته ببطء حتى اختفى تمامًا.
كانت هي جو لا تسمع سوى صوته وهو يهدر في أذنها.
فقط كانت تحدق في السقف بلا حراك.
عندما طال صمت الحديث،
—سأكون هناك قريبًا.
قال بصوت هادئ قبل أن يقطع الاتصال.
‘هل يعني أنه سيعود مبكرًا إلى المنزل بعد أن اختفى رفيقه في المغامرة؟’
كان عقلها المضطرب يقودها إلى هذه الاستنتاجات، مما جعلها تشعر أكثر باليأس.
فجأة، تشوه وجهها في غضب، ثم أمسكت بهاتفها المحمول.
الشخص الذي نشأ في بيئة غير سليمة قد يسعد بسهولة حين يختبر المزيد من الانحرافات.
هذا بالضبط ما كانت عليه في تلك اللحظة.
رن الهاتف.
مشاعر غير مشبعة بدأت تتجمع في داخلها كما لو كانت حفرًا عميقة.
التعليقات لهذا الفصل " 45"