أظهرت هي جو شاشة هاتفها التي كُتب عليها هذه العبارة للممرضة، التي ابتسمت لها بحرارة.
“لقد مضى وقت طويل يا هي جو، من الجيد رؤيتكِ مجددًا.”
بادلتها هي جو التحية بإيماءة خفيفة، ثم بدأت تمشي في الممر الذي لم يزل غريبًا عليها.
بفضل الجدران الزجاجية، ظهر الحديقة الخضراء بوضوح، في مشهد متناغم مع فخامة المكان. كان ذلك أحد أرقى دور الرعاية.
توقفت أمام باب غرفة مألوفة، وعدّلت هندامها قبل أن تفتح الباب. كان هناك رجل مسن جالس في الشرفة، يحدق في مكان بعيد في الحديقة وكأن ذهنه شارده تمامًا.
اقتربت هي جو منه ورفعت البطانية التي انزلقت عن كتفيه وأعادتها برفق إلى مكانها.
“أبي… لقد أتيت.”
نطقت بهذه الكلمات بخفوت، وكأنها سر تبوح به.
صوتها كان دافئًا ولكنه يحمل في طياته ألمًا خفيًا.
“كيف حالك؟ هل كنت تأكل جيدًا؟”
لكن عيني الرجل بقيت شاردة وغائمة، ولم يصدر عنه أي رد.
كانت هذه اللحظات هي الوحيدة التي تستجمع فيها هي جو شجاعتها لتتحدث بصوت مسموع، لكنها كانت تعلم أن حديثها لن يجد صدى. والدها كان أسير عالمه الخاص منذ وقت طويل.
“أبي، هل المكان هنا مريح لك؟ هل يعجبك؟”
تحدثت بحنان، لكنها لم تتلق إجابة.
“قل شيئًا… أي شيء، أرجوك… أبي…”
كان والد هي جو في السابق مجرد مقدم فكاهي لنادٍ متواضع، رجل كان يعرف كيف يجعل ابنته الصغيرة تضحك بثمرة طماطم كرزية.
رغم حياتهما المتواضعة في شقة صغيرة تحت الأرض، كانت هي جو سعيدة بوجوده إلى جانبها.
حتى وقعت والدتها في أعين السيد هونغ.
في ذلك الوقت، بدأت صحة والدها تتدهور، وأصيب برئة ضعيفة جعلت التنفس مهمة شاقة. مع تفاقم حالته، جفّ لسانه شيئًا فشيئًا، وبدأت أنفاسه تصدر رائحة حامضة.
والدتها، التي شعرت بالاشمئزاز، بدأت تبتعد عنه ورفضت حتى الحديث معه.
راقبت هي جو والدها وهو يغرق تدريجيًا في النسيان، بينما أصبحت والدتها عشيقة لرجل آخر.
الرجل الذي كان يُضحك الناس بصوته فقط، بدأ يتلاشى وكأنه لم يكن موجودًا.
حتى عندما تركته والدتها وغادرت، لم يستطع أن يقول أي كلمة. كل ما فعله هو النظر بعينيه المحمرتين بصمت مؤلم.
“لماذا لم تقل شيئًا وقتها؟”
تمتمت هي جو وهي تمرر يدها على يد والدها الجافة النحيلة.
“لقد قضيت حياتك تعتمد على الكلمات في كسب قوتك… كان عليك أن تصرخ بكل قوتك، أن تلعن، أن تطلق أي كلمات تعبر عن غضبك.”
مسحت برفق على يده وأضافت بصوت منخفض.
“لكن الآن، يا أبي… أريد أن أعيش بهذه الطريقة.”
توقفت قليلاً، وكأنها تجمع شجاعتها، ثم قالت.
“أريد أن أفعل ذلك… وأنا آسفة.”
كان الرجل العجوز لا يزال يحدق من النافذة، وكأنه ينتظر أحدًا.
“قد نحتاج إلى تغيير دار الرعاية.”
والدها، الذي استسلم لكل شيء، كان يحيى أيامه الأخيرة في هذا المكان الفخم بفضل أموال والدتها.
كان ذلك أحد الشروط التي وضعتها هيجو على والدتها عندما وافقت أن تحل محل أختها غير الشقيقة.
“إذا وقع الطلاق، سيتوقف الدعم تمامًا.”
هي جو، التي تحملت الوضع لأجل والدها، كانت تعلم في اعماق نفسها أن حبال صبرها قد انقطعت منذ زمن بعيد.
في تلك اللحظة، بينما كان والدها ينظر إلى الفراغ، بدأت شفتاه تتحركان.
“يون هي… يون هي…”
“……!”
تشوهت ملامح هي جو على الفور.
:مرة أخرى… في كل مرة…!’
لطالما كانت هي جو عالقة في دور الوسيط، عاجزة عن الفكاك منه.
كان والدها يرى والدتها من خلالها، وكانت والدتها تستخدمها كدرع واقٍ.
حتى أختها غير الشقيقة، التي فقدت سمعها، حاولت استخدام هي جو وسيلة للتواصل مع العالم مجددًا.
وهكذا أصبحت هي جو مترجمة بلغة الإشارة،
متخصصة في نقل كلمات الآخرين دون أن تكون لها كلماتها الخاصة.
كان الناس دائمًا يمرون عبرها، كما لو كانت مجرد نافذة شفافة.
“نعم، أبي… فهذا هو الشيء الوحيد الذي أجيده.”
تصلبت نظرات هي جو فجأة، وأصبحت مليئة بالتصميم.
في تلك الليلة، أُجري الاتصال الثاني مباشرة.
***
الساعة العاشرة مساءً.
رن الهاتف بنفس الإيقاع الذي رن به الليلة الماضية.
كما في السابق، كان التوقيت مضبوطًا بدقة، وعمل المؤقت الذي استمر تسع دقائق مرة أخرى.
تنفست هي جو بعمق، وهي تجلس في وضعية مريحة.
‘لن أفقد هدوئي الليلة، مهما حدث.’
لم يعد هناك مجال للخطأ.
تحولت تعابير هي جو سريعًا إلى ملامح جادة.
وفي اللحظة التي انقطع فيها صوت الجرس الهادئ فجأة، انطلقت كلماتها كعدَّاء يقفز من نقطة البداية.
“هل قررت؟”
—هل هناك سبب محدد للالتزام بهذا التوقيت الدقيق؟
“مجرد رغبة مني. على أي حال، لا يمكنك أنت الاتصال بي.”
—……
“وأنت لا تعرف رقمي الحقيقي أيضًا.”
—……
“على كل حال، فقط استمع بهدوء، اخي.”
هل يعقل؟ هل أنا من يتلاعب بزوجي الآن؟
اندفعت هي جو بإحساس غامر بالإنجاز، ملوحة بقبضتها في الهواء.
“إذن، هل قررت؟ هل ستعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي، أم تريد 20 مليارًا؟”
—قبل ذلك، لدي سؤال.
بدت نبرة صوته أكثر ارتخاء، ثم استرسل ببطء.
—هونغ هي جو.
“……!”
ارتجفت هي جو فجأة عند سماع اسمها يُنطق بدقة.
هل ناداني باسمي؟
—كيف عرفت هذا الاسم؟ وكيف عرفت أنها زوجتي؟
“ماذا؟”
—لقد حرصت على إخفاء جميع المعلومات المتعلقة بهي جو.
“…….”
—فكيف تسربت تلك المعلومات؟
“…….”
—لا أعتقد أن هي جو نفسها أفشت أي شيء عن حياتها الشخصية.
كانت نبرته البطيئة أشبه بخيوط لزجة، مشحونة بتوتر غير مرئي.
ولكن في الوقت نفسه، شعرت هي جو بالارتياح لأنها أدركت أنه لم يكتشف هويتها بالكامل.
تراجعت في جلستها وانحنى ظهرها بعد أن كان مستقيمًا، بينما كانت تحاول كبح أنفاسها المتسارعة.
—هل أنت قريب مني؟
“……!”
—صحيح أنني أستطيع منع المعلومات من وسائل الإعلام، ولكنني لا أستطيع التحكم فيما قد يقوله زملاء الدراسة أو الأصدقاء. ربما تتداخل دوائر حياتنا اليومية.
“لحظة، هل حقًا تشغل بالك بهذا الأمر لمجرد اسم؟”
رفعت هي جو صوتها بحدة، مفعمة بالقلق.
بدلًا من أن تكون هي من تضغط عليه، بدا وكأنه هو من يضيق الخناق عليها ويقلب الطاولة.
شعرت وكأن السيطرة على الموقف تنزلق من بين يديها كقطعة صابون.
“هل ما زلت لا تفهم الوضع؟ لقد قلت إنني سأدمرك… سأطبع عليك وصمة عار لا تُمحى!”
—أعلم.
“ماذا؟”
—أعلم أن شخصًا مجنونًا صدم سيارة زوجتي.
“وهل هذا مهم الآن؟”
عبست هي جو، مستاءة من مجرى الحديث الذي لا يسير وفقًا لتوقعاتها.
كان لا يهتم بما قد يحدث لي، فلماذا الآن؟
—لن يكون هناك أي مجال للتفاوض.
“هل يعني ذلك أنك لا تهتم بما سيحدث لسمعتك؟”
—لا أتحمل أن تتشوه سمعتي، لكن…
“إذن، ما الذي ستفعله؟”
كان الحوار يدور في حلقة مفرغة، ما دفع هي جو إلى إلقاء نظرة سريعة على المؤقت.
وكما توقعت، كان يحاول كسب الوقت.
‘بالطبع، هذا ما كنت أتوقعه.’
كان بايك سا أون شخصًا يفضل الإمساك بالمجرم دون أن يتعرض لأي خسائر.
حتى في هذه اللحظة، لم يكن يكتفي بالرد على المكالمة بهدوء؛ لا شك أنه كان يجري عملية تتبع أيضًا. ومع ذلك، كادت هي جو تقع في وهم أنه يهتم بها.
قررت التخلي عن أي بقايا من الاسترخاء، وركزت نظراتها بنية واضحة. لهذا السبب كانت الخطة البديلة ضرورية.
“على أي حال، اكتشفت شيئًا ممتعًا. يبدو أن هناك المزيد من الفضائح التي يمكن أن تغرقك فيها.”
أبعدت الهاتف عن أذنها للحظة وأرسلت صورة عبره.
رغم ارتعاش طفيف في أصابعها، لم تشعر بأي ندم.
“ما رأيك؟ هل ترى جيدًا؟”
—……!
“ما زلت ترفض التفاوض؟”
—ما هذا؟
تغيرت نبرة صوته على الفور، وأصبحت حادة. شعرت هي جو برغبة في الضحك.
“ماذا؟ ألا يستطيع الزوج التعرف على هذا؟”
—تحدثي بوضوح.
“أليس من الواضح أنك تحاول إظهار أنك لا تعتبرها زوجتك الحقيقية؟”
—أتمنى أن أكون مخطئًا.
عندما انخفض صوته بدرجة أخرى، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي هي جو.
“إنه فخذ زوجتك.”
—……!
الخطة الثانية للضغط عليه.
“ألم أخبرك أن تقرر بسرعة؟”
المثير في الأمر هو أن الفضائح لا تقتصر على أصحابها فقط؛ أحيانًا تكون العائلة هي القنبلة الحقيقية التي يمكن أن تُطيح بأي سياسي.
لهذا، كانت هي جو على استعداد للتضحية بنفسها. إذا كانت قد استخدمت صوتها بالفعل، فما أهمية صورة كهذه؟
كانت الصورة جريئة للغاية.
زاوية تُظهر الفخذين مكشوفين تمامًا، مع تباعد بسيط بين الساقين. وأكثر ما يجذب الانتباه هو الجوارب الشبكية السوداء المربوطة بحزام.
زوجة مسؤول حكومي متورطة في فضيحة أخلاقية!
وإذا أضيف إلى ذلك استخدام أموال المقر الرئاسي للترفيه… ستكون القصة فضيحة مدوية.
هذا هو الضغط الحقيقي.
“لن أقول شيئًا الآن.”
—……
“لكن كيف سأستغل هذه الصورة؟ وكيف سأروي القصة؟ هذا…”
—……
“شيء يمكنك أن تتخيله بنفسك.”
شعرت للحظة وكأنه يبتسم بسخرية، لكن صوته لم يحمل أي تعبير. كان الأمر مجرد صوت حركة خافتة من ملابسه.
“سأسألك غدًا مجددًا. هل ستتخلص من هونغ هي جو بسرعة؟ أم ستدفع 20 مليار وون؟ أم ستنسى حلمك بالسياسة نهائيًا؟”
—……
“ألست كريم؟ لقد أضفت خيارًا جديدًا لك. لذا أظهر لي القليل من الجدية.”
كان الخيار الأول هو الأسهل بلا شك، لكن هي جو لم تستطع فهم لماذا لم يحل بايك سا أون هذه المسألة البسيطة بسرعة.
“اخي، حتى أنا لا أقبل بالتفاوض.”
—ما الدليل على أن هذه الصورة لزوجتي؟
“أي سؤال هذا؟ من الغريب أن يطرحه الزوج نفسه.”
قهقهت هي جو بسخرية قبل أن ترد بنبرة لاذعة.
“ألا تعرف أن هناك علامة مميزة على فخذ هونغ هي جو؟”
—……
“كيف لا تعرف ذلك؟”
—……
“هل لأنك لم تهتم، أم لأنك لم ترَ ذلك بنفسك؟”
ضحكت بهي جو بصوت خافت، ضحكة مثقلة بالسخرية. ظل بايك سا أون صامتًا لفترة طويلة.
‘هذه هي متعة الابتزاز الحقيقية!’
متى سأحصل على فرصة أخرى لإسكات بايك سا أون؟
استمتعت هي جو بهذا الصمت الغريب. شعرت وكأنها وجهت إهانة صغيرة لذلك الرجل الذي كان دائمًا قاسيًا عليها، ما أدى إلى تلاشي الغضب المكبوت بداخلها تدريجيًا.
بينما كانت تفرك وجنتيها المتوردتين، حدث ما لم تتوقعه…
التعليقات لهذا الفصل " 12"