” سيكون منظر اليراعات المضيئة في الصيف أجمل بمراحل,حينها سنعود مرة أخرى” نظرتها الهادئة و النقية بدت جميلة جدا , بدت صادقة للغاية حينما انعكست الخيوط المتلألئة ببراعة فوق سطح عيونها العسلية كما لو كانت تضيف لهما بريق يشيد بمصداقيتها.
ضحكت روبي بينما بادلتها بيرجيت الابتسامات اللطيفة.
“سيكون هذا وعدا ,أليس كذلك؟”ابتسامة روبي العريضة تلوح في الأفق.
” حسنا …ستكون تجربة رهيبة لنا معا,روبي”
مضى الوقت بسرعة حتى أن الزرقة تبددت عن مكانها بكل سرور بينما سنحت الفرصة للبرتقالية المحمرة بالظهور مرة أخرى بعد عناء يوم كامل.
لم تهتم كل من روبي و جيت بالوقت بقدر ما اهتمتا بمراقبة مشهد الغروب ,شاهدتا بكل ترقب تزحزح النجمة الكبيرة عن مكانها المألوف بأمانة.
” جيت…فكرت لو أن أسطورة الجنية حقيقة ماذا كنت ستتمنين؟”سألت بهدوء بينما راقبت موقف جيت الصريح. ” ليس حقا …لن تكون حقيقة أبدا …و لو كانت كذلك لا أعرف ربما أتمنى أن أعيش حياة طويلة بشكل هادئ حتى أصبح جدة تثرثر بصخب أمام أحفادها “تنهدت .
” أفضل أن أكون نجمة مشعة إلى الأبد في الفضاء ,بحيث لن يتمكن أحد من نسياني حتىعندما أختفي من هذا العالم”
” يا له من حلم …”تنهدت بيرجيت.
” …أمنيتك لم تكن الأفضل “صرخت روبي.
” لا تعلمين…بعض الناس لا يستحقون أن يكونوا أجرام سماوية بذلك الجمال”أبدت جيت معارضتها لأمنية رفيقتها الغريبة.
” أفضل أن أعيش حياة طويلة و شريفة بما يكفي لمشاهدة الغروب مرات لا تحصى”
” ربما حتى أرى أحفادي يكبرون أمامي”ضحكت.
” لذلك لا يهم إن أصبحت نجما”ابتسامة رقيقة تماما خالية من العداء.
التزمت روبي الصمت بينما اكتفت بالتحديق في السماء.
بيرجيت بدت لها الكون بأكمله ,غريبة بقدر ما كانت رائعة و مبهمة لدرجة كبيرة,
لا تستطيع توقع أفكارها حتى لو عاشت معها الدهر كله .
و ها هي الآن تتحدث بغرابة مثل جدة حكيمة رغم أنها بدت آنسة حالمة مثل أقرانهما من الشبان.
” إنها غريبة تماما …مميزة و محيرة “فكرت.
ربما رأت فيها انعكاسا للحياة ,مهما عشت فيها لن تتوقع الحدث القادم,بقدر ما كانت مروعة أحينا كانت أيضا جيدة جدا مرة أخرى على النقيض تماما.
مثل المتاهة .
” لهذا نعيش باستمرار…و نهدف إلى التكيف مع الصعوبات و العودة إلى الصفر من جديد…حتى لو عشنا في بيئة مسالمة تماما ,فلن نشعر سوى بالجحود و الملل …لذا نواجه ما هو أمر لنستمر في الحياة”
*******
” الشمس ستغرب قريبا”تنهدت الكونتيسة ذات المعالم الحادة .
أخذت بضع رشفات من فنجان الشاي المر بينما رفعت أصابعها الطويلة بخفة.
في حين واصلت النظر إلى الخارج عبر درابزين الشرفة المرممة بعناية.
صوت حفيف الأشجار و كأنها هرولة ناعمة و طفيفة.
الوهج البرتقالي المزدهر على حواف السماء المصون منذ وهلة.
المزروعات و الخضرة التي مزجت بين حنين الألفة و إرادة الحاضر العصرية في قلب سيدة ذاقت من الحياة ما يكفي لتكون رفيعة الأنف مهزوزة القوام.
و نقرة الفنجان الخفيفة على الطاولة الخشبية الأنيقة.
لم يقاطع النغمات المختلطة بما يكفي لتكون متناسقة بشكل عجيب سوى صوت مستقيم و سلس.
” كاد فصل الربيع أن ينتهي “
” بحلول الشهر القادم سيكون الصيف في أوجه ” أتممت.
بزغ وجه سيدة شابة.
بدت رغيدة و مبهجة بنفس القدر.
إلا أن خطواتها الرشيقة أثنت على أناقتها و بهائها الملفت.
أرخت جسدها متكئة على الكنب ضئيل الحجم مقارنة مع باقي الكنبات متقوتة الصنعة.
أوصدت الكونتيسة غريتا جفنيها و تنفست الصعداء في أن واحد كما لو أنها واجهت صعوبة في ترتيب كلماتها المبعثرة داخل عقلها المتعب.
” لطالما أحببت ربيع ريس الطويل ” تحدثت بينما رسمت ابتسامة أنيقة و موجزة.
” رغم أنني لم أكن ألمانية أصيلة الجذور , إلا أن هذا الجو الدافئ و الربيع المتكرر قد جعل في نفسي شعورا من الألفة !.”
ظهرت أسنانها البيضاء في ابتسامة متسللة من ثغرها الصغير.
” قد لا تعلمين !, لكن كلما ارتد هذا الطقس اللطيف تزامن مع أيام أتذكرها في ريس , لذلك دوما ما أحسست بشعور ظريف في قلبي , و كأنه يهدأ أو مثل أنه توقف عن النبض و التنفس لكن إرادته أبقتني حية!.”
هالتها الرزينة و كلماتها الرسمية تناثرت مع هبوب ريح جديدة.
بينما ذرفت بضع كلمات مختلفة و جديرة لتفصح بها عن مشاعرها بحتة.
” في شبابي و حتى الآن رجيت لو أعيش في لحظة السلام هذا الدهر كله!”
أتممت حديثها بنغمة لينة و كأنها تمتمات خفيفة.
لم تفوت الدوقة لويزا الشابة و لو مقطوعة واحدة من كلمات غريتا الحريصة, التي جعلتها تبدو امرأة مفعمة بالحيوية كما بدت مندفعة و متلهفة لقرارة ذاتها.
انتظرتها حتى تطبق شفتيها المدبوغة معا حتى تبدأ في حديثها المعسول
“كما تعلمين خالتي , لا يوجد ما يسمى بالحياة الأبدية في قاموس الواقع أسفا!”
تنهدت غريتا بأسى و جزع كاملين قبل أن تواصل لويزا جملتها المقطوعة التي بدت و كأنها تحطم آمال السيدة العجوز .
” خالتي …”تمتمت لتجذب نوعا من سهوتها
نجحت فعلا بحيث أن الكونتيسة كبيرة السن أعربت عن اهتمامها و هي تغير موضع سواد عينيها بخفة.
” لقد سمعت أنك أفصحت عن اهتمامك في تبني حدث أكاديمية ريس للآنسات و الفتيان ”
نبرة هادئة ذات ثبات و وقار كانت خالية من العداء
” حسنا اعتقدت أنه من الجيد معاينة فعاليات الشبان “
” كما أنني أتطلع إلى تشجيع و تقدير أعمالهم و مجهوداتهم المبذولة لهذا اليوم “
نغمة متحمسة , أبصرت طرافة السيدة كبيرة السن.
” بالطبع …”ابتسمت الشابة بينما اتسع ثغرها ضعف حجمه الطبيعي.
تبادلا الحديث المعسول و الملاحظات الحلوة بينما حافظت كلتاهما على ابتسامات أنيقة و جزيلة
كأنهما عبرتا عن الامتنان و التقدير في أحلك فترات النهار .
لكن الظلمة الجميلة لم تمنع السيدتان في مواصلة الدردشة
بينما تألق البدر الجميل و سطعت النجوم في ثغر السواد الداكن
بدت كبريق أنيق تناثر على لوحة سوداء كحلية بشكل مبعثر برز أعلاها جسر طفيف لامع اشتبه مع أنف السيدة المتطرف
بدى أكثر ملائمة و إشراقا عن التوهج الساطع أول فترات الصباح.
التعليقات لهذا الفصل " 8"