اللون السماوي الجميل أول فترات الصباح تحول إلى دكنة حالكة السواد في رمشة عين.
كانت هذه الليلة غير مقمرة ولم تومض حتى النجوم المتأنقة على غير العادة.
و كأن الظلام يخفي جريمة متعمدة خلف عيون وميض السماء المؤنس.
كان تلك الليلة ثقيلة ,ساكنة و هادئة على نحو مخيف كما لو السماء ترفض ما يحدث.
لم يخدش الصمت المهيب سوى صوت رقيق و هامس بارتجاف واضح “جيت …لقد حان الوقت للمغادرة …بسرعة”
لهاث متقطع بينما برز نور لفوانيس مختلفة.
ها هي روبي الصغيرة تحدق إلى الأعلى.
إلى رفيقتها التي تنصاع إليها بانسياب بعد محاولات جامحة للإقناع .
وضعت بيرجيت قدمها اليمنى على مقدمة نافذتها الكبيرة نسبيا, قبل أن تضع يدها اليسرى في جذع النافذة و هي تحمل فانوسا بإحكام و قلق باد عليها و كأن خوف استيقاظ والدتها أكبر بكثير من خوف مجازفتها الغير معقولة .
” لا أصدق انك ستجعلينني أتسلق الشجرة بينما احمل الفانوس اللعين”
صرخت جيت بنبرة جعلتها تبدو في عتاب صريح.
” لا أصدق وقاحتك آنسة شولر”
” بعد فكرتي العبقرية لتحريرك من كتبك الغبية هكذا تكافئينني؟”
استهزاء و عناد واضحين في نبرتها الهامسة و استفزازية بما يكفي لتغضب صديقتها العزيزة.
عضت جيت على شفتها السفلى بقوة و هي تضع أولى خطواتها على جذع الشجرة الصلب بارتجاج و حذر شديد.
” حسنا …ها نحن ذا”تمتمت في أعماقها و كأنها تنبت بذرة شجاعتها التي ذبلت قبل لحظات قليلة.
” هيا…هيا..يا الهي…”اكتفت روبي بالتوسل لسلامة رفيقتها و نجاح خطتهما الصغيرة.
ارتكزت على الجذع بينما أحكمت قبضتها على الفانوس الذي أضاء المكان بأكمله.
عانقت الشجرة بينما تراجعت أطراف أصابع أقدامها نحو الأسفل ببراعة و خفة.
لوهلة أخطأت في موضع قدمها ثم استعادت ثباتها.
” يا الهي ….كدت أسقط”
” جيت كوني حذرة…”تمتمت بهدوء بينما كانت تمسك قلبها الصغير من الوقوع.
الآن لم يبعد بينها و بين الأرض المدنسة إلا بضع سنتيمترات قليلة.
قفزة …قفزت بينما لا زالت تحكم على الفانوس .
“مرحى…”صرخت روبي
ابتسمت بيرجيت قبل أن تطالب روبي بالهدوء.
” فلتترجلي…روبي.”ناشدت
هزت روبي رأسها و كأنها وافقت الطلب الغير مسبوق.
مشتا جنبا إلى جنب بينما تقدمتا كل خطوة نحو طريق النهر المرير.
ظهرت العديد من أشجار البلوط الضخمة غير الأشجار المزهرة الأخرى.
و لم يكن خلفهما سوى المجرى المائي الطويل الذي ظنتاه هدفا بعيد المدى.
” وصلنا “لم يكن سوى تنهد روبي الخفيف الذي امتزج مع صوت الصفير الغريب و صوت حفيف الأشجار الذي تناسق بعناية مع الجو الليلي الرهيب.
فور اقترابهما انعكست اللمعة الباهتة لضوء الفوانيس المحملة…ذلك أتاح المجال لظهور صورة غير دقيقة لشريكتي مغامرة الليل المخيفة.
” هل تعتقدين أن الأرواح ستظهر؟”
” ربما الجنية…”أجابت و قد باتت ثقتها مساء اليوم مهب الريح.
” حسنا …و إذا ظهرت ماذا سنفعل حينها”سألت بيرجيت بارتعاب.
” لقد فات الأوان للخوف جيت …نحن لن نخسر شيئا من التجربة”
أعادت توجيه حدقتيها إلى وجه شريكتها الخائفة متأخرا,لم تكذب شعرت بالذنب لذا سارعت في الإجابة:”إذا ظهرت سنهرب ,أهذا مفهوم؟”
أومأت بيرجيت كعلامة على الموافقة.
وقفتا أمام النهر مباشرة قبل أن تفتح جيت ثغرها الصغير
“أنا…أعتقد أنني سأراقب من الأعلى”
” من أعلى الشجرة تلك”لوحت بأصابعها نحو الشجرة المعنية.
” يا مغفلة , إذا ظهرت الجنية سأهرب عبر طريق الغابة و أنت لن تتمكني من نزول الشجرة بحلول الوقت الذي ستتمكن به من الصعود إليك”
تسلقت الشجرة الأقل طولا بينهن للمراقبة من مكان بعيد قليلا.
ابتلعتا ريقهما قبل أن تفتح روبي حقيبتها الجلدية الكبيرة و تخرج منها الكتاب الذي قرأته مساء هذا اليوم.
تمتمت بكلمات مختلفة لاستدعاء الجنيات بينما اكتفت الأخرى بالهمس بعد كل كلمة كظل مرئي.
بحلول انتهاء الجمل المزعومة هبت ريح قوية ما جعل كلا الفوانيس تنطفئ بسرعة.
التعليقات لهذا الفصل " 5"