همس النجاة في أحضان الظلام
جرت روبي نحو الأرض .
استلقت بخفة و هي تمدد ظهرها على العشب.
أرخت جسدها و هي تتنفس الصعداء “آه ,آه…”
كانت الرائحة الخفيفة لقطرات الندى الممزوجة بالتربة الخصبة تفوح عبر أنف روبي الصغير .
جسدها المرهق الممدد لم يقوى على الحركة بينما كان شعرها الأسود مبلولا بالعرق و زمهرير ماء البحيرة الذي جعل القشعريرة تغزو جسدها الشاحب.
أطرافها المتجمدة مقبوضة بشدة و أسنانها المصكوكة من البرد موضوعة في الفم المصفر.
العيون المفعمة بالحياة أظلمت و هي تنغلق بإرهاق بالتدريج.
قبل أن تغلقها تماما ,رصدت روبي شابين يحملان جسد بيرجيت خارج البحيرة لإنقاذها .
ارتسم البؤس على ملامحها القلقة قبل أن تبتسم نصف ابتسامة عندما بزقت جيت الماء من فمها .
رأسها الموضوع على الأرض غير موضعه عند غياب وعيها بشكل كامل.
” حمدا الله …ي ا.. الهي شكرا لك …”ابتلعت كلماتها .
بعد كل هذا , تمكنت روبي من إنزال دمعة أخرى تدفقت على وجنتيها .
لم تكن مجرد دمعة بل ثقل التعب و التعاسة على قلبها و راحة بالها بعد نجاة رفيقتها المتذمرة .
” ماتياس “بصوت بارد.
انحنى نواه بمقربة من رفيقه ماتياس فيلديك .
كان ماتياس راكعا بجانب جسد روبي و بيرجيت بينما كان يتحقق من نبضهما.
تنهد لوهلة , بعدها غير تركيزه نحو مصدر الصوت.
” ماذا ؟”بتعجرف.
” ما بالك أيها الأحمق , هل أنت المصاب أم هما ؟” جعد حاجبيه باستفزاز.
” يا الهي ,هل أنت إنسان أيها الدوق غيلبيرت؟؟” تحدث معه بسخط و غضب من تصرفاته الغير مفهومة.
تأفأف نواه و هو يمسح على شعره المبلل .
سقطت عدة قطرا من الماء على حذائه و هو مبلل بالكامل من شعره إلى أخمض قدميه.
” هل تعتقد ذلك حقا ؟؟”ابتسم بتكلف.
لا زالت النظرة الحادة في عيون ماتياس موجهة نحوه.
“أيها الماركيز الجبان فيلديك ,هل تعتقد أنك أنت من دخل إلى الماء في هذا الليل”
حافظ نواه على ابتسامته الفخورة .
ملابس الحفل تبللت بالكامل .
نواه قد خصص اهتماما أكثر لملابسه لحفل الأكاديمية .
لسوء الحظ,لم يسعد بها طويلا .
اضطر لنزع بدلته الأنيقة التي قطرت منها المياه بخفة و وضعها على كتفه.
لقد كانت ثقيلة للمشي بها بعد أن تبللت.
عض ماتياس شفتيه و هو يطبقهما معا لابتلاع كلمات قد تفر من شفتيه.
” بفت…أنت يا ابن …”كتم كلماته بسرعة.
سرعان ما استقام نواه و فتح فمه :” للأسف , الليلة ليست لبطولتك أيها الماركيز”
” أتمنى لك حظا أوفر مرة أخرى” أتمم حديثه المتغطرس.
وضع عدة خطوات في حين أن صوت حذائه على الأرض لا يزال مدويا.
توقف بعد مدة قصيرة :”سأحضر المساعدة ,فلتبقى معهما”
صوته البارد نفسه بينما كان يوجه ظهره لماتياس المنزعج.
” يا الهي , بيرجيت ….روبي “صرخت بيرثي صيحة تكاد تسمع في الغابة بأكملها.
حينما أحضر الخدم جسدين مملين من مكان بعيد ,فشلت بيرثي في تحديد هويتهما خصوصا عندما بدأ الحشد بالاتفاف حولهما .
كافحت بيرثي للتغلغل بين الحشود ثم الوصول إلى الفتاتين المتعبتين .
وجوههن مزرقة و يتصببن عرقا باردا.
لم تعي بيرثي ماذا تفعل ,فقط كان جسدها يقشعر من القلل .
ترتجف بشدة من مظهرهما الشاحب .
الوجوه التي كانت محمرة أصبت مصفرة بشدة.
كان يصعب التعرف عليهما حتى.
حتى أن شفتي بيرثي أصبحت بنفسجية و مزرقة.
” أوووه …يا الهي ..يا الهي …”
” صغيرتي ماذا حدث لهما ؟”شعور يصعب فهمه من تأنيب الضمير و عدم التصديق.
يمكن الجزم أن المرأة المنتصبة أصبحت مكسورة بالكامل .
السواد تحت عينيها ظهر فجأة ,حتى عندما تم سحب روبي و جيت إلى الداخل.
وضعت روبي على الأريكة الفاخرة التي سرعان ما أصبحت مبتلة .
كما وضعت جيت بجانبها .
مسحت بيرثي على جبهة بيرجيت ثم روبي و هي تحكم على أطراف أصابعهما المتجمدة.
” روبي …روبي “صرخة رجل غاضب سمعت في القاعة المكتظة .
” أيها السيد ماير …أرجوك تمهل “ناشد العامل السيد المتهجم ذو البنية الجسدية القوية.
“إنها ابنتي …أين هي ؟”كان عابس الوجه .
غيرت بيرثي موضع رأسها نوه بسرعة.
” سيدي ….”تنهدت .
لا زال عامل الاستقبال يحكم على جسد الرجل الكبير الذي رفض التزحزح .
بدى جاهزا للشجار في أي لحظة.
لمح راينر ماير جسد روبي من بعيد فأسرع نوها بخطوات خفيفة.
الرجل المخيف سرعان ما تغيرت ملامحه إلى أخرى يصعب تفسيرها.
“روبي …صغيرتي “صرخ .
أحكم عليها بينما تدلت بلوزته الصوفية بإهمال .
وجهه يتصبب عرقا و حاجباه مشدودان.
فتت روبي عينيها بتعب لم تضيع أي لحظة في الالتفاف نحو بيرجيت بجانبها و الإمساك بيدها بقوة.
ابتسمت عندما لاحظت وتيرة تنفسها الهادئ .
“شكرا لله …”تنهدت بجزع.
لا زالت على قيد الحياة , كما أن وجهها بدأ يستقر.
” أوووووه …يا الهي …”لا زالت تذرف الدموع بإرهاق .
“حقا كدت أموت من فكرة فقدانك ..”رفعت نبرتها المرتعشة.
لامست وجه بيرجيت بخفة
” أنا آسفة …آسفة حقا …”
لا تزال فاقدة للوعي لكن جيت تمكنت من الشعور بالدفء في لمستها.
لم يحاول الوالدان التدخل ,فقط اكتفيا بالصمت .
أفاقت روبي و تمكنت من العودة برفقة والدها بينما بيرجيت استعادت وعيها بعد لحظات قليلة و عادت مع بيرثي مرة أخرى إلى المنزل .
“لقد كانت حزينة من فكرة عدم تسني الوقت للاستمتاع بالفستان الذي تمزق و فسد “
كان جل ما غمر تفكيرها و عقلها المتعب.
” مرحبا ,مرة أخرى “
” أتمنى أن الفصل قد نال إعجابكم رغم أنه قصير نوعا ما “
” سأحاول أن أجعل الفصل القادم أكثر طولا بأحاسيس و مشاعر أعمق بشكل عائلي و ان استطعت حبكة أكبر”
“قبلاتي ,كاتبتكم المحبوبة “زوي ”
التعليقات لهذا الفصل " 13"