ضياع
” أين نحن؟؟”تنهدت روبي و لا زالت تهدئ وتيرة نبضها السريع.
كان صدرها يعلو نحو الأعلى ثم الأسفل بشكل متكرر .
شعرت بتمزق داخلها مما خلق ألما حادا .
وضعت سطح يدها على صدرها ببؤس.
الدموع رفضت أن تلامس خدها بل كافحت لتجنب الانهيار.
تموضعت قطرات البؤس على حواف عينيها المحمرة بشدة بينما رفضت روبي سقوطها .
نتيجة للظلمة الشديدة امتنعت جيت عن ملاحظة احمرار عيني روبي لكنها جزمت رؤيتها لبريق خافت في عينيها .
“بدت مكسورة و بائسة “خمنت بيرجيت و هي تلهث بتعب.
أخذت نظرة خاطفة حول المكان لكنها لم تتعرف عليه .
” يا الهي …روبي أين نحن بفضلك؟”صرخت بعتاب.
” هل تلومينني حقا , آنسة شولر ؟؟”صاحت روبي بانزعاج .
نظرت روبي حولها بخوف بينما تسارع نبضها مرة أخرى .
” أين نحن حقا ؟” دوت صرخة جيت.
” لا يمكن أننا ابتعدنا كثيرا “أفصحت روبي .
” إذا تفضلي و أعيدينا إلى الحفل”
انكتمت روبي فجأة دون حديث فقط تدير عينيها نحو الظلمة في الأرجاء لم تتمكن من تحديد موقعهما حتى.
نظرة متعبة ارتسمت على وجه جيت التي استهلكت تماما .
كأن روحها خطفت بينما روبي بدت مرهقة.
ثبتتا معا دون حركة لمدة بينما أحكمت روبي كاحلها نحو صدرها .
جلستا جنبا إلى جنب في العتمة دون إحداث أي ضوضاء .
فجأة , نهضت روبي بخفة بفستانها المشدود الذي أصب ثقيلا و صعبت الحركة بحرية به.
” هيا ….لنتحرك “صرخت بينما كتمت بكاءها .
” إلى أين …؟؟؟”نظرت جيت نحوها و هي ترفع فكها .
” إلى أي مكان …بعيدا عن هنا “أتممت حديثها .
” يا لك من سخيفة , لا تجيد تحمل المسؤولية “أبدت جيت انزعاجها .
بينما روبي ساعدتها على الوقوف نظرا لفستانها المنفوش .
أحكمتا قبضتهما الصغيرة معا و مشيتا جنبا إلى جنب و هما تناجيان أي شخص يمكن أن يكون قريبا .
” آه …يا الهي أمي ,أريد العودة الى أمي و الحفل و الى البيت أنا متعبة “صرخت و هي تكتم حزنها داخلها فقط.
“توقفي عن التذمر …”ناجتها روبي و هي تمس على ظهرها .
” بفضلك أيتها الحمقاء تهنا بعيدا في هذا الليل “
مسحت دمعة فارة بسرعة بينما احمر وجهها و تجمدت أطرافها من البرد .
كما شعرت بالإعياء .
” الجميع في الحفل و نحن في مكان لا نعرفه “احمر أنفها بينما شعرت بالنفس البارد في حلقها.
” لا أصدق ما فعلته “بكت.
لا زالت تشبك يديها بيد روبي لكنها واصلت معاتبتها التي اختلطت بنغمة شهيقها المستمر .
نحيبها و الأصوات الغريبة في الغابة زادت الأمر سوء على كليهما.
اكتفت روبي بالصمت المدهش على غير طبيعتها الثرثارة و هي تكتم يدها على جيت و كأنها تخاف أن تضيع عنها .
أيضا للشعور بالقليل من الشجاعة.
في كل مرة مشتا و غيرتا اتجاههما اصطدمت واحدة منهما بصخرة أو جذع شجرة .
تعثرت جيت في العديد من المرات .
أصيبت روبي بجرح في كاحلها الجاف من البرد مما انحرف نحو القاع في صبرها .
الجروح و الإصابات المكثفة و بكاء بيرجيت المزعج جعلها تندب حظها.
تك , تك
دوت خطوات روبي البطيئة و قرقعة كسر غصن صغير كل مرة .
هوف ,هوف
صوت هبوب الرياح الباردة كل مرة , اقشعر جسدها.
امتزجت الأصوات في رأس روبي مع النحيب المستمر.
” توقفي روبي …أشعر بالتعب ” تنهدت جيت .
” لا بأس سنصل قريبا …” أحكمت كلماتها.
” لا ,لا …أريد التوقف الآن “نزعت يدها بخفة.
وضعتها على كاحلها بينما اندفع ظهرها نحو الأمام في وضعية استراحة.
” بيرجيت …أنت تصعبين الأمر علي “صاحت.
” حقا ,ماذا تقولين ؟ أنا أصبحت الإشكال الآن “نظرت نحوها و هي تذرف العرق البارد و تهمس بالهواء البارد في أنفها.
” بالطبع أنا السبب “ابتسمت بتكلف .
” لذا أتركيني بما أنني علة ” صرخت بحزن.
انتظرت روبي لعل و عسى تتوقف نوبة عصبيتها قليلا .
” في ليلِ الغابةِ حين ينامُ القمر “
ترقصُ الجنياتُ فوق الزهر
أجنحةٌ من نورٍ وفضّة
تحكي أسرارًا لا تُقَدَّر
لا لا لا…
همسُ الجنياتِ في الريحِ سار
لا لا لا…
” يحملُ حلمًا، ضوءًا، نهار… “
” هل تسمعين ذلك روبي …”ابتسمت جيت و توردت خدودها بعد ذرة أمل غرست في قلبها .
” تغنّي للندى عند الفجر”
وترسمُ أمنيةً على الحجر
“إن سمعتَ اللحنَ لا تخف”
” نعم …نعم بيرجيت “هتفت روبي مسرورة.
وضعت جيت قدمها على الأرض المدنسة بقوة و هي تحمل جسدها المرهق بتعب.
لم تهتم لا تساخ حذائها و فستانها و لا سطح يديها في ثباتها من جديد.
بسرعة خاطفة جرت جسدها نحو الصوت “نحو نور فؤادها “.
بسرعة,بسرعة أكبر .
صبت قوتها كلها في أقدامها .
لم تستمع لصوت روبي و هي تطلب منها التروي في جريها فقط إلى صوت قلبها.
صوت فرقة أمها الموسيقية بينما غنت أنشودة الجنية .
” لقد تم تغيير الأغنية مؤخرا ,إلى كلمات أخرى بفضلها أستطيع العودة”فكرت داخلها.
” خبطة …”
” يا الهي ….”صرخت روبي بخوف و كأن قلبها سقط .
مشهد بيرجيت و هي تسقط إلى القاع حفر داخلها.
خشخشة الماء اثر سقوط الجسد داخله .
تذبذب أمواج الماء و ارتفاع منسوبه فور السقوط ثم انخفاضه كان رهيبا .
عيون روبي توسعت و هي تعقد حاجبيها معا .
فمها تجمد بلون بنفسجي باهت .
انتصبت أقدامها و تجمدت أطرافها , من قوة الصدمة لم تقوى على الحركة.
بسرعة استعادت عقلها الغائب و اتجهت نحو الجسد الغارق بينما مدت رفيقتها يدها نحو الأعلى و هي تناشد المساعدة.
“جيت …..”صرخت بقوة .
” آه , آه ,عزيزتي ” رغم عدم استعابها إلا أنها تحاول المساعدة بأي شكل .
” كيف يمكن وجود مجرى مائي وسط الغابة ,هكذا “فكرت .
سحبت روبي جيت بشدة من يدها و مررت سطح يدها نحو الأسفل حتى كتفها و لا زالت تسحب جسدها نحوها بقوة.
جسد بيرجيت الذي يفلت سحب جسد روبي معه .
روبي تكافح بينما تصبب العرق البارد من جبهتها نزولا إلى وجنتيها و هي محمرة .
خصلات شعرها الأسود نزلت إلى جبهتها بينما فسدت تسريحة شعرها .
لمعت عيونها الزرقاء العميقة بالإرهاق.
لوهلة , انبعث وميض دافئ في قلوب كل راء .
أنعمت الغابة بوميض متوهج في المكان .
كأنها نور يشع في أفئدة من هم فيها .
زاد الشعاع اللامع في كل رقعة و ركن حولهما .
جسد روبي المتعرق أصبح متعب بينما لاحظت أن بيرجيت لا تتحرك .
ذرفت الدموع الحارة التي انهمرت على وجنتيها بغزارة.
نما الوميض في كل ثانية في الأرجاء .
” لقد كانت الخنافس “
” لكن كيف ؟؟؟”فكرت روبي .
“لا يزال فصل الصيف في بدايته “
على حين غرة , شعرت روبي بجسدها نحو الوراء بينما كان يتسحب بواسطة يد غريب.
أعيد ثقلها بينما ارتمت على العشب وسط الوهج اللامع.
التعليقات لهذا الفصل " 12"