استمتعوا
حين كان ولي العهد لويس قد أتم عامه الأول، تمّ تعيينه رسميًا وليًا للعهد.
واحتفالًا بهذا التعيين، أجرى الملك والملكة مقابلة عائلية مع مجلة إلتون، بإشراف مباشر من محرر الصحيفة، إينوك.
لقد حققت هذه المقابلة البسيطة، المرحة والقريبة من القلب، نجاحًا باهرًا.
ولا سيما أن الوحات العائلية المنشورة في الصحيفة قد أبدعتها إينيس، التي ارتقت لتصبح رسامةً تمثل المملكة.
قالت الملكة هيلينا، وهي تحدق بالرسمة بعينين متسعتين.
‘يا للعجب، سمو الدوقة.’
عند رؤية الرسم التوضيحي، فتحت الملكة هيلينا عينيها على اتساعهما.
‘أليس هذا تصويرًا لي برأفة شديدة؟’
تحولت ملامحها إلى وجه متحير قليلًا وهي تنظر إلى إينيس.
‘ماذا تقولين؟ صاحبة الجلالة دائمًا رحيمة وجميلة.’
الملك إدوارد ارتجف من شدة الدهشة كما لو كان متأثرًا بشكل مبالغ فيه.
‘حتى لويس خاصتنا يشبه هيلينا، ولهذا يبدو كطفل ملاك.’
‘وأنت أيضًا، حقًا.’
ابتسمت الملكة هلينا لملاحظته، ولم يزعجها الأمر، بل كان مزيجًا من الغمز والدلال.
أما إينوك، فقد ارتسم على وجهه التعب والإحراج.
ولأن الملك إدوارد أعجب باللوحات كثيرًا، كلف إينيس بإعداد ثلاث لوحات عائلية إضافية، للعرض، وللاحتفاظ، ولأغراض أخرى.
على أي حال، فقد بيعت لوحات إلتون كأنها تطير من على الأرفف.
وطبعًا، أصبح إينوك، صاحب لوحات إلتون، مشغولًا بلا توقف.
‘في الآونة الأخيرة، أصبح من الصعب جدًا عليّ رؤية وجه إينوك.’
رأت إينيس إينوك يعود إلى المنزل في وقت متأخر من الليل ويغادر باكرًا في الصباح، ولم تملك إلا أن تشعر بشيء من الأسف داخليًا.
وفي الوقت نفسه، كانت إينيس نفسها مشغولة على نحوها الخاص.
انغمست في نشاطاتها الفنية دون انقطاع.
أنجزت كل اللوحات التي طلبها إدوارد، ورسمت بعض القطع الصغيرة أيضًا.
وأحيانًا لم تنس زيارة الأكاديمية للاطلاع على رسومات الطلاب.
وبينما كانت تمر بأيامها المزدحمة…
‘همم، أشعر ببعض الغثيان هذه الأيام.’
عبست إينيس قليلاً.
كانت الآن في ورشة الرسم المخصص لها داخل فيلتها الخاصة.
المكان المملوء برائحة الألوان وغبار الورق كان من أكثر الأماكن قيمة بالنسبة لها داخل المنزل.
كانت أصوات الورق المتحرك تُشعرها دومًا بالراحة والسكينة.
لكن اليوم، وبشكل غريب…
‘مزعج.’
كل ما كان يريحها عادة أصبح يثير انزعاجها؛ رائحة الألوان، ورائحة الغبار المميزة للورق.
‘غريب، هل سبب هذا شيء في طعام الغداء؟’
أخذت إينيس تلوّح رأسها بتساؤل، وجلست على مقعدها.
أمسكت بالقلم وبدأت بالرسم.
في البداية شعرت بصداع بسبب الروائح المختلفة التي ملأت الأتليه، لكن سرعان ما ركّزت على لوحتها.
ومرت فترة من الزمن…
“إينيس.”
سمعت صوتًا يناديها، فرفعت إينيس رأسها فجأة عن الرسم، مستجابة للنداء.
“إينوك؟”
ارتسمت على وجه إينيس علامات الترحيب والفرح.
نزعت المئزر بسرعة ووضعته جانبا، ثم هرولت بخطوات سريعة نحو إينوك.
“يا إلهي، لِمَ يبدو كأننا لم نلتق منذ وقت طويل هكذا؟”
“وأنا كذلك أيضا.”
قال إينوك ذلك وطبع على جبين إينيس قبلة سريعة مُحدثا صوتا.
تقبلت إينيس القبلة بعفوية.
“ماذا عن العمل؟”
“لقد أوشك على الانتهاء.”
هز إينوك رأسه نافيا.
طبعا كان هو رئيس الصحيفة الإعلامية وكان يغمره الفخر لتزايد مبيعات إلتون.
كما كان يحدوه الطموح لزيادة الاهتمام بـصحيفة إلتون في المستقبل.
لكن
‘ومع ذلك، أن يقل الوقت الذي أقضيه مع إينيس، فهذا أمر محزن قليلاً…’
تنهد إينوك في داخله ثم استأنف حديثه قائلا.
“على كل حال، عرضت جلالة الملكة أن نتناول العشاء معا.”
“حقا؟ متى؟”
أشرق وجه إينيس بالخبر.
“أعتزم تحديد الموعد بعد غد، فهل يناسبك؟”
“طبعا، حتما. إذا علي أن أُعد هدية.”
كان معروفا لدى جميع أفراد العائلة المالكة مدى محبة إينيس للأمير ولي العهد لويس.
“لقد سمعت مؤخرا من جلالة الملكة أن ولي العهد قد استطاع أخيرا الوقوف على قدميه. صحيح أنه لا يزال يحتاج إلى الاتكاء على شيء مثل الدرج، لكنها قالت إنه سيمشي قريبا.”
استمر حديث إينيس بصوت متحمس.
“أعلم أن هذا القول قد يكون غير لائق تجاه ولي العهد، لكني أظن أنه سيكون لطيفًا جدًا. أتمنى أن أراه قريبًا.”
ولكن في تلك اللحظة.
“إينيس.”
نظر إينوك إلى إينيس بوجه يكسوه الامتعاض بعض الشيء.
“أنا أيضا لم ألتق بكِ منذ زمن.”
“…نعم؟”
رمشت إينيس بعينيها في ذهول.
لم تفهم إطلاقا ما يقصده إينوك بكلامه ذاك.
“أجل، هذا صحيح، لكن…؟”
“هل من اللائق أن تتحدثي عن ولي العهد طوال الوقت، في حين أن زوجك الذي لم تريه منذ مدة يقف أمامك مباشرة؟”
رمقها إينوك بنظرة غاضبة لكنها محببة.
“أشعر بالضيق حقا.”
“اهمم.”
شعرت إينيس بالحيرة قليلا، لكنها اعتذرت لإينوك لأنه شعر بالاستياء.
“آسفة.”
فضيَّق إينوك عينيه الزرقاوين متسائلا.
“بالقول فقط؟”
“ماذا؟”
في تلك اللحظة حمل إينوك إينيس فجأة بين ذراعيه.
“يا إلهي!”
تفاجأت إينيس بالارتفاع المفاجئ لمستواها فتشبثت بعنق إينوك واحتضنته بقوة.
“أنا أود الحصول على الاعتذار بطريقة أخرى.”
شد إينوك ذراعيه حولها بلطف.
“قضاء الوقت وحدنا، هذا أمر… يبدو أنه مر عليه زمن طويل جدا.”
“طريقة أخرى إذا… آه.”
في تلك اللحظة اعتلت شفتي إينيس ابتسامة.
انحنت وقبلت شفتي إينوك على عجل.
“تشك.”
كانت قبلة خفيفة كمنقار طائر يلامس شيئا.
“هل هذا كاف؟”
سألت إينيس بمرح.
في الحال غرق لون عيني إينوك الزرقاوين في سواد داكن.
“لا.”
أجاب إينوك بحزم وقبل إينيس فورا.
طبعت شفتاه على شفتيها وابتلع أنفاسها.
“هس…”
مجرد قبلة كانت كافية.
لتغطي قشعريرة حلوة جسدها كله.
اهتز كتف إينيس رغما عنها.
بعدما طالت قبلته لإينيس، مشى إينوك خطوات واسعة نحو غرفة النوم وهو ما زال يحملها.
صرخت إينيس وهي مذعورة.
“مهلا، إينوك؟ لا يزال الوقت نهارا!”
“هل في ذلك مشكلة؟”
سأل إينوك ببرود.
“…”
التزمت إينيس الصمت.
لأن تجربتها مع إينوك علمتها أنه عندما يشتعل بهذه الطريقة، لا يمكن إيقافه في الغالب.
‘يا إلهي.’
تنهدت إينيس في داخلها تنهيدة طويلة وهي معلقة بهدوء على كتف إينوك.
على ما يبدو، سيتعين عليهما تناول العشاء في غرفة النوم هذا المساء.
***
بعد بضعة أيام، اعتلت إينيس العربة وهي تحمل بين يديها أكياسًا مثقلة بالهدايا، كانت جميعها مخصّصة لولي العهد لويس.
راقبها إينوك وهو يهزّ رأسه أسفًا.
“لو رآكِ أحدٌ لَظنّ أن لويس هو ابن أختكِ، لا ابن أخي!”
ثم أردف بتذمّر ووجه عابس.
“ليتني أحظى بنصف هذا الاهتمام الذي تُولينه للويس!”
…هل أصبح هذا الرجل ساذجًا إلى هذا الحدّ؟!
ضيّقت إينيس عينيها وهي تحدّق في إينوك مطولًا.
‘لقد ظننته، حين التقينا أول مرّة، رجلًا رزينًا وناضجًا غاية النضج…’
وبينما كانت تضمر هذه الفكرة، ابتسمت إينيس ابتسامة خفيفة.
‘وما هي المشكلة؟ حتى تذمّره العاتب هذا يثير لطفي وإعجابي.’
يُقال إن المرء إذا وجد في الرجل ما يجعله لطيفًا ومحبّبًا، فقد بلغ الغاية. وفي ضوء ذلك، يبدو أن قلب إينيس قد أُسِر بإينوك أسرًا محكمًا.
“فيمَ تُفكّرين؟”
سألها إينوك في تلك اللحظة بعينين يشوبهما الريبة.
“أمم… أفكر في أن إينوك لطيف ومحبّب؟”
“……”
أصاب هذا الجواب إينوك بشيء من عدم الرضا.
صحيح أنه يدرك أن كلمة ‘لطيف’ من إينيس تعني مقدار حبّها له، لكنه كان يفضّل عليها كلمة ‘رجولي’ أو ‘رجل شجاع’ بدلًا من ‘لطيف’…
‘حسناً، كفى من التصرفات الطفولية’
تنهّد إينوك في داخله، ثم قدّم لإينيس المساعدة لتصعد إلى العربة.
لكنّ المشكلة وقعت بعد ذلك.
فقد بدأ وجه إينيس، وهي جالسة أمامه، يشحب لحظةً بعد لحظة، ويتملّكه الاصفرار.
“إينيس؟”
“آه، أنا بخير.”
أشارت إينيس بيدها نافيةً حاجتها للمساعدة.
“يبدو أنني أصبتُ بدوار الحركة.”
سرعان ما ارتسم على وجه إينوك ملامح قلقٍ بالغٍ.
“هل نتوقّف لبرهة لنستريح؟”
“نتوقف؟ لا حاجة لذلك. لعلّ إغماض عينيّ لبعض الوقت يريحني.”
طمأنت إينيس إينوك، ثم اتّكأت بجسدها على جدار العربة وهمّت بإغماض عينيها.
انتقل إينوك إلى المقعد المجاور لإينيس، ومدّ لها كتفه يتّكئ عليه.
“اتّكئي عليّ.”
“آه، شكرًا لك.”
ابتسمت إينيس ابتسامةً شقّت عليها، وأسندت رأسها على كتفه، ثم أغمضت عينيها برفق.
غير أن اضطراب معدتها لم يهدأ بسهولة.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 123"