1
<الفصل 1>.
استيقظت الابنة الكبرى لعائلة سكوت بعد الفترة الطويلة التي قضتها طريحة الفراش.
لم يكن سبب تغيُبها طِوال تلك الفترة الطويلة بسبب الكسل الشديد، بل الحمى المجهول سببها والتي لازمتها منذ الطفولة ، وبالرغم من ذلك؛ لم يحاول أحد مِن مَن يقطُن في القصر معرفة السبب الذي يُميز الحمى التي عانت منها عن الحمى المُعتادة، بل كانوا يقولون أيضًا.
” السيدة سكوت تمتلك اِبنتان “.
وكأن ميلدريد لم يكن لها وجود ابدًا في المقام الأول.
كما لو كانت شقيقتيّْها التوأم اللتيّن كانتا أصغر منها بعشر سنوات بمثابة جوهرْ عائلة سكوت.
وبما أن والدتها لم تحاول تصحيح هذا التصوْر حتى، فقد تم القضاء على مكانة ميلدريد سكوت في العائلة.
ومن كانوا يعلمون بالوضع برُمته ضلوا يتهامسون فِيما بينهم، قائلين أن أفضل ما يمكن أن يحدث لهذه الابنة الكبرى هو أن تُفارق الحياة قريبًا، والا فما الذي بمقدور عانس تبلغ من العمر ستةً وعشرين عامًا قضت حياتها كلها طريحة الفراش أن تكون ذا نفع به؟.
لكن ميلدريد استطاعت الوقوف على قدميها أخيرًا، بعد استيقاظها بنصف عام عند دخول باريس جوردون إلى جسدها.
***
وقفت باريس في ردهة القاعة التي يسكنها الخدم حابسةً أنفاسها، يبدو أن العادات القديمة لا تتغيّْر بسهولة، مثل الكلاب التي لا تستطيع التخلي عما اعتادت عليه، حتى السمك لا ينسى الماء الذي اعتاد اللعب فيه.
مر يومان منذ استيقاظها في جسد الفيكونتيسة ميلدريد سكوت، لكنها لم تستطع التخلي عن عاداتها السابقة كخادمة فانتهى بها الأمر في الطابق السفلي.
هل هنالك مخطط موحد لمسكن الخدم؟ فكل شيء هنا كان يشبه المكان الذي عملت فيه، مما بث السلام العقلي بداخلها.
” من يصدق أن الآنسة ميلدريد قد استيقظت! “.
تدفقت ثرثرة الخادمات عبر باب غرفة الطعام، كان هناك صوت ردد ما قالته تلك الخادمة بشكل مبالغ به؛ وتبعه ضحك الاخريات أيضًا.
عندما ألقت نظرة عبر إحدى الفجوات، لمحت الخادمات يجلسن مجتمعات حول طاولة الطعام.
” أقسم أن هذا ما حدث، كانت هذه أول مرة أرى فيها العم والت يصرخ هكذا “.
” لابد أنه تفاجئ كثيرًا حقًا “.
بصقت الخادمة التبغ الممضوغ الذي كانت تمضغه أرضًا.
” من الطبيعي أن تستيقظ تلك الحمقاء ميلي بعد أن ظلت مستلقية لنصف عام “.
ميلي الغبية.
كانوا يتحدثون عن ميلدريد هكذا، أو بالأحرى؛ صاحبة الجسد الذي بداخله روح باريس جوردون الآن تحديدًا.
” أصبح لدينا ثلاث آنسات بعدما كانوا اثنتيّْن فقط، وليس الأمر كما لو أنهم على استعداد لزيادة الراتب ودفع المزيد “.
” لكن من حسن حظنا أن العجوز العانس ميل تختلف عن شقيقتيها التوأم المُبذرتيّن “.
” أجل، الفارق الوحيد أنها ضعيفة وغبية “.
ضحك الجميع بشدة دون أن يدركوا أن الشخص المعني كان يستمع إليهم.
كان من السهل معرفة أن مكانة عائلة سكوت كانت ضعيفة بمجرد النظر الى الملاءات الرطبة وإبريق الماء الذي كان مغطى بالغبار، لكن رؤية خادمات يسخرن من سيدتهم بهذه الوقاحة والجرأة كان أمرًا يفوق تصوّْر باريس.
‘ فتاة ضعيفة وغبية؟ ‘.
إذ كانت ميلدريد سكوت حقًا كذلك النوع من النساء، فلا بد أن روح باريس جوردون قد أخطأت العنوان تمامًا، ربما بدأت تفضل الشعور بالندم على حياتها السابقة كخادمة لا قيمة لها.
كيف انتهى بي المطاف في هذا الجسد؟.
أصبحت أطراف أصابع باريس التي كانت تمسك مقبض الباب باردة كالثلج.
***
توفيت باريس جوردون منذ عشر سنوات في حادث عربة، كان ذلك اليوم الذكرى السنوية الأولى بمناسبة قدومها للعمل كخادمة لمنزل عائلة كوبريك، وعيد ميلادها السابع عشر.
لابد أن جنازة باريس جوردون كانت متواضعة جدًا لكونها مجرد خادمة فقط، ولكن لابد من أن شخصًا ما قد عزى على روحها، أي شخص عرف الظروف التي آلت بها إلى العمل عند عائلة كوبريك لابد أن يعرف قصة اختفاء قريبها الوحيد من الدم ، ألا وهو شقيقها الأكبر.
نورمان جوردون، الذي كان يكبرها بثلاث سنوات.
‘ اختي باريس، أريد جني الكثير من المال، لذا عليّ التأكد من تطبيق القواعد بشكل صارم ‘.
في ذاكرتها، كان أنف نورمان مدفونًا في مجلة الوظائف دائمًا.
‘ أنا أريد كسب المال من أجل تعليمك، أنتِ أذكى مني بكثير لذلك يجب أن تعيشي حياة أفضل من خاصتي ‘.
لينتهي به المطاف حاصلاً على وظيفة كمطور في جبال نوكتار.
وكان يعود إلى المنزل مرة واحدة كل أسبوع، وبعد فترة وجيزة، جلب نورمان بعض الأخبار المفاجئة معه.
‘ باري!، انظري إلى هذا! ‘.
ساعِد نورمان الذي كان مغطى بالندوب منذ الماضي البعيد، قد اختفوا تمامًا؛ قال أن هناك بئرًا من المياه الجوفية قد انفجر عليه بينما كان يعمل لساعات إضافية، بدا الأمر كما لو كانت مياهًا سحرية أو شيء من هذا القبيل.
بقي نورمان مستيقظًا طوال الليل يومها وهو يفكر في مقدار المال الذي سيكسبه، لكنه لم يعد ابدًا من العمل في اليوم الذي يليه.
…… ظلت باريس تنتظره على هذا النحو لشهر كامل، افتقدت نورمان كثيرًا لدرجة كونها لم تعد تغلق الباب أثناء الاستحمام لترحب به عندما يعود، ظلت مستلقية فقط و تنتظره.
لكنها عادت إلى رشدها بالكاد وبعيون منتفخة من كثرة البكاء، وجدت قطعة من الورق بعد البحث تحت سرير نورمان كان مكتوبًا فيها.
[ استئجار عمالة لإزالة الأعشاب الضارة من أراضي كوبريك – شارع×××× ].
لترسل رسالتين إلى عائلة كوبريك تسأل فيها عن مكان تواجد نورمان، لكنها لم تتلقى أي رد؛ حتى مكتب البريد الذي توقفت عنده للتحقيق انكرو أنهم من نشر هذا الإعلان عن الوظيفة.
تحاولون خداع من؟.
لو كان الأمر سهلا لم أكن لآتي إلى هنا حتى، لكن كان عليها اكتشاف ما يخبئه هؤلاء الأشخاص وما الذي فعلوه بنورمان.
استمرت في السؤال حول هذا الأمر وذهبت للتقصي عنه عند عائلة كوبريك أيضًا.
في تلك اللحظة كان هنالك صف من النساء ذوات الوجوه المُحمرّة يقفن و ينتظرن أدوارهن لإجراء مقابلة الخدم، وبعد أن فكرت في الأمر لبرهة، إنضمت معهُن وصفت في الخلف.
‘ ستكون مفيدة جدًا، أنها امية ولا تمتلك عائلة ‘.
نظرت الخادمة التي كانت تقف جوار الدوقة إليها عن كثب وقالت ذلك.
تعلمت القراءة والكتابة منذ أن كنت في الخامسة من عمري، وأصبحت افعلها بطلاقة وإتقان في سن العاشرة، لكن على الفتيات من الأُسر الفقيرة أن يتظاهرن بالغباء بسبب نموهم طويلات القامة ونحيفات.
كان العمل لدى الدوقة بمثابة خطوةٍ كبيرة تسرع عملية البحث عن نورمان.
وهكذا أصبحت باريس جوردون خادمة لدى عائلة كوبريك التي ساهمت في ذلك السيناريو.
***
لم يكن العمل كخادمة صعبًا.
طالما ظل كل شيء نظيفًا، و لم تلمس يديّ شيئًا لا يخصني وابقيت فمي مغلقًا و أعيني منخفضة، كان كل شيء سلميًا، ولقد ساعدني فقدان والديّ منذ سن مبكرة على بعض الامتيازات.
هل قلتِ أن اسمك باريس؟.
ذات يوم، امرتها الدوقة التي كانت تراقبها عن كثب بتسليم بعض الوثائق، لأنها كانت تقضي وقتها وحيدةً في حجرة الخدم حيث لم يكن لديها مكان تذهب إليه حتى في أيام اجازتها.
وفي الواقع في ذلك الوقت أيضًا، كانت باريس أيضًا تحاول إيجاد طريقة لمعرفة العنوان الدقيق للمكان الذي كان يعمل فيه نورمان في نوكتار.
كانت من المهام التي كلفتها الدوقة فيها تشمل أخذ أي أوراق تجدها في غرفتها وتضعها في صالة المعيشة أو مكتبها.
أصيبت بالذهول عندما أُمِرت أن تفعل شيئًا لم يبدو كالعمل الذي تخيلته.
لقد لعبت بشكل طبيعي دور خادمة للدوق والدوقة، وكانت مسؤولة عن تنظيف غرفة ابنهما أيضًا، المدعو بدارين كوبريك.
دارين كوبريك.
كان هناك الكثير من الأقاويل تدور حوله.
فتى وسيم كان يجعل أي شخص يدير له رأسه لكي يراه، عبقري المبارزة في الأكاديمية، كان هنالك العديد من الكؤوس والجوائز لعدم تفويته المركز الأول حتى في امتحان إدارة الأعمال، باريس التي كانت تكنس و تنظف غرفة النوم و المكتب اللذان لا مالك لهما، التقت بدارين لأول مرة عندما عاد إلى المنزل لقضاء العطلة.
لقد فوجئت لوجود شخص مثله في هذا العالم، لكنها لم تجرؤ على حسده لامتلاكه لكل شيء.
في إحدى الأيام، بينما كانت تقرأ سرًا مجموعة من رسائل الاعتراف التي تلقاها من فتيات الأكاديمية و كانت تشتعل في موقد غرفته.
‘ هل تجيدين القراءة؟ ‘.
لقد تفاجئت باريس لدرجة قيامها بنثر الرماد الذي جمعته وادى إلى خلق فوضى عارمة حولها.
‘ سأبقى الأمر سرًا، لكن في المقابل قومي بأداء واجباتي المنزلية نيابةً عني ‘.
ومن المثير للدهشة انه كان على حافة الرسوب في بقية المواد باستثناء إدارة الأعمال و المبارزة.
مهمة كهذه مقابل غض النظر عن احتيالها أثناء إجراء المقابلة، لقد منحها دارين لها كعقاب، لكنها لم تكن كذلك بالنسبة لها.
بينما كانت تنتظر جفاف غسيل الأرضية و الستائر، كانت تدرس كتبه المدرسية في أوقات فراغها وتكمل واجباته المدرسية عوضًا عنه بكل سعادة، وبما أن الأكاديمية لم تكن بالمكان الذي يستطيع أي أحد الدخول والانضمام إليه، شعرت كما لو أنها حصلت على فرصة عظيمة جدًا في حوزتها.
‘ اخطط إلى الانتقال إلى السكن المدرسي في هذا الفصل ‘.
‘ اعرف ذلك ‘.
تساءلت باريس بحلول ذلك الوقت عما إذا كان من المفترض أن يتم الكشف عن مكان تواجد نورمان أو على الأقل أية أخبار عن الأعمال في منطقة نوكتار، لكنها كانت خائفة، خشيت أن تطرح سؤالاً متسرعًا قد يؤدي إلى هدم القلعة الرملية التي عانت لبنائها.
‘ قد يكون نورمان مشغولاً بجمع المال في نوكتار، يقال ان عدم تلقي اخبار بمثابة أمر جيد ‘.
هل تحاول مجددًا البحث في العالم الخارجي؟، أم ستتلقى الرفض والإنكار مثل آخر مرة.
وماذا لو سمع الدوق والدوقة أن خادمتهما المطيعة تحاول إثارة المشاكل هنا وهناك؟، أمن الممكن أن يتم القبض عليها و تختفي من العالم مثلما حدث مع نورمان.
عندما بدت تشعر بالأسف على نفسها لأنها جعلت من عملية البحث عنه بطيئة أكثر، وجدت مذكرة ذات مغزى من محرقة الجثث.
كانت ستساعد في تقدم إحدى أجزاء خطة البحث عن نورمان من منطقة نوكتار البرية.
وقد تستطيع إدراج مواقع الأماكن التي ربما عمل نورمان فيها، بمجرد حصولها على تلك المذكرة بالصدفة، دفعها ذلك إلى اتخاذ قرارها النهائي في الحصول على استقالة ومكافآت نهاية الخدمة و تتجه إلى منطقة نوكتار.
‘ من الآن فصاعدًا ستقوم بأداء واجباتك المنزلية بنفسك مجددًا، صاحب السمو ‘.
قالت ذلك لدارين بعد انتهائها من آخر واجب له.
‘ لماذا؟ ‘.
‘ لأنني سأرحل ‘.
‘ لماذا؟ ‘.
‘ لدي أشياء أخرى عليّ القيام بها ‘.
‘ قوليها فقط، يمكنني فعلها من أجلك ‘.
كانت تشعر بالقلق فكيف بإمكانها أن تخبره بما فعله والداه بأخيها؟.
بالكاد تمكنت من ابتلاع الكلمات التي كانت على لسانها، لتتجاهل باريس نظرات دارين التي تحاول معرفة ما يجوب في عقلها متجهة إلى الدوق لاخبارها أنها تريد التقدم بطلب استقالة لتترك وظيفتها.
‘ لا احتاج الى خطاب توصية سيدتي، لذا سأكون ممتنة لك لو قدمتي الي منحة تقاعد سخية ‘.
و لدهشتها، اقترحت الدوقة أن تصطحب باريس معها إلى سوق المدينة لتمنحها مجموعة من الملابس الجديد كهدية اخيرة من أجلها، ومن بين جميع الخادمات الخمسين أو نحو ذلك، كان السبب وراء تفضيلهم لها بشكل خاص هو شرود ذهنها، لذلك اومأت باريس برأسها ببلاهة حتى النهاية.
‘ لقد تمنيت حقًا أن تكون لدي ابنة جميلة مثلك ‘.
تمتمت المرأة بهذا أثناء تواجدهما داخل العربة التي كانت تتجه إلى مركز المدينة، لكن كان من الصعب على باريس التركيز في كلامها بسبب رائحة عطر الدوقة النفاث.
لتدير رأسها وتخرجه من النافذة فتتفاجئ باهتزاز العربة بعنف مع صدور صوت صاخب.
لقد قال نورمان ذات مرة، لكل شيء وقته المحدد، والوقت لا ينتظر احدًا، وإذا ترددت في فعل شيء ما، فسينتهي بك المطاف دون فعل شيء ما بحياتك……. .
اغمضت باريس جوردون التي كانت تكافح للخروج من مياه المستنقع الضحلة عينيها فجأة لتتساءل.
لو كنت مستمعة لهذه الكلمات بحرص، هل كنت سأصل إلى نوكتار بأمان؟
***
” السيدة ميلدريد؟ “.
عند سماعها لصوت بيتلر والت تركت مقبض الباب التي كانت تمسكه.
كان والت هو أول من يركض هارعًا إلى باريس حينما استيقظت في جسد ميلدريد سكوت.
” لما اتيتي الى هنا عوضًا عن الاتصال بي؟ “.
” لقد قطع خيط الجرس “.
يخشى الموظفون أن يسمع أحد همساتهم الخفية أكثر من خوفهم من التعرض إلى التوبيخ مباشرة من قبل مرؤوسيهم.
سارت باريس من جوار والت لتتجاوزه وتصعد الدرج.
كان التقويم الفوضوي المعلق على الجدار مشيرًا إلى أيام العطلات الخاصة بهم، ودل أيضًا على مرور عشر سنوات بالفعل منذ وفاتها.
‘ نورمان، أين أنت بحق الجحيم؟…. ‘.
***
Insta:bluomein
Wattpad:bluomein
***