1
في ليلةٍ حالكَةٍ مُظلمةٍ ، لا يُنِيرُها سوى ضوءُ القمرِ الخافتّ
كانتّ بينيلوب تُطِلّ مِنَ الشُرفةِ ، جِّناحٌ فاخِرٌ ملكيٌّ
تسترِّقُ النَظرَ إلى ذَلِكَ المُحيطّ المُمتدّ إلى مـا لانـهـايـةَ امامها
خطوةٌ واحِّدةٌ فقطّ ، خطوةٌ خاطئةٌ كانتّ كفيلةً لإنهاءِ حياتّها في لحظةٍ واحِّدةٍ.
كانَّ مشهدًا يُذكِرُها بذلِكَ اليوم..
اليوم الذي دُفِعتّ فيّهِ بواسطةِ زوجِّها وصديقَتُها إلى البحرِ لقتَلّها.
لكن بينيلوب لم تَعُدّ خائِفةً مِنْ عتّمَةِ الليلِ
لـيـس بـعـد الآن.
ليس وبوجّودِ الرجُلِّ الذي يقِفُ إلى جانبها ، ذَلِكَ الذي بدا وكأنهُ الليلُ بسوادِهِ الحالِكّ
أغمضتّ بينيلوب أعّيُنِها وهي تسترجِعُ ذِكريات تِلكَ المُعجزة التي حدثتّ فوقَ هذِهِ المياه
” تصفيّقٌ حـارّ لبينيلوب أوترباك ، أعظّمُ عازّفَةِ كمانٍ! “
” بـــراڤــو~ بـــراڤــو~ بينيلوب! “
تردّدت هُتافاتُ الجُمهورِ وصدى التصفيّقِ محفورًا في ذاكِرتِها كشيءٍ لا يُمكِنُ محوه
أنْ تؤدي عرضًا أمـامَ نُخبّةٍ مِنْ كِبارِ الشخصياتِ دونَّ أنْ تمتّلِكَ ظُهورًا رسميًا واحِّدًا
أنْ تعزِّفَ على مسرحِ الباخِرةِ الفاخرة آيريس كـانَّ بمثابةٍ الحُلمِ الذي يُصعَبُ الوصولُ إليّهِ وصعبُ التصدّيق.
وبالنسبةِ إلى إمرأةٍ تـمَ هجّرُها بوحشيةٍ وتحطِيّمُها لِقِطعٍ صغيرةٍ حتى ظنّتْ أنّهُ لمِنَ المُستحيلِ أنْ يُعَّادَ اصلاحُها ، فإنَّ العالمَ الذي انفتحَ أمامها اليوم لم يكُن ألّا مُعجزةً.
خطوةٌ بخطوة..
كانَّ لِوَقَعِ خطواتِهِ آثـرٌ يكادُ لا يُمحى
فتحتّ بينيلوب أعّيُنِها ومـا زالتّ تُحِسُ بالنشوةِ فـرأتّ الرجُل الذي ساعدها على تحقيقِ حُلمِها.. وانتقامِها
دوق بـلـيـد غَنَر
حتى في وسطِّ الظلامِ الحالِكّ ، كـانتّ بارِّزةً بالنسبة إليّه ، أتجَّه نحوّها بخطواتٍ ثابتٍ دونَّ تردّدٍ
” أأنـتِ راضيةٌ الآن ، كونتيسة أوترباك عازّفَةُ الكمانِ؟ “
كانَّ صوتُهُ العميقُ يحمِلُ في طياتِهِ نبرةً توحيّ إلى حِسِ الدُعابةِ ، لكن حتى كأسُ النبيذِ ، أهتزَ سائِلّهُ لوقعِهِ الآسـر
لم تكُن بينيلوب مُدركةً مـا إنْ كانتّ سعادتُها مُقتصرةً على إستعادتِها لـ لقبِ ‹ عازّفَةِ الكمانِ › أم لأنَّ أسم عائلتِها أوترباك قـدّ أُعِيّدَ إليّها
كلاهُمّا آمرانِ اعادهُمّا لها بـلـيـد
وكأنهُ يقرأ افكارّها ، مدَّ يدهُ نحوها.
كانَّ دائمًا هكذا.. رجُلٌ قَبِّلَ عرضَها المُستحيل ليُّصبِحَ داعِّمًا لها
وجعلِها لا تهتزُ لإنشٍ واحِّدٍ.
” اخبرينيِّ.. مـا هو شُعُوركِ وأنـتِ تحتلّينَ الآن مكانَ تِلكَ المرأة التي سرقتّ مِنكِ زوجَّكِ؟ “
” كانتّ ليلةً رائِعةً حقًا ، لـم أكُنْ لأصِّلَ إلى هذا المكانِ لـولاكَ يـا صاحِّبَ السموِ. “
” الكونتيسة تعترِّفُ ليِّ بشعورِّها بالفضلِ نحويِّ؟ يـالـهُ مِنْ شرفٍ كبيرٍ ينالهُ شريِّكٌ في العقدِ فقطّ. “
ردّ بليد وإبتسامةٌ خفيفةٌ تُزينُّ محياهُ ، ثُمَّ أخفضَ جسدّهُ ليُّقَبِلَ يدّها برقةٍ
توقفتّ أنفاسُها للحظةٍ.. خائِفةً مِنْ أنْ يكشِفَ تسارُعُ نبضاتِ قلبِّها ما تشعُرُ بِّهِ
كانتّ مُجردَ قُبلةٍ على ظَهِّرِ يدِها.. ومع ذَلِك ، أشتعَلَّ جسدُها بحرارةٍ غيرّ مألوفةٍ.
رُبما كانتّ النيرانّ التي تنضَحُ مِنْ حدقتيِّهِ قدّ تسلّلت خِلسةً لتُشعِلَ تِلكَ الحرارة في جسدّها.
وجههُ الوسيمُ ، نسبّهُ النبيلُ ، سُلطتُهُ ، ثروتُهُ وايضًا..
رقّتُه المُفاجئةّ التي يُظهُرُها بينَ الحيّنِ والحيّن.
كانَّ بليد غَنَر تجسيدًا للأُمراءِ الذينَ حِكتّ عنهُم الأقاويّل وتحدثّ لها والدتُها عنهُم في قِصصِ الطفولةِ
فكيفَ لا يخفِقُ قلبُها لــه بهذا الشكلِ؟
في هذِهِ اللحظة ، بـدا أنْ خيانةَ زوجِّها وصديقتِها ومـا نالتهُ مِنْ سُخريةٍ وإحتقارٍ مُجردَّ صـدى بعيدٍ يتردّدُ في زاويةٍ مُعتمةٍ
رُبما بدأت عِلاقتُهُما بإتفاقٍ
لكن قلبُها يرفُضُّ التظاهُرَ بعد الآن
مشاعِرُها أصبحتّ حقيقيةً ترضَخُ الإنصياعَ
’ لِـمَ.. لِمَ عساهُ دائِمُ الطيّبةِ مع شخص مثليِّ؟ ‘
هي حتمًا لم تكُن الأفضل ، كانتّ مُطلقةً تحمِلُّ مَنَ النُدوبِ ما يُثقِلُ كاهلِه
لـم تشعُر مُطلقًا بأنّها تستحِقّ رجُلًا كمِثلِهِ.
ولكن مُجردُ التفكيّر في الرحيّلِ..
وعيّش ما تبقى مِنْ حياتِها وبرفقتِها بضعَةُ ذكرياتٍ مُبعثرةٍ عنّه ..كانتّ فِكرةً لا تُطاق.
’ انـا أعلم.. أعـلـمُ بأنّكَ تُحِبُ إمرأةً حُبًا جمًا وأنّها ستبقى محفورةً في أعماقِكَ إلى الأبـدِ.. لـكـن ، أُريـدُ فقطّ أنْ ابقى إلى جانبِّكَ. ‘
كانتّ الغيرةُ مِنْ تِلكَ المرأةِ تكادُ تنهَشُ عِظامها وتؤلّمُها دونَ رحمةٍ
” مـا الـذي يجُولُّ في فكرِّكِ وأنـتِ واقِفةٌ بهذا الشكلِ امـامَ خطيبِّكِ؟ “
قالّ بليد وهو يُحدِّقُ بها.
نظرتّ إليّهِ وأرتسّمَتّ على ملامحِها إبتسامةٌ ناعِمةٌ
” أتـذكُرُ لِقائنا الأول ، صاحِّبَ السمو؟ “
” بالطبع ، رُبما يتسنى لكِ نِسيانُهُ ولكنني أتذكرُهُ جيدًا. “
” لا ، لـم أنسى. أتذكَرُ كُلَّ كلمةٍ أستنطّقتَ بِّها. “
– ” إنْ رقصتَ معي الليلةَ ، سأستثمِرُ هذا المبلّغَ في مؤسسةِ غَنَر التِجاريةِ. “
– ” أبِّهذا المبلّغِ تُريدينَ شِراءَ ليلتيِّ؟ “
كانَّ عرضُها جريئًا.. ووقحًا آنذاك
– ” إنْ أصبحتَ الراعيَّ الخاصة بيّ ، سأعزِّفُ أعـذبَ الآلحانِ وأجملَّ مِنْ عزفِ أيِّ أحـدٍ آخـر على مسرحِّكَ
دَعْ مجديِّ يتألّقُ ليُّصبِحَ مجدّكَ ، ودَعْ إنتصاريِّ يكونُ أنتقامًا لِمَ اقترفُوه. “
كانتّ تعلم كم بدا عرّضُها سخيفًا آنذاك ، لكن لم يتسنى لها الإختيارُ فـلّـمْ تكُنْ بينيلوب تُفكِرُ في أيِّ شيءٍ سوى استعادّة حياتِها التي سُلِبتْ مِنها
وعلى الرُغمِ مِنْ كُلِّ شيء ، لـم تندّم على إختيارها لهذا الرجُلّ قطّ.
بعد أنْ قامتّ صديقتُها بسرِّقةِ زوجِّها ، أعتقدتّ بأنّها لـن تَقَعَ في الحُبِّ تارةً أُخرى
ولكن كـانَّ لبليد وَقّعٌ أخرُ في حياتِها ، فقدّ أعـاد لها شُعورَ الحُبِّ الذي كادتّ أنْ تفقِدُهُ
لـولا استعادتُها لتِلكَ المشاعِرِ البهيةّ لكانَّ انتقامُها دونَّ قيّمة.
” لا يُمكِنُكَ تخيّلُ كم كُنتُ خائِفةً مِنك في ذَلِك اليومِ. “
” أكـانَّ خُوفُكِ أكبرَ مِنْ صدمتيِّ عندمّا جاءت إمرأةٌ تعرِّضُ عليَّ شِراءَ ليلتي؟ “
ضَحِكَ الإثنانِ معًا ، واصواتُ ضحِكِهُمّا تترددُ بخفةٍ
” أمـازِّلتِ خائِفةً مني؟ مـا هيَّ نظرتُكِ عنّي الآن؟ “
” الآن… “
آثـر سماعِها لصوتِهِ الدافِئ شعرتّ وكـأنَّ قلبُها بدأ يغرَّق بشدةٍ
هي تعلم.. تـعـلـمُ بأنَّ قلبَّهُ مُعلقٌ بإمرأةٍ أُخرى ، فكيفَ يُمكِنُها الإفصاحُ عنّ مشاعِرِّها بسهولةٍ؟ رُبما هو لـم يُدرك ذلك.
لكن إنْ السؤال الذي طرحَهُ.. كـانَّ قاسيًا جدًا عليها.
غيّرت بينيلوب الموضوع وإبتسامةٌ مُصطنعةٌ تعلّو ملامِحِها
” يُراوِّدُني تساؤلٌ عنّ سببِ قُبُلِكَ لعرضيِّ حيّنها.. بصراحةٍ لـم يكُن عرضًا مُفيدًا لكَ ابـدًا ، كانَّ عرضًا يصُبُ لمصلحتيِّ فقط. “
– ” أتطلُبينَ مِنّي أنْ أكونّ الراعيِّ الخاصَ بِّكِ؟ إذا كُنتِ تُريدينَ شيئًا ، فخّذينيِّ. “
– “ هـيـا يـا بينيلوب ، أستغلّي اسمي وقِفيِّ شامخةً فـأنـا خلفَكِ.. لتفعليُّ مـا يحلّو لكِ. “
– ” أتُفضّلِينَ التمرّغَ في الوحلِ أم فَوقَ سريريِّ؟ “
اخبرّها بأنّه لا يُمانعّ أنْ تستخدِمهُ كحبيبٍ للسعيِّ إلى تحقيقِ انتقامِها.
وبفضلِهِ ، وصلت بينيلوب إلى هذِهِ المكانة.
كحبيبةٍ لأقوى رجُلٍ في مملكةِ إيترون
لكن.. مُقابِّلَ ما حصدّتهُ بينيلوب مِنْ شُهرةٍ وإسمٍ وسعادةٍ ، لـم ينالْ بليد أيَّ شيء.
كانَّ معروفًا بكونِهِ رجلًا دقيقًا في حساباتِهِ.. فكيفَ لهُ ألّا يُلاحِظَ ذلك؟
لـمـاذا يُغّدِقُها بكُلَّ شيء دونَ مُقابلٍ؟
” أتُرِّدينَ معرفَةَ السبب؟ “
في تِلكَ اللحظةِ.. بدتّ ملامِحُ بليد ترسِّمُ مشاعِرًا عميقةً غيرُ مُعلنةٍ في أعّيُنِهِ
على الرُغمِ مِنْ سُكونِ المُحيطِ
رأتّ بينيلوب في حدقتيِّهِ امواجًا هائِجةً ترفُضُ الرُكودَ
لم تستطِعّ التمييز.. أكانَّ قلبُها الذي أضحى يخفِقُ بجنونٍ أم نظراتُهُ نحوها مَنْ كانتّ تُزعزِّعُ كيانها بالكامِلِ؟
وفي تِلكَ اللحظةِ جرّفها ذَلِكَ السِحرُ مُجددًا إلى رفوفِ الماضي
إلى تِلكَ الليلةِ..
إلى حيّث بدأ كُلُّ شيءٍ
إلى الليلةِ التي قُتِلتّ فيها على متنِ آيريس.
” عِنّدما أخبرتُكِ بأننيِّ سأفعَلُ أيَّ شيءٍ مِنْ أجلِكِ.. ”
والآن، الإجابةُ التي تَلفَّظَ بها بليد كانتّ خاتمةَ الأحداثِ التي بدأتّ على متنِ تِلكَ الباخرةِ الفاخرةِ
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"