إذا مات المتعاهد لأسباب طبيعية قبل أن يُكمل الأمنيات الثلاث، فإن العقد عادةً ما يُلغى. لكن إن قُتل على يد شخصٍ ما، فلن يستطيع رابيس الهرب من قيد العقد.
كان عليه الانتظار حتى التجسيد الثالث للانسير، وكان ذلك أمرًا مروعًا، رغم أن رابيس يعيش إلى الأبد.
«لا خيار أمامي، يجب أن أحميها حتى تُكمل أمنياتها.»
كان عليه حمايتها، لأنها لم تكن تملك رغبة بالبقاء لدرجة أنها لم تكن تنوي استخدام قواه حتى وهي تملكها.
ومع ذلك، كان من السخرية أن تكون تلك اللامعة الماكرة والحذرة، “لانسر أكوينال”، قد تجسدت في هيئة حمقاء كهذه.
«سأنتظر اللحظة المناسبة بينما أراقبها. بالنظر إلى الوضع، أظن أنها ستستخدم الأمنيّة الثانية بسرعة.»
تنهد رابيس قليلاً عندما رأى إلين تتفاجأ لمجرد أنه شفى جرحها، لكنه شخر بسخرية وهو يظن أن تحقيق أمنيات إلين لن يكون أمرًا صعبًا للغاية.
[ما هذا المكان؟]
ضحكت إلين وقالت وهي تلهث بعد صعود السلالم: “هاهاها، هذه غرفتي.”
كان علِّي علِّيَّة قصر “نيوت” الذي رأته مجددًا بعد عشر سنوات، كما كانت تمامًا في ذاكرتها.
السرير القديم، الطاولة الصغيرة، نافذة دون ستائر، وورق الجدران المتعفن… جعلتها تشعر بالحنين بطريقة ما.
“إنها تمامًا كما أتذكّرها.”
ابتسمت إلين ابتسامة باهتة لرؤية الغرفة القديمة بعد طول غياب، لكن تعبير رابيس كان غريبًا.
[هل أصبحتِ جريئة لدرجة المزاح معي؟]
“آه، لا. لم أكن أمزح.”
[بإمكاني التحول إلى هيئة بشرية. حتى قبل أن أُختَم، وقبل أن أعود، كنت أتظاهر بأنني إنسان وتعلمت عن عالم البشر.]
“حقًا…؟”
كادت إلين أن تعلق بأنها لا تبدو مطلعًا على ذلك، لكنها ابتلعت كلماتها.
[ربما يُحتمل من العامة، لكن لم أرَ من قبل نبيلاً يستخدم غرفة كهذه.]
“آه، أنت على حق… لكني لا أُعدُّ نبيلة حقيقية.”
تنهدت إلين بعمق ووضعت الصينية الخشبية التي بيدها على الطاولة الصغيرة، ثم جلست على مقعد صغير وبدأت تتناول الخبز الأسمر والحساء البسيط الموجودين في الصينية.
“بفضل اللورد رابيس، لستُ جائعة. شكرًا لك.”
[ما الذي تقصدينه بـ «بفضلي»؟]
“لا أعلم… فقط شعرتُ بذلك.”
لم يُعر رابيس اهتمامًا كبيرًا لكلمات إلين، إذ كان مشغولًا بتفحّص الغرفة الصغيرة المتداعية، لكن إلين شعرت بشيء من الرضا نحو التغيير البسيط الذي أحدثه رابيس.
لم تكن متأكدة بعد إن كان يمكن تسميته “حياة سابقة”، لكن في مثل هذا اليوم من حياتها السابقة، كانت إلين قد جاعت.
فقد دخلت إلى القصر وجرحها ينزف، لدرجة أن “إيلي” صرخت حين رأته.
“أيتها الحقيرة! هل دخلتِ عمداً لتخيفي إيلي بدمائك تلك؟”
“تأديبًا لذلك الذهن الخبيث، لا عشاء لكِ الليلة! إيميلي! لا تُعطي تلك الفتاة حتى حبة دقيق!”
رغم شعور “إيميلي” بالأسى تجاه حال إلين، فإنها لم تكن تجرؤ على عصيان أمر الكونت.
لكن هذه المرة، بفضل رابيس الذي شفى جرحها، تمكّنت من التظاهر بأن شيئًا لم يحدث، وتناول العشاء.
أما أبناء عمومتها، الذين رأوا دماءها سابقًا، فقد تبادلوا النظرات المندهشة فيما بينهم، وبدوا مشوشين.
رغم أن إلين كانت تنوي فقط النجاة مجددًا من الأوقات الصعبة، إلا أن ذكرى جوعها في عيد ميلادها السادس عشر قد تلاشت، وشعرت وكأنها تلقّت هدية غير متوقعة بفضل رابيس.
«كنت ممتنة جدًا لأن الحساء بدا أدفأ من المعتاد…»
«ربما اللورد رابيس هو هدية عيد ميلاد من أمي.»
هدية عظيمة جدًا من أم شعرت بالأسى على ابنتها التي كانت تتألم وحدها، ولم تهنأ حتى بعد موتها.
كانت إلين غارقة في هذه المشاعر الحنونة عندما قاطعها صوت رابيس بنبرة متذمرة:
[أسأل مجددًا، هل حقًا لا تنوين قتل أولئك البشر؟]
“نعم.”
[في النهاية، أنتِ قديسة. قديسة حقيقية ترقى إلى منزلة النُّضج.]
“لا، أنا لا أكبت نفسي لأنني قديسة، بل لأنه لا ينبغي قتل الناس لأسباب كهذه.”
ضحك رابيس بسخرية على سذاجة إلين ومحاولتها تلقينه درسًا.
كان قد رأى مائدة عائلة الكونت التي مرت بها إلين للتو:
دجاج مشوي بجلد بني يقطر بالزيت، خبز أبيض طري، يخنة طماطم تغلي بالبخار، وفواكه موسمية، كانت المائدة ممتلئة.
نظر رابيس إلى حساء إلين الشاحب وخبزها الأسمر المتفتت، ثم عاد لينظر إليها.
[على أي حال، أظن أنك لم تدركي الأمر بعد، لذا سأُعلّمك كيف تستخدمين قوتي.]
“نعم؟”
رفرف رابيس بجناحيه، ودار حول الغرفة مرة، ثم حطّ مقابل إلين.
[نعم. حينها ستنغمسين بقوتي وستدركين طبيعيًا حدود ما يمكنك فعله. ثم فكّري بأي شيء ترغبين بفعله ضمن تلك الحدود. سهل، أليس كذلك؟]
في الواقع، كان هذا ممكنًا لأن جزءًا من جوهر رابيس السحري كان قد انتقل إلى جسد إلين، لكنه لم يخبرها بذلك.
“أتستطيع إعطائي قوتك هكذا؟ إذًا لا حاجة لثلاث أمنيات.”
[كما توقعت، البشر يفكرون بطريقة ماكرة منذ البداية. لكن لا تقلقي، القوة التي يمكنك استعارتها مجرد جزء صغير من قوتي الكاملة.]
أمالت إلين رأسها بينما كانت تمضغ الخبز المغموس بالحساء، كأنها لم تفهم جيدًا، مما جعل رابيس يشعر بالإحباط ويدق الأرض بذيله.
[ستفهمين أكثر إذا جرّبت. هيا بسرعة!]
لم تكن إلين مقتنعة تمامًا، لكنها لم تكن تمانع التجربة، فمسحت يديها بتنورتها، وأغمضت عينيها.
“ريكورّو رابيس!”
حتى أثناء ترديد التعويذة، لم تفكر كثيرًا وهي تستحضر صورة رابيس اللطيفة.
ولكن ما إن أنهت التعويذة، حتى بدأ دفء يتفشى من منتصف جبينها إلى جسدها بأكمله، وفتحت عينيها بإحساسٍ منعش جعلها تشعر وكأن بإمكانها فعل أي شيء حقًا.
ابتسم رابيس وهو يراقبها، وهمس:
[كيف تشعرين؟ هل أدركتِ عظمة قوتي؟ الآن فكّري بما ترغبين به.]
لكن للأسف، لم يكن رابيس كليّ القدرة.
كان بوسعه التحكّم بالماء، النار، الأرض، والهواء، وشفاء الجروح، والتنقل، وقتل أو إحياء النباتات والحيوانات، وتغيير الطقس مؤقتًا.
كانت قدرته عظيمة دون شك، لكن إلين، التي كانت جائعة في تلك اللحظة، كانت أشد توقًا للخبز الأبيض ويخنة اللحم.
“أريد أن آكل خبزًا أبيض طازجًا ويخنة لحم… ألا يمكن ذلك؟”
تبدلت ملامح الكبرياء على وجه رابيس إلى امتعاض.
[هل ستستخدمين قوتي فقط لهذا؟]
“آسفة… أنا جائعة فقط…”
تنهد رابيس بعمق.
[الخلق من العدم هو مجال الإله. لكن يمكنني تهديد البشر بقوتي ليقدّموا لكِ طعامًا كهذا! النتيجة واحدة!]
“لا أرغب بتناوله بهذه الطريقة.”
عند جواب إلين، قطّب رابيس جبينه.
[لا أصدق أن متعاقدتي فتاة ضعيفة العقل هكذا…]
“لستُ ضعيفة العقل، هذا فقط من باب المنطق… لا، آسفة.”
[حسنًا… هذا أفضل من كونك مُحتالة. تناولي طعامك أولًا… آسف لأنني لم أستطع تغييره لشيء لذيذ.]
تهدلت أجنحة رابيس بثقل. بدا محرجًا للغاية.
«ما كان يجب أن أتكلم عن الخبز واليخنة…»
شعرت إلين بالأسى لإحراجها لرابيس.
لكن بالنسبة لها، التي عانت من الجوع في بيت “نيوت” وفي معظم حياتها، كان للطعام أهمية كبرى. الوجبات اللذيذة كانت أهم.
«حسنًا، لا بأس… سأكون أكثر حرصًا لاحقًا… هه؟»
تفاجأت إلين حين نظرت إلى الخبز الأسمر الحامض والحساء الباهت، لتجد أن الخبز قد تحوّل إلى خبز أبيض طريّ فيه نكهة زبدة، والحساء صار كريميًّا لذيذًا.
“كيف حدث هذا…؟!”
[لا يمكنني الخلق من العدم، لكن يمكنني تحويل الشيء الموجود إلى شيء مشابه بالشكل. إنها سحر التحويل الصُّنفي. لو كان في الحساء شيء، لكان بإمكاني استبداله باللحم، لكن لم يكن هناك شيء…]
رغم أن صوت رابيس بقي منخفضًا، فإن عيني إلين تلألأت بالفرح وهي تتناول الحساء.
“إنه مذهل، يا لورد رابيس!”
[هه؟ حقًا؟ لكنه ليس يخنة لحم.]
“لكن هذا الحساء الكريمي لذيذ جدًا! لم أذق خبزًا أبيض منذ زمن! أشعر أنني سأبكي…”
لم تكن إلين تمزح، بل مزقت الخبز وأكلته ودموعها في عينيها.
فمن دون دعم عائلة “نيوت”، لم تكن تحصل على خبز أبيض إلا عندما يزور الإمبراطور أو ضيف رفيع المعبد، وكان أشهى مما أكلته في حياتها.
رأى رابيس الفرح النقي في إلين وهي تعبّر عن لذّتها من الطعام بجسدها كله، فارتفعت زوايا فمه.
[همم. في الواقع، سحر التحويل الصُّنفي فنّ عظيم أيضًا.]
“بالطبع! إنك حقًا… حقًا أفضل تنين في العالم!”
[الآن أصبحتِ تقولين كلامًا معقولًا.]
ومهما قال رابيس، فإن إلين أومأت برأسها بحماس وملأت بطنها بفرح.
الترجہمه : غــيـو…
التلي : https://t.me/gu_novel
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 8"