الفصل 007 إيلين
استعادت إلين إحساسها بالزمن بعدما تلمّست الماضي البعيد بأطراف أصابعها.
“اليوم هو عيد ميلادي السادس عشر، وسأدخل المعبد في شهر مارس من العام المقبل… من الجيد أنه لم يتبقَّ لي سوى أقل من نصف عام للعيش في هذا المنزل.”
لو كنتُ قد عدتُ إلى الأيام التي كانت فيها أمي لا تزال على قيد الحياة، لكان بوسعي أن أدعو لحياتها، لكن من المؤسف أنني لم أعد لذلك الوقت.
العيش في منزل “نيوت” بدون والدتها، بمفردها، ومواجهة خبث الناس، كان أشد مرارةً وألمًا من النسيم الذي يهب الآن.
تذكّرت إلين على نحوٍ غامض ما حدث في القصر في اليوم الذي ضُربت فيه بحجر، لا، بل ببيضة على رأسها.
“لم يُقدَّم لي العشاء فقط لأنني دخلتُ والدماء تسيل مني وأفزعتُ إيلي. لكن مارتن هو من آذاني.”
كان ذلك يحدث كل يوم، لكن عمّها وعمّتها لم يكونا يكترثان بجروحها.
بل على العكس، لاموها على التستّر على من تسبّبوا لها بالأذى.
في ذلك الوقت، شعرت بالظلم، لكنها لم تجرؤ على التذمّر منه في وجه الجميع الذين كانوا يحدّقون بها.
ولو تكلّمت، لكانت عوقبت على وقاحتها.
عندما وصلت إلين إلى مقدمة القصر، توقفت في مكانها غير قادرة على الدخول، فنظر إليها رابيس وفحص وجهها.
[لمَ لا تدخلين؟]
“آه، هذا… أعتقد أن عليّ أن أمسح الدماء قبل أن أدخل.”
[أهكذا؟ حسنًا، تم الأمر. فلندخل الآن.]
“ماذا؟ ماذا فعلت؟”
إلين، التي كانت تحدّق في رابيس لسبب ما، رفعت يدها وتفحّصتها وهي تشعر بشيء غريب.
“أه؟”
كانت يداها، التي تلطّختا بالدم والتراب، نظيفتين تمامًا كما لو أنها غسلتهما.
تحسّست جبهتها، لكن الحجر، لا، الجرح الناتج عن البيضة كان قد اختفى تمامًا، ولم تشعر بأي أثر للدماء.
“هل فعل رابيس ذلك؟”
[هل تفاجأتِ؟ أعتقد أنكِ بحاجة لتفهمي جيدًا ما يعني أن تكوني مُتعاهدة تنين.]
قال رابيس بتفاخر، فانفجرت إلين ضاحكة، مدهوشة بعض الشيء من غرابة الموقف.
في الأصل، كانت خطة رابيس بسيطة جدًا.
“عندما أتحرر من الختم، سأستعيد نواة المانا التي فُصلت عني، وسأمحو هذه الإمبراطورية اللعينة من الوجود!”
فعل كل ما طُلب منه، وفي النهاية، كان يصرّ على أسنانه وهو يفكر في البشر الذين طعنوه في الظهر.
“حتى لو لم أتمكن من إبادة البشرية، لكنتُ أحرقت كل أهل “كالاي” الذين عبثوا بي.”
لكن خطته التي ظلّ يتأملها طوال 500 عام واجهت مشاكل منذ لحظة تحرره من الختم.
لم يتمكن من العثور على نواة المانا المفقودة، ولم يكن قادرًا على استخدام سحره كما في السابق بسبب الآثار الجانبية للختم الطويل.
ومع ذلك، لم يكن رابيس متعلقًا كثيرًا بـ”المستقبل”، لذا وجد حلاً بسيطًا.
“إن لوّثتُ ماناي بالإيثر، فستتعزز قوتي بما يكفي.”
لم يكن يعلم أن تلويث المانا بالإيثر سيحوّله إلى شيطان، لكنه لم يهتم، فطالما كان يُعتبر تنينًا شريرًا، فليس من السيئ أن يصبح تنينًا شريرًا حقيقيًا.
استغرق الأمر عشر سنوات للعثور على مصدر الإيثر، وتلويث المانا به، وتعزيز طاقته السحرية. لكن بالنسبة لتنين خالد، لم تكن تلك مدة طويلة.
ولم يمضِ وقت طويل حتى أعلن تحذيره بسقوط إمبراطورية “كالاي”، بعدما أصبح أقوى من ذي قبل بفضل قوة الشر.
منحهم مهلة ثلاثة أيام فقط لرؤية البشر في حالة ذعر ودمار ذاتي، لكن عندها راودهم البشر بفكرة عبقرية.
“ما هذا؟ لا أصدق، هل هي تضحية بشرية؟”
داخل الكهف، حيث ترفرف قطع من القماش الأبيض والأحمر، كانت هناك امرأة ومجوهرات.
“هل قرروا تجربة التضحية البشرية التي لم تكن موجودة قبل 500 عام؟ هل هذا تطوّر، أم أن حضارتهم تراجعت؟ تِسك تِسك.”
جلس رابيس في الكهف المزخرف بشكل بدائي وضحك ساخرًا من البشر.
صحيح أن التنانين تحب الجواهر، لكن تنينًا عازمًا على تدمير العالم لن يتأثر بمجوهرات أو بإنسان واحد من العرق الذي يريد إفناءه.
لكن، في اللحظة التي رأى فيها وجه الإنسانة المربوطة بإحكام إلى الصخرة، أو بالأحرى، جبهتها — غيّر رأيه.
[ها، حقًا. لقد عشت طويلًا، وها أنا أرى شيئًا كهذا يحدث!]
لم يسعه سوى إطلاق هذه الكلمات.
“هذا الوغد “لانسر” الذي كسر ختمي قد أصبح مُتعاهدي مجددًا…!”
“لانسر أكوينال”.
كان يُعتبر شخصية أسطورية، ويُبجّله البشر كمُعالج عظيم، لكن بالنسبة لرابيس، لم يكن سوى بشر خائن لثقته ومحبته.
في الحقيقة، “لانسر” لم يكن رجلًا، بل ساحرة كانت تتعرض للاضطهاد، وأصبحت عن طريق الخطأ مُتعاهدة لرابيس قبل وفاتها بقليل.
أنقذها رابيس من الحرق على الخشبة، ومنحها جزءًا من نواة ماناه حتى تتمكن من العيش بوصفها الساحر “لانسر أكوينال”.
لكن، رغم كرمه، خانته وطوّقت جسده بلعنة الختم.
بالطبع، لم يبقَ رابيس ساكنًا.
[عندما أتحرر من هذا الختم، ستقابلينني مجددًا!]
نجح رابيس في زرع “لعنة تناسخ” عبر ثغرة في تعويذة الختم.
لكنه لم يتخيل قط أن تجسّد “لانسر أكوينال” سيتحوّل مجددًا إلى مُتعاهد له، وأن يلتقي به مجددًا بوصفه تضحية بشرية.
لكن الوضع لم يكن سيئًا.
“لأن ما يهمني حقًا هو استرجاع نواة المانا التي منحتها لها.”
تحدث رابيس مازحًا على أمل أن تتعرف عليه “لانسر” وتصاب بالذهول.
[لقد التقينا من قبل، أليس كذلك؟]
لكن ردّ “لانسر” كان غريبًا.
“ماذا…؟”
ظنّ رابيس في البداية أنها تتظاهر بعدم معرفته، لأنها لو تذكرته، لما وجدت ما تقوله.
[ألا تحاولين التظاهر بأنك لا تعرفينني؟]
“أنا… أعرفك يا اللورد رابيس. قرأت عنك في كتب التاريخ.”
[كتب التاريخ؟]
كان ذلك جوابًا سخيفًا.
حاول رابيس أن يُنعش ذاكرتها بإخباره عن شروط إطلاق الختم، لكن “لانسر” اكتفت بالارتجاف، وكأنها لا تتذكر شيئًا حقًا.
لم تكن تعرف شيئًا عن كونها مُتعاهدة تنين، ولا أنها تملك علامة على جبهتها.
لكن، بالرغم من غرابة ذلك، غيّر رابيس رأيه.
“لا. بل هذا أفضل. لأن هذه الخبيثة، لو استرجعت حياتها السابقة، قد تسبب لي الكثير من المتاعب بوصفها مُتعاهدتي.”
رغم كونها عدوته، إلا أنها من أطلق سراحه من الختم، وكان ملزمًا بتحقيق ثلاث أمنيات لها.
ولو كانت على علم بذلك، لأعادت ختمه مجددًا واستغلت سحره وكأنه لها.
لكن “لانسر” المتجسدة لم تتذكر حياتها السابقة، وكانت أمنياتها مثلها مثل أي إنسان عادي.
الثروة، القوة، وربما شريك على ذوقها.
“بعد تحقيق أمنيتها الأخيرة، سأوقظ ذاكرتها بالقوة. وسأنتقم منها عبر استعادة نواة المانا بأشد الطرق إيلامًا.”
“لذا، عندما كانت أول أمنية لإلين هي: «أرجوك، لا تدمر الإمبراطورية»، لم أنزعج. بل شعرت بالسرور.”
“إذا عدت إلى ما قبل تلوثي بالإيثر، ستنقى ماناي مجددًا، وإذا نقصت قوتي، سأعوّضها باسترجاع نواة المانا من هذه البشرية… ليس سيئًا!”
أنهى حساباته العقلية، وتظاهر بعدم ملاحظة اتساع عيني إلين عند سماعها عبارة “العودة للبداية”، ثم أعاد الزمن إلى يوم لقائهما الأول.
رغم أن ذلك استهلك كثيرًا من طاقة المانا، إلا أنه لم يهتم.
فجسده كان سيختفي على أي حال، لذا استهلك كل المانا الملوثة بالإيثر.
كان كسر البيضة مجددًا أمرًا مزعجًا قليلًا، لكن رابيس كسرها بحيوية، مستمتعًا بجدة حياته الجديدة.
وعندما رفع رأسه، كانت فتاة بجبهة مصابة ودموع تتدلّى على وجهها تحدّق فيه بدهشة.
لم يكن مظهرها جيدًا بأي حال.
وكان سبب تغطية البيضة بالدموع والدماء، هو أن هذه الإنسانة تعرّضت لهجوم من قِبل قوى عدائية — تمامًا كما حدث حين أصبحت “لانسر” مُتعاهدته للمرة الأولى.
“ستطلب أمنيتها الثانية قريبًا. سيكون الأمر سهلًا.”
خمّن رابيس أمنية إلين الثانية بصوت واثق.
[بالمناسبة، هل أُخمِّن أمنيتك الثانية؟ تريدين أن أقتل جميع أولئك البشر، أليس كذلك؟]
قتل بضعة بشر، صغارًا كانوا أم كبارًا، لم يكن أمرًا ذا شأن.
لكن إلين هزّت رأسها نفيًا.
“لا، لا! لا تقتل أحدًا!”
[لماذا؟]
ظنّ في البداية أنها تعي أن أمنية كهذه ستكون مهدورة، لكن حتى عندما قال إنه سيقتلهم دون احتسابها كأمنية، رفضت.
بل إنها كانت تخطط لتربيته كتنين طيب حتى تمنع دمار العالم — وهو أمر لم يبدُ فكرة جيدة على الإطلاق.
“لماذا؟ هؤلاء البشر هم من ضحّوا بها، فلم لا تقتلهم فحسب؟”
لم يفهم الأمر إطلاقًا. فكّر رابيس مليًا، وخلص إلى نتيجة:
“هل هو أثر جانبي للّعنة؟ أعتقد أنها وُلدت ناقصة قليلًا. لو تُركت وشأنها، فستُستبعد من مجتمع البشر قبل أن تطلب أمنيتها…”
فقط عدم تذكّرها لحياتها السابقة يكفي للدلالة على وجود خلل في لعنة التناسخ.
ربما كانت المشكلة في كونه لم يلعنها إلا بأن تلتقي به مجددًا عند تحرره.
من الطبيعي أن يولد فرد ناقص أحيانًا، سواء بين البشر أو الحيوانات، لكن أن تكون متعاهدته هي الناقصة — فهذا أمر مزعج.
ولو بقي رابيس مكتوف الأيدي، فقد تُقتل على يد إنسان آخر قبل أن تحقق أمنيتها.
الترجہمه : غــيـو…
التلي : https://t.me/gu_novel
التعليقات لهذا الفصل " 7"