بدا أن عيني رابيس تومضان باللون الأزرق، وبدأ ضوء غريب يلمع في منتصف العليّة الصغيرة.
كان الضوء يبدو كخيوط ديدان طويلة تتمدد، تتحرك في الهواء لبرهة، ثم بدأت تتضخم شيئًا فشيئًا وتتشكل على هيئة معينة.
«ما هذا؟»
كان الضوء يتلون بألوان مختلفة هنا وهناك، وفي الوقت ذاته كان ينمو ويتكتل.
وحين لامس طرف التكتل الأرض، أدركت إلين أنه يأخذ شكل إنسان.
استغرق الأمر وقتًا أطول مما توقعت، فبدأ رابيس يفسّر بنبرة فيها شيء من الارتباك:
— تحلّي بالصبر! استدعاء أرواح الموتى ليس بالأمر السريع…
“أرواح الموتى؟”
فزعت إلين أكثر عند سماع تلك الكلمات، وتراجعت خطوة للوراء.
لكن في تلك اللحظة، أضاء الضوء فجأة وتحول إلى شكل إنسان كامل، فتجمدت إلين في مكانها.
“أمي…؟”
شعرٌ أشقر، وعينان خضراوان أغمق قليلًا من عيني إلين، وجسدٌ نحيل برغم أناقته، وهالة حزينة… كانت صورة مطابقة لوالدة إلين الراحلة، مارييل.
— إلين!
حتى صوتها، كان ذاته كما في ذاكرة إلين.
“أمي!”
اندفعت إلين لتعانق مارييل، لكنها لم تستطع لمسها، وكأنها كانت مكوّنة من جزيئات ضوء.
تدخل رابيس بصوت أكثر هدوءًا، محاولًا تهدئتها:
— ما ترينه الآن هو الروح. لقد شكّلتها في هيئة بشرية لتتمكني من التحدث معها. لا يمكنها البقاء طويلًا لأنني جلبتها من عالم الأموات. إذا كان هناك ما تودين قوله، فقولي الآن.
لكن إلين لم تستطع قول شيء.
رغبتها في الحديث كانت كبيرة، لكن الكلمات لم تسعفها. دموعها وحدها تحدثت.
“أمي… أمي…”
— إلين… طفلتي المسكينة…
لامست يد مارييل وجه إلين وهي تبكي. وبرغم أنها لم تكن جسدًا حقيقيًا، شعرت إلين بدفء حيثما لمستها والدتها.
استمرت مارييل في ملاطفتها، بينما كانت إلين تنظر إلى وجهها بشوق يغمره الدمع.
“كم اشتقتُ إليكِ…”
كانت إلين صغيرة جدًا حين توفيت والدتها، ولم تكن تتذكر ملامحها جيدًا، ولم يكن روبين ليريها أي صورة لها.
“اشتقت إليكِ كثيرًا… لم أنسكِ أبدًا… أحبكِ… أنا آسفة… آسفة جدًا…”
خرجت الكلمات التي تأخرت كثيرًا. وكانت أكثر كلمة قالتها… “آسفة”.
“كنت أظن أن السنوات التي قضتها أمي في الحبس كانت بسببي… وكنت أعتقد أنه لو لم أولد، لكانت حرة وسعيدة… لطالما لُمت نفسي على موتها…”
لكن مارييل هزت رأسها نفيًا:
— أنا من يجب أن تعتذر، لأنكِ تعانين بسببي.
“لا، أنا بخير… لم أمرض قط، ولم أقم بأي عمل شاق مؤخرًا، ولست جائعة… أوه! لدي أصدقاء أيضًا!”
وأشارت بيدها إلى رابيس.
ورغم أن رابيس بدا محرجًا قليلًا من نظراتهما، لم يكن لدى إلين وقت لتأمل مشاعره، فكل لحظة قد تكون الأخيرة.
“أمي… لم تعودي مريضة، صحيح؟ هل أنتِ بخير هناك؟”
— لا تقلقي، إلين. أنا بسلام، بجوار اللورد بارا.
اهتزت روح مارييل للحظة. وبينما ارتبكت كل من إلين ومارييل، همس رابيس:
— لم يتبقَ الكثير من الوقت…
استفاقت إلين على تلك الكلمات. الآن، قد لا تراها مجددًا.
وفجأة، خطرت لها فكرة راودتها طويلًا: من هو والدها؟
“أمي! من فضلك، هل يمكنكِ أن تخبريني من هو والدي؟”
في حياتها السابقة، لم تكن لتجرؤ حتى على طرح السؤال، لكن هذه المرة مختلفة.
ففي هذه الحياة، أرادت أن تقطع علاقتها بعائلة نيوت وتبحث عن حريتها.
وكانت أمنيتها أن تجد والدها، وتخبره عن والدتها، وتبني عائلة حقيقية.
لكن وجه مارييل بدا غريبًا… لم يكن حزينًا، ولم يكن مبتسمًا، ولا حتى مشتاقًا. كانت تنظر في عيني إلين وكأنها تقيّم شيئًا.
“أمي؟ إن لم تريدي الحديث عنه، لا بأس.”
— إلين…
ترددت قليلًا، ثم فتحت فمها أخيرًا بعد أن بدت وكأنها حسمت أمرها:
— لا يوجد لديكِ والد.
“هل… هل هو ميت؟”
— لا، أعني ذلك حرفيًا. لا وجود له.
“…ماذا؟”
— إلين، أنتِ طفلة أنجبتُها وحدي.
لم تستطع إلين أن تدرك إن كانت والدتها تنكر وجود زوجها لأنها لا ترغب بذكره، أم أن هناك شيئًا أعمق.
لكن فجأة، سألت مارييل سؤالًا غريبًا:
— ألم يكن روبين يبحث عن شيء ما؟
“عن ماذا… آه!”
تذكرت إلين فجأة أن روبين سألها بعد جنازة والدتها بفترة قصيرة:
“هل أعطتك مارييل شيئًا؟ كحجر أسود صغير مثلًا؟”
“لا، لم أحصل على شيء كهذا.”
“كاذبة! هذه الطفلة الصغيرة تكذب على البالغين!”
“أنا أقول الحقيقة!”
بعد جدال طويل، قام روبين بتفتيشها حتى ملابسها الداخلية.
حتى الطفلة ذات السبعة أعوام تعرف أنها أُهينت.
لم ينسَ قلب إلين الصغير شعور الخزي والصدمة، حتى قبل أن تتجاوز حزن فقدان والدتها.
لكن رغم كل ذلك، لم يجد روبين شيئًا في النهاية.
“صحيح، سألني بعد وفاة أمي إن كنت حصلت على حجر أسود أو شيء من هذا القبيل… كيف عرفتِ؟”
— كان حجر تنين، أُوكل إليّ من الكونت نيوت السابق. قطعة نادرة وثمينة للغاية من أحجار التنانين، احتفظت بها بعد وفاته المفاجئة.
كانت هذه أول مرة تسمع فيها إلين عن الأمر.
“لكن عمي فتّش كل أغراض أمي ولم يجد شيئًا كهذا.”
— لأنه لم يعُد موجودًا بهذه الهيئة.
ثم اقتربت مارييل من إلين وهمست:
— لقد أكلته. لم أتحمّل أن يُسلب مني ظلمًا.
“ماذا؟”
— ثم أنجبتكِ.
شعرت إلين وكأنها تغرق في متاهة.
كيف انتقل الحديث من والدها إلى حجر تنين؟ ولماذا أنجبتها والدتها بعد أن ابتلعته؟
“لا أفهم… هل أمي أخفته في مكان آخر؟ هل يجب أن أبحث عنه؟”
— لا. فقط قولي إنكِ لا تعرفين شيئًا عن الحجر. ومهما قال الناس، أنتِ ابنتي… إنسانة. لا تنسي ذلك.
“…ماذا تقصدين؟”
بالنسبة لإلين، كان من البديهي أنها بشرية وابنة مارييل. لماذا تقول شيئًا كهذا؟ كيف يمكنها أن تنسى؟
— حين تعرفين الحقيقة لاحقًا، يمكنكِ أن تلومي والدتكِ، لكن لا تلومي نفسك. وتذكّري دائمًا أنني أحببتكِ، وأنكِ كنتِ كل شيء بالنسبة لي.
“أمي…!”
مدّت إلين يدها نحو والدتها، لكن صوت رابيس جاء مرهقًا:
— عليها أن تعود الآن.
كانت إلين تعلم أن اللحظة ستأتي، لكنها لم تكن مستعدة.
أسرعت مارييل بالقول:
— أحبكِ، إلين! كنتِ كل عالمي… لم أندم أبدًا على إنجابك…!
لكن قبل أن تُنهي كلامها، اختفى جسدها… كما تنطفئ شمعة في مهب ريح.
“أمي! أمي!”
نظرت إلين حولها وهي تنادي، لكن الدفء الذي شعرت به اختفى.
تجمعت الدموع مجددًا في عينيها.
— آسف… من الصعب تفادي أعين الآلهة…
نظر رابيس إلى إلين بأسفٍ على قِصر اللقاء.
لكنها أسرعت بمسح دموعها وهزت رأسها:
“ماذا تقول؟!”
وكانت ابتسامة مشرقة تتسلل إلى وجهها.
“كثير من الناس يتمنون رؤية أحبائهم الراحلين ولو لمرة، لكن القليل جدًا يحظون بتلك المعجزة.”
— هذا صحيح… أعتقد ذلك.
“لكني حظيت بها للتو! إنها أعظم هدية في حياتي. لا، لا أظن أن أحدًا في العالم حصل على هدية أعظم مني.”
حينها، بدا وجه رابيس مغرورًا تدريجيًا.
— بالطبع… أفضل بكثير من ذلك الشريط، صحيح؟
“نعم! كانت هدية لا يمكن مقارنتها بأي شيء آخر. شكرًا لك، رابيس.”
— لا شيء… هاهاها!
رفرف رابيس بجناحيه، واهتز جسده بفرح كأنه في مزاج رائع.
الترجمة: غــيـو…𖤐
الآلي : https://t.me/gu_novel
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 28"