كانت إلين تضحك ودموع الفرح في عينيها، ولم تستطع التوقف إلا عندما همّ رابيس بإلقاء تعويذة الشفاء.
“هاهاها… أعتقد أن هذه أول مرة أضحك بهذه الطريقة.”
— أنتِ… هل أنتِ بخير حقًا؟
“أنا بخير، انظر إلى هذا!”
وضعت إلين المريلة على السرير، فانسكبت منها قطع الشوكولاتة والحلوى على البطانية الرمادية الباهتة.
— ما هذا؟
“شوكولاتة وحلوى! هذه ما أعطاني إياه مارتن ودايمون وإيلي!”
— ماذا؟ أولئك الشياطين؟ هل دسّوا لك السم؟
“لا. يمكنني القول فقط إنهم سقطوا في فخي.”
ابتسمت إلين، وأخبرته بما جرى للتو.
لكن ما بدا مفرحًا لإلين، لم يكن كذلك بالنسبة لرابيس.
— هل كنتِ تضحكين كالمجنونة فقط لأنكِ كنتِ متحمسة؟
“في حياتي السابقة، كنت أُسخر مني لساعات كيتيمة ومُتسوّلة، ولم أستطع الرد. لكن هذه المرة فعلت! إنه نصر صغير بالنسبة لي.”
— نصر؟ هاه… هل يُفترض بي أن أسمي هذا غباء؟
لوّح رابيس بذيله على الأرض بتذمر، لكن مهما كان رد فعله، كانت إلين تشعر بسعادة حقيقية.
فقد طُليت ذكرى يوم القديس نيكولاس، التي لطالما ارتبطت بالألم، بلونٍ من البهجة والانتصار.
“على عكس ما مضى، حين كنت أحزن بسبب الهدايا التي يحصل عليها الآخرون، من الآن فصاعدًا، عندما يحل يوم القديس نيكولاس، سأضحك كلما تذكرت هذا اليوم.”
حين كانت إلين تقضي ظهيرة هادئة تتناول فيها الشوكولاتة، ظنّت أن هذا اليوم قد انتهى بالفعل.
لكن القديس نيكولاس كان يُخبئ لها مفاجأة أخرى.
فحين عمّ الظلام الخارج، وكانت إلين تقرأ على ضوء مصباح الزيت، طرق أحدهم باب غرفتها.
“من هناك؟”
سألت إلين بصوت متفاجئ.
كانت قد أخبرت إيميلي بعدم القدوم، ولم يكن هناك من يطلبها في هذا الوقت المتأخر.
لكن صوتًا غير متوقع أجاب:
“إنه أنا.”
ما إن سمعت الصوت، حتى حدّق رابيس في الباب بعيون حادة، وكان يبدو متوترًا منذ لحظات. وكانت إلين تشاركه المفاجأة.
“لآرش…؟”
وقفت إلين مذهولة وفتحت الباب، بينما راح رابيس يجمع طاقته السحرية في طرف ذيله كأنه على وشك الهجوم.
“ما الذي تفعله في هذا الوقت؟”
سألت إلين بدهشة، فيما راح لآرش يتلفت داخل الغرفة وكأنه يراها لأول مرة.
كان هذا أول دخول له إلى هذه الغرفة.
“بما أنكِ لم تعودي تأتين إليّ في هذه الأيام، لم يكن أمامي خيار سوى القدوم بنفسي.”
“…ماذا؟”
للحظة، شعرت إلين وكأنها سقطت في عالم غريب، ليس ماضيها الذي تعرفه.
فـ لآرش، الذي يأتي لرؤيتها لأنه افتقدها؟ لم يكن هذا هو لآرش الذي تعرفه.
“هل… هناك شيء عليّ فعله؟”
تساءلت إلين بصدق، متعجبة إن كانت قد نسيت شيئًا، لكن لآرش عبس قليلًا، وكأنها تسخر منه.
“كنتِ تزورين غرفتي كثيرًا قبل شهرين. لماذا لم تأتِ اليوم؟”
“ألم تقل لي ألا آتي دون سبب؟”
ما قاله كان قبل عشر سنوات بالنسبة لإلين التي تبلغ الآن 26 عامًا، لكنها لم تنسَ كلماته الباردة في كل مرة كانت تزوره فيها:
“لا تأتي دون داعٍ، فأنتِ تزعجينني.”
كانت إلين الصغيرة تعود إليه مرارًا، رغم تلك الكلمات، ودوماً تقف متوترة أمام بابه، تتساءل إن كان سيطردها مجددًا أو يجرحها بكلماته القاسية.
لكن لآرش لم يكن يطردها أبدًا.
“كنت أظن حينها أن هذا جانب لطيف منه، لكن الآن أعلم أنه لم يكن سوى لا مبالاة.”
“فلماذا يقول هذا الآن؟”
“لطالما قلت ذلك، ومع ذلك كنتِ دائمًا تأتين.”
بدت إلين متفاجئة من نبرة لآرش الهادئة.
لكنه سرعان ما قدّم شيئًا لها:
“خذي.”
“ما هذا؟”
تناولت إلين الهدية بتردد.
“في يوم القديس نيكولاس، يجب أن يحصل الأطفال على هدية.”
كانت جملة غريبة أن يقولها شاب يكبرها بأربع سنوات فقط، بل كان أغرب أنه يُهديها شيئًا من الأساس.
“لآرش… ماذا تريد مني؟”
نظرت إليه إلين بعينين مرتابتين، فعبس قليلًا وقال:
“هل عليّ أن أُرشيكِ لأحصل على ما أريد؟”
لم تجد إلين ما ترد به.
“لا تشغّلي ذلك العقل الصغير، فقط تصرّفي كما كنتِ دائمًا.”
“كما كنت دائمًا؟”
“نعم.”
لم تستطع إلين فهم ما يدور في ذهنه.
“ماذا يعني؟ هل يريدني أن أعود كما كنت؟ أتبعه وأتوسل لاهتمامه ومحبته؟”
رغم ارتباكها، اقترب لآرش منها ببطء وأخذ يحدّق فيها بدقة.
كانت نظرته حادة لدرجة شعرت معها أنه يلمسها بعينيه.
“كما قلت من قبل، أنتِ فرد من عائلة نيوت. هذا يعني أن مسؤوليتي، أو مسؤولية والدي، هي الاعتناء بك.”
“…مسؤولية؟”
منذ بداية حديثه، لم تكف عن سماع كلمات لم تتوقعها قط.
شعرت إلين أنها على وشك الضحك من فكرة “الاعتناء بها”، لأنها تعرف جيدًا كيف انتهى هذا النوع من المسؤولية في حياتها السابقة.
لكن لآرش لم يكن يعرف ذلك… لم يكن يعرف المستقبل.
“بما أنني وريث العائلة، يمكنني الآن إبداء رأيي في شؤونها. وسأُبلغ والدي عنكِ قريبًا.”
“تبلغ والدك عن ماذا؟”
“تعليمكِ، ظهوركِ الاجتماعي… أو حتى زواجك.”
لم تعرف إلين ماذا تقول.
فكل هذه الأمور الثلاثة… لم تحدث في حياتها السابقة.
“فقط ثقي بي، واصبري. ما زال والدي باردًا تجاهكِ بسبب والدتكِ الراحلة، لكن في النهاية سيقبل برأيي.”
وبعد أن أنهى كلامه، مدّ إصبعه الأبيض الطويل ولمس خدها بلطف، ثم استدار وغادر الغرفة.
تجمدت إلين في مكانها، وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها من حيث لمسها لآرش.
“غريب… لماذا يتصرّف لآرش هكذا؟ لقد مرّ شهران فقط منذ عُدتُ للماضي.”
رغم أن تصرفات عمّها وأبناء عمومتها لم تتغيّر، إلا أن لآرش فقط… تغيّر.
وكأنه يعلم أن إلين تحاول الهروب منه.
“عليّ أن أكون حذرة… لن أعيش مجددًا مربوطة بلجام لآرش كما في حياتي السابقة!”
أخذت نفسًا عميقًا، تحاول تهدئة نبضات قلبها، ثم انتبهت إلى علبة الهدايا الصغيرة بين يديها.
كانت علبة مغلّفة بشريط، شيء لم تحصل عليه أبدًا في حياتها السابقة.
رغم حذرها، فتحت العلبة ببطء، فضولها دفعها لمعرفة ما الذي قدّمه لآرش.
— ما هو؟
كان رابيس أول من أظهر فضوله.
“إنه شريط.”
كان شريطًا من الساتان الأحمر، مرصعًا بلؤلؤة في نهايته.
يبدو أنه صُنع في إمارة جيد، وكان رائجًا جدًا في المجتمع الراقي في هذه الفترة. شريط لامع ومُتقن.
هدية تُسعد أي فتاة من طبقة النبلاء.
لكن إلين شعرت وكأن لآرش يُثبت مجددًا أنه لا يفهم وضعها.
شريط أحمر؟
لو خرجت به على رأسها، فستُضرب أو تُهان من عمّها أو عمّتها، لأنه لا يليق بثيابها الرثة.
من سيرحب برؤية فتاة يُطلق عليها “العار على العائلة”، تتبختر بشريط فخم في رأسها؟
— هل الفتيات البشريات يحببن هذا النوع من الأشياء؟
“ربما؟”
— وأنتِ؟ هل أعجبكِ؟
“لا… لم يُسعدني.”
لكن رابيس بدا سعيدًا بذلك الجواب.
— كما توقعت… لا يمكن لفتاة لم تُحرّكها قوتي أن تفرح بشريط تافه.
ضحكت إلين رغماً عنها من نبرة الفخر في صوته.
وبسبب تلك الضحكة، قرّر رابيس تنفيذ ما فكّر فيه منذ قليل.
— سأهديكِ أنا هدية هذه المرة. وستكون أفضل من هديته بكثير!
“هدية؟”
رابيس، الذي لم يكن يعرف ما هو يوم القديس نيكولاس حتى أخبرته به، بدا فخورًا كأنه كان يستعد منذ زمن.
“لكن… لو رأى أحدهم شيئًا جديدًا، قد أُتّهم بالسرقة. لذا، سأكتفي بقلب رابيس كهدية.”
— لا تقارنيني بالبشر، التعلّق بالماديات من صفاتهم فقط.
ثم نظر إلى الشريط الأحمر بازدراء بعينيه الزرقاوين المتعجرفتين، قبل أن يلتفت إلى إلين فجأة.
— بالطبع، يمكنني أن أُعطيكِ أي شيء ترغبين به… لكن…
“لا، لا يوجد شيء أريده.”
— إذا أردتِ شيئًا يومًا ما، أخبريني فقط. حتى لو لم يكن يوم القديس نيكولاس.
“وليس ناثوليس، بل نيكولاس…”
— اسم إنسان ميت لا يهم! الآن، هل أنتِ مستعدة لتلقي هديتي؟
بلعت إلين ريقها وهي تتذكّر قصة رابيس، الذي أعاد الزمن بسبب أمنيتها ألا يتم تدمير الإمبراطورية.
“أتمنى ألا تؤثر على أي أحد سواي.”
— ما الذي تقولينه؟
لكن رابيس، غير مدرك لقلقها، انسحب إلى زاوية الغرفة وبدأ يُحرّك ذيله ليجمع قوته السحرية.
الترجمه: غــيـو…𖤐
التلي : https://t.me/gu_novel
التعليقات لهذا الفصل " 27"