“عندما يُقدَّم الطعام، توجّهي إلى غرفة الغسيل وساعدي هناك!”
“ماذا؟”
“عندما يُقدَّم الطعام، إلى غرفة الغسيل—!”
“قُل شيئًا منطقيًا على الأقل!”
صرخت إلين بعينين متوهجتين، فتراجع الكاهن مذعورًا.
“أتطلب من شخص يبدو وكأنه سينهار بعد يوم واحد في مطبخ الأحياء الفقيرة أن يساعد أيضًا في غرفة الغسيل؟”
“آه، لا، هذا لأن القديسة إيفلين ليست على ما يُرام…”
أدركت إلين حينها ما الذي يجري تقريبًا.
إيفلين، التي كانت مسؤولة عن أعمال الغسيل، كانت كثيرًا ما تتغيب عن العمل بتدليل الكهنة أو بادعاء المرض، مستغلة جمالها الملفت.
ويبدو أنها اختارت إلين، الأضعف والأكثر لينًا من بين القديسات، كبديلة لها لكي تتغيب اليوم.
وبنفاد صبر، ردّت إلين بحدة:
“أنا أيضًا على وشك الموت، فلماذا لا تأخذ مكاني؟ أمامي مئتا شخص عليّ إطعامهم وأربعمئة وعاء خشبي عليّ غسلهم!”
“ماذا؟ آه، أ-أنا لست من النوع الذي يقوم بذلك…”
“إذن، ما الذي تفعله؟ هل من الممكن أن الشخص الذي أصبح كاهنًا ليتبع تعاليم الرب بارا جاء فقط ليجلس ويرتل الكتب المقدسة مرتديًا ملابس فاخرة ويأكل طعامًا جيدًا؟”
أغلق الكاهن فمه كما لو لُصق بالغراء.
ورغم أن الكاهن كان أعلى مرتبة، سواء كنَسَب أو داخل المعبد، إلا أنه لم يتمكن من مجابهة قديسة متمرسة أمضت عشر سنوات في الخدمة داخل المعبد.
في أثناء ذلك، كانت إلين تواصل توزيع الحساء بيديها دون توقف.
كان الحساء هذا، الخالي من اللحم والذي يحتوي على الحليب والدقيق والكثير من الخضروات مثل البطاطا والكرنب، هو أفضل ما يمكن أن يأكله فقراء حي سيميل، شمال العاصمة، مرتين فقط في الشهر.
لكن بالنسبة لشخص عليه تقطيع المكونات، وطهيها طوال اليوم، وسكبها لأربعمئة شخص، وغسل الأواني بعدها، فكان هذا أصعب يوم في حياته.
وبالنسبة لإلين، فإن كل من يحاول التملص من عمله أو التظاهر بأداء دور بطولي على حساب تعبها، لا يستحق أن يُسمى كاهنًا.
“لا تقف هنا لتعرقل عملي، عد إلى الآنسة إيفلين وقل لها أن تكفّ عن هذا الهراء. إذا كنتِ ستبقين في المعبد كقديسة، فتصرّفي كواحدة!!”
تردّد الكاهن قليلاً، وعلى وجهه نظرة حيرة، ثم استدار وغادر.
وما إذا غادر أم لا، لم تلتفت إليه إلين واستمرت في عملها بحمل المغرفة وتقديم الحساء.
سكبت الحساء في وعاء العجوز المنتظر، ثم اعتدلت بصعوبة بعد ساعتين تقريبًا من الوقوف المتواصل.
(هاه… انتهيت من التوزيع لهذا اليوم.)
لكن، ما إن انتهت من التوزيع، حتى اندلع شجار في الجهة الأخرى من مطبخ الفقراء.
“أنت أصغر مني، لذا يجب أن تأكل أقل! أعطني هذا!”
“هذا لي! دعني!”
شخصٌ أنهى طعامه، أمسك بوعاء جاره محاولًا انتزاعه منه. وكانت إلين هي المسؤولة عن حلّ مثل هذه المشكلات.
أسرعت إلين نحوهم وصرخت:
“إن لم تُفلت يدك الآن، فلن تدخل إلى المطبخ الأسبوع القادم!”
“من أنتِ؟!”
كان الرجل الذي حاول سرقة الوعاء طويلاً ومخيف الهيئة.
ويبدو أنه شخص اعتاد الفوز بالتهديد والعنف. نظر إلى إلين التي كانت ترتدي مئزرًا ملوثًا ببقايا الحساء من رأسها حتى قدميها.
وبحكم ملامحه الغريبة، بدا أنه شخص انتقل حديثًا إلى حي سيميل.
“أنا إلين نيوت، القديسة في المعبد. هل ترغب أن أضيف تهمة ازدراء النبلاء أيضًا؟”
ارتبك الرجل عند سماعه كلمة “قديسة”.
في معبد إمبراطورية كاليس، كان أطفال العائلات النبيلة يخضعون لفترة دراسية دينية تحت مسمى “قديس” أو “قديسة”، لكن قلّ من كان يشارك في العمل الشاق مثل هذا.
ورغم أنهم يُعامَلون معاملة الكهنة، إلا أنهم كانوا في النهاية نبلاء، يعاملون المعبد كمدرسة داخلية ووسيلة لبناء العلاقات لا أكثر.
فلم يصدق الرجل أن إلين، التي تبدو كخادمة، هي بالفعل من النبلاء.
“لا تكذبي! أيّ نبيلة تفعل هذا النوع من العمل؟ ألا تعلمين أن جريمة انتحال شخصية النبلاء خطيرة؟!”
“ولماذا أكذب عليك أصلاً؟”
أخرجت إلين عقدًا فضيًا من تحت ملابسها وأرته إياه. كان درع القديسة، والذي لا يمكن ارتداؤه إلا من قبل قديس أو قديسة.
حينها فقط، تراجع الرجل.
“آه، آه، عذرًا. لم أقصد، فقد أخطأت لأنني لم ألتقِ بقديسة تعمل في مكان كهذا من قبل.”
“يعني لو لم أكن نبيلة، لكنت تماديتَ في تصرفاتك.”
“لا! أعتذر يا قديسة…”
نظرت إليه إلين ببرود وحذرته:
“ذاكرتي قوية، وخصوصًا وجوه من يسببون المشاكل لا أنساها. إذا فعلت شيئًا كهذا مجددًا، فلن تدخل هذا المطبخ بعد الآن.”
“ن-نعم…”
وغادر الرجل مسرعًا، ثم أخذت إلين تراقب المطبخ لتتأكد من عدم تكرار الفوضى.
فمنع الفقراء من دخول المطبخ الخيري كان أشد عقوبة يمكنهم تخيّلها، إذ أن الطعام هو أثمن ما لديهم.
“يا قديسة إلين! لقد وصلت دلاء الماء!”
“نعم، فلنبدأ فورًا!”
عند سماعها بوصول الماء لغسل الصحون، توجهت إلين مباشرة إلى منطقة الغسيل في الجهة الأخرى من المطبخ.
وكانت الأطباق والملاعق الملطخة بالطعام مكدسة بكثرة.
ولافتتاح مطبخ الفقراء اليوم، لم يُعيَّن سوى خمسة أشخاص فقط، بما فيهم إلين، للطبخ، وتقديم الطعام، وضبط النظام، وحتى غسل الأطباق.
“فلنبدأ قبل أن تتراكم الأواني.”
جلست إلين، وثنت ذراعيها. كانت المياه باردة ويداها تؤلمانها، لكنها لم تجد في الأمر ألمًا يُذكر فقد اعتادت عليه.
“بعد مغادرتك، لا أعلم ما الذي سنفعله بكل هذا العمل.”
“آسفة…”
“أوه، لا! ولمَ تعتذرين يا قديسة؟ لقد كنا ممتنّين لوجودك طوال هذا الوقت.”
بعد أسبوع، كانت إلين ستغادر المعبد أخيرًا، وكان وداع نساء العامة اللواتي عملن معها مليئًا بالامتنان والأسى.
“أخيرًا ستخرجين من هنا. لقد مكثتِ أكثر من غيرك، أليس كذلك؟”
“نعم. هذا ما حدث.”
“هل الأمور بخير في منزلك؟”
“كما هي دائمًا.”
دخلت إلين إلى المعبد متأخرة، لكن إقامتها التي امتدت لعشر سنوات لم تكن بإرادتها، فمدة التعليم الديني لا تتجاوز عادة خمس سنوات.
وبعد أن بلغت العشرين، لم يرغب آل نيوت – عائلتها – في عودتها، ولم يكن لها مكان تذهب إليه سواهم، فبقيت مجبرة في المعبد.
لكنها لم تكن محبطة.
(هذا أفضل. لنستغل هذه الفرصة للهرب من عائلة نيوت.)
رغم أنها لم تكن تملك مالًا ولا سندًا، عملت إلين في أي شيء مقابل أجر زهيد وادخرت بكل ما تستطيع.
وبعد سبع سنوات من العمل، استطاعت أن تستأجر غرفة صغيرة لعام كامل، وتوفّر ما يكفيها لتبدأ حياة جديدة.
وأخيرًا، كانت تستعد لمغادرة المعبد الأسبوع المقبل، دون أن تُخبر عائلة نيوت.
(لا يمكنني البقاء هنا لأُباع لأحد النبلاء الشائخين المنحرفين.)
فقد كان عمها، الكونت نيوت، يرفض استقبالها لكنه يسعى جاهدًا لبيعها.
وكانت هناك خيارات كثيرة لبيعها: كزوجة ثانية لنبيل عجوز بلا وريث، أو كعشيقة لرجل ثري، أو كشريكة في حفلات سهر زوجات ذوات الميول السحاقية.
وفي كل مرة، كان ابن عمها ووريث العائلة، لارش، يتدخل ويمنعه، لذا بقيت بأمان حتى الآن، لكنها لم تكن واثقة في الاعتماد عليه إلى الأبد.
(الخيار الوحيد لي، أنا التي تجاوزت سن الزواج، هو أن أبقى في المعبد كقديسة أو أن أتزوج زواجًا قسريًا تعيسًا… وكلاهما ليس أفضل حالًا.)
وإن هربت من المعبد، فستضطر للعيش كعامية لا كنبيلة، لكنها كانت مفعمة بالأمل بفكرة التمتع بالحرية المطلقة لأول مرة في حياتها.
حتى انتهت من غسل الصحون، ومسّدت ظهرها المتألم، ورفعت رأسها لتنظر إلى السماء الزرقاء الصافية…
“أوه؟ ما هذا؟”
أشار أحدهم إلى السماء. كانت غيوم سوداء تتجمع بسرعة في الأفق، وسط السماء الزرقاء الصافية.
“حتى لو قلنا عنها غيوم داكنة… أليست مظلمة أكثر من اللازم؟”
“هل هناك حريق كبير؟”
وقبل أن يستوعب الناس ما يحدث، غطّت الغيوم السوداء سماء مدينة ليتشي، عاصمة إمبراطورية كاليس.
ومع اختفاء ضوء الشمس وسط ظلام دامس، بدأ الناس يرتجفون من الخوف.
وكأنما كان ينتظر اللحظة المناسبة، دوّى صوت كالرعد يهزّ السماء والأرض.
[كرااارك!]
كان الصوت يأتي من خلف الغيوم، لكنه لم يكن رعدًا. بل بدا كزمجرة منخفضة لمخلوق عظيم.
وفي تلك اللحظة، بينما الجميع يحدق في السماء برؤوس مائلة، انطلق صوت عالٍ لا يُقارن بما سبقه.
[اسمعوني أيها البشر المخادعون والمتكبرون.]
كان الصوت بلغة بشرية، لكنه لم يكن صوت إنسان، مما بثّ قشعريرة في الأجساد. بدا أن الضوء المتلألئ خلف الغيوم السوداء سيتحول إلى صاعقة تضرب الأرض في أي لحظة.
[سأعاقبكم على سَخْطِكم على الآلهة، ولتجرُّئكم على ختمي لخمسمائة عام، ففي غضون ثلاثة أيام، ستحترقون بنيران سوداء، أيها البشر العاجزون… عيشوا في اليأس!]
وبعد هذا التهديد المرعب، اخترق صاحب الصوت الغيوم السوداء وبدأ يحوم بسرعة فوق مدينة ليتشي.
في البداية، كان من الصعب رؤيته بسبب الظلام، لكن مع الوقت، أدرك الناس أنه مخلوق طويل الجسد وله جناحان هائلان.
وفي تلك اللحظة، انطلقت صاعقة برق من خلف الغيوم، ومن خلالها استطاع الناس أن يروا التنين الأسود بعينيه الزرقاوين.
وبربط الأدلة بين “تنين أسود” و”ختم لمدة خمسمائة عام”، أدركوا هويته بسرعة.
“إنه رابيس! التنين الشرير رابيس قد عاد!”
وانتشرت صرخات الرعب تدريجيًا في أرجاء الإمبراطورية
{الترجمه : غيو ~}
التلي : https://t.me/gu_novel
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"