في وقتٍ من الأوقات، كانت تُعرف إمبراطورية كاليس باسم “بلاد التنانين”، لكثرة ظهور التنانين فيها، رغم أن الفاصل بين ظهورها كان يمتد لمئتين أو ثلاثمئة عام.
ولكن، قبل نحو ثلاثمئة عام من فقس رابيس، قررت التنانين التوقف عن زياراتها المتكررة.
فالعدد المتزايد للبشر أدى إلى تدمير الطبيعة سعياً للحصول على الموارد، كما خاضوا الحروب لتوسيع أراضيهم والسيطرة عليها.
البشر، الذين كانوا في يومٍ من الأيام يقدّسون الآلهة والماء والطبيعة، أصبحوا عبيدًا للمال والسلطة، فقررت التنانين العدول عن فكرة التعايش معهم.
كان بإمكانهم أن يُبيدوا البشر تمامًا بسحرهم، لكنهم لم يرغبوا في ذلك.
جمع شيخ التنانين كل العشائر، وأمرهم بجمع نوى السحر التي زرعوها في الأرض، وتهيؤوا لمغادرة هذا العالم.
لكن، عندها، سقط بيضة صغيرة في عالم البشر.
[يا شيخ، ماذا أفعل؟]
[اتركها. ليس مقدرًا لها أن تأتي معنا.]
[لكن… شكل البيضة غريب. لا أعتقد أنها ستفقس.]
غادرت التنانين عالم البشر بعد أن حكمت بأن البيضة، التي كانت أصغر وأكثر تسطحًا من بيض التنانين المعتاد، لن تفقس أبدًا.
غير أن تلك البيضة احتوت على روح تنين ونواة سحرية لم تتحطم. وكان هذا هو رابيس.
لقرونٍ، ظل رابيس محبوسًا داخل البيضة، يتدحرج هنا وهناك، ويتعلّم عن البشر والعالم.
خلال تلك المدة، بلغ من النضج ما يكفي ليفقس، لكنّ شروط فقس بيضة لم تحملها أم تنين كانت مماثلة لشروط فك ختمٍ سحري، لذا لم يكن أمامه سوى الانتظار لفرصة نادرة.
ولكن لا وجود لمصيرٍ يُدعى “الموت” في هذا العالم… ذات يوم، رمى أحدهم بيضة رابيس على رأس إنسان آخر.
ضربت البيضة القاسية جبين الإنسان، فمزّقت جلده الرقيق، وسال الدم واختلط بالدموع التي تناثرت، فلطخت البيضة.
كانت تلك صرخة الفتاة… أول صوتٍ “حقيقي” في هذا العالم يسمعه رابيس.
ومع تشقق صغير، انكسرت البيضة، وخرج منها رابيس، ونما دفعة واحدة.
كان هواء العالم البشري خانقًا في البداية، لكنه بدا مألوفًا لتنينٍ ينفث النيران.
[هاه… بالكاد فقست.]
هزّ رأسه، ونفض بقايا القشرة عن أنفه، ثم التفت نحو الإنسان الذي أصبح الآن متعاقده، وقد امتلأ قلبه امتنانًا وفرحًا.
كانت فتاة صغيرة، نحيلة، تبدو في منتصف سن المراهقة حسب مقياس البشر.
شعرها الأسود كان أشعث، وبشرتها الظاهرة من بين ثيابها الممزقة كانت متسخة ملطخة بالدم.
“تـ..تنين…!”
[أجل، سررتُ بلقائكِ أيضًا. لكن…]
كما كان متوقعًا من مظهرها، لم تكن أول متعاقدة لرابيس في وضعٍ يسمح لها بالترحيب به.
فلم تكن فقط نحيلة ومتسخة… بل كانت مربوطة على كومة من الحطب.
[لا تبدين بخير. فلنبدأ بالأهم. أنتِ، الإنسانة التي أصبحتِ متعاقدتي، أستطيع تحقيق ثلاث أمنيات لكِ. ويبدو أنه من الأفضل أن تتمني بسرعة… قبل أن تموتي.]
“أنقذني! أرجوك، أنقذني!”
عيناها الممتلئتان رعبًا توسلتا إليه بصدق. ورأى رابيس ذلك النَّداء الصادق.
[أهكذا فقط؟ إنقاذ حياتكِ؟ ألا تضيفين أمنية ثانية؟]
حدّقت الفتاة فيه بصمت بعد كلماته الساخرة، ثم عضّت شفتيها وقالت:
“اقتُل جميع أهل القرية!”
[أحببتُ ذلك. سأحقق أولى أمنياتكِ.]
ابتسم رابيس بمكر، وطاف بسرعة حول العمود الذي كانت مربوطة عليه.
النيار المشتعلة التي كانت ستلتهم جسدها في أي لحظة تراجعت بعيدًا، ولم تبقِ جمرة واحدة حولها.
ولأنّ رابيس كان غير مرئيّ للبشر سوى للفتاة، فقد تعالت صرخاتهم المذعورة:
“لماذا انطفأت النار؟!”
“كما توقعت! إنها ساحرة! هذا آخر فعلٍ لها! ارجموها بالحجارة!”
فزع الناس وبدؤوا يلتقطون الحجارة من الأرض ويرشقونها، لكنها لم تَصِل إليها، كما أن النيران احترقت وذوت دون أن تمسها.
ضحك رابيس وهو ينشر جناحيه، وارتفع في الهواء… وأخيرًا، كشف عن نفسه.
“ما هذا؟!”
“إنه وحش!”
على عكس الفتاة التي عرفت أنه تنين من النظرة الأولى، نادى عليه القرويون بـ”الوحش”.
[أيها الحمقى. اشكروا السماء لأنكم ترون التنين قبل أن تموتوا.]
ثم مال إلى الوراء ونفث نيرانًا سوداء نحو القرويين.
“آآآه!”
“كارثة! الساحرة جلبت الدمار لقريتنا!”
“أنقذوني!”
البشر الذين أرادوا حرق فتاة صغيرة حتى الموت دون أدنى ندم، فرّوا هذه المرّة طالبين النجاة.
لكنّ رابيس أحرقهم جميعًا… كما يُحرق القمامة.
لم يوفّر أحدًا: لا الرجال الذين قادوا محاولة الإعدام، ولا المرأة التي تحمل طفلًا على ظهرها، ولا الأطفال في عمر الفتاة.
استغرق الأمر أقل من ساعة حتى أحرق القرية بأكملها وسكّانها.
وبعد انتهائه، اقترب رابيس من الفتاة التي جلست على الحطب مذهولة، وقال مبتسمًا:
[ما رأيك؟ أعجبكِ؟]
“هف… هف…”
لم تُجب، بل انفجرت في البكاء.
حدّقت طويلاً في القرية الخالية، وراحت تبكي بصمت. دموعها الكثيرة بدت وكأنّ كل واحدة منها تحمل شعورًا مختلفًا.
نظر إليها رابيس باهتمام، وسأل:
[يا إنسانة صغيرة… ما أمنيتك التالية؟]
كانت لا تزال تمسح دموعها بصمت، ثم نظرت إلى السماء طويلاً، وقالت بحزم:
“اجعلني أعظم ساحرٍ في هذه الإمبراطورية…”
فهم رابيس مضمون الأمنية في ذهنه فورًا.
[لكن لقب “ساحر” يُمنح للذكور فقط في هذه الإمبراطورية، أليس كذلك؟]
“بلى. وإن مارست المرأة السحر، يُقال عنها ‘ساحرة’… وإذا اكتُشف أمرها، تُحرَق حيّة.”
[أأنتِ ساحرة؟]
“نعم…”
لم تكن تملك طاقةً كبيرة، لكن رابيس شعر بوجود سحرٍ خافت في جسدها. مستوى لا يُمكّنها من فعل الكثير.
[طاقتكِ ضعيفة… فكيف اكتشفوا أمركِ؟]
“لم يكتشفوا شيئًا… بل اتّهموني ظلمًا. كانت هناك طاعون، ولم أُصب به، فقط لأني كنت فقيرة بالكاد أجد ما آكله.”
هزّ رابيس رأسه وقال:
[الناس يحبّون تعليق مصائبهم على غيرهم.]
[هممم… هل أغيّر جنسكِ تمامًا إلى ذكر؟]
“لا… فقط اجعل الناس يظنون أنني رجل. الحقيقة… لا أريد أن أصبح رجلًا حقًا.”
فبعد أن عاشت ستة عشر عامًا كامرأة، لم تكن تريد التخلّي عن جسدها.
فقرّر رابيس أن يُنشئ وهماً يجعلها تبدو كرجل في أعين الآخرين، مع حفاظها على ملامحها الأصلية من شعرٍ وعينين.
[هل ستتحملين العيش متظاهرةً بأنكِ رجل؟]
“لا بأس. أُفضّل ذلك ألف مرة على أن أعيش امرأةً دون سند في هذا العالم.”
حينها، وهبها رابيس ذلك الوهم.
[والآن، لنتحدث عن القوة السحرية…]
رأى رابيس في الفتاة ذكاءً مفاجئًا.
أن يجعلها أعظم ساحر في البلاد يعني أن تكون قوتها أعلى من جميع السحرة.
ولو امتلكت تلك القوة، فستكون قادرة على تحقيق أمنياتها دون حاجته.
لكنه لم يشعر بالخسارة، ففي نهاية المطاف، إن ماتت طبيعيًا، ينتهي العقد.
فقال لها، وكأنه يستمتع بالأمر:
[سأمنحكِ جزءًا من نواة قلبي… كي تصبحي أقوى من أي ساحر في البلاد.]
“نواة قلب…؟ ما ذلك؟”
[قلبي. هل تعلمين أن قلب التنين هو جوهر السحر؟ سأمنحكِ القليل منه. وبهذا، ستصبحين أعظم ساحر في عالم البشر.]
“ماذا؟! أحقًا؟”
[أحقًا؟ ما هذا السؤال؟]
“لقد أخذتَ من قلبك… ألا يؤلمك؟”
فتاة بشرية قذرة بالكاد تقف على قدميها… قلقة على سلامة تنين ضخم.
لم يستطع رابيس تمالك نفسه، وانفجر ضاحكًا:
[آههاها! كم هذا لطيف! لا تقلقي، لن يؤذيني قليل من قلبي.]
“حقًا؟”
[نعم. لكن تذكّري… لو خنتِني أو أغضبتِني، سأستعيد تلك النواة بطريقة مؤلمة جدًا.]
ارتجفت الفتاة، وأومأت سريعًا برعب.
‘لم أعتقد قط أنني سأعامل بشرًا بهذه الطريقة… لكنها متعاقدة لطيفة فعلًا.’
الترجمة: غــيـو…𖤐
التلي : https://t.me/gu_novel
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 16"