الفصل 014 الين

<خطوة نحو التغيير>

قالت إلين بنبرة حازمة:

“المدبّرة ستراقب إميلي على الأرجح. وقد تكون علمت بالفعل بأنها تحضر لي الطعام.”

“ماذا؟! مستحيل.”

“هذا مجرد إحساس… لذا لا تأتي إليّ بعد الآن.”

“آنسـتي…”

رفعت إميلي حاجبيها ونظرت إلى إلين بنظرة يغمرها الأسى.

“كم أدين لكِ بسبب هذه الطيبة…”

ابتسمت إلين عمدًا، محاولة أن تبدو مشرقة.

“أنا بخير فعلًا. ربما تتحسن الأمور في المستقبل.”

“لو كانت ستتحسن، لتحسنت منذ زمن.”

“لا أقول هذا فقط. ربما في العام المقبل أدخل المعبد بصفتي قدّيسة عائلة نيوت.”

“ماذا؟! حقًا؟”

“نعم. لست متأكدة، لذا لا تخبري أحدًا.”

كانت الحياة لن تتغير كثيرًا حتى لو أصبحت قدّيسة، لكن بالنسبة لخادمة بسيطة، يبدو ذلك كأنما هو ارتقاءٌ كبير.

“لكن لا يزال أمامنا وقت طويل حتى المراسم.”

“لهذا عليّ أن أستغل هذا الوقت وأستميل الجانب الطيب منهم. سأحزن جدًا إن تعرضتِ للعقاب بسببي يا إميلي.”

“آه، لا تقلقي. لن يُعاقبني أحد فقط لأني أحضرت طعامًا.”

لم تكن إميلي تدرك كراهية الكونت نيوت العميقة لإلين.

بالنسبة له، كانت إلين مجرد بذرة رجل آخر وُلدت من المرأة التي أحبها، ولزوجته، كانت مجرد ذكرى حيّة للمرأة التي أحبها زوجها.

“فقط افعلي ما أقوله. أوه، هذا لا يعني أنني سأتظاهر بنسيانك أو أنكِ لا تعنين لي شيئًا. أعدكِ بذلك.”

نظرت إميلي في عينيها بصمت، ثم ضمّتها إلى صدرها.

كان حضنها دافئًا لدرجة أن إلين شعرت بأن الدموع تكاد تنهمر منها.

“أنا آسفة لأنني عاجزة، آنستي.”

“إميلي، لا داعي للاعتذار. بفضلكِ فقط، تمكنتُ من الصمود.”

“لكن إن احتجتِ إليّ، علقي مصباح زيت على النافذة. سأصعد إلى غرفتكِ فورًا.”

“نعم… شكرًا، إميلي.”

عانقتها إلين بقوة أكبر، محاولةً حبس دموعها.

ما إن غادرت إميلي، حتى نطق رابيس أخيرًا:

[من تكون هذه؟ مقارنةً بالأوغاد الذين يعيشون هنا، تبدو بشرية جيدة.]

“إميلي، إنها الخادمة الوحيدة التي ساعدتني.”

روت له إلين علاقتها بإميلي، وما حدث لها بعد دخولها المعبد.

“منذ أن عدت إلى الحياة، أريد أن أحميها هذه المرة. هل يمكنني ذلك؟”

[هممم، ليس صعبًا.]

“حقًا؟”

[من تظنينني؟]

تلألأت عينا إلين عندما وعدها رابيس بالمساعدة.

“أنت أروع وأقوى تنين في العالم.”

[تعرفين ذلك إذًا؟ هل تخافين أن أطلب أمنية مقابل هذا؟ لا تقلقي، أنا كسول جدًا لأحسب هذا طلبًا رسميًا.]

شعرت براحة حقيقية عندما قال لها ذلك.

لكن… وضع رابيس شرطًا.

[في المقابل، أريد منكِ معروفًا.]

“طلب؟ مني أنا؟”

(ما الذي يمكن أن يطلبه تنين من إنسانة لا قيمة لها؟)

[حين تدخلين المعبد العام المقبل، ابحثي عن شيء هناك وأحضريه لي.]

“ماذا؟”

[سأخبركِ لاحقًا. ليس بالأمر الكبير.]

“مفهوم…”

كان على إلين أن تدرك حينها… أن ما يراه تنين أمرًا “غير كبير”، قد لا يكون كذلك للبشر.

“تحياتي، سيدتي.”

“مرحبًا، كونت نيوت. لقد مضى وقت طويل، لآرش.”

كانت الصالون الفخم يلمع تحت شمس الشتاء الباردة.

المرأة التي استقبلت روبيان ولآرش كانت آية في الجمال، تختلف قليلًا عن نساء الإمبراطورية المعتادات.

شعرها الأسود المتموج ينسدل حتى خصرها، وبشرتها السمراء الناعمة بلا شائبة.

رموشها الطويلة ترسم ظلًا على وجنتيها، وعيناها البنيتان الفاتحتان، البريئتان والغامضتان، تخطفان الأنظار.

“الصالون تغيّر عن آخر مرة زرت فيه هذا المكان.”

“بما أنني أتذكّر حياتي هنا، زيّنتُ المكان بأسلوبٍ شرقي. ما رأيك؟”

“ذوقكِ فريد وراقٍ يا ليدي هيبرون. لا عجب أن الإمبراطور يزور قصركِ كثيرًا، هاها!”

“أوه، ما زلت بعيدة عن ذوق الكونتيسة نيوت، بلا شك.”

اسمها ساشا هيبرون، وقد أشرقت ملامحها الحقيقية عندما ردّت على مديح روبيان.

منذ عشرين عامًا، كانت فتاةً ريفية تقدّم الزهور، حين لفتت أنظار الإمبراطور، فأصبحت عشيقته.

وقع الإمبراطور، الذي كان زواجه من الإمبراطورة سياسيًا فقط، في حب ساشا كما لو أنه اكتشف زهرة نادرة، وساشا لم تفوّت الفرصة.

انتقلت إلى العاصمة معه، وسرعان ما أصبحت سيدة المجتمع، لكنها كانت متواضعة جدًا أمام الإمبراطورة، تقضي وقتها معها أكثر من الإمبراطور.

وبفضل هذا السلوك، تمكّن ابنها “آبيل” من دخول العائلة الإمبراطورية رغم كونه لقيطًا، بموافقة الإمبراطورة.

“آبيل أصبح أميرًا… والإمبراطورة ماتت. إذًا، مسألة الوقت فقط قبل أن يتغير ولي العهد.”

من أجل هذا الهدف الخفي، كان روبيان يسعى للتقرّب من ساشا.

فبعد وفاة الإمبراطورة المفاجئة قبل عامين، استحوذت ساشا على قلب الإمبراطور أكثر، وأصبحت سلطتها تعادل الإمبراطورة ذاتها.

ثم قالت شيئًا أسعد روبيان:

“الهدية التي أرسلتها لي في عيد ميلادي كانت مذهلة. هل كانت من الكونتيسة نيوت؟”

“هاها! نعم، زوجتي بذلت جهدًا لتجد ما يليق بكِ.”

“لابد أن الحصول على تلك الياقوتة لم يكن سهلًا…”

“من أجل عيد ميلادك، لا يمكننا تقديم شيء عادي.”

ابتسمت ساشا برضا، ورفّت شفتيها الحمراوين.

هدف ساشا لم يكن فقط البقاء عشيقةً للإمبراطور، بل أرادت القوة الحقيقية، والعديد من النبلاء الذين فهموا ذلك اصطفوا بجانبها، متوازنين بينها وبين ولية العهد أنايس.

وكانت عائلة الكونت نيوت من أوائل من انضمّوا إلى معسكر ساشا.

“أنا ممتنة دائمًا لصداقتكم المخلصة، يا كونت نيوت. في هذه الأيام، من الصعب العثور على من يُوثق بهم، فأنتم أثمن من عشرات المتقلّبين كأشباه الخفافيش.”

“أشعر بالإطراء. لكنني أوافقكِ، الثقة أصبحت نادرة. بالكاد يمكنك التحدث بحرية في الاجتماعات، فقد يُطعنك أحدهم في ظهرك في أي لحظة.”

أومأت ساشا برأسها، فأضاف روبيان بحماسة:

“لكي لا أُطعن، أصبحت أراقب كلام الناس وتحركاتهم. حتى اجتماعات النبلاء أصبحت مليئة بالشائعات الكاذبة.”

“هل قال الحمقى شيئًا مجددًا؟”

اقترب روبيان وهمس:

“أقصد الكونت آرمين. يبدو أنه واقع في قبضة الماركيز أورلوف تمامًا. لا يتوقف عن مدح ولية العهد آنـايس، وكان ذلك محرجًا بصراحة.”

“الكونت آرمين مقرب من ماركيز أورلوف، قريب الإمبراطورة… حتى أن زوجته حضرت حفل الشاي الخاص بأنايس مؤخرًا.”

“ربما تحاول أنايس اجتذابه، خاصةً بعد أن جنى ثروة من أعمال التعدين.”

“ربما…”

نقرت ساشا على مسند الأريكة بأطراف أظافرها الطويلة، ثم غيّرت أجواء الحديث بابتسامة مشرقة:

“يبدو أن أنايس بدأت تشعر بالتوتر، تحاول اجتذاب حتى من هم بمستوى آرمين.”

“ومن هو ولي العهد المدعوم من جلالة الإمبراطور والعديد من النبلاء؟ الأمير آبيل، بالطبع. لذا، توترها مفهوم.”

رغم أن ساشا في الأربعين من عمرها، وابنها آبيل في الثامنة عشرة، إلا أن جمالها الطبيعي وعنايتها بنفسها جعلاها تبدو أصغر.

آبيل، الذي رُفع إلى رتبة أمير بفضل الإمبراطور وجهود والدته، بدأ منذ عامين يزعزع مكانة ولية العهد.

“ابن عشيقة يطمح للعرش؟ أيُعقل ذلك؟”

كانت عائلة الإمبراطورة، وعلى رأسها ماركيز أورلوف، تستهزئ بآبيل، لكن قلب الإمبراطور كان مع ابنه المحبوب.

ما يمنعه من إعلانه وليًا للعهد هو قانون الإمبراطورية، ومعارضة النبلاء الكبار.

ولهذا السبب، كانت ساشا تجمع المزيد من الدعم الأرستقراطي، وعائلة الكونت نيوت كانت من العائلات التي توليها اهتمامًا خاصًا.

وفوق كل ذلك… هناك شيء بالغ الأهمية يجب أن يُستخرج من قصر آل نيوت.

الترجمة: غــيـو…𖤐

التلي : https://t.me/gu_novel