[ذلك الرجل قرر مجددًا أن يُلقي اللوم على الآخرين. يا له من شخص ثابت في سلوكه.]
“هل يغيّر الناس أنفسهم بهذه السهولة؟”
تمتمت إلين وهي تنهض بهدوء وتتجه نحو الباب. كانت الخادمات يصعدن على الأرجح، لذا وجب عليها المغادرة قبل أن يروها.
جلس رابيس مجددًا على كتف إلين من غير أن يقول شيئًا، ثم غادرا معًا نحو الطابق الأرضي من الملحق.
في الرواق، كانت خادمات الملحق يقفن منحنِيات أمام روبيان، وهنّ يواجهن نوبة غضبه.
“لقد أهملتنّ عملكن! كيف يمكن للملابس أن تتحلل بعد عشر سنوات؟!”
“هل تتحدث عن الفستان في الخزانة؟ لقد كان بحالة جيدة عندما فحصته البارحة…”
“أتقولين إنني أكذب؟ اصعدي وتحققي الآن!”
نظرت الخادمات إلى بعضهن بحيرة، ولكن لم تستطع إحداهن الاعتراض أمام نوبة غضبه العنيفة.
“إنه يتسبب فقط في متاعب للخادمات.”
[وما دمتِ لم تتعرضي للتوبيخ، فما أهمية الأمر؟]
“الأمر ليس ذنبهن. وإن عوقبن بسببه—”
[ولِمَ لا تقتلين ذلك الرجل؟ إنه مجرد عمّك، وقتله ليس بالأمر الصعب.]
فتحت إلين فمها لترد، لكنها أغلقت شفتيها من جديد.
فرغم مظهر رابيس كتنين صغير، إلا أنه في الحقيقة تنين أسود عملاق، كارثة سعت إلى تدمير الإمبراطورية. كم يبدو البشر تافهين أمام تنين مثله.
كما لا يكترث البشر بدهس نملات قليلة، فإن البشر أنفسهم ليسوا سوى حشرات في نظر رابيس.
في وقت سابق، بدا إنجاز المهمة سهلًا، ولكن الآن، ومع هذا العجز، لم تستطع إلا أن تتنهّد وتنظر إلى السماء… التي لم يجبها الإله قط.
حل الظلام خلف النافذة.
كان الخبز ومرق الحساء الذين تناولتهما على العشاء قد هضما بالفعل.
(أنا جائعة.)
كانت قد نسيت هذا الشعور بعد دخولها المعبد، لكن في مثل هذا الوقت من العام، كانت تقاتل الجوع الشديد دائمًا.
فركت إلين بطنها، محاولة نسيان الجوع… ولكن لم يفلح ذلك أمام حاسة سمع رابيس الحادة.
[صدر للتو صوت غريب من بطنك… أيمكن أن يكون ذلك لأنكِ جائعة؟]
“آه، لا….”
[وإن لم يكن، فهذا يعني وجود خلل في جسدك.]
اضطرت إلين، وقد شعرت بالإحراج، إلى الاعتراف.
“تناولت العشاء للتو، ولكنني جائعة قليلًا.”
[أظن أن الطعام قليل جدًا، أليس كذلك؟]
“أمم…”
[هل يُعقل أنهم يقلّلون حصتك عن عمد؟]
لم تُجب إلين، لكنها اكتفت بابتسامة خافتة.
فمنذ خرجت من الملحق وسكنت في المبنى الرئيسي، لم تزد كمية الطعام المقدّمة لها عن تلك التي كانت تُعطى لطفلة في السابعة.
حين كانت في العاشرة، جمعت شجاعتها وطلبت المزيد، فقوبلت بتوبيخ من خادمة في المطبخ.
“يا لكِ من طفيليّة، كل ما تفكرين فيه هو الطعام.”
في تلك اللحظة، شعرت إلين أنها عالة على الجميع. أما الآن وقد كبرت، فتعلم أن البالغين لا يجب أن يعاملوا الأطفال بتلك القسوة.
حتى لو كانت تتلقى وجبةً كاملة، لم يكن من المفترض أن تُهان، فضلًا عن أن وجبتها لم تكن كافية أصلًا.
ومع ذلك، لم تنهَر أو تمرض لأن هناك من كان يساعدها في الخفاء…
[أحدهم قادم.]
قال رابيس بصوت منخفض، لكنها لم تبدُ متفاجئة.
فبعد لحظات، سُمع طرق خفيف على الباب، ففتحته دون أن تسأل.
“آنسة إلين!”
“إميلي…”
(لم أرَ هذا الوجه منذ مدة طويلة… ربما جاءت لزيارتي قبل عدة أيام.)
“هل أنتِ جائعة؟”
نظرت إميلي سريعًا خلف الباب، ثم أغلقته بعناية، وأخرجت من حضنها حزمة صغيرة وضعتها على الطاولة بحركات معتادة.
داخل منديل قطن نظيف، كانت هناك بضع قطع من الخبز، وملعقة صغيرة من الزبدة ملفوفة بورقة مشمّعة، وتفاحتان صغيرتان متكدّمتان، وبطاطا باردة.
“كلي البطاطا الآن. لقد مضى يومان على سلقها، لذا عليكِ تناولها سريعًا.”
“شكرًا لك، إميلي.”
السبب الوحيد الذي أبقى إلين على قيد الحياة، رغم نقص الطعام، كان “إميلي”.
حين خرجت من الملحق وهي في السابعة، كانت إميلي فتاةً في الخامسة عشرة قد انضمت للتو إلى الخدمة، وهي الوحيدة التي شعرت بالشفقة تجاه الطفلة المتروكة من قِبَل الخادمات الأكبر سنًا.
ومع مرور الوقت، وارتقائها إلى منصب خادمة في المطبخ، بدأت تسرق بقايا الطعام وتقدّمها لإلين خفية.
“اصبري قليلًا، مع نهاية العام سيكون هناك فائض من الطعام، سأتمكن من جلب المزيد حينها.”
كانت إميلي الوحيدة التي عاملت إلين، رغم كراهية الجميع لها، كما لو كانت نبيلة بحق.
“سأتناول الطعام جيدًا.”
منعت إلين دموعها من الانهمار، وأخذت تقضم البطاطا الباردة. لم يكن هذا الطعام يُقدّم حتى للخادمات، أما الكونتيسة وخادماتها، فكنّ يرفضن تقديم شيء لإلين، ولو حتى طعامًا كاد أن يتلف.
لكن مذاق البطاطا الحلو والمالح جعل لعابها يسيل.
“لذيذة.”
“لو كانت البطاطا طازجة، لكانت ألذ…”
أحسّت إميلي بالحزن لرؤية إلين تُعجب بطعام لا يؤكل عادةً.
(أردت أن أضيف ولو بطاطا واحدة أخرى، لكن العيون كثيرة، ولم أجرؤ.)
رغم شفقتها على إلين، فإن اكتشاف الكونت وزوجته لذلك يعني طردها.
وكانت إلين تعرف ذلك جيدًا… وكانت تعلم أن قطعة الخبز الجيدة التي جلبتها اليوم، كانت من وجبة إميلي نفسها.
“شكرًا لكِ دائمًا، إميلي.”
“لا بأس، آسفة لأني لم أستطع إحضار المزيد.”
“لا تقولي هذا. لولا هذه الأطعمة، لمتُّ جوعًا.”
“آنستي…”
لم تستطع إميلي تقبّل حقيقة أن إلين، رغم كونها من آل “نيوت”، كانت تُترك لتجوع. لو كانت عائلة فقيرة، لهان الأمر، لكنهم كانوا من علية القوم.
“كيف حالكِ هذه الأيام؟”
“كما العادة.”
“لا أعراض زكام أو شيء؟”
“أنا بخير.”
“الحمد لله… لكن عليكِ النوم والغطاء يصل حتى عنقك، فهذه الغرفة باردة.”
حين رأت إلين حرص إميلي عليها بهذا الحنان، تذكّرت يومًا آخر…
“هل تعلمين؟”
قالت لورينا، وهي تبتسم ابتسامةً خبيثة.
“الخادمة التي تُدعى إميلي.”
“إميلي؟ ما بها؟”
“سمعت أنها كانت تسرق الطعام من المطبخ لتقدّمه لكِ.”
لم تستطع إلين الرد، فشعرت أن أسوأ مخاوفها قد تحققت.
ضحكت لورينا كأنها توقعت رد الفعل.
“أنتِ تعلمين أن الخادمة التي تُمسك بسرقة تُطرد بلا رسالة توصية، صحيح؟”
“لكن…”
“آه، أشفق عليها أيضًا. سمعت أن أباها مدمن خمر، وعندما أفلس، باعها كخادمة في حانة.”
“ماذا؟!”
هزّت لورينا رأسها بتصنّع، رغم نظرات الصدمة في عيني إلين.
“حياتها كامرأة انتهت. ماذا إن بيعت إلى بيت دعارة؟ والسبب؟ بسبب من؟”
لا تزال الصدمة واليأس من ذلك اليوم حاضرين في ذهنها. أرادت الذهاب إلى إميلي فورًا، لكنها لم تكن قادرة… فقد كانت محبوسة في المعبد.
عادت بها الذكرى فجأة، ولم تعرف إن كانت تختنق من البطاطا أم من المشاعر.
“إميلي.”
“نعم، آنستي؟”
“أشعر أنني مدينة لكِ بالكثير.”
“ماذا تقولين؟ من الطبيعي أن يعتمد الأطفال على الكبار.”
نعم، من الطبيعي… وإلين، التي لم تكن محظوظة، تعرف تمامًا أن مجرد الحصول على القليل من العناية هو نعمة.
“شكرًا جزيلًا. لطالما أردت قولها.”
“لا تقولي هذا. لم أفعل شيئًا عظيمًا…”
“من الآن فصاعدًا… لا حاجة لأن تجلبي لي طعامًا. بل، لا يُسمح لكِ بذلك.”
“ماذا؟! لماذا فجأة؟!”
بدت إميلي مشوشة تمامًا… فكما قالت إلين قبل قليل، لولا هذه الأطعمة، لهلكت.
الترجمة: غــيـو…𖤐
التلي : https://t.me/gu_novel
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 13"