“بصراحة ، عندما ظهرت الدوائر السحرية حول الآنسة ، كنت أتوقع ذلك.”
أقصد أن نزلي سيتهاوى تمامًا…
تمتم جوناثان وهو يمسح بطرف إصبعه زاوية عينه ، بوجه يشبه البكاء لكنه يبتسم ..
“لم أكن أظن أنني سأرى سحرًا لم يسبق لي أن شاهدته في حياتي طوال عملي كصاحب نزل ، أو أن يُجرف كل أولئك الناس دفعة واحدة.”
“……”
“إنها غلطتي أنا لأنني بعت ذلك الأثر العظيم بتهور، لا غير…”
تابع جوناثان حديثه بابتسامة هادئة من جديد ..
ظلت إليشيا تحدّق به حتى تلك اللحظة ، ثم حوّلت بصرها لتتفقد المكان من حولها ..
أوانٍ محطمة تحولت إلى غبار ، أثاث مدمَّر بلا ملامح ، وجدار منهار تتساقط منه قطرات المطر …
باختصار…
“فوضى.”
كانت تعتقد أنها سيطرت على الأمر بعض الشيء ..
وفي اللحظة التي أمالت فيها رأسها باستغراب…
“هذا كان حياتي وموطني.”
قال جوناثان وهو يحدّق في الجدار المثقوب ..
“ما إن بلغت العشرين حتى شيدت هذا النزل من الإرث الذي تركه لي أبي ، حتى يومها كان الجو ماطرًا هكذا.”
“……”
“تعهدت أن أعمل بجد ، تحت المطر أو الثلج ، لأصبح أفضل صاحب نزل في الإمبراطورية… لكن الآن…”
“فقط قل إنك غاضب بسببي.”
أن تدور وتدور ليقول مشاعره بهذا الشكل… ظنت أن شخصًا مثل دانتي رينار وحده يفعل ذلك .
تنهدت إليشيا بخفة بعد كلامها ..
فحتى لو كان السبب أن أعداء اقتحموا النزل ، فهي تدرك أن المسؤولية عليها ، وزادت في ذلك لأنها تركت مزاجها يقودها لتفلت أعصابها ..
لذلك لم تنوِ أن تمرر الأمر وكأنه لم يحدث ..
كما علّمها بيرنهارت ..
“تنحَّ جانبًا.”
دفعت جوناثان إلى الوراء وأطلقت أنفاسها بعمق ..
لحسن الحظ، المطر الغزير جعل الطريق فارغًا من المارة.
فلو حدث خطأ ، ربما تورط الأبرياء ..
أما الضوضاء التي نتجت عن انهيار النزل فلا بد أنها بدت كالرعد ..
ربما كان ذلك أفضل ، حتى لو لم يكن ايريك يبحث عنها، فلن يعود عليها أي نفع أن تثير انتباه الناس ..
“انتظر قليلًا.”
في تلك اللحظة ، بدأ الهواء السحري يتلاطم تحت قدميها، وتبع ذلك نور ساطع غلّف الحطام ..
أرجل الكراسي المكسورة التمّت من جديد ، والزجاج المتفتت عاد صحونًا كاملة ، والجدار المنهار انتصب كما لو لم يحدث شيء ..
جوناثان فتح فمه مذهولًا وهو يراقب ..
“هذا…”
قال وهو يتفحص النزل وقد عاد إلى حالته الكاملة.
“لم أرَ سحرًا كهذا من قبل.”
“……”
“بل لم أسمع حتى بوجود مثل هذا السحر.”
إذ إن السحر يعتمد عادة على عناصر الطبيعة ، بل يكاد يكون كله كذلك ..
“أنا لست ساحرًا لأفهم تمامًا، لكن…”
نظر إلى إليشيا بعينين لا تصدقان ..
فأجابت برفع كتفيها بخفة ..
“هذا سحر اخترعته بنفسي.”
“أأنتِ التي…؟”
“لا.”
لو طلب منها أحد أن تخترع سحرًا، ربما فعلت ، لكن إليشيا أقرب إلى من يجرّب السحر لا من يصنعه
أما من يبدع في صنعه حقًا فهو…
“على أي حال ، لقد أوفيتُ دَيني.”
لم يكن هناك داعٍ لتشرح له أكثر .
أدارت خطواتها لتغادر، لكن…
“آغ، آنسة!”
ناداها جوناثان بسرعة ، فالتفتت إليه قليلًا ..
فقال مترددًا، بابتسامة محرجة:
“قلتِ إنكِ سددت الدين ، هل يعني هذا أنكِ سترحلين الآن…؟”
“……”
“أقصد… بما أنكِ لا تملكين مالًا، فإن ذهبتِ إلى مكان آخر ستدفعين بما لديكِ مجددًا، وقد يتكرر ما حدث اليوم مرارًا.”
“……”
“وحتى لو أردتِ شراء بيت فلن يتغير الحال ، ربما تقضين حياتكِ تتنقلين بلا استقرار…”
آه، ربما تماديت الآن ..
أطبق فمه بسرعة.
“وماذا في ذلك؟”
سألت بنظرة باردة لا تحمل أدنى مشاعر ..
تردّد قليلًا، ثم أجاب بعزم:
“لماذا لا تبقين هنا؟”
فبقدراتها هذه ، ستُرحَّب بها أينما كانت ..
ناهيك أن وجود ساحرة أصلًا نادر ، وهذه الفتاة تملك سحرًا لم يره أحد ..
أما الفوضى الصغيرة التي حدثت ، فقد حُلّت بالفعل.
حتى لو كانت مطلوبة…
فهو مستعد لإخفائها ..
هز رأسه في سره .
إذ إنه بحث طويلًا بين قوائم المطلوبين ، ولم يجد من يشبه ملامحها ..
وكانت دومًا مختلفة عن صورة المجرم ..
ثم إن الأثر السحري باهظ الثمن ، وسلوكها بعيد عن الطمع أو الاحتيال ، وقوتها تكاد تكون خارقة ..
وفوق ذلك، هناك شيء ما فيها يجذبه بلا سبب واضح ..
عليّ أن أتمسك بها ..
قرر وقال:
“لن آخذ منكِ أي مقابل ، فقط إن جاء من يثير المتاعب في النزل، تولي أمرهم.”
“……”
“صراحة، طعام نزلي من الأفضل في الإمبراطورية ، صحيح أن الزبائن قلّة ، لكنكِ تذوقتِه بنفسكِ ، أليس كذلك؟”
أضاف كلامه بسرعة وقد ظن أن صمتها يعني الرفض ..
لكنها ابتسمت بهدوء ..
فجمد لبرهة وهو يحدّق ..
ابتسمت؟ هذه الفتاة؟
“جوناثان.”
قالت بصوت منخفض ، لا يزال يلامس أطرافه ابتسامة خفيفة ..
“أنت فقط لا تريدني أن أرحل ، صحيح؟”
وكأن في صوتها لمحة فرح صغيرة ..
ارتبك جوناثان وسعل لتغطية الموقف ..
“قد يكون قليلًا هكذا ، ثم إنكِ لم تمكثي هنا بما يساوي ثمن الأثر أصلًا، فـ…”
“……”
“أقصد… يمكنكِ البقاء بقدر ما تشائين ، أو حتى أكثر قليلًا…”
لكنها قاطعته ..
“حسنًا.”
أومأت بخفة، وعيناها تلمعان بشيء يصعب فهمه.
“لم أكن أنوي الرحيل الآن ، كنت فقط صاعدة لأستريح.”
إذ لم تنم جيدًا بسبب المطر المستمر طوال الليل ..
ثم استدارت وغادرت ، ولم يمنعها هذه المرة ..
خطواتها على السلم الخشبي أصدرت صريرًا منتظمًا.
وكانت تستمع إليه بلا مبالاة، غارقة في أفكارها.
لم أرَ سحرًا كهذا.
تذكرت نظرة جوناثان المندهشة ، وكأنه يكتشف النار لأول مرة ..
سأصبح شخصًا عظيمًا لست بحاجة إليكِ بعد الآن!
تذكرت أيضًا عيني الفتى الذي صاح بها بعزم ..
فابتسمت من جديد…
لست بحاجة إليّ بعد الآن…
وكما أوفت هي بوعدها، أوفى إيريك بمقصده أيضًا.
فهو من علّمها هذا السحر بنفسه ..
—
“هذا غير عادل!”
صاح الصبي ، الذي اصبح أطول منها بشبر ..
أما إليشيا فحدّقت به قليلًا، ثم أعادت بصرها إلى الأمام كأن شيئًا لم يكن ..
“حتى وقد كبرت ، ما زلت كما أنت ..”
“هاه؟”
” عادة الصراخ أولًا ، لو رآك جلالته لأحزنته …”
قالت ذلك من غير أن تنظر إليه ، وهي ممسكة بعصا طويلة أطول منها بكثير ..
وتوجهت عينا إيريك إلى تلك العصا ..
ففي طريقه إلى هنا، لم يتوقف الناس عن الحديث عنها.
العصا التي منحها الإمبراطور بيرنهارت بنفسه لإليشيا، وقد صُنعت خصيصًا لها، قطعة فريدة لا مثيل لها ..
وهذا ما كان يضايقه ..
“إنه أبي.”
اقترب منها وقال ..
فرفعت بصرها نحوه بتعجب ..
وأضاف:
“إنه أبي ، أنا.”
التقت عيناه الزرقاوان بعينيها الصافيتين ..
تأملتْه لحظة ، ثم ابتسمت بخفة وقالت:
“هذه العصا من أجلك أنت.”
وكأنها تفهم تمامًا سبب ضيقه ..
وأردفت بابتسامة رقيقة:
“حتى لو اصبح الأمن أفضل الآن ، لا أحد يضمن أن ما حدث لن يتكرر ، لذلك منحني جلالته هذه العصا لأحميك.”
فهي لك من الأساس ..
ثم مدّت العصا إليه ..
إيريك ظل يحدّق بها، ثم عاد ينظر إليها وهي جالسة تحته ..
ما دامت لا تسعى لمكانته ولا لرضا والده ، فهي ليست منافسة له ..
وبدأ يشعر أنه ارتكب خطأً كبيرًا.
كأنه فقط كان ينفجر غضبًا بلا سبب ..
“أأنتِ هنا لتحمينني؟”
تفجرت الكلمات من فمه بلا وعي ، حتى هو لم يتوقعها.
فأجابت وهي تطرف بعينيها ثم تهز رأسها بالإيجاب:
“طالما أنا هنا.”
“……”
“هذا هو دوري.”
قالتها بحسم تام وكأن لا سبب آخر لوجودها ..
وانسدت أنفاسه في صدره ..
فأباه لم يحضرها لهذا السبب أصلًا، إذ لم يعرف أنها تجيد السحر إلا في ذلك اليوم ..
لكنها تتصرف وكأن كل وجودها هو لهذا ..
وذلك أزعجه أكثر من أي شيء آخر ..
“لستِ مضطرة لحمايتي.”
قال بعينين متصلبتين ..
لم يحتمل أن يرى فتاة أصغر منه ، تمسك عصًا أثقل من جسدها، لتتحمل مثل هذا العبء ..
أراد أن يخبرها أنها ليست مضطرة لذلك ..
فهي ليست مقيّدة بشيء مثله ..
لكن ، بدلًا من أن يقول ذلك…
“سأصبح عظيمًا لست بحاجة إليكِ!”
خرج كلامه صغيرًا تافهًا ..
حتى أنه كاد يعض لسانه من شدة الغيظ.
ترجمة ، فتافيت ..
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات