‘إيريك ، إليشا!’
فور وقوع الحادث ، ألغى بيرنهارت كل التزاماته وعاد مباشرةً إلى القصر الإمبراطوري ..
والمشهد الذي واجهه هناك كان صادمًا بحق ..
حرّاس شخصيون وخادمات ممددون بلا وعي أمام غرفة نوم إيريك …
جدران متفحمة بشدة ، وخزف محطم ، وبقايا أثاث لم يعد من الممكن التعرف على هيئته …
وفي وسط ذلك كله ، كان السرير وحده سالمًا كعين الإعصار ..
فوقه ، كان الصبي نائمًا ، رأسه مستند إلى ركبة فتاة كانت تدندن بهدوء قبل أن ترفع نظرها نحو بيرنهارت…
هيئة بدت مسالمة كأشعة الشمس المتسللة من نافذة الغرفة ..
تأمل بيرنهارت ابنه الغارق في نوم بلا جرح واحد ، ثم حوّل نظره ليلتقي بعيني إليشا ..
” كنت أظن أن عليَّ أن أفعل شيئًا إذا أردت البقاء هنا ، لذلك–”
ثم أطلقت الفتاة صوتها العذب الصافي كزقزقة العصفور:
“لقد حميته جيدًا.”
—
ما إن استوعب بيرنهارت الموقف حتى شرع في تعقّب مدبّري المؤامرة ..
أولئك الذين كانوا يعرفون جيدًا أنه خرج في حملة عسكرية ، والذين كانوا على دراية بأدق تفاصيل القصر ..
بعض النبلاء العجائز الذين سعوا لدفعه إلى اتخاذ إمبراطورة جديدة بذريعة الأمير إيريك …
وطامعون أرادوا أن تصير ابنتهم إمبراطورة لتترسخ سلطتهم …
ادّعوا أنهم لم يقصدوا إيذاء الأمير حقًا، بل مجرد إخافته …
“ألسنتكم طويلة.”
انتهى الأمر بقطع رؤوس كثيرٍ من المتورطين من النبلاء، وسرعان ما شغل آخرون أماكنهم الشاغرة ..
لكن لم يكن ذلك وحده ما تغيّر ..
فمنذ ذلك اليوم ، نالت إليشا سمعة مغايرة تمامًا داخل القصر …
الفتاة الساحرة العبقرية التي تصدت وحدها لقتلة لم يستطع حتى الحرس الشخصي ردعهم …
الجوهرة النادرة التي اكتشفها الإمبراطور بيرنهارت بنفسه ..
النظرات التي طالما استهانت بها تحولت إلى رهبة وفضول ..
اختفت الهمسات من وراء ظهرها ، ليحل محلها طابور طويل ممن يتسابقون للحديث معها ولو لمرة ..
أما إليشا وسط تلك الشهرة المزعجة:
” كم هذا مزعج …”
مزاجها كان في غاية السوء
” أشخاص لا أعرفهم يواصلون الحديث معي ، إنه حقًا يثير أعصابي …”
في مكتبة القصر الإمبراطوري ، وتحديدًا في أعمق أجزائها المخصصة للعائلة المالكة ..
حيث كانت هي الوحيدة من غير الأمراء المسموح لها بالدخول بإذنٍ من الإمبراطور ..
تمدّدت على الأرض وهي تتذمّر ، وفي يدها كتاب مرفوع فوق رأسها ..
” لكن مع ذلك ، لا ترفضين الحلوى التي يجلبونها لكِ ..”
كان إيريك جالسًا بجوارها على نحو متردد ، ساقاه مطويتان وهو يطلق ملاحظته اللاذعة ..
ردت عليه من غير أن تنظر إليه:
” لو لم آخذها، لرُميت في القمامة ..”
“……”
“ويقولون إن من يهدر الطعام يُعاقَب ، سمو الأمير يترك الخضار دائمًا، لذا سينال عقابًا كبيرًا لاحقًا …”
قالت ذلك بصوت هادئ وكأنها تذكر حقيقة بديهية ..
فتح إيريك فمه مرات عدة بلا جدوى ، ثم أطلق تنهيدة طويلة ..
كان يفترض أنه أمير الإمبراطورية ، لا أن يقع في كل مرة بفخ استفزازاتها التافهة .د
“من يدري ، ربما يرفض الوزراء أن يصبح أميرٌ لا يأكل الجزر إمبراطورًا يومًا ما …”
“هذا غير صحيح!”
لم يتمالك نفسه فصرخ بصوت عالٍ ، فما كان منها إلا أن أغلقت الكتاب وجلست معتدلة أمامه …
“سمو الأمير.”
هبّت نسمة قصيرة على أنفه ، إذ انحنت الفتاة قريبًا منه.
وفي تلك اللحظة ، توقفت أفكاره تمامًا، يحدّق بذهول أمامه ..
عينان صافيتان أفتح قليلًا من لونه ، تحدّقان مباشرة فيه
خصلات شعرها التي تكاد تلامس وجهه جعلته يبتلع ريقه من غير وعي ..
قلبه يخفق كأن شيئًا خاطئًا يحدث.
منذ اليوم الذي أنقذته فيه……
“أقول هذا فقط من أجلك.”
ابتسمت بخفة وأكملت:
“من لا يأكل كل شيء ، لا يطول.”
فورًا احمرّ وجهه كله ..
أن تقول له ذلك بهذا القرب ، وبذلك المظهر…… وكان كل ما في الأمر مجرد تحذير طفولي عن الخضار!
“أنتِ حقًا فظيعة!”
أمسك كتابًا عشوائيًا من الرف وغطى وجهه وهو يصرخ.
هزت إليشا كتفيها بلا مبالاة وردت:
“هذا أعرفه سلفًا.”
“……”
“ثم إنني لم أقل إنني أكرهكِ ، يا سمو الأمير.”
ثم عادت تفتح كتابها وتقرأ بهدوء ..
ظلّ إيريك يراقبها بارتباك ، يرفع الكتاب وينزله وهو يلمحها بين الحين والآخر ..
كان فضوله يتزايد: منذ متى تستطيع استخدام السحر؟ ولماذا لم تكشف عن ذلك حتى أنقذته؟
وحتى وهي تقول إنها تكرهه ، ما بالها تصر أنها لا تكرهه حقًا؟
كل شيء فيها كان يثير التساؤل ..
“أنتِ.”
بعد طول تردد ، تجرأ على سؤال واحد من بين مئات تدور في ذهنه ..
“حين التقينا أول مرة ، قلتِ إني وقح.”
“صحيح.”
“ومع ذلك لا تكرهينني؟”
ردت بسرعة بعينين متسعتين:
“أتعترف بنفسك أنك ما زلت وقحًا يا سمو الأمير؟”
ثم بدت كأنها تفكر لحظة، تضيق حاجبيها قليلًا، قبل أن تقول:
“لقد أدركت بعد قدومي إلى هنا.”
“أدركتِ ماذا؟”
“أنك لا تستطيع إلا أن تكون هكذا ، فهذا بلدك ، وهذه سلطتك.”
” لكن هذا لا يعني أن الإشارة على الغرباء بأصابعك أمر مقبول …”
واصلت كلامها بنبرة هادئة خالية من الانفعال:
“بصراحة ، حتى كرهك لي مفهوم ، من يرضى أن تُسلب منه امتيازاته الخاصة؟”
“……”
“لذلك لا أرجو أن تحبني ، ذلك سيكون طمعًا مني.”
عيناها الباردتان الخاليتان من أي رعشة ، التقتا بعينيه مباشرة ..
شعر إيريك وكأنه مسحور ، تمامًا كما في ذلك اليوم الذي أنقذته فيه ..
وجه مضيء يلمع أمامه ..
“لكن ، لو سمحت لي بطلب واحد فقط.”
“……”
“في الأيام التي تعصف فيها الرعود والبرق…… ابقَ بجانبي.”
قالت الفتاة ذات الشعر الفضي النقي والعينين الزرقاوين كجنية ..
أن تبقى معه في أيام العواصف .
فقط عندها ..
“سأحميك أنا.”
—
قععععع-!
دوى الرعد العنيف في أذنَي إيريك ..
أغمض عينيه بإحكام وضغط أصابعه على جبهته ..
في مثل هذا الطقس الكئيب ، في يوم يعج بالرعود والبرق الذين يكرههم بشدة…… تُرى أين تكون إليشا؟
[ياالهي! فاجأتني.]
ارتجف دانتي عبر حجر الاتصال المرئي حين أضاء البرق خلف ظهر إيريك
“حقًا، هل كان لابد من عقد الاجتماع في هذا الطقس؟”
كان المطر بعيدًا عن مكان وجوده ، ومع ذلك تذمّر وهو يدير عينَيه البنفسجيتين ..
“التقدّم؟”
سأل إيريك بنظرة قاتمة كالغيوم ..
فارتجف دانتي ووقف شعر ذراعيه ..
“لو استمر يتحدث هكذا، سيُحسب ملكًا للشياطين!”
“التقدّم.”
(يا إلهي… سأختصر.)
التقط أنفاسه وقال بجدية:
[ظهرت مؤخرًا قطعة أثرية من مستوى السيد في المزاد.]
“قطعة أثرية من مستوى السيد.”
[وكما تعلم، لا يجرؤ على بيعها إلا شخص واحد فقط.]
إليشا ..
شحب وجه دانتي وهو يذكر اسمها بين السطور.
كان إيريك أشد رعبًا حين يقطب جبينه بتلك العيون السوداء ..
[بمجرد أن عرفت بها، اشتريتها فورًا، وسجلتها باسم جلالتكم.]
ابتسم متذكرًا الثمن الباهظ الذي دفعه، ما يفوق راتب ثلاثة أشهر ..
لكن إيريك لم يُبدِ أدنى اكتراث وسأل:
“وماذا بعد؟”
[بعد فحصها، وُجد أن طاقتها السحرية مطابقة تقريبًا لطاقة إليشا.]
“تقريبًا؟”
[ليست متطابقة تمامًا، وهذا ما حيّرني قليلًا ، لكن بداخلها ختم العائلة الإمبراطورية ، لذا……]
“……”
[أستطيع أن أؤكد أنها تعود لإليشا.]
وما إن أنهى كلامه حتى أضاء حجر الاتصال بوميض قوي ..
ارتجف دانتي مجددًا، متوقعًا أن يتبع ذلك الرعد ..
“ومصدرها؟”
[من نزل على أطراف العاصمة ، لكن الأرجح أنها غادرت المكان بالفعل.]
لم يُكمل جملته حتى دوّى صوت رعد ضخم هز الأجواء
وضع دانتي يده على صدره من شدة الخوف وتمتم:
[يا الهي ، يكاد البيت ينهار من شدته!]
[صاحب النزل قال: “الشخص الذي سلّمني هذه القطعة رحل بالفعل.”]
“……”
[أصدرت تعليماتٍ لكل بيوت المزادات بإخطارنا إن ظهرت أشياء مماثلة ، وسأجول بنفسي في بعض الدول المجاورة.]
“……”
[إيريك ، هل تسمعني؟]
انساب صوت دانتي من خلال الحجر، لكن إيريك لم يكترث .
إليشا ليست غبية .
صحيح أنها أمضت الليلة الأولى داخل العاصمة بعد فرارها، لكن طالما تهرب منه، فلا بد أنها ستغادر خارجها.
(ظننت أنني أمسكت بخيط.)
كاد يعتقد أنه على وشك اللحاق بها، لكنها ابتعدت فجأة.
دائمًا كانت كذلك .
تبدو قريبة، لكنها دائمًا متقدمة عليه بخطوات ..
ومع ذلك، لم يسبق أن اختفت من بصره تمامًا كهذه المرة
“هُوْه.”
أطفأ الحجر بعد تنهيدة قصيرة ، ثم أدار عينيه نحو النافذة .
أين أنتِ الآن ، يا إليشا؟
ترجمة ، فتافيت ..
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات