6
الفصل السادس
“لنكن غرباء من الآن فصاعدًا”
“هل تستطيع أن تبتلع لقمة طعام الآن؟”
ارتدّ صوت إيرِيك المتوتر في أرجاء مكتب الحكم ..
فما كان من دانتي على الجهة الأخرى من حجر الاتصال إلا أن فتح فمه متردّدًا:
[إذن فلتجُع حتى الموت……؟]
“دانتي رينار.”
[حين أكون في مهمة وأشعر أنني لا أستطيع الصمود ، أتناول أي شيء بسيط فقط لأتدبر أمري ، ماذا لو متُّ قبل أن أعثر على أليشيا؟]
قال دانتي متذمّرًا وهو يتصنّع وجهًا عابسًا ، إيرِيك لم يُجبه ، واكتفى بأن ضغط بأطراف أصابعه على جانب وجهه ..
كان دانتي يراقب حركاته ، لكن فجأة خطر بباله خاطرٌ مريب فسأله بحذر:
[لاتخبرني …]
“…….”
[لا تقل إنك لم تأكل حتى الآن؟]
“سألتك ، هل في هذا الوقت يمكن أن يمر الطعام عبر حلقي؟”
[هل جُننت ، لا، هل جلالتك قد جُن تمامًا؟]
سقط الخبز من يد دانتي وهو يحدّق فيه مذهولًا ، لكن إيرِيك لم يُعره بالًا، بل ظل يضرب بأصابعه طرف المكتب ووجهه متجهم ..
لقد مضى أسبوعٌ كامل منذ اختفاء أليشيا ..
صحيح أنه لم يكن ممتنعًا عن الطعام امتناعًا كاملًا، لكن لم يكن هناك لحظة تناول فيها طعامه براحة بال ..
حتى إنه لا يتذكر ما الذي أكله. ولا كيف كان طعمه ..
[على الأقل تنام، أليس كذلك؟]
“…….”
[إذا استمرت حالة الاختفاء هكذا، فالنهاية أن تنهار أنت أولًا ، في مثل هذه الأوقات عليك أن تحافظ على قوّتك.]
ثم أردف بصوت أكثر جدية هذه المرة:
[وفوق ذلك… أنت في موقع “لا بد أن يظل بخير”.]
لم يُجِب إيرِيك سوى بإيماءة صغيرة ..
كان دانتي على حق ..
فالعرش الذي اعتلاه حديثًا لا يجوز أن يهتز أمام أي شيء .
حتى لو كان قلقًا، لا يجوز أن يُظهر قلقه ، وحتى لو كان منهكًا، لا يسمح له أن يُظهر تعبه ..
صحيح أن المسؤولية تثقل كاهل الجميع ، لكن ما يحمله إيرِيك كان مضاعفًا بما لا يقاس ..
ولو تسرّب خبر اختفاء أليشيا في مثل هذه الظروف……
“وأليشيا؟”
زفر إيرِيك تنهيدة ثقيلة وهو يطرد هذه الخواطر المزعجة من رأسه ، ثم سأل ..
فأجاب دانتي وهو يلتقط رغيفًا آخر:
[ لا أثر لها …]
“…….”
[مع أن مظهرها يصعب على المرء أن ينساه ، لم يظهر شاهد واحد ، على الأقل هنا بالتأكيد ليست موجودة.]
أرخى دانتي حاجبيه وهو يلقي نظرة حذرة على ملامح إيرِيك ..
لم يكن يفهم لماذا عليه أن يتحسّب كل كلمة أمامه رغم أنه لم يكن يتعمد إخفاء أثر أليشيا ، لكن ما الحيلة؟
فمهما كانت صداقتهما، في النهاية إيرِيك هو الإمبراطور ، أما هو فمجرد تابع لا خيار له إلا الطاعة ..
‘المشكلة أن أوامر هذا الإمبراطور فادحة أكثر من اللازم.’
منذ اللحظة التي اختفت فيها أليشيا ، خرج دانتي من العاصمة متتبعًا أثرها نيابةً عن إيرِيك العاجز عن مغادرة كرسي الحكم ..
وكانت مهمةً مرهقة حتى لقائد فرسان السحر مثله ..
تنقّل متواصل عبر البوابات ، بلا نوم كافٍ ، والآن حتى الطعام وبّخه عليه ..
[إيرِيك ..]
قال دانتي بوجه غاية في الجدية بعد تفكير قصير:
[بعد أن أنهي هذه المهمة، ستضمن لي بدلًا إضافيًا ومصاريف سفر، أليس كذلك؟]
“دانتي رينار.”
[وإذا نجحتُ في إقناع أليشيا وإحضارها، فبرأيي واجبك كإمبراطور أن تمنحني مكافأة إضافية.]
لأنها المهمة الأصعب على الإطلاق ..
رفع دانتي ذقنه متعنتًا بعد كلماته ..
فتأمل إيرِيك وجهه المتجاسر، ثم أطلق زفرةً صغيرة وقال:
“سأمنحك فوق ذلك إجازة مدفوعة لشهر كامل …”
[سأبذل قصارى جهدي!]
ما إن أنهى إيرِيك جملته حتى ابتسم دانتي ابتسامة صافية وأدى له التحية .
(لا بد أن أعثر عليها، لا بد أن أعيد أليشيا أمامه.)
هكذا أقسم في نفسه، مع أن الأمر كله متوقف على أن توافق أليشيا أن تلتقيه أصلًا
“أعِدها إليّ فقط، وسأحقق لك أي رغبة.”
قال إيرِيك وهو يثبّت نظره الثقيل في عيني دانتي ، فما كان من الأخير إلا أن ابتلع ريقه لا شعوريًا ..
نظرة وحشٍ يفترس فريسته د.
“بأي وسيلة كانت ، أعِدها إلى حضرتي.”
تمتم بهذه الكلمات وهو يحدّق في رسالة أليشيا الملقاة على طرف مكتبه ..
فأجاب دانتي بالانحناء صامتًا علامة الطاعة ..
منذ متى لم يرَ مثل هذا الوجه لإيرِيك؟
لو أن أليشيا رأت ، لقالت على الفور: هذا ليس إيرِيك وحاولت التخلص منه ..
[سأتواصل معك متى وجدت أي أثر.]
ثم انقطع الاتصال مع آخر كلمات دانتي ..
أرخى إيرِيك جسده على ظهر مقعده وزفر طويلًا ..
لم يكن يتوقع أن يعثروا عليها بسهولة ، لكن القلق يتفاقم رغم ذلك ..
لأن الخاسر في طول المدة سيكون هو في النهاية ..
مسؤولية أخلاقية إن عجز عن تنفيذ وصية الإمبراطور الراحل ..
ضغط سياسي إن اختفى كبير السحرة ..
ارتخاء في الجيش إن استمر الغياب ..
لكن هذا لم يكن السبب الوحيد لاضطرابه ..
فالواقع أن…
‘……أليشيا.’
إنها لم تغادر القصر وحدها قط ..
لا أحد يعرف تمامًا أي حياة عاشتها قبل أن تدخل القصر ، لكن حياتها الآن كلها كانت مهيأة على مقاسه …
امرأة لم تُبدّل ثوبًا بيدها مرة ، ولم تأكل إلا من صنع طباخ القصر الأول ..
‘كيف يمكنها أن تتأقلم مع حياة مختلفة بين يوم وليلة؟’
غطّى عينيه بيده وأطلق تنهيدة عميقة أخرى ..
هل تنام بانتظام؟ هل تأكل؟
أم أنها قد تنجرّ لمتاعب…… لا، مستحيل ، فهي كبيرة السحرة
لكن ما يخشاه حقًا هو ليس أولئك الذين قد يحاولون مضايقتها، بل…… هي نفسها ..
“أليشيا.”
ماذا أفعل؟
من أخشاه حقًا… ليس الناس ، بل أنتِ وحدكِ
تراءى له خيال شعرها الأبيض من وراء جفونه وهو يمرر يده في شعره ..
“……إلي.”
إن لم أجدكِ ، فليتكِ تعانين حتى ترغبين بالعودة بنفسكِ إلى القصر ..
‘لا يهم إن نكثتِ ذلك الوعد السخيف …’
—
✦✦✦
“هل الطعام يوافق ذوقكِ؟”
جلس الرجل المقابل لها واضعًا ذقنه على يده وهو يحدّق بلمعة في عينيه ..
أليشيا تهرّبت من نظرته ببرود واكتفت بهزة رأس خفيفة.
كان اسمه “جوناثان”، أليس كذلك؟
صاحب هذا النُزُل ، وهو نفسه الذي حاول طردها في أول ليلة حين علم أنها بلا نقود ..
“الفرش استبدلناه بجديد كله ، والستيك أعددته من لحم خروف انتقيته بنفسي صباح اليوم ، وإن وجدتِ له رائحة أو كان قاسيًا ، أعدت لكِ طبقًا آخر.”
قالها بابتسامة ودودة، رغم أن تعابير وجهه القاسية لم تلن كثيرًا ..
لكن أليشيا لم تُجب أيضًا، بل هزّت رأسها بصمت ..
حتى خادمات القصر لم يتعاملن معها بهذا القدر من التحسّب ..
‘إذن في الأسواق تساوي الأداة السحرية كل هذا؟’
إن كان كذلك ، فلن تجد صعوبة في كسب قوتها مستقبلًا.
وضعت الشوكة من يدها وأخذت تفكر ..
الآن لا مكان محددًا تتجه إليه ، لذا تبقى هنا مؤقتًا، لكن حين تحدد وجهتها، ستشتري بيتًا أو مقرًا جديدًا على الفور ..
فلا يمكنها أن تظل تائهة بلا استقرار ..
“هل……”
فتحت أليشيا فمها أخيرًا، وما إن فعلت حتى مال جوناثان بجسده نحوها متهيئًا لسماعها ..
موقفه ذاك كان يبعث على الانزعاج حقًا.
“هل هناك مكان صالح للعيش داخل كاردِيُون؟”
“أماكن العيش؟ فهي أكثر من أن تُحصى ، أليست هذه كاردِيُون العظمى؟”
ضحك بخفة وهو يمسّد شاربه:
“لكن لا أظنكِ سألتِ لتسمعي جوابًا بديهيًا كهذا ، إن حدّدتِ شروطكِ بدقة، أرشّح لكِ أنسب مكان ، فأصحاب النُزُل لهم شبكة معلومات تفوق نقابات الأخبار أحيانًا.”
فكرت أليشيا قليلًا، ثم بدأت تحدّد:
“أولًا، مكان هادئ.”
فهي لا تطيق الضجيج ..
“إذن، ليس هنا قرب العاصمة.”
“وألا يكثر الناس حولي.”
فكلما قلّت العيون ، قلّت احتمالات انكشافها ..
“إذن لا بد أن يكون خارج العاصمة.”
“وأهم شيء…… أن يكون بعيدًا عن عين الإمبراطور. ومع ذلك أستطيع أن أبلغ بأخبار القصر إن وقع طارئ .”
فهي تعلم أن إيرِيك لن يسعى وراءها بإلحاح ، لكن من الحكمة أن تبقى بعيدة عن ناظره قدر الإمكان ..
فهو ملزم بوصية الإمبراطور الراحل ، ولن يستطيع أن يهمل خطيبته إن صادفها ..
لكنها أيضًا لا تستطيع أن تبتعد كثيرًا ، فقد تُهدد كاردِيُون بالخطر ، ويجب أن تكون قادرة على التدخل ..
وبينما هي غارقة في التفكير ، قال جوناثان فجأة وهو يتراجع بجسده للخلف:
“أأنتِ على خلاف مع العائلة الإمبراطورية؟”
رمشت أليشيا ببطء، ثم أجابت ببساطة:
“الإمبراطور لا يحبني …”
لم تتلقَ جوابًا مباشرًا منه منذ زمن بعيد ، لكنها أيقنت أن الأمر ما يزال كما هو ..
ألم يؤجل الزواج الإمبراطوري عمدًا طوال الفترة منذ جنازة بيرنهارت وحتى الآن؟
“هل أسأتِ إلى جلالته الإمبراطور؟”
سأل جوناثان مرة أخرى بوجهٍ شاحب قليلًا ..
لكن أليشيا، بوجه خالٍ من أي تعبير، أمالت رأسها برفق ..
أسأتُ إلى مزاج إيرِيك؟
“كثيرًا.”
“كثيرًا، إلى أي حد؟”
“إلى حدٍّ لا يُحصى.”
فمنذ اللقاء الأول بينهما كان ذلك بمثابة كابوس لإيرِيك ..
أجابت أليشيا بنبرة هادئة كأنها تسرد حقيقة مجردة، فما كان من جوناثان إلا أن أمسك رأسه بكلتا يديه ..
وبعد لحظة بدت عليه ملامح التفكير العميق ، ثم قال:
“على أي حال ، لقد بعتُ… لا، بل اشتريتُ بالفعل بعض ما عندكِ ، فلا مفرّ.”
“…….”
“وحياة صاحب نُزُل لا تخلو من حادثة كبرى كهذه مرة واحدة على الأقل …”
“……?”
“سأخفيكِ ما دمتِ مقيمة هنا.”
لأن ذلك هو قَدَر الرجولة والوفاء ..
قالها وهو يومئ برأسه بعزمٍ تتلألأ في عينيه نظرة حاسمة ..
ترجمة ، فتافيت ..
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 6"