2
الفصل الثاني
فرقة الشبح
(ماكس)
عقود مضت منذ أن إنتهت الحرب العالمية الأولى ، لتعود مرة أخرى فتكون النزاع الأكثر فتكا و شراسة في تاريخ البشرية جمعاء ،و في زمن الرشاشات الحديثة القاتلة و المدافع المُدمرة ، الحرب العالمية الثانية سحقت أكثر من خمس وستين مليون جنديا و العدد في تزايد مخيف ،مما كان عليه، كنت حينها شابا في خامسة و العشرين من عمري عندما إلتحقت لأول مرة بالحرب دفاعا عن بلدي دون شرائط تُفصح عن رتبتي بين الجنود ،فقط جندي ببندقية و خوذة …و الآن أصبحت رقيبا على فرقتي ، قائدا يُستند عليه في أحكل الساعات …أتذكر حينها آخر كلمات قائدي السابق ” الكابتن إيفانز ” قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على ذراعي هاتين وكأنه حدث بالأمس، يهمس بصعوبة قائلا :
_” معنى أن تكون قائدا هو الوعي بخسارة رجالك في أي وقت ، في أي زمان و عندما تتمكن من التحمل ذلك و تحسن في إختيار القرار اللاحق في سحب رجالك إلى بر الأمان …تكون حينها قد نجحت في مهمتك كقائد حقيقي”…
[السادس من جوان 1944 _ ساحل فرنسا _ غابة رينو فالديو ]
على تمام الساعة الثالثة و نصف فجرا ،و في معسكر الفرقة الأولى و الثانية للجيش البريطانيون قبل ثلاث ساعات على موعد ساعة الصفر ، كان الرقيب الأول ماكس ويل من القوات البرية الرئيسة ، داخل خيمته واقفا يحدق في خريطة ساحل فرنسا لمنطقة نورماندي الفرنسية ، يراقب مناطق تموقع قاعدات الدفاع الألمانية التي كانت تحمل في كل قاعدة على الأقل مخابئ شديدة التحصين وقواعد الأسلحة للتعزيز.
لكن ما شد إنتباه عينيه الزرقاوتين ،كان أبراج المراقبة الثلاث المزودة بمدافع الرشاش الآلي ، مما أكسب ألمانيا أفضلية تصفية أكبر عدد ممكن من الجنود في الشاطئ حتى قبل وصولهم للأرض ، فقام بإشعال آخر سيجارة كان يخبؤها في جيبه حتى أقبل زميله لِيبر من فرقته الخاصة داخل خيمة ماكس بوجه جاد و إنتصب أمامه بإعتدال يؤدي التحية قائلا:
_”سيدي ، الملازم ماكوين قد وصل “
فإستدار يلتفت إليه قائلا بنبرة منفعلة:
_” جّهز الفرقة و إتبعني”.
إلتقط ماكس دفتره بعدما قام بقذف سيجارته خارج خيمته متوجها بخطوات ثقيلة مسموعة يمر بين الجنود التي نسيت طعم الراحة، وجوههم الشبحية تحمل تعابير شاحبة و أخرى مخيفة ستظل محفورة عليهم إلى الأبد من الحرب ، إلى أن وصل
إلى قاعدة الملازم ماكوين الذي كان واقفا يتكلم على سماعة الهاتف ،فقال بصوت عال يؤدي التحية:
_” سيدي الملازم،الرقيب الأول “ويل” في خدمتكم !”
فإلتفت الملازم ماكوين إليه ،رافعا حاجبه ينظره إليه ثم إلتف حول الطاولة و جلس على حافتها يشبك يديه قائلا:
_” لديكم أوامر خاصة لتنفيذها … مهمتكم كالآتي إخلاء قاعدات الدفاع و تأمين المنطقة قبل الإنزال”
فإبتلع ماكس ريقه قائلا:
_” أمرك سيدي !”
فقام بإعادة التحية له و غادر عائدا إلى فرقته الخاصة ،حتى لمح الجندي لِيبر الذي كان جالسا على جذع شجرة بجانب الفرقة، إقتراب ماكس ، يتقدم منهم فنهض و فصرخ قائلا بنبرة حادة :
_” إنتباه للجميع !”.
وقفت فرقة الشبح بإستقامة تنتظر بتركيز حاد أوامر قائدهم ماكس فقال لهم بصوت هادئ:
_” لدينا أوامر بتأمين ساحل نورماندي ، قبل إنزال الجنود “
فقال أحدهم مضطربا:
” ضدد كم عدد من الألمان؟”
فأجابه ماكس قائلا :
_” كتيبة كاملة على الأقل”
فأردف قائلا :
_” من المشاة ؟”
فرد عليه ماكس يومؤُ قائلا:
_” بسيارات مدرعة “
فإلتفتت الفرقة التي كانت تتكون من واحد و أربعين فردا ،كلها ينظرون إلى بعضهم البعض بتوتر واضح يتمتمون قائلين :
_” اللعنة!”
_ ” لا بد من أنكم تمزحون عبثا معنا “
_” لا نمتلك سوى سيارتين مدرعتين ، ضدد كتيبة كاملة!؟ “
_” إنها مهمة إنتحارية!! “
فظل ماكس يحدق بهدوء في المتحدث الآخير ، ثم أخذت عينيه تتبع وجوه الفرقة ثم قال بصوت كضربة السيف يخاطب الكل:
_” هل إنتهيتم من الشكوى؟ …إذاً إستمعوا إليّ جيدا المهام الإنتحارية ليست أول ما واجهتم و لن تكون الأخيرة…نحن في الحرب…إما أن تغارد سالما مُهانا أو تقاتل حتى الممات بشرف ”
ثم تقدم ماكس يَعبر بينهم قائلا بنبرة عالية:
” تنحوا جانبا !” و إتجه إلى المدرعتين يتفقدها ثم صعد عليها يتفقد خزان التعبئة لرشاش المدرعة قائلا يحدق فيهم بحنق :
_” لماذا الخزان فارغ من الذخيرة ؟…هل أنتم في إجازة ؟ و لماذا الذخائر معبثرة هكذا ؟ماذا هناك؟… لا أسمعكم تجيبون ؟! هل توقفتم الآن عن الحديث ؟”
فإستدار ينظر إليهم ثم إقترب من المتحدث الأخير قائلا بصوت مزلزل مخاطبا لهم:
_” إذا كنتم ستستمرون في الأنين و التذمر هكذا؟ فلن أتردد أمامكم لوهلة أبدا في تنفيذ الأحكام العُرفية عليكم!؟ …هل هذا واضح يا راس ؟”
فأخفض راس عينيه زرقاوتين قائلا بنبرة واضحة :
_ ” أمرك سيدي!”
ثم تابع ماكس قائلا :
” هذه هي فرصتنا الوحيدة… ،لقلب الموازن لصالحنا،
فرصة لمنع زحف الألمان و إعادة تحرير غرب أوروبا كلها ، سننطلق بعد نصف ساعة …
فرقة الشبح إصطفوا بإنتظام ! الأوامر كتالي: جهزوا المدرعتين و حضروا أكبر عدد ممكن من الذخيرة و اللوازم “.
في تلك الأثناء إنقسمت الفرقة إلى قسمين قسم يجهز المدرعتين و الذخائر والقسم الثاني إجتمع داخل خيمة ماكس لمناقشة الخطة على الخريطة فقال ماكس ، يضع ثلاث علامات على الأبراج قائلا :
_” هذه الأبراج مزودة بثلاث مدافع رشاش آلي ، علينا تدميرها ليتسنى للمشاة التقدم إلى الأمام من أجل الإغارة عليهم …الخطة كالآتي ،سنقسم المشاة خلف المدرعتين ، و نُطلق عليهم من الجهتين حتى نحاصرهم أما القناصان راس و ستيف مهمتكما التصويب على حراس هذه الأبراج حتى تصل الفرقة مفهوم ؟”
فقال ِليبر متساءلا :
_” متى الإنزال ؟”
فرد عليه قائلا :
_” على تمام الساعة السادسة و نصف فجرا ، سوف نبدأ على تمام الخامسة فجرا”.
[على الساعة الخامسة فجرا _ منطقة نورماندي]
في تلك الأثناء إنطلقت الفرقة خلف مهامها إستعدادا للإنطلاق حتى يتماشى موعد تنفيذ مهمة فرقة الشبح مع موعد الإنزال على نورماندي و على تمام الرابعة و نصف ركبت الفرقة مدرعتيّ ثنذر و شادو
وصعد ماكس مدرعة ثَنذر بجانب صديقه المقرب لِيبر الذي تولى القيادة و إنطلقوا بهدوء نحو الأراضي الداخلية لمنطقة كاين في نورماندي .
كان ماكس في تلك اللحظة ،يُعيد تفقد ذخيرة بندقيته بوجه جاد ، خالٍ من التعابير للمرة الثالثة ، ما لفت إنتباه لِيبر ،وبإبتسامة هادئة قام بإخراج علبة سجائر بالية لم يبقى فيها إلا سيجارة واحدة و أهداها إياه قائلا :” صباح الخير ،سيدي…أخيرا إنه اليوم الموعود”
فقام بأخذ السيجارة منه و قام بإشعالها قائلا بنبرة يشوبها الريب:
_” لأول مرة أشعر أن هذه المهمة تحتاج إلى أكثر من معجزة حتى تنجح “
فنظر إليه ليبر قائلا:
_” إنها مهمة إنتحارية بفعل و الحرب لا ترحم و لكن أمامنا فرصة عظيمة لجعل العالم مكانا أفضل للأجيال “
في تلك اللحظة مرت لمحة طفيفة في ذاكرة ماكس ،تذكره بزوجته مايا آن لوهلة ، فأخذ ينفخ الدخان من فمه بحنق ثم قال بنبرة صقيعية:
_”توماس… هل أنت متزوج ؟”
فرفع توماس حاجبه ينظره إليه بتعجب ثم قال :
_” لا!… يا سيدي ، لماذا تسأل؟ “
فرد عليه وهو يرمي سيجارته من النافذة قائلا:
_ “لأن الموت وحيدا أفضل من ترك خلفك أناسا ينتظرون خبر موتك في أي لحظة “
فإتسعت عينا توماس يفكر في كلمات ماكس مذهولا التي كانت أشبه ثقل يضغط على صدره لوهلة
حتى صدر ،في تلك الأثناء صوت الجندي راس من مذياع المدرعة ينبؤ بوصول مدرعة شادو إلى موقع المراقبة فأجاب ماكس قائلا :
_” جيد ، خذوا مواقعكم و إنتظروا الإشارة …لا إشتباك مع العدو حتى آمركم بذلك ،مفهوم؟”
فرد عليه راس قائلا :
_” أنت الآمر ، قائد “
فقام ماكس بضرب الباب المدرعة مخاطبا توماس :
_” أسرع الآن …علينا اللحاق بهم قبل أن يفعلوا شيئا
غبيا “
فأحكم توماس القبض على المقود يقود بسرعة حتى إبيضت مفاصله ، و بمجرد وصول المُدرعة إلى موقع المراقبة المتفق عليه ،دوى من بعيد صوت طلقات رصاص حادٍ ، متكررٍ و صراخ جهوري باللغة الألمانية ، من جهة الشرق ، فأمر ماكس توماس بالتوقف حالا و إطفأ المحرك ثم قام بالإمساك بجهاز الراديو قائلا :
_” مدرعة شادو …هل تلتقط؟ ، حول “
فلم يرد أحد في تلك الأثناء وبين توالي صدى إطلاق النار و المتفجرات وسط ظلام الغابة كأنها ألعاب نارية،و بعد محاولات عديدة في إلتقاط أحد من أعضاء راس للإجابة كان على ماكس و فرقته إتخاذ القرار فورا قبل وصول تعزيزات العدو و بذلك الفشل في المهمة حتما ،حتى قال توماس بنبرة مرتعشة يشوبها قلق :
_ ” أتظن صوت الرصاص صادر منهم …لقد إشتبكوا مع العدو لامجال للشك في ذلك”
فأخذ ماكس نفسا عميقا ثم قال بنبرة عالية واضحة
_” إلى الأمام بسرعة! …علينا اللحاق بهم من أجل الدعم سّر ، مارش!!”
فرد عليه
توماس قائلا :
_” أمرك… سيدي!
فقام توماس بإعادة تشغيل محرك المدرعة و قاد بسرعة إلى أرض المعركة…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 2 - فرقة الشبح 2025-08-22
- 1 - الرسالة 2025-08-16
التعليقات لهذا الفصل " 2"