في اليوم التالي.
وبطبيعة الحال، تم التحفّظ على هوية ماسيتيكي سرًّا بسبب المخاوف من زيادة الفوضى في القصر الإمبراطوري.
ومع ذلك، لا يمكن إخفاء الفراغ الذي تركه غيابه.
بدأ الناس يتساءلون عن سبب غيابه.
ثم فجأة، اقتحم فرسانٌ من وسام الفرسان الثالث غرفة الاستشارات.
أثار هذا الاقتحام فضول الناس، فتحوّلت كلّ الأنظار نحو غرفة الاستشارات.
بات، بات.
دخل الفرسان الغرفة بحذائهم العسكري الثقيل وتوقفوا أمام فيل.
“لدينا بعض الأسئلة حول ماسيتيكي. يجب عليكَ الخضوع للتحقيق.”
“ماذا؟”
همس فيل وهو يرمش بعينيه بحيرة ‘تحقيق…؟’
كان هذا ردّ فعلٍ طبيعي.
لم أخبر فيل أيّ شيءٍ عن ماسيتيكي، لذا فهو لا يعرف شيئًا.
لكن ما يهم الآن ليس حيرة فيل، بل نبرة الفارس.
حدّقتُ في الفارس، بعبوس.
كان نائب قائد وسام الفرسان الثالث، المعروف بكبريائه وغطرسته تجاه النبلاء.
دفع نائب القائد فيل بوجهٍ متذمّر، وكأنه على استعدادٍ لاعتقاله إذا لم يتبعهم على الفور.
“مهلاً.”
طقطقة!
وضعتُ القلم الذي كنتُ أمسكه ووقفتُ من مكاني.
“أين تعتقد أنكَ تتعامل مع الناس وكأنهم متّهمون؟”
كلماتي جعلت الضابط يشعر بعدم الارتياح الشديد.
عندما تدخّلتُ فجأة، عبس نائب القائد بمظهرٍ منزعج.
“أمرنا جلالة الإمبراطور بالتحقيق بدقّةٍ في أيّ شيءٍ مشبوهٍ دون استثناء.”
“حسنًا، التحقيق الدقيق جيد. لكن فيل هنا شاهد، أليس كذلك؟ هل يُسمح لكَ بالتصرّف معه بهذه القسوة؟”
“بما أنه الشخص الأقرب للمتّهم، فهذا من أجل التحقيق الشامل.”
“إذًا يجب التحقيق معي أيضًا.”
“لكنك الضحية، أليس كذلك؟”
“مَن يدري؟ ربما أتظاهر بأنني الضحية بينما أكون متواطئةً مع المتّهم.”
انتشر توتّرٌ حادٌّ في غرفة الاستشارات.
وقفتُ ثابتةً وعينانا متقابلتان، بوجهٍ يوحي بأنني لن أستسلم أبدًا.
كان نائب القائد أوّل مَن أشاح بنظره بعيدًا.
بدا أنه أدرك أنه لا يستطيع المواجهة بسبب الفرق في الرتبة، لكن تنهيدته كانت لا تزال تحمل نبرةً وقحة.
“…حسنًا. إذن تعالي معنا للتحقيق أيضًا.”
“حسنًا، لنذهب.”
على أيّ حال، لن يجدوا شيئًا حتى لو فتّشوا.
بعد انتهاء التحقيق، سأضحك عليهم وأقول ‘جلالته يضيّع وقت التحقيق في مثل هذه الترّهات. كم هذا غير كفء!’
لكن فيل وقف فجأةً أمامي بحزم.
“سأذهب الآن مع نائب القائد.”
“فيل، ليس عليكَ الذهاب إذا كنتَ لا تريد. رتبتكَ تحت حمايتي.”
“لا، سأخبرهم بكل ما أعرفه عن ماسيتيكي، رغم أن معلوماتي قليلة.”
أشار فيل إلى الفرسان ليأخذوه.
نظر نائب القائد إليّ خلسةً ثم غادر الغرفة بصمتٍ مع فيل فقط.
بدا واضحًا أنه يستخفّ بفيل لأنه من عامة الناس.
‘هل سيعودون به متّهمًا بأنه متواطئٌ مع ماسيتيكي؟’
تخيّلتُ أنهم قد يعذّبونه ليعترف بمكان ماسيتيكي، ثم إما يموت من التعذيب أو يُعدَم.
لكن فيل عاد إلى الغرفة سالما، وكأنه يسخر من تخيّلاتي القاسية.
ركضتُ بسرعةٍ إلى فيل.
بدا فيل شارد الذهن، وسار ببطءٍ قبل أن ينهار على كرسيه بلا قوّة.
“هل أنتَ بخير؟ هل عذّبوك؟”
“رىيسة… عندما قلتِ إنكِ الضحية، هل كان ذلك بسبب ماسيتيكي؟”
يبدو أنه عرف هوية ماسيتيكي أثناء التحقيق.
‘لهذا بدا وكأنه خارج وعيه.’
كانت غرفة الاستشارات قسمًا صغيرًا بثلاثة موظفين فقط.
رغم أن فترة عودة ماسيتيكي كانت قصيرة، إلّا أننا عملنا معًا لفترةٍ طويلةٍ بما فيه الكفاية.
لكن الآن، اكتشفنا أن مَن كان بيننا مجرم.
وليس مجرّد مجرمٍ عادي، بل ساحرٌ أسودٌ يمتلك قوةً خطيرة، عدوٌّ للعالم.
“لكنهم قالوا إنه هاجمكِ …”
همس فيل وكأنه لا يصدق.
“هجوم … هذا ليس الوصف الدقيق.”
كانت الرياح العاتية التي ضربتني نتيجةً لهروب ماسيتيكي أكثر من كونها هجومًا متعمّدًا.
لذا، كانت إصابتي أقرب إلى حادث.
“كيف يمكنه أن…”
هاه، يبدو أنه لا يستمع.
هززتُ رأسي وأنا أنظر إلى فيل الذي لا يزال في حالة ذهول.
فهمتُ تمامًا ارتباكه، لذا قرّرتُ تركه لبعض الوقت.
بينما يستعيد وعيه، سأواصل عملي.
خربشة، خربشة.
كان الصوت الوحيد الذي يتردّد في الغرفة هو صوت قلم الريشة وهو يتحرك فوق الورقة.
“رئيسة … كيف يمكنكِ أن تبقي هادئةً هكذا؟”
سأل فيل، وكأنه استعاد بعض وعيه. أجبتُ بلا اكتراث.
“لأنني كنتُ أشكّ فيه بالفعل، رغم أنني لم أكن متأكدة.”
وأضفتُ أنني لم أكن هادئةً تمامًا.
فقد استغرقني الارتباك طويلًا عندما اكتشفتُ أن ماسيتيكي ساحرٌ أسود.
“آه… إذن عندما سألتِني فجأةً عما إذا كان ماسيتيكي يتصرّف بشكلٍ غريب، كان ذلك بسبب شكوككِ به؟”
“نعم، لأنني لم أكن متأكدة، أردتُ معرفة إذا كان يتصرّف بشكلٍ غير معتادٍ أم لا.”
لكن فترة الغياب التي استمرّت عامين جعلتني أتردّد.
لو عرفتُ منذ البداية، لكنتُ أمرتُ بالقبض عليه فورًا.
لكن حتى هذا كان بفضل الراكون الذي اكتشفه سريعًا.
‘إنه لشيءٌ غريبٌ أن الراكون وماسيتيكي لم يلتقيا من قبل.’
لأن الراكون كان دائم التنقل.
“لا أستطيع تصديق هذا… لماذا…”
كرّر فيل نفس الأسئلة التي طرحتُها على نفسي بالأمس.
قفزتُ من مكاني ووضعتُ كومة من الأوراق أمامه.
“إذا استمررتَ بالتفكير، ستؤلم رأسكَ فقط. في مثل هذه الأوقات، حوّل انتباهكَ إلى شيءٍ آخر.”
“…هذه فكرةٌ جيدة.”
على أيّ حال، كانت هذه الأوراق تحتاج إلى معالجة.
وكمدمنٍ للعمل، غاص فيل في كومة الأوراق ليتهرّب من الواقع.
* * *
كأنها عازمةٌ على تحويل العالم إلى بحر، ازدادت الأمطار الغزيرة يومًا بعد يوم.
وتحقّق ما كنا نخشاه.
غمرت المياه العاصفة العاصمة، وأصبحت العديد من المناطق مغمورة.
أصبح جميع موظفي القصر الإمبراطوري مشغولين.
حتى الموظفين الداخليين انضموا إلى جهود الإنقاذ بسبب نقص الأيدي العاملة.
لم تكن غرفة الاستشارات، التي أصبحت فارغةً بسبب غياب ماسيتيكي والمهام الخارجية للموظفين، استثناءً.
ذهبنا أنا وفيل مع الفرسان إلى مواقع الإنقاذ العاجلة.
أصبح المكان الذي كان في السابق منطقةً سكنيةً نهرًا بسبب الفيضانات.
“أنقذونا…!”
“هناك أناسٌ هنا!”
صرخ المحاصرون في المناطق المرتفعة طلبًا للمساعدة.
قفز الفرسان ببراعةٍ في المياه القويّة بعد ربط الحبال حول خصورهم. عندما وصل الناجون إلى البر، فحصنا حالتهم وإصاباتهم.
كان الإنقاذ سباقًا ضد الزمن.
لو تأخّرنا قليلاً، لاجتاحت المياه الناس، لكن الفرسان كانوا يستنفذون طاقتهم في مواجهة التيار القوي، مما جعل التقدّم صعبًا.
والأسوأ أن البيئة كانت قاسية.
مع العديد من المحتاجين والجرحى، لم يكن هناك ما يكفي من الأيدي للمساعدة.
ومع مرور الوقت، أصبح الجميع مُرهَقين.
في استراحةٍ قصيرةٍ خلال عمليات الإنقاذ، كان الطعام المُقدَّم خبزًا جافًا فقط بسبب نقص الإمدادات.
“هذا لا ينفع…”
تانغ!
أسقطتُ الخبز الصلب من يدي.
بينما نكافح من أجل البقاء، كان تناول طعامٍ بلا طعمٍ عذابًا حقيقيًا.
“أيّتها الرئيسة؟ إلى أين تذهبين؟”
“سأُحضر لنا طعامًا لذيذًا.”
“ماذا؟”
تركتُ فيل في حيرته وخرجتُ من المكان.
كانت المسافة إلى المنطقة الوسطى قصيرة.
وبما أنه لم ترد أيّ طلبات إنقاذٍ من هناك، فمن الواضح أنها كانت آمنة. وهذا يعني أن متجر كعك الارز الخاص بي كان بخير.
استعرتُ حصانًا واخترقتُ الأمطار الغزيرة للوصول إلى المتجر.
بسبب الفوضى بالخارج، لم يكن هناك أيّ زبائن.
“رئيسة؟!”
صاح جيف مندهشًا عندما رآني داخل المتجر.
“كيف وصلتِ إلى هنا في هذا الطقس؟ سأُحضِر لكِ الشاي الساخن على الفور!”
“لا داعي. جيف، كم كمية كعك الأرز الجاهز للتوزيع الآن؟ وما هي كمية المواد الخام؟”
“آه… لدينا ألف صندوقٍ من كعك الأرز المخصّص للتسليم غدًا إلى وزارة الرعاية، ولتجنّب الفيضانات، قمنا بتخزين المستودع مسبقًا.”
“ألف صندوقٍ لا تكفي… كم كمية الأرز الإجمالية؟”
“في المجموع… ألف كيس، أي 40 قطعةً ذهبية.”
ظهر سِيد فجأةً من الخلف وهو يخلع قلنسوة ردائه.
“أتيتُ لتفقّد المتجر فوجدتُكِ هنا. لكن لماذا تسألين، رئيسة؟”
“أحتاجُها جميعًا. 40 قطعةٍ ذهبيةٍ مقبولة. مع باقي الأشياء، سيكون المجموع حوالي 70 قطعةً ذهبية.”
بعد الانتهاء من الحسابات بسرعة، نظرتُ إلى جيف.
“استخدم 500 كيس أرزٍّ لصنع المزيد من كعك الأرز!”
“ماذا؟!”
نظر جيف إليّ كما لو كنتُ صاحب عملٍ متوحّش.
تجاهلتُ جيف المذهول والتفتُ إلى سِيد.
“اجمع عاملين الآن وانقل كعك الأرز إلى مخيم الإنقاذ. سنتبرّع بكلّ شيء، بما في ذلك الشحنة المخصّصة لوزارة الرعاية غدًا.”
“هـ هل أنتِ جادّة؟”
“نعم.”
على أيّ حال، كنتُ أخطّط للتبرّع بأموالٍ لإعادة بناء المدينة بعد انتهاء الفيضانات.
فقط اعتبرها تبرّعًا مقدمًا.
“ماذا عن المكونات التي اشتريتَها لقائمة الطعام الجديدة؟”
“كلّها وصلت.”
“إذن… حسنًا…”
ضحكتُ بشكلٍ غامض، مما جعل سِيد ينظر إليّ بشك. لكن لم أهتم بذلك.
لم أستطع إخفاء ابتسامتي لأن فكرةً رائعةً خطرت لي.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 99"