بسببي، استيقظ الساحر الأسود.
وبسبب استيقاظ الساحر الأسود، مات عددٌ لا يحصى من الناس.
والآن جاءت الضحية بنفسها لتلومني…
كان ذلك كافياً لإثارة شعوري بالذنب.
تشنّجت ذراعي التي كانت تحتضن راكون.
“نعم، إنه خطئي…”
كان خطأً فادحاً بكلّ المقاييس.
همستُ وأنا أتأمل كلمات ماسيتيك.
“لو كنتُ أعلم أن الأمور ستصل إلى هذا الحد، كان عليّ أن أُبيد تلك الروح من الأساس.”
من الواضح أن إيشيد كان مخطئاً. إن قتل جسد الساحر الأسود فقط كان تعاملاً متهوّراً.
لكن الماء قد انسكب بالفعل الآن.
لا فائدة من الندم في هذه المرحلة.
“والآن بعد أن كُشِفَت هويتك، ما الذي تنوي فعله؟ هل ستبدأ معركةً هنا؟”
نحن الآن داخل القصر الإمبراطوري،
حيث يقيم عددٌ لا يحصى من الفرسان والسحرة.
وكأنه قرأ أفكاري، سخر ماسيتيكي.
“هل تعتقدين أنكِ تستطيعين الصمود حتى وصولهم؟”
“بالطبع لا. إذا مِتّ … لا يوجد شيءٌ يمكنني فعله.”
“أجل، لطالما كنتِ هكذا. كأنكِ لا تمانعين في الموت.”
بدا وجهه وهو يسترجع الذكريات وحيداً بطريقةٍ ما…
جعلني ذلك التعبير أظن أنه لم يُستولى عليه بالكامل بعد…
لكن طاقة الظلام التي تشع منه كانت تزداد قوّةً رغم إظهاره لمشاعر إنسانية.
كانت طاقته واضحةً لدرجةً أن أيّ شخصٍ حسّاسٍ سيلاحظها.
“شاتيريان، أتعلمين … ماذا لو بقي كلّ شيءٍ كما كان؟ ماذا لو بقيتِ كما كنتِ؟”
إذا كنتُ ‘كما كنت’، لكان ذلك يعني أنني كنتُ سأنتحر في السجن، نهايتي الأصلية.
بدا أن ماسيتيكي يعرف كلّ شيء.
أن هذا العالم تغيّر بمجرّد أن تذكّرتُ حياتي السابقة.
شعرتُ كما لو كنتُ أنظر إلى غوستو، الذي تقبّل روح الساحر الأسود وعرف كلّ شيء.
ذلك الذي أثار ضجّةً لأنه أدرك أنني لستُ شاتيريان الحقيقي…
“هل تفضّلين الوضع الحالي؟”
“أنا…”
لم أستطع الإجابة بسهولة.
كان قلبي يخفق بشدة ولم أستطع فتح شفتي.
أطلق ماسيتيكي ضحكةً مريرةً وهو يراقبني.
“على أيّ حال، أنا لا أندم. ولن أتوقّف في منتصف الطريق.”
“ماسيتيكي… لم يفت الأوان بعد. يمكنكَ التحرّر حتى الآن.”
قبل أن يستولي عليه الظلام بالكامل.
لكن ماسيتيكي هزّ رأسه نفيًا.
“لقد فات الأوان بالفعل.”
لم يكن هناك وقتٌ للمزيد من الإقناع.
لأن الناس الذين لاحظوا طاقة السحر الأسود كانوا يحتشدون إلى هنا.
“ماسـ…”
“انتهى حديثنا هنا.”
“ماذا؟”
فجأة، هبّت عاصفةٌ عنيفة.
حاصرت الرياح ماسيتيكي وحملت المطر بعنف، لدرجة أنني لم أستطع فتح عينيّ.
جذبتني الرياح بقوّةٍ كأنها تريد ابتلاعي، فجلستُ على الأرض عمداً.
التصاقي بالأرض جعل مقاومة الرياح أسهل، لكني لم أكن حرّةً تماماً.
أمسكتُ بالعشب بيدٍ واحدةٍ كأنني أحفر في الأرض، بينما ضممتُ الراكون إلى صدري بيدي الأخرى. إذا تركتُه، لَطار مع العاصفة.
رأيتُ صورة ماسيتيكي تختفي تدريجياً في العاصفة.
ولم تهدأ العاصفة إلّا بعد اختفائه تماماً.
‘لماذا…؟’
كان ذهني غارقًا في الأسئلة، لكن لم يكن هناك أحدٌ ليُجيب.
جعلني جلوسي على الأرض أسمع وقع أقدام القادمين بوضوح.
شعرتُ فجأةً أن طاقتي استنزِفَت ولم أستطع النهوض.
يبدو أن الراكون، الذي كان خائفًا ولم يستطع السيطرة على نفسه، التهم قوّتي المقدسة دون وعي.
وفقدتُ وعيي تماماً.
***
«هل تفضّلين الوضع الحالي؟»
كان سؤالاً من الصعب الإجابة عليه.
إذا قلتُ نعم، فسيبدو أنني لا أهتم بمَن ماتوا.
وإذا قلتُ لا، فسأبدو وكأنني أشفق على نفسي.
لم أستطع الإجابة حينها، لكنني الآن أفضّل الوضع الحالي.
لقد اختفى الموت المُحدِق بي، وأستطيع الآن التخطيط لمستقبلٍ مشرقٍ مع مَن أُحِب.
لكن كيف وصل ماسيتيكي إلى هذا الحد؟
‘كان عليّ أن أسأله عن ذلك أولاً.’
شعرتُ بالندم.
ربما كانت تلك آخر فرصةٍ لأتحدّث معه.
فتحتُ عينيّ ببطء، مُصفّيةً ذهني من الأفكار التي كانت تُلحّ عليّ.
ما زلتُ أرى السماء الملبدة بالغيوم تمطر بغزارة.
“رئيسة؟ هل عدتِ إلى رشدكِ؟”
سألني أحدهم بجواري.
أومأتُ برأسي ونظرتُ إلى الطبيب الذي كان يعتني بي.
“أورغون… أين هو ولي العهد؟”
أذكر أنني سمعتُ صوت أورغون قبل أن أفقد الوعي.
“غادر سموه بعد أن تأكّد أنه قد أُغمي عليكِ فقط. وأخذ الراكون الذي كان معكِ.”
“هل الراكون بخير؟”
“نعم، لحسن الحظ لم يُصَب بأذى بفضل احتضانكِ له.”
“لكن كلامكَ هذا يعني أنني أنا مَن تعرّضتُ للأذى.”
“لقد عولجتِ بالفعل بالقوّة المقدسة. ليست جروحاً خطيرة، مجرّد خدوش.”
تذكّرتُ الحجارة والأغصان التي خدشتني أثناء العاصفة.
لو كان راكون هنا، لتباهيتُ بأنني أنقذتُه.
بينما كنتُ أفكّر بذلك وحاولتُ النهوض، أوقفني الطبيب مصدومًا.
“عليّ مقابلة ولي العهد.”
“قال سموّه إنه سيعود، وأوصى أن تبقَي في الفراش حتى ذلك الحين.”
متى وجد الوقت ليقول ذلك وهو يغادر بسرعة؟
‘دقيقٌ بشكلٍ غريب!’
لكن إذا أصررتُ على الخروج، سأسبّب مشكلةً للطبيب. لذا اضطررتُ إلى الاستلقاء مرّةً أخرى.
خضعتُ لفحصٍ آخر وتناولتُ منشّطاً للقوّة. ربما كان المنشط يحتوي على مادةٍ منوّمة، لأنني بدأتُ أشعر بالنعاس.
بعد وقتٍ طويلٍ من النوم العميق، فتحتُ عينيّ ورأيتُ أورغون جالساً أمامي.
رفع رأسه من الأوراق التي كان يقرأها والتقى بصري.
“هل نمتِ جيداً؟ يبدو أنكِ نمتي بعمق.”
رغم أن الشمس كانت محجوبةً بالغيوم، بدا وجهه متألّقاً.
نظرتُ إليه بلا اكتراث وسحبتُ الغطاء لأعلى قليلاً.
“أليست هذه هي السعادة الحقيقية؟”
“ماذا؟”
“أن أنام في العمل ومع ذلك أحصل على راتبي…”
“يبدو أنكِ بخيرٍ بما يكفي لتقولي هذا الهراء.”
كنتُ على وشك الالتفات بعدما رأيتُ تعبيره المشمئر.
لكن الغريب أن المسافة بين ساقيّ كانت غير مريحة.
ألقيتُ الغطاء بسرعةٍ بعد أن رأيتُ الشكل الدائري بين ساقيّ.
فتح الراكون، الذي كان نائمًا بين ساقي، عينيه بسبب الضوء.
[ما هذا؟]
يا لها من وقاحة أن تنام بين ساقي شخصٍ آخر!!!
علاوةً على ذلك، سرق قوّتي المقدسة حتى أُغمي عليّ.
من الصحيحأن حالتي لم تكن خطير، واستعدتُ وعيي بعد ساعات قليلة.
‘لهذا السبب سأتجاهل الأمر.’
ليس لأن مظهره الخائف والنظرة المذعورة أثارا شفقتي أبداً!
أعدتُ تغطيته بالبطانية بلطف، استدار الراكون واستقر في مكانه، وسرعان ما هدأ.
“إنه يتصرف ككلب …”
هزّ أورغون رأسه وكأنه لا يصدّق أن هذا المخلوق هو شينسو.
“بالمناسبة، ما الذي حدث؟”
سألتُه مباشرة، معتقدةً أنه سمع التفسيرات من الراكون.
وكما توقّعت، أجاب فورًا دون شرح التفاصيل.
“عندما وصلت، كان ماسيتيكي قد هرب بالفعل.”
“ماذا عن التتبّع؟”
“المعبد المقدس يبحث عن آثاره الآن.”
“المعبد المقدس؟ لماذا يتحرّكون بهذه السرعة فجأة؟”
حسنًا، هذه المرة، لم يكن الأمر أن المسألة تتعلّق بالساحر فحسب، لذا كان من الصواب التحرّك بأسرع ما يمكن.
وبما أن أنيلا قد تكون في خطر، فقد كان الأمر أشد خطورة.
“وتلقيتُ اتصالاً من قائد الفرسان.”
“من إيشيد؟”
اتصالٌ من زوجي الغائب…
ضيّقتُ عيني تلقائياً.
“قال إنه لم يحصل على معلوماتٍ عن شجرة العالم بعد، لكنه قابل مصدر معلوماتٍ في دوقية أستريا وحصل على بياناتٍ عن الساحر الأسود الذي مات منذ 300 عام.”
أخيراً، بعد موسمين، حصلنا على المعلومات.
لكنني لم أستطع الشعور بالسعادة تماماً.
لأن هذا يعني أن عودة إيشيد ستتأخّر أكثر.
ثم بدأتُ أشعر ببعض القلق.
هذا الشعور مختلفٌ عن المرّة الأولى التي غادر فيها العاصمة.
لا بد أن السبب هو ظهور ماسيتيكي كعقبةٍ كبيرة.
خاصةً أن هدفه هو قتل إيشيد.
وكأنه قرأ أفكاري، قال أورغون.
“لا تقلقي. سييتمّ القبض على ماسيتيكي قريباً. وحتى لو واجهه قائد الفرسان، فلا يوجد أيّ احتمالٍ أن يخسر.”
هل سيختفي قلقي بهذه السهولة؟
لكنني أومأتُ برأسي موافقة.
“من المستحيل أن يخسر إيشيد… لكن هل أخبرتَه عني؟”
“قلتُ له فقط أنكِ بخير. لو عرف أنكِ أُصبتِ، لكان ردّ فعله سيئاً.”
كان ذلك من حسن حظي. لم أُرد أن يُشتَّت انتباهه بسببي ويُصاب بسهولة.
“لا ينبغي أن يحدث أيّ شيءٍ له…”
رفعتُ رأسي نحو السماء الملبّ
دة بالغيوم.
جعل البرق الذي يلمع بين الحين والآخر الجوّ غير مريح.
تنهّدتُ عندما فكّرتُ في إيشيد، الذي كان يتجوّل ويُحقّق تحت المطر في يومٍ كهذا.
حاولتُ تجاهل القلق الذي كان يتصاعد من مكانٍ ما ويحتلّ ركنًا من قلبي.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 98"