فجأة؟ كان الخبر مفاجئًا لدرجة أن السؤال قفز تلقائيًا إلى الذهن.
خاصة أنه لم يكن هناك أيّ إنذارٍ مسبقٍ من إيشيد.
كان سبب مغادرته المفاجئة للعاصمة واضحًا كالشمس.
شجرة العالم.
من الواضح أن إيشيد قد غادر للبحث عنها.
‘لقد كان مهووسًا بعدم العثور على شجرة العالم، وفي النهاية فعلها.’
منذ الصباح، لم أرَ الراكون أيضًا، مما زاد من مصداقية اعتقادي.
‘هل تغادر دون كلمةٍ واحدةٍ هكذا…؟’
طوال يوم العمل، وأنا أذهب إلى العمل وحدي، كنتُ أتذمّر.
كلّما فكّرتُ في الأمر، زاد غضبي من أنه غادر دون أن يقول كلمة واحدة.
على أيّ حال، ما زال أمامه طريقٌ طويلٌ ليصبح إنسانًا.
كان أساس الإنسانية هو المشاعر.
كنتُ أفكّر في كيفية إعادة تأهيله عندما يعود.
عندما زار أحد العملاء غرفة الاستشارات.
“سيدة شاتيريان؟”
ظهرت أنيلا بنصف رأسها من خلال الباب تبحث عني.
“آه… قديسة أنيلا.”
نظرتُ إليها بنظرةٍ حائرة.
كان من الغريب أن تأتي لرؤيتي في وقتٍ تكون فيه مشغولةً بعلاج الأشخاص المصابين بالسحر الأسود.
بعد تبادل التحيّة مع فيل، أظهرت أنيلا وجهها بالكامل.
“هل هناك مشكلة؟”
بما أن الحوادث لا تتوقف، شعرتُ أن شيئًا ما قد انفجر مرّةً أخرى، فاستعددت.
“ليس ذلك…”
تردّدت أنيلا في الكلام.
“أليس الطقس جميلًا اليوم؟”
“الطقس؟”
رفعتُ رأسي ونظرتُ إلى السماء من خلال النافذة.
كان يومًا صافيًا رغم وجود بعض الغيوم.
كان الهواء باردًا لكن بدون رياح، لذا لم يكن الجو قارس البرودة.
“هل تريدين الذهاب إلى المدينة معي؟”
“المدينة؟”
“نعم، الطقس جميلٌ اليوم.”
“آه…”
أدرتُ عيناي عند هذا الطلب المفاجئ.
لم أفهم ما علاقة الطقس بالذهاب إلى المدينة.
عندما لم أستطع الإجابة بسرعة، دفعني فيل من الخلف.
“اذهبي، لتغيير الجوّ قليلاً.”
على الرغم من أنني أنهيتُ العمل العاجل، إلّا أنه كان لديّ الكثير من المهام الصغيرة المتراكمة.
ومع ذلك، نظرتُ إلى فيل بشكّ عند موافقته السريعة.
هل كان العمل مرهقًا لهذه الدرجة؟
لسببٍ ما، بدا على وجه فيل تعبيرٌ غامض.
“لا تنظري إلسّ هكذا، انظري إلى مكتبكِ.”
تنهّد فيل وأشار إلى جزءٍ من مكتبي.
كانت هناك عدّة أقلامٍ مكسورةٍ متناثرة.
“حتى لو كان لدينا ميزانيةٌ كبيرة، أليس هذا مبالغًا فيه؟”
لم أكن أدرك أنني كسرتُ الكثير من الأقلام.
يبدو أنني كنتُ غاضبةً جدًا من إيشيد الذي غادر دون كلمة.
أسرعتُ في إلقاء الأقلام في سلة المهملات ثم دفعتُ أنيلا للخروج.
توجّهنا إلى المدينة هربًا من نظرات فيل الحادة.
“لكن لماذا المدينة فجأة؟”
بغض النظر عن كم فكّرتُفي الأمر، فإن حجة ‘الطقس جميل’ كانت حجةً واهية.
عندما سألتُ أنيلا عن السبب الحقيقي، لكنها تردّدت في الإجابة.
“هل هي استشارةٌ عاطفية؟”
لم يكن هناك سببٌ آخر يخطر ببالي.
“لا!”
“لا؟”
كنتُ متأكدة أنها كذلك.
“إذن… لماذا؟”
“نحن أصدقاء، أليس كذلك؟ سمعتُ أن الأصدقاء يخرجون معًا…”
كان جواب أنيلا الخجول غير متوقع.
صديق.
في هذه الحياة، كانت هذه الكلمة الأولى التي أسمعها فيها، وشعرتُ بالحيرة للحظة.
“أ-ألسنا كذلك…؟”
إذا قلت لا، ستبكي حتمًا.
هززتُ رأسي بينما كانت تنظر إليّ بعينين كبيرتين على وشك ذرف الدموع.
“بلى، نحن أصدقاء.”
أضاء وجه أنيلا بالموافقة.
كانت سعيدةً لأنني وافقتُ على صداقتها، فاحتضنت ذراعي.
“كان حلمي أن أتناول طعامًا لذيذًا مع صديقٍ وأثرثر.”
يا له من حلمٍ متواضع.
قرّرتُ أن أمنح أنيلا يومًا كاملًا لأكون معها.
“وأيضًا… الأصدقاء يدعمون بعضهم في الأوقات الصعبة.”
“دعم؟”
حَنَيتُ رأسي، لأن كلماتها بدت وكأنها تقول إنني بحاجةٍ إلى الدعم الآن.
عند سؤالي، أومأت أنيلا برأسها بخجل.
ثم صُدِمتُ بما قالته بعد ذلك.
“ألا تشعرين بالوحدة لأن الدوق قد غادر؟”
“ماذا…؟”
ماذا تعني بهذا…؟
“لقد التقيتُ بالدوق قبل مغادرته، وطلب مني أن أعتني بكِ أثناء غيابه.”
لو كان لديه وقتٌ ليقول ذلك لأنيلا، كان من الأفضل أن يقول لي كلمةً واحدةً قبل مغادرته.
زممتُ شفتي التي كانت على وشك الانتفاخ.
“سمعتُ أن تناول طعامٍ لذيذٍ عند الشعور بالاكتئاب يساعد في تحسين المزاج.”
تحسين المزاج.
ألم يقل فيل نفس الشيء؟
“هل تحدّثتِ مع فيل …؟”
قبل أن أنهي سؤالي، تجنّبت أنيلا نظري.
أصبح من الواضح أنه كان هناك حديثٌ بينهما.
يبدو أن فيل انزعج من رؤيتي جالسةً وأكسر الأقلام بوجهٍ كئيب.
لذلك طردني.
لم أشعر برغبةٍ في تصحيح سوء الفهم لأنيلا.
على الرغم من أن السبب مختلف، إلّا أن شعوري السيء متشابه.
وافقتُ على فكرة تناول طعامٍ لذيذٍ لتحسين المزاج، ومشينا في شوارع المدينة حيث قادتني أنيلا.
وصلنا إلى متجر كعك الأرز.
كانت رائحة كعك الأرز الطازج منتشرةٌ في الشارع، وكأنهم كانوا يعدّونه للتوّ.
شمّت أنيلا الرائحة وأُعجِبت بها.
“يقال أن هذا المكان مشهورٌ جدًا مؤخرًا.”
“نعم…”
كنتُ أعرف ذلك جيدًا.
سحبتني أنيلا إلى داخل المتجر.
كان عدد الزبائن أقل مما كان عليه في البداية.
كان عدم وجود طابورٍ دليلًا على ذلك.
“يقال أن المثلجات المصنوعة من الثلج المجروش لذيذةٌ هنا، لكنها باردةٌ جدًا لتناولها الآن.”
نعم، الطقس.
كان هذا هو سبب الانخفاض الحاد في مبيعات مثلجات النورونغجي.
“في الشتاء، الأطعمة الدافئة أفضل، أليس كذلك؟”
“أجل.”
باستثناء كعك الأرز الطازج، لم يكن هناك أطعمةٌ دافئةٌ في المتجر.
أدركتُ أن القائمة كانت مصممةً خصيصًا لفصل الصيف.
لا توجد قائمةٌ مناسبةٌ للشتاء!
مرّت قائمة الأطعمة الشتوية بذهني بسرعة.
في الشتاء، أفضل الأطعمة هي كعك السمك وكرات السمك التي تباع في الأكشاك.
أو الخبز الساخن الذي يُباع في المتاجر.
لكن بما أن هذا متجر كعك أرز، فأفضل طبقٍ متعلّقٍ به هو…
‘بالتأكيد التوكبوكي؟’
لكن صنع التوكبوكي يتطلّب معجون الفلفل الحار، وهو أمرٌ معقّد.
يتطلّب صنع معجون الفلفل الحار الحصول على المكونات أولًا.
لكن من الجيد أنني تمكّنتُ من تحديد مشكلة المتجر بهذه السرعة.
الزيارة الميدانية هي الأفضل دائمًا.
“أعتقد أن مجيئنا إلى المتجر اليوم كانت فكرةً جيدة.”
“حقًا؟”
ابتسمت أنيلا بفخرٍ لأنني أحببتُ الفكرة.
“بما أننا هنا، دعينا نجرب المثلجات المشهورة. لنأكل مثلجات النورونغجي مع كعك الأرز.”
“نعم، لنفعل ذلك.”
تشاركنا الطعام المطلوب وتبادلنا أطراف الحديث.
معظمه كان حديثًا تافهًا، ننساه بمجرّد الانتهاء منه.
كان أكثر متعةً من النكات التي نطلقها لتحفيز الحياة.
لدرجة أنني أدركتُ كم كنتُ أفتقد هذه المحادثات غير المفيدة.
* * *
بعد أن غطّت الغيوم المظلمة السماء طوال اليوم، بدأ المطر يهطل في فترة ما بعد الظهر.
كانت بداية موسم الأمطار الذي ينذر بنهاية الخريف.
“يبدو أنه سيكون غزيرًا لفترة.”
قال فيل وهو ينظر إلى قطرات المطر الغزيرة التي تضرب النافذة.
“أجل…”
في الأيام القليلة الماضية، أنهيتُ الكثير من الأوراق، وفي مثل هذا اليوم، حتى جلسات الاستشارة لم تأتِ، لذا كان لديّ القليل من العمل.
جلستُ بلا عمل، أشاهد المطر الغزير بعينين خاليتين.
أين يكون إيشيد الآن؟
هل يتجوّل تحت هذا المطر بحثًا عن شيءٍ لا يعرف مكانه بالتحديد؟
أعلم أن جسده ليس عرضةً لنزلات البرد، لكن … لا يمكنني إلا أن أشعر بالقلق.
آمل أن يعود سريعًا إذا لم يتمكّن من العثور عليه.
“على هذا الحال، قد تحدث فيضانات.”
“هل جهّزت وزارة الرعاية الإجتماعية مستلزمات الإغاثة مسبقًا؟”
انطلقت أفكاري بسرعةٍ إلى وزارة الرعاية الاجتماعية.
عادةً، كان الفقراء هم مَن يعانون من الفيضانات، لذا كان من الأفضل أن تعدّ الوزارة المستلزمات مسبقًا.
لكن سيفجي على درايةٍ بحياة الفقراء بالتأكيد، لذا من المؤكد أنها أعدّت كلّ شيءٍ بشكلٍ جيد.
“سأذهب إلى المكتبة لبرهة.”
بدلًا من الجلوس دون فعل أيّ شيء، من الأفضل أن أذهب إلى المكتبة.
وأيضًا، على الرغم من أن إيشيد قليل التواصل، إلّا أنه من المؤكد أنه أخذ وسيلة اتصالٍ معه، لذا أردتُ أن أحاول الاتصال به إذا وجدتُ شيئًا جديدًا.
وبهذه الطريقة، يمكنني أيضًا أن أعبّر عن غضبي…
عند وصولي، كانت المكتبة مظلمةً أكثر من المعتاد بسبب الطقس الغائم.
لكن هذا لم يُعِق قراءة الكتب، تصفّحتُ الأرفف ووجدتُ كتبًا عن العصور القديمة.
‘كم عدد الكتب التي لم أقرأها من قبل تظهر هنا؟’
كانت المكتبة مثل كنزٍ لا ينضب.
يبدو أن القول بأن كل كتب الإمبراطورية موجودةٌ هنا لم يكن مبالغًا فيه.
كم كتابًا قرأتُ له محتوًى مشابٌه لكنه مختلف؟
في وسط الهدوء، تسلّل صوتٌ مزعجٌ إلى أذني.
نظرتُ حولي باستغراب.
كان من المفترض أن أكون الوحيدة في المكتب
ة.
بات، بات، بات، بات.
ازداد صوت خطوات شيءٍ ما على الأرض.
شعرتُ بالقشعريرة، لكن الصوت كان مألوفًا بشكلٍ غريب.
كما توقعت.
سرعان ما ظهر شينسو الراكون.
كنتُ في حيرةٍ من ظهور الراكون المفاجئ، وكان الراكون مندهشًا من وجودي أيضًا.
“ما الذي تفعله هنا؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 96"