“إذن، هل اكتشفتِ شيئاً؟”
سألتُ بينما عدنا أنا وإيشيد إلى مكاننا الأصلي.
“فقط أن هناك نهراً بجانب شجرة العالم، وشجرةٌ تثمر فاكهة.”
معلومةٌ عديمة الفائدة حقاً.
يبدو أن الراكون لا يعرف سوى الغسل والأكل.
“لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد حلٌّ مطلقاً.”
كما في المرّة السابقة، بدا إيشيد واثقاً من نفسه.
لا تُخبِرني أن خطته هي الإمساك برقبة الراكون وإجباره على توجيههم؟
‘مع إيشيد، هذا احتمالٌ وارد.’
كان إيشيد عديم الرحمة.
بينما كنتُ أتعاطف مسبقاً مع معاناة الراكون المستقبلية، خطر في بالي سؤال.
“بالمناسبة، حتى لو كانت شجرة العالم تُطهّر كلّ شيءٍ شرير، هل يمكنها تطهير الساحر الأسود؟”
صحيحٌ أن هناك سجلّاتٌ عن شفائها لأمراض البشر، لكنها كانت تطهّر ‘المرض’، وليس الشخص نفسه.
فماذا سيحدث للساحر الأسود، الذي أصبح كائناً فاسداً متّحداً تماماً مع قوى الظلام؟
بدّد إيشيد شكوكي فورًا
“الساحر الأسود لن يُطهَّر، بل سَيُمحَى.”
“يُمحَى…؟”
بالطبع. بما أن الساحر الأسود نفسه كائنٌ شرير، فبمجرّد ملامسته لشجرة العالم المُطهِّرة، سيزول من الوجود.
فهمتُ أخيراً سبب إصرار إيشيد على شجرة العالم رغم وجود آثارٍ مقدسةٍ أخرى.
مجرّد الحصول على جذورها، سيصبح قادراً على القضاء على الساحر الأسود بسهولة.
بدا إيشيد مصمّماً هذه المرة على إبادة الساحر الأسود تماماً.
لكن هذا يعني أن المعركة ستكون حتمية.
‘لماذا أشعر بهذا القلق؟’
نظرتُ إلى وجه إيشيد الجانبي.
إنه نفس إيشيد الذي هزم السحرة السود مراراً.
قلقي هذا لا مبرّر له.
‘لكن… ماذا لو حدث شيءٌ غير متوقع؟’
“إيشيد، لقد وعدتُكَ أنني لن أترككَ لتواجه العقاب وحدك.”
“أجل.”
“إذن، ينطبق الأمر نفسه عليك. لا تفكّر حتى في الذهاب وحدك.”
لأنني قد حلمتُ بمستقبلٍ نعيشه معاً.
فلا تُفسد خططي المثالية، أتفهم؟
ضحك إيشيد على تحذيري الذي يشبه التهديد.
بل بدا سعيداً للغاية.
“أشعر بسعادةٍ غامرةٍ عندما تقولين لي هذه الكلمات.”
“أوه، هل أصبحتَ الآن تفهم معنى ‘السعادة’؟”
عندما أبديتُ إعجابي، أمسك إيشيد بيدي بكفّه الكبير.
“لماذا أشعر بهذه السعادة؟”
لكنه ما زال بعيداً عن فهم السبب.
توسّلتني عيناه الواسعتان كأنهما تطلبان الإجابة.
“… فكِّر جيداً في ذلك”
شعرتُ بالخجل من قولها بصوتٍ عالٍ، لذا طلبتُ منه أن يستنتج بنفسه.
“كما هو متوقّعٌ من زوجين حديثي الزواج….”
قالت أنيلا وهي تنظر إلينا بعينين تشعّان بالحسد.
كان ذلك حينئذٍ.
في تلك اللحظة، سمعنا صوت خطواتٍ متسارعةٍ وصريرٍمعدني.
التفتُّ لأجد فارساً يحرس مدخل المكتبة يركض إلينا بذعر.
“الـ القديسة! لقد طُلِب حضور القديسة فوراً!”
قال الحارس وهو يلهث.
“لقد عاد فريق التحقيق للتوّ … لكن الوضع طارئ! النائب روث ينتظركم بالخارج!”
خرجنا مسرعين مع الحارس دون فهم التفاصيل.
وجدنا روث واقفاً أمام المكتبة كما قال الحارس. عند رؤيتنا، أشار إلينا بسرعةٍ للمتابعة.
“ما الذي حدث بحق الإله؟”
“عاد أحد عشر فارساً من فريق التحقيق الذي ذهب إلى قرية كيميل إلى القصر.”
“عادوا بالفعل؟ هذا أبكر من المتوقع.”
“نعم… لأنهم جميعاً مصابون.”
“ماذا؟!”
لم يكن هذا خبراً ساراً.
“فيل… هل فيل بخير؟”
على الرغم من فضولي لمعرفة سبب إصابة الفرسان، كان أول ما خطر ببالي هو فيل، عديم القدرة القتالية.
“… فيل بخير.”
لكن تردّده أثار شكوكي.
وسرعان ما فهمتُ السبب عندما رأينا فيل جالساً أمام غرفة العلاج حيث يُعالَج يوريل.
كان فيل منحنياً في الرواق، يمسك رأسه بيديه.
رغم القول إنه لم يُصَب، كان غارقاً في الدماء.
“فيل؟”
اقتربتُ ناديتُ فيل.
“أين أُصبتَ؟”
كان وجهه ملطّخًا بالدموع، وعيناه الدامعتين فارغتين.
“سـ سيدتي الرئيسة… كلّ هذا خطئي! بسببي، نائب القائد يوريل أصبح هكذا…”
ظلّ فيل يلوم نفسه دون توقف، قائلاً أن هذا خطأه.
شعرتُ بالارتباك لأنني لم أكن أعرف القصة كاملة.
نظرتُ إلى غرفة العلاج. بمجرّد أن رأيتُ يوريل مغطًّى بالدماء، شعرتُ على الفور بالطاقة.
‘سحرٌ أسود…؟’
كان يوريل يتلوّى من الألم بينما يحاول المعالجون تطهيره بالقوّة المقدسة.
بدت الإصابات عميقةً ومُلوّثةً بالسحر الأسود، مما جعل العلاج صعباً.
“نحتاج مساعدة القديسة.”
“أنا هنا.”
دخلت أنيلا الغرفة دون تردّد وبدأت علاج يوريل.
على عكس المعالجين المُتعَبين، صبّت أنيلا قوّتها المقدّسة بلا توقف.
“فيل، الآن بعد أن دخلت أنيلا، سيكون يوريل بخير.”
ربتُّ على كتفه محاولةً تهدئته.
“هل أنتَ مصابٌ في أيّ مكان؟”
فحصتُه بينما أسأل. كان مغطًّى بالدماء، لكن لم يبدُ أنه دمه، مما جعلني أشعر بالارتياح.
لكنني لاحظتُ خدشاً على ذراعه وسحبتُه.
كان جرحاً بسيطاً أستطيع علاجه.
ركّزتُ قوّتي، وتجمّعت القوّة المقدّسة في كفي.
وبسرعة، التئم جرح فيل دون أثر.
في تلك اللحظة، تدخّل إيشيد الذي كان يراقب بصمت.
“أحتاج إلى سماع تفسيرٍ لما يحدث.”
بما أن كلّ الفرسان ما عدا فيل كانوا طريحي الفراش، لم يبقَ سواه ليخبرنا بما حدث في قرية كيميل.
“لـ لكنني…”
نظر فيل بقلقٍ إلى غرفة العلاج.
حاولتُ مواساته.
” لا يمكنكَ فعل شيءٍ هنا على أيّ حال.”
كل ما نستطيع فعله هو انتظار علاج يوريل على يد أنيلا.
انتقلنا إلى مكانٍ آخر على الفور.
أطلق فيل تنهيدةً عميقةً بمجرّد جلوسه.
“اخبرنا الآن، كيف حدث كلّ هذا؟”
“أ-أنا … أنا هو .. أنا الذي طعنتُ النائب يوريل… كلّ هذا خطئي.”
لك أستطع إحفاء صدمتي من اعتراف فيل المفاجئ.
لكنني سرعان ما هدأتُ تمامًا
“فيل، هل تعتقد حقاً أن هذا منطقي؟ كيف لشخصٍ لم يمسك سيفاً في حياته أن يطعن يوريل، أقوى شخصٍ في الإمبراطورية؟”
“لكن النائب يوريل تعرّض للطعن بسيف كان بيدي!”
“…؟”
يبدو أن كلام فيل عن طعنه ليوريل لم تكن كذبة.
لكن هذا لا يعني أن فيل هو مَن طعن نائب القائد يوريل…
“ماذا حدث في القرية؟ اشرح بالتفصيل.”
“أنا لا أتذكّر جيداً… حدث كلّ شيءٍ فجأة…”
“أخبِرني كلّ ما تعرفه.”
“هذا… كنا نكمل تحقيقنا في قرية كيميل… حين اكتشف النائب يوريل دائرةً سحريةً مرتبطةً بالسحر الأسود.”
“كيف كانت تبدو؟”
“إنها…”
بحث فيل في جيبه وأخرج الأوراق والأقلام التي يحملها دائماً.
بدأ يرسم ما يتذكّره.
دائرةٌ تحتوي على مثلثاتٍ ومربعات، وخمس دوائر متّحدة المركز تحوي رسوماً لحيواناتٍ متعددة الرؤوس.
“هذا الجزء غير واضحٍ في ذاكرتي، لكنه يشبه هذا.”
تجمّدتُ عند رؤية الرسم النهائي.
لأنها كانت نفس الدائرة السحرية التي استخدمها غوستو لاستدعاء الشيطان القديم باستخدامي كقربان.
“هذه كانت في القرية؟”
“نعم. قال نائب القائد يوريل إنها دائرةٌ لاستدعاء كائناتٍ شريرةٍ باستخدام البشر كقرابين.”
يا للصدفة!
أن تحتوي القرية التي ذهبوا للتحقيق فيها على شيءٍ متعلقٍ بالسحر الأسود.
“كما كان هناك أكوامٌ من الرمال … قال النائب يوريل إنها ربما كانت جثث القرويين.”
إذن، استُخدِم القرويون كقرابين.
“إذا تحوّلوا إلى رمال، فهذا يعني أن الاستدعاء فشل.”
لو نجح، لكان الكائن المستدعى قد احتلّ أجسادهم بدلاً من تحويلها إلى رمال.
تساءلتُ إن كان عليّ الحزن لضحايا القرية أم الشعور بالارتياح لفشل استدعاء الشيطان.
“على أيّ حال، بينما كنا نفحص الدائرة، واجهنا فجأةً شخصاً غامضاً.”
“شخصٌ غامض؟”
“كان يرتدي رداءً أسود يخفي وجهه… لكن شخصاً واحداً فقط تسبّب في كلّ هذا.”
تعمّقت تنهيدة فيل.
‘واحدٌ فقط فعل كلّ هذا؟’
كان الأمر مثيرًا للدهشة.
كيف لشخصٍ واحدٍ أن يهزم فرسان القصر، وهم من النخبة؟
“ذاكرتي ضبابية… لكن بعد أن واجهتُ ذلك الشخص الغريب، رأيتُ شراراتٍ أمام عينيّ..
. لم أستطع التحكّم بجسدي وسقطت… وعندما استعدتُ وعيي، كنتُ أمسك سيفاً وقد طُعِن النائب يوريل.”
“لا تتذكّر أيّ شيء؟”
“لا…”
“لقد تم التحكّم بك.”
في اللحظة نفسها التي رأى فيها الشرارات تتطاير أمام عينيه.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 92"