كانت أنيلا قد وصلت بالفعل إلى المكتبة.
كان وصفها بالوصول ليس دقيقاً، لأن أنيلا كانت عالقةً في المكتبة منذ البارحة تحاول اكتشاف طريقةٍ للعثور على شجرة العالم.
كان الطاولة التي تجلس عليها في حالة فوضى بسبب الكتب المتناثرة في كلّ مكان.
ومع ذلك، أظهرت أنيلا قدرةً مذهلةً على العثور على الكتاب الذي تريده وفتحه بسهولة.
“القديسة… أنيلا.”
تجنبتُ استخدام لقبها الرسمي بناءً على طلبها السابق الذي أكّدت فيه أنها تكره الشعور بالتباعد.
رفعت أنيلا رأسها من بين الكتب، وكانت هناك هالاتٌ سوداء نادرة تحت عينيها. ومع ذلك، ابتسمت بإشراق.
“أهلاً، شاتيريان!”
“هل نمتِ قليلاً على الأقل؟”
“لا، لقد كانت المخطوطات القديمة ممتعة جدًا!”
هي إيجابيةٌ لدرجةٍ مفرطة.
بينما يشعر الآخرون بالدوار لمجرّد النظر إلى كتبٍ مكتوبةٍ بلغةٍ قديمة، كانت أنيلا تستمتع بقراءتها بصدق.
“لقد أحضرتُ الحيوان الذي وعدتُكِ بإظهاره اليوم.”
أشرتُ إلى حيوان الراكون الجالس عند قدمي.
عندها فقط لاحظت أنيلا الراكون وفتحت عينيها مستغربة.
“إنه راكونٌ لطيف!”
هذه الكلمة محرّمة …!
أسرعتُ بالانحناء نحو الشينسو.
[“راكون؟! أنا لستُ حيوانًا!]
لكن الوقت كان قد فات. فتح الشينسو فمه على مصراعيه وخرج صوتٌ بشريٌّ بدلاً من صوت حيوان.
“شـ شاتيريان! هـ هذا الراكون يتكلّم!”
صرخت أنيلا مندهشة.
نظرتُ إلى الراكون باستياء، الذي لم يكن لديه أيّ نيّةٍ لإخفاء هويته.
بطريقةٍ ما، أشعرتني تصرّفاته المثيرة للمشاكل بذلك الذئب المزعج.
على أيّ حال، يبدو أن كل الشينسو متشابهة في تصرّفاتها.
“شاتيريان… هل هذا شينسو؟”
هذه المرة فتحتُ عينيّ منبهرةً من سرعة استنتاج أنيلا.
بعد رؤية حيوانٍ يتكلم، كان من المتوقع أن تنكر الواقع، لكنها توصّلت إلى الإجابة فورًا.
مرّةً أخرى، شعرتُ بتميّز البطلة.
[أيّتها البشرية، أنتِ ذكيةٌ جدًا. على الرغم من أنكِ دعوتني راكونًا.]
قال الراكون بفخر.
هذا مشهدٌ غريبٌ حقًا.
صوت بشريٍّ يخرج من حيوان.
“إذن الشينسو كائناتٌ حقيقية.”
[بالطبع!]
نفخ الراكون صدره بفخر، وكأن اكتشاف هويته أمرٌ يبعث على الفخر.
“فروكَ جميل جدًا! هل يمكنني التربيت عليه؟”
[بالطبع!]
“شكرًا لك.”
حصلت أنيلا على إذن الراكون وبدأت بتربيت ظهره بلطف.
الراكون الذي كان يتجنّب أيدي البشر بسرعة، استسلم بهذه السهولة…
يقال أن المجاملة تجعل حتى الحوت يرقص، ويبدو أنها تنطبق على الراكون أيضًا.
خلال ذلك، تعلّمت أنيلا بسرعةٍ كيفية التعامل مع الراكون وتمكّنت حتى من لمس باطن قدميه.
وبالطبع، تبعت ذلك بإعجاب ومجاملات.
كان الراكون سعيدًا لدرجة أنه استقرّ في حضن أنيلا.
رغم أنه من فصيلة الراكون، إلّا أنه كان يبدو وكأنه على وشك إصدار صوت خرخرةٍ مثل القطط.
تاب، تاب.
كنتُ أنظر إليه باستياء، لكنني التفتُ عند سماع صوت خطواتٍ قادمةٍ من الخلف.
كان إيشيد، الذي وصل قبلي، يحمل عدّة كتبٍ قديمة.
وضعها على الطاولة التي لم يعد فيها مكان، ثم بدأ بترتيب الكتب المبعثرة.
“هل قرأتِ كلّ هذا؟”
أجابت أنيلا على سؤالي بعفوية.
“نعم، قرأتها مع القائد، لذا كان الأمر سريعًا.”
المشكلة ليست في ذلك…
المشكلة هي أنه بغض النظر عن مَن كان معها، فهما قرآ هذا العدد الهائل من الكتب معًا في أقلّ من نصف يوم.
بل وكانت كتبًا مكتوبةً بلغةٍ قديمة، وليس حتى بلغة الإمبراطورية.
‘أجل، أنيلا أيضًا ليست بشرًا عاديًا.’
هززتُ رأسي وأنا أشاهد أنيلا تعود إلى مكانها وهي تحمل الراكون.
“إذن، هل وجدتُما أيّ شيءٍ عن شجرة العالم؟”
جلستُ بجانب إيشيد وسألتُ أنيلا.
“لا، ليس بعد. لكنني وجدتُ دليلاً عن الأثر المقدّس الذي اختفى في التاريخ.”
“هذا اكتشافٌ رائع…”
“كنتُ سأقترح التخلّي عن البحث عن شجرة العالم، لكنه كان عنيدًا جدًا…”
ألقت أنيلا نظرةً لاذعةً نحو إيشيد الذي كان يفتح كتابًا.
تجاهل إيشيد تعليقها وكأنه لم يسمعه.
يبدو أنهما كانا يتنافسان مرّةً أخرى في غيابي.
“لقد بحثنا في كلّ كتابٍ في المكتبة الليلة الماضية، لكننا لم نجد أيّ شيءٍ عن شجرة العالم. كيف يمكننا العثور عليها…؟”
“إذا لم يكن هناك طريقة، فالاستسلام مبكّرًا هو الحل.”
لذا نظرتُ إلى إيشيد وقلتُ له أن يكفّ عن العناد ويتوقّف هنا.
في تلك اللحظة، ضرب الراكون الذي كان في حضن أنيلا الكتاب بيده بصوت ‘توك!’
[هذا…!]
تحت يده كانت صورةٌ لشجرة العالم.
تألّقت عينا الراكون وهو ينظر إليها.
[منزلي!]
“ماذا…؟”
واصل الراكون ضرب الكتاب كما لو كان يحثّ الجميع على النظر.
[إنه منزلي!]
“…هنا؟”
[نعم!]
“إذن، هل تعرف الطريقة للوصول إليه؟”
بعد بحث الليل كله، أصبح جهد أنيلا بلا جدوى، لكن هل وجدنا الحل بهذه السهولة؟
نظرتُ إلى الراكون بترقّب.
[لا أعرف!]
يا له من ردٍّ صريح!
ارتسمت على وجوه أنيلا وإيشيد، وأنا أيضًا، الإحباط.
حسنًا، كان الراكون يتجوّل في القصر الإمبراطوري لأنه لم يكن يعرف كيفية العودة إلى منزله.
سواء كانت شجرة العالم منزله أم لا، فما الفائدة إذا لم يعرف الطريقة؟
“ما فائدة كونكَ شينسو إذا لم تعرف كيف تعود إلى منزلك؟”
[أنتِ…!]
تجاهلتُ الراكون الغاضب وأخرجتُ نفسًا طويلاً.
في النهاية، يبدو أن البحث عن شجرة العالم مستحيل.
“أخبِرنا بالمزيد.”
لكن يبدو أن إيشيد لم يستسلم بعد. واصل استجواب الراكون للحصول على أيّ دليل.
ارتعب الراكون من ضغط إيشيد المفاجئ واختبأ في حضن أنيلا.
على الرغم من معرفته أن إيشيد لن يؤذيه، إلّا أن غريزة الحيوان جعلته خائفًا.
“هل تعتقد أن استجوابه سيفيد؟”
راكوننا لا يجيد سوى الغسل والأكل …
تركتُ إيشيد وهو يحاول استجواب الراكون ونهضتُ من مكاني.
قرّرتُ استكشاف المكتبة أثناء مناقشتهم الحماسية.
كانت المكتبة نظيفة، وكأنها تنظّف يوميًا. يبدو أنهم يهتمّون بالصيانة بقدر صرامة دخول الأشخاص.
بينما كنتُ أمرّ بين رفوف الكتب الخالية من أيّ غبار، وجدتُ نفسي أمام قسمٍ مليءٍ بالملفات بدلاً من الكتب.
كانت سجلات الموظفين في مختلف الدوائر.
المحكمة، فرسان الإمبراطورية، وزارة المالية، وزارة الخارجية… إلخ.
انتابني الفضول، فبحثتُ عن سجل الموظفين السابقين في غرفة الاستشارات.
مررتُ بإصبعي على الملفات المصنّفة حسب السنة، ثم أخرجتُ ملفًا من عامٍ قبل انضمامي بسنة.
في ذلك العام، انضم ماسيتيكس إلى غرفة الاستشارات.
ما زلتُ أعتقد أنه شخصٌ مثيرٌ للإعجاب.
في عامٍ واحدٍ فقط، وحتى كشخصٍ عادي، أصبح رئيسًا لغرفة الاستشارات.
كانت هناك وجوهٌ مألوفةٌ وأخرى جديدةً في الملف.
بينما كنتُ أتصفّحه ببطء، وجدتُ ملف ماسيتيكي.
الاسم: ماسيتيكي ستالون. وُلِد في نفس عام مولدي، وعمره الآن 25 عامًا. مسقط رأسه قرية تسمى مورت.
لم يكن هناك شيءٌ مميّزٌ في سجله…
“آه…”
عندما قلبتُ الصفحة، ظهرت صورةٌ لماسيتيكي مع خريطةٍ تقريبيةٍ لقرية مورت.
بغض النظر عن كيفية البحث، كانت قرية مورت تقع بالقرب من أراضي ماركيز كولينس.
“…”
ساء مزاجي في لحظة.
قبل عامين، في حادث هجوز الوحوش، اختفت معظم القرى بالقرب من أراضي ماركيز كولينس.
أسرعتُ للعثور على سجلّات التحقيق في الحادث.
وجدتُ قرية مورت مُدرجةً في قائمة القُرى المتضرّرة.
عندما قلبتُ الصفحة، ظهرت قائمةٌ بأسماء سكّان قرية مورت آنذاك.
كوبي ستالون، إيمي ستالون، فيفيانا ستالون.
كانت هذه أسماء والدي ماسيتيكي وأخته الصغرى.
إذن هذا هو سبب استقالة ماسيتيكي المفاجئة قبل عامين…
لهذا كان يحتفظ بقلادةٍ تحتوي على صورةٍ عائليةٍ بهذا القدر من التقدير.
دون أن أعرف ذلك، سألتُه عن سبب ترك غرفة الاستشارة…
تذكّرتُ الحزن الذي مرّ على وجهه، فعضضتُ شفتي دون وعي.
لا يمكنني الاعتذار رسميًا لمعرفتي ظروف عائلته بهذه الطريقة، لكني تعهّدتُ بعدم تكرار هذا الخطأ.
أعدتُ الملف إلى مكانه.
لا يمكنني فهم مدى حزن ماسيتيكي بعد فقدان عائلته تمامًا، لكنني أعرف جيدًا كم سأكون مُنهارةً إذا حدث ذلك لأفراد عائلتي.
حتى قبل وقتٍ قصير، كنتُ أعتقد أن ‘العائلة’ ليست ضمن نطاقي المحدّد…
“ماذا تفعلين هناك؟”
اقترب إيشيد مني فجأةً وهمس.
“لماذا تهمس؟”
“يجب أن نكون هادئين في المكتبة.”
كان من البغيض رؤيته يتظاهر باحترام القواعد بعدما كان يثرثر بلا توقف.
لكن لم أكره ذلك.
أنا أيضًا أصبحتُ مجنون .
‘لم أكن أعلم أن قِيَمي ستهتز بسبب إيشيد…’
ربتّتُ على كتف إيشيد بيدي.
“هل سأتغيّر بقدر تغيّركَ أيضًا؟”
حدّق بي إيشيد كما لو أنه لم يفهم قصدي.
“لا يهم.”
يبدو أنني أنا التي تغيّرت لأن الرواية الأصلية قد تغيّرت.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 91"