آه، كما هو متوقع، يبدوان متناسقان جدًا.
رغم أن عقلي كان يفكّر بهذه الطريقة، إلّا أن قلبي لم يكن متفقًا مع ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، كنتُ أشعر بالاشمئزاز من نفسي وأنا أهرع إلى هنا بسرعة.
أليس هذا يشبه تمامًا صورة زوجةٍ تعاني من وسواس الخيانة؟
شعرتُ بأنني سخيفةٌ للغاية، وكنتُ على وشك أن أتراجع وأغادر، عندما…
“شاتيريان.”
اقترب إيشيد مني، دون أن أعرف متى رآني.
نظر إليّ وهو يبتسم، وكأنه يعرف أنني سأتبعه إلى هنا في النهاية.
“هل ذهبتِ إلى الإمبراطور لأن التهديد لم ينجح؟”
يبدو أنه رأى كلّ ما فعلتُه مع الحارس سابقًا.
كم هذا محرج! لو كان قد رآني، كان من الأفضل أن يتجاهل الأمر بدلًا من مواجهتي بهذا الشكل.
شعرتُ بالضيق وتمتمتُ بإزعاج.
“ألم يخطر ببالكَ أن تأخذني حين رأيتَ ذاك؟”
“لأنكِ ثمينة. لأنني لا أريدكِ أن تتعرّضي للمزيد من المخاطر.”
“……”
ردّه الجاد جعلني أشعر بالحرج ولم أعرف كيف أرد.
‘إنه محترفٌ في تجنّب المواقف، محترفٌ بامتياز.’
عندما دقّقتُ في الأمر، أرى أن إيشيد يتمتع بقدرةٍ استثنائيةٍ على تجاوز الأزمات.
دائمًا ما كان يفلت من مواقفي المحرجة ببراعة، مثل ثعبان الماء.
لكن لماذا لا يخطر ببال أحدٍ أنني جئتُ إلى هنا بسبب الغيرة؟
لا الإمبراطور ولا حتى إيشيد.
أنا لستُ تلك المحققة الصغيرة التي تندفع نحو القضايا مثل فراشةٍ تحترق في النار.
أزعجني أنهم يعاملونني كطفلةٍ صغيرةْ غير ناضجة …
… بالطبع، لم تكن كذبةً كاملة، لذا لم أستطع إنكارها.
“حسنًا.”
“سيدة شاتيريان!”
كانت أنيلا هي مَن تدخّلت في الوقت المناسب لتفصل بيننا.
أنيلا، التي لم تعد قادرةً على مغادرة القصر الإمبراطوري، كانت ترسل لي رسائل عبر إيشيد لتطمئن علي.
الرسالة التي كانت أوراقها مجعدةً في بعض الأماكن أظهرت بوضوحٍ مدى قلق أنيلا عليّ.
“سمعتُ من القائد أنكِ عدتِ إلى العمل. هل أنتِ بخير؟”
“نعم. لكن ماذا كنتِ تفعلين هنا؟”
عندئذ، زمّت أنيلا شفتيها كما لو أنها نسيت شيئًا.
“حقًا… لا تسأليني. لم أقابل شخصًا عنيدًا مثل قائد الفرسان من قبل.”
“ماذا؟”
بدا الجو جيدًا للتوّ …
لكن يبدو أن أنيلا رأت أن هذه فرصتها لتفريغ كلّ استيائها من إيشيد.
كانت شكواها تدور حول أنه شخصٌ لا يفهم الكلام، ولا يعبّر عن مشاعره، ويبدو دائمًا بوجهٍ ممل.
من المدهش أن أنيلا تجرّأت على قول كلّ هذا أمامه، والأكثر إثارةً للإعجاب أن إيشيد استمع إليها حتى النهاية دون أن يقاطعها.
“لماذا تزوّجتي بشخصٍ مثله … أنتِ تستحقين الأفضل، سيدة شاتيريان!”
“يبدو أن القديسة لا تعرف معنى الزواج. الزواج هو طقسٌ مقدّسٌ بين شخصين يحبّان بعضهما بعضًا.”
قال إيشيد ذلك بفخر، وكأننا تزوّجنا بسبب الحب.
لم تستطع أنيلا الرّد وغضبت، بينما نظرتُ إليه بنظرةٍ حائرة.
لماذا تتفاخر؟ نحن لم نتزوّج بسبب الحب أو اهتمامٍ مشتركٍ ببعضها البعض.
كان لدينا اهتمامٌ مشتركٌ من خلال الوثائق فقط.
تنهدتُ قليلاً وأنا أشاهدهما يتشاجران كما لو أنهما لن يستسلما أبدًا.
هذا لن ينفع. سينتهي بهما الأمر إلى شجارٍ قريبًا.
حاولتُ تحويل الموضوع بسرعةٍ ونظرتُ إلى الكتاب السميك الذي كانت أنيلا تحمله.
“ما هذا؟”
“آه! من فضلكِ انظري إلى هذا!”
دفعت أنيلا الكتاب الكبير نحو وجهي.
تحت صورة شجرةٍ ضخمةٍ ملأت الصفحة، كُتبت كلمة ‘شجرة العالم’.
“شجرة العالم…؟”
“نعم! هذه هي شجرة العالم، والمعروفة أيضًا بالشجرة المقدّسة.”
قلبت أنيلا الصفحة بسرعة.
هل أنا الوحيدة التي تشعر بالقلق على معصميها الرقيقين وهي تحمل هذا الكتاب الثقيل؟
“هل نجلس ونناقش هذا؟”
“نعم!”
جلست أنيلا على الفور وبدأت تشرح بحماسٍ دون أن تأخذ نفسًا.
“إذا نظرتِ إلى هذا الجزء، ستجدين أن شجرة العالم تُطهّر كلّ شيءٍ شرير. أي أنها شجرةٌ متخصصةٌ في تطهير السحر الأسود!”
كان لديها سببٌ لكونها متحمسةً جدًا.
‘إنها لطيفةٌ حقًا.’
ابتسمتُ لها بينما كنتُ أتصفّح الكتاب بسرعة.
كنتُ واثقةً من مهاراتي في القراءة السريعة.
صفحةً تلو الأخرى…
“هذا جيد. لكن …”
عندما وصلتُ إلى الصفحة الأخيرة من شرح شجرة العالم، أشرتُ إلى الفقرة الأخيرة من ذلك الفصل بيدي.
“مكتوب هنا: ‘لكن الأشخاص الذين ادّعوا أنهم وجدوا شجرة العالم اختفوا بعد ذلك’.”
كان هناك شرحٌ سابقٌ في الكتاب.
أول مَن اكتشف شجرة العالم كان بحّارًا مشهورًا كشف عن وجود قارّةٍ أخرى.
لم يصدّق أحدًا كلامه عن رؤيته لشجرةٍ عملاقةٍ تحمل السماء، لكن جذور الشجرة التي أحضرها كانت دليلًا يدعم ادّعاءه.
كانت الجذور تمتلك قوّةً غامضة.
إذا وضعتها في نهرٍ ملوث، فإن الماء يصبح نقيًا، وإذا غليتها وأعطيتها لمريض، فإنه يشفى.
لا عجب أن الناس طَمِعوا في هذه الجذور التي سُمّيت الدواء الشافي.
لكن نهاية ذلك البحّار كانت في قاع بئر القرية.
“حسنًا، بالطبع. إذا مات المكتشف الأوّل بهذه الطريقة، فمن الطبيعي أن يتردّد الآخرون في الإعلان عن اكتشافهم.”
لكن بطريقةٍ ما، كنتُ متأكدةً أنه لم يتم العثور عليها بعد ذلك.
أصبحت أنيلا حزينةً عند فكرة أنها قد لا تتمكّن من العثور عليها.
“لكنها موجودةٌ حقًا. ألا يمكننا العثور عليها؟”
“لا أعرف. ربما لو كان هناك شخصٌ قريبٌ من الآلهة…”
“…أنا؟”
سألت أنيلا بتعجّب.
هذا صحيح.
القديسة هي ممثة الإلهة، لذا يمكن اعتبارها أقرب البشر إلى الآلهة.
لكنني أعرف كائنًا أقرب إلى الآلهة منها.
إيشيد، الذي كان في الأصل وحشًا إلهيًا، حتى لو أصبح نصف إنسان.
أو الراكون الذي يتجوّل في كلّ زاويةٍ من قصر الدوق أستريا.
نظرتُ إلى إيتشد الجالس بجانبي.
كان يقلّب صفحات الكتاب الذي فقدت أنيلا الاهتمام به.
“هل تعرف شيئًا؟”
“ليس مستحيلًا تمامًا.”
“حقًا؟”
نسيت أنيلا خلافها معه سريعًا، وعيناها تتألّقان عند سماع أن هناك احتمال.
“إذا رآها إنسان، فهذا يعني أن هناك طريقًا للبشر للوصول إليها.”
“هل تعرف شيئًا؟”
“لا.”
“……”
أصيبت أنيلا بالإحباط.
انظر إليه، يتصرّف بثقةٍ رغم أنه لا يعرف شيئًا!
لكن مع ذلك، كان يتصرّف وكأنه يستطيع العثور على شجرة العالم لو أراد.
نظرتُ إلى أنيلا، وتركتُ إيشيد الذي كان غارقًا في التفكير وهو يقرأ الكتاب خلفي.
“لكن، آنسة أنيلا، هل تحدّثتِ مع أورغون؟”
“ماذا؟ آه…”
آه، هل كنتُ فظّةً جدًا؟
أنيلا، التي كانت تبتسم حتى تلك اللحظة، ذبل وجهها فجأة.
شعرتُ بارتباكٍ شديدٍ وتصببتُ عرقًا غزيرًا وأنا أختلق الأعذار.
“آ-آسفة. كان ذلك فظًّا مني.”
“لا… ليس خطأكِ، سيدة شاتيريان.”
كان خطئي لأنني فتحتُ الموضوع…
بينما كنتُ مرتبكةً بسبب حزن أنيلا، نظر إيشيد إلينا بهدوء. كان غير مبالٍ بأيّ شيءٍ نتحدّث عنه.
“إنه فقط … يبدو أن الأمر انتهى بيننا…”
جعلني صوتها الحزين أشعر وكأنني دستُ على لغمٍ أرضي.
رفعت أنيلا رأسها فجأةً ونظرت إليّ.
“هل ستتوقفين عن اللعب معي الآن؟”
“ماذا؟”
“هذا، لأنكِ من عائلة أورغون …”
كانت تلعب بأصابعها وكأنها على وشك البكاء.
كادت ضحكةٌ أن تفلت مني على هذا المنظر، لكن إيشيد كان أول مَن تحدّث.
“ما علاقة انفصال القديسة عن أورغون بكون شاتيريان من عائلة أورغون؟”
بدت أنيلا، التي كانت تكتم دموعها عندما سأل إيشيد بدافع الفضول، الآن مرتبكةً والتقت عيناي بعينيها.
‘إيشيد، إيشيد …’
منذ أن أعلن لي عن رغبته في أن يصبح إنسانًا، بدأ يسأل أسئلةً كثيرةً عن العلاقات الإنسانية.
كنتُ أعرف الظروف، لذا أعرف أنه مجرّد سؤالٍ فضولي …
لكن أنيلا، التي لا تعرف شيئًا، كانت في حيرة.
كان عليّ أن أرتّب فوضى إيشيد مجددًا.
“نعم، ما العلاقة؟ أورغون هو أورغون، وأنا أنا. لذا لا تقلقي بشأن هذا.”
“سيدة شاتيريان…”
“وهذا سرّ … لكنني أحبّكِ أكثر من أورغون. لذا إذا لزم الأمر، يمكنني قطع علاقتي به.”
قلتُ ذلك بنبرةٍ خفيفة.
“آه، وذلك الحيوان الذي ذكرتُه من قبل. إنه في المنزل الآن، وسأُحضره غدًا.”
“نعم! رائع!”
ضحكتُ مع أنيلا التي استعادت نشاطها.
* * *
مسح فيل العرق الذي كان يتدفّق من جبينه وهو يمشي دون توقف.
كان متأكدًا أنه كان في منتصف صفّ الفرسان، لكنه فجأةً وجد نفسه في المؤخرة، بالكاد يستطيع مواكبة الفرسان الأقوياء.
سبب تسلّق فيل مع الفرسان الآن هو التقرير عن مجموعة محتالين التي وصلت إلى غرفة الاستشارة.
تم نقل التحقيق في المحتالين من وسام الفرسان الأول إلى وسام الفرسان الثاني، لأن إيشيد كان مشغولًا بالتحقيق في ديانةٍ جديدةٍ تستهدف القديسة.
انضم فيل إلى فريق التحقيق لأن كل شيءٍ بدأ من غرفة الاستشارات.
“هاه…”
أطلق فيل تنهيدةً وأخذ نفسًا عميقًا.
ربما
لأنه كان في الجبل، كان الهواء نقيًا ومنعشًا بشكلٍ خاص.
“هذا جميل…”
هذه الشمس، هذا الهواء…
توقّف فيل فجأةً وظهرت عليه صدمة.
هل حقًا قال هذا الهراء للتوّ …؟
صُدم فيل، وتوقّف عن المشي عبر الجبال للحظة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 89"