عجزتُ عن الكلام للحظةٍ أمام هذه الأمنية الثقيلة غير المتوقعة.
أظلمت ملامح وجه إيشيد حين لاحظ تلك اللحظة العابرة.
قلبتُ عينيّ وتجنبتُ نظراته.
“شاتيريان.”
ألحّ إيشيد عليّ كأنه يطلب مني الوفاء بوعدي.
“لكن…”
ابتلعتُ كلماتي أخيرًا أمام عيني إيشيد المفتوحتين على اتساعهما.
لو فكّرتُ في الأمر مليًا، لوجدتُ الإجابة.
طريقة إنهاء إيشيد لعقابه هي بالتوقّف عن التدخّل في حياة وموت البشر.
إذن عندما يحين وقت موتي في هذه الحياة، لا يجب على إيشيد إنقاذي.
إذن، هل من الصواب حقًا أن أحبّ إيشيد بشغفٍ الآن؟
هل سيتمكّن من مشاهدة موت شخصٍ أحبّه دون فعل شيء؟
يبدو أن عقاب إيشيد لن ينتهي في هذه الحياة بل في الأخيرة.
لذا كان هذا الوعد بلا معنى.
لكن يبدو أن إيشيد يريد بأيّ طريقةٍ أن أعدَه بأن أموت بعده.
أخرجتُ زفيرًا عميقًا وأومأتُ أخيرًا موافقة.
لا توجد طريقةٌ لأعيش أكثر من إيشيد، الوحش الإلهي …
لكن إذا كان يريد هذا الوعد حتى باستخدام رصيد الأمنيات، فليكن.
حتى لو أخلفتُ وعدي لاحقًا، لن يكون ذلك خطئي.
كان وعدًا ناتجًا عن عناد إيشيد وحده.
نظرتُ إلى إيشيد الذي بدا غير بشريّ. تنهّدتُ وقلت.
“إيشيد، عادةً في هذه المواقف يقولون ‘أريد أن أصبح إنسانًا’ وليس ‘أريد أن أصبح بشريًّا’.”
كل ما يمكنني فعله الآن هو تعليمه المزيد عن المشاعر الإنسانية.
“حسنًا.”
أومأ إيشيد موافقًا.
كم هو لطيفٌ عندما يكون مطيعًا هكذا!
“إذن لماذا أبكي الآن؟”
“هذا…”
حتى مع أنه هو مَن كان يبكي، لا يعرف سبب بكائه بنفسه.
أبعدتُ يديّ عن وجهه الجاف الآن وقلت.
“هذا شعوركَ وحدك، لذا لا أعرف بالضبط. ربما تشعر بالاستياء لأنني قد أتركك، أو بالقلق لأنني لم أستفق، أو ربما غضبتَ مني فرفضتَ يديّ أولاً.”
عبس إيشيد قليلاً.
“هل المشاعر معقدةٌ هكذا؟”
“نعم. عادةً ما يشعر البشر بالعواطف بطريقةٍ معقدة.”
الإعجاب والبغضاء، الكراهية والحب، أشياءٌ من هذا القبيل
ستكون المشاعر الإنسانية تحدّيًا صعبًا لإيشيد الذي لم يهتم بها من قبل.
عندما رأيتُ إيشيد يعبس قليلًا ويفكّر بعمق، لم أستطع إلّا أن أضحك.
“إذن ماذا يفعل الناس عادةً عندما يشعرون بهذا النوع من المشاعر؟”
“في هذه الحالة؟ همم في هذه الحالة… يجب عليّ مواساتك.”
“كيف؟”
إذا سألتَ ذلك…
كانت عينا إيشيد تنظران إليّ ببريقٍ شديد.
كما لو كان يطلب مني الإسراع وإخباره بالإجابة..
“يختلف حسب الموقف، لكن في حالتنا…”
تشو.
لمست شفتاي خد إيشيد برفقٍ ثم انفرجتا.
ابتسمتُ بارتباكٍ لإيشيد، الذي كان ينظر إليّ رافعًا رأسه الذي كان منخفضًا.
“ما رأيك؟ عادةً ما يخفّف العشّاق غضب بعضهم هكذا.”
“عشّاق…”
أشرق وجه إيشيد وهو يتمتم بالكلمة.
بدا أن المصطلح أعجبه كما أعجبه ما فعلتُه للتوّ.
فجأة، أحاط إيشيد بخصري وجذبني إليه. قلبتُ عيناي أمام تصرفه الذي بات طبيعيًّا أكثر.
“ألستَ تتظاهر بعدم المعرفة حقًا؟”
“ماذا؟”
من أين يتعلّم هذه المهارات؟
ضحكتُ بينما أشعر بشفتيه الناعمتين على شفتيّ.
في النهاية، هذا الشعور بالاستسلام كان حقًا شعور العشّاق الحنونين، أو ربما أكثر – كزوجين محبّين.
***
أعتقد أنه كان لا مفرّ من أن آخذ إجازةً من العمل مؤقتًا بسبب حالتي الصحية.
إلى جانب ذلك، كانت عائلتي قلقةً للغاية على صحتي لدرجة أنني لم أستطع الخروج، وانتهى بي الأمر أعيش كسجينةٍ تقريبًا.
كينغ …
سمعتُ صرخات حيوانٍ حزين.
“هاهاها!”
وصوت طفلةٍ تضحك بسذاجة.
رأيتُ بيفاتشي، ابنة فيل وشينسو الراكون.
ابتسمت بيفاتشي، التي كانت تحتضن الراكون بشدة، كما لو كانت سعيدةً للغاية.
لكن تعبير وجه راكون كان يزداد سوءًا.
ماذا يحدث الآن ……
لقد جاء فيل لزيارتي في العطلة.
وبما أنه كان في إجازة، فقد أحضر ابنته معه، ولسببٍ ما، أحضر معه شينسو الراكون.
عندما نظرتُ إليه كأنني أسأله عن سبب احتفاظه به، قال فيل محرجًا.
“كنتُ عائدًا إلى المنزل بعد العمل في اليوم الأول، لكنني شعرتُ بالأسف لتركه وحيدًا في المكتب. لذا أخذتُه إلى المنزل، وقد أُعجِبت بيفاتشي به كثيرًا.”
“آه، إذن كان معك في المنزل كل هذا الوقت؟”
“نعم، إنه يفهم الكلام جيدًا وسريع البديهة… ظننتُ أنه متمرّدٌ مثل الرئيسة، لكنه لا يستطيع المقاومة أمام بيفاتشي.”
أعتقد أن هناك شيئًا ما كان مزعجًا في كلمات فيل الآن. ..…
نظرتُ إليه بعينين واسعتين ثم التفتُّ إلى ضحكات بيفاتشي.
قد يبدو الراكون طبيعيًا للآخرين، لكنني رأيتُ تعبيره البائس بوضوح.
‘أيّتها البشرية، أنقذيني!’
أرسل لي الراكون إشارات استغاثة.
تجاهلتُ نظراته بسهولة.
لماذا تُصدر الأوامر بينما عليكَ أن تحني رأسكَ عندما تطلب معروفًا الآن؟
أدرك الراكون أنني لا أنوي مساعدته، فنظر حوله وقفز من بين ذراعي بيفاتشي.
ركضت بيفاتشي الصغيرة خلفه وهي تمشي بخطواتٍ غير ثابتة.
“سوف تسقطين، بيفاتشي!”
“آآه …”
لم تسمع الطفلة المهووسة بالراكون كلام أبيها.
عندما كادت الطفلة غير المتوازنة أن تسقط على السجادة، كان الراكون هو مَن أمسك بها.
رغم تظاهره بالكراهية، يبدو أنه لا يكرهها تمامًا.
‘يا له من متصنّع!’
رفعت بيفاتشي الراكون بين ذراعيها، بينما أطلق هو تنهيدةً لم يسمعها سواي.
يا لها من منظر، طفلةٌ بشريّةٌ تمسك بوحشٍ إلهيٍّ كلعبةٍ ممتعة!
هززتُ رأسي والتفتُّ إلى فيل.
“فيل، كيف حال ماسيتيكي هذه الأيام؟”
“ماسيتيكي؟ إنه بخير.”
بدا فيل مرتبكًا لسؤالي المفاجئ.
“لا، أقصد، هل لاحظتَ أيّ تغييرٍ فيه؟”
“تغيير؟ حسنًا… منذ عودته إلى قسم الشكاوى، كان غريبًا بالفعل … أنتِ تعرفين ذلك.”
رمشتُ عند سماع كلمات فيل التي بدت واثقةً جدًا.
“أنا لا أعرف…”
“هاه؟ لماذا؟”
نظر فيل إليّ باستغرابٍ كما لو كان من المفترض أن أعرف.
“هل يجب أن أعرف؟”
“نعم، يجب عليكِ. لقد تغيّر كثيرًا.”
ماسيتيكي تغيّر؟ كيف؟
كانت هذه أوّل مرّةٍ أسمع فيها عن ذلك.
“حسنًا، عامان ليسا وقتًا قصيرًا، لن يكون غريبًا أن تتغيّر شخصيته في تلك الفترة.”
“كيف تغيّر تحديدًا؟”
“هاه؟ همم … من الصعب تحديد ذلك.”
“فكر في الأمر مليًّا. لا بد أن هناك سببًا لشعوركَ هذا.”
انزعج فيل من إلحاحي.
بعد تفكيرٍ قصير، قال “آه!” وكأنه فهم.
“أصبح أقل لطفًا.”
“ماذا؟”
“إن كان في السابق مهذبًا ومشرقًا بشكلٍ مفرط… بات الآن مهذّبًا بشكلٍ معتدلٍ ويحافظ على مسافةٍ من الناس.”
كانت إجابته غامضة.
“أليس هذا إحساسٌ شخصي؟”
“كلّ شخصٍ يشعر به بشكلٍ مختلف. وأيضًا، لم يعد يضحك كثيرًا. كأنه فقد شيئًا وأصبح غير مبالٍ بالحياة.”
كيف لم ألاحظ ذلك؟
“لم أكن أعرف أبدًا…”
حسنًا، من الطبيعي أن لا أعرف، لقد كنتُ مشغولةً تمامًا بعد عودته.
“من الطبيعي ألّا تعرفي أكثر مني، فأنا دائمًا بجانبه.”
بينما كنتُ أستمع إلى فيل، فكّرتُ في ماسيتيكي، لكن مهما فكّرتُ فيه، لم يكن هناك شيءٌ غير عادي.
‘ربما بدا أكثر حزنًا من ذي قبل …’
“فيل، هل أخبركَ ماسيتيكي عما يفعله في إجازاته؟”
“لا، قال أنه سيأخذ إجازةً عند الضرورة فقط… هل هناك مشكلة؟”
“لا، ليس كذلك.”
أجبتُ بحزم.
في الوقت الحالي، لم تكن هناك سوى أدلّةٍ ظرفية، لذا لم أعتقد أنني سأثير شكوكًا لا داعي لها.
“بالمناسبة، الوضع سيء. سُمعة القديسة أصبحت سيئةً بعد الحادث.”
تنهّد فيل وقال.
“لماذا؟”
“بعد انفجار الساحة، كان هناك أكثر من مائة ضحية. يقول البعض أن الحادث استهدف القديسة، ولولاها لما حدث.”
“يجب أن يلوموا المفتعلين لا القديسة.”
لا أفهم لماذا يلقون باللوم على شخصٍ آخر.
“من وجهة نظرهم، فهو خطأ القديسة. لهذا السبب يوجد الكثير من الناس الذين يحتجّون ويطالبون القديس بالعودة إلى المعبد بسرعة.”
“ماذا؟”
“أخشى أن تحدث أعمال شغبٍ إذا استمرّ هذا الوضع. أصبح الطريق إلى العمل مخيفًا هذه الأيام.”
لا أعرف كيف وصل الأمر لهذا الحد.
شعرتُ بخطورة التغيير المفاجئ في نظرة الناس لأنيلا.
“هل عرفوا هوية المهاجمين؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 84"