قرّرتُ الذهاب لشُكر جيف ومناقشة فكرة المنتج الجديد معه.
بعد أن ثرثرت أختي طويلاً، غادرت أخيرًا.
“كيرين، أين إيشيد؟”
الآن بعد أن غادرت أختي، حان الوقت للبحث عن زوجي المفقود.
“في مكتبه، سيدتي.”
“حقًا؟ حسنًا.”
“سيدتي، هل يجب أن تنهضي فور استيقاظك؟”
“لا بأس، لا تقلقي.”
على الرغم من محاولات كيرين لإبقائي في السرير، نهضتُ وتوجّهتُ نحو مكتب إيشيد.
لكنه لم يكن هناك.
“أين ذهب…؟”
تمتمتُ وبدأتُ أبحث في الأماكن التي قد يكون فيها.
أولاً المطبخ، ثم صالة التدريب، ثم الحديقة.
أصاب جسدي الضعيف الإرهاق بعد البحث في أربعة أماكن فقط.
“أين اختفى؟”
حاولتُ كبح غضبي المتصاعد، ثم دخلتُ المطبخ وشربتُ الماء بسرعة.
في تلك اللحظة، دخلت كيرين حاملةً سلّة غسيل وسألتني.
“سيدتي، هل قابلتِ الدوق؟”
“لا. ألم يخرج من القصر؟”
هزّت كيرين رأسها بحيرة.
“لا، لقد رأيتُه في المكتب قبل قليلٍ أثناء نزولي.”
“ماذا؟”
وضعتُ الكوب وعُدتُ مسرعةً إلى المكتب.
لكن كما توقعت،
كان المكتب خاليًا، لا أثر حتى لشعرةٍ واحدةٍ من إيشيد.
الآن فهمت. إنه يتجنّبني عمدًا.
“هل هذا الرجل يتجنّبني الآن؟”
عندما نظرتُ إلى المكتب الفارغ وغضبتُ، بدأت كيرين، التي كانت تتبعني، فجأةً بالانحياز إلى إيشيد.
“ربما لديه أعمالٌ مهمة.”
“إذا كان مشغولًا، فليكن في مكتبه!”
“ربما يحتاج لبعض الوقت وحده.”
هل الرجل …… ؟ نظرتُ إلى كيرين، التي كانت تدافع عن إيشيد باستمرار، وكأن الأمر غريب.
“لماذا تدافعين عنه فجأة؟”
“هذا ليس غريبًا.”
هزّت كيرين كتفيها بلا مبالاةٍ عند نظرتي غير المصدقة.
“كفى تجولًا واستلقِ بهدوء.”
دفعتني كيرين، التي عادت إلى طبيعتها، للخلف، وكأن فرحة استيقاظي قد اختفت.
كنتُ غاضبةً بعض الشيء، لكنني ظننتُ أن لإيشيد سببًا لذلك، فقرّرتُ أن أتجاهل الأمر هذه المرّة واستدرتُ.
لكن حتى مع حلول الليل، لم يعد إيشيد إلى الغرفة.
‘لنرَ كم من الوقت ستتجنّبني.’
صررتُ على أسناني من الغيض.
كنتُ أخطّط للبقاء مستيقظةً حتى يدخل إيشيد، لكنني سرعان ما شعرتُ بالنعاس ونمت، وشعرتُ بفراغ المقعد بجانبي.
كم من الوقت نمتُ فيه؟
شعرتُ بشيءٍ يدغدغ وجهي، واستعدتُ وعيي ببطء. ظهرت ظلالٌ ثم اختفت فوق جفوني المغمضة.
فتحتُ عينيّ ببطء، فرأيتُ شكل إيشيد الضبابي عبر رؤيتي المشوشة.
“إيشـيد …؟”
“هل أيقظتُكِ؟ استمري في النوم.”
ربّتت يده الكبيرة على صدري بلطف.
عندما أغلقتُ عينيّ وفتحتُهما مرّةً أخرى، كان الظلام لا يزال يخيّم في وقت الفجر.
بعد أن استيقظتُ تمامًا، رأيتُ الشرفة مفتوحةٌ قليلاً.
يبدو أن صاحب الفراش الفارغ كان هناك.
نهضتُ ببطء واتجهتُ نحو الشرفة. وكما توقّعت، كان إيشيد هناك.
“ماذا تفعل؟”
نظرتُ إليه وهو يجلس على الشرفة بجوٍّ حزين.
لماذا لم يكن نائمًا في هذا الوقت من الصباح الباكر؟
“إيشيد.”
على الرغم من ندائي، استمر في التحديق للأمام، ثم التفت أخيرًا.
عندما رأيتُه، شعرت بالاستياء أكثر من الغضب.
“إذا كانت لديكَ شكوى، فقُلها. لماذا تتجنّب الناس؟”
تذمّرتُ واقتربتُ من إتشد وجلستُ على المقعد الفارغ بجواره.
من الشرفة، كانت الحديقة المقفرة تبدو أكثر كآبةً تحت ضوء القمر الأزرق.
“أنا آسف.”
جعلني اعتذاره المفاجئ أنظر إليه. لكن يبدو أنه لم يعتذر لتجنّبه لي طوال اليوم، لأن تعابير وجهه كانت مليئةً باللوم الذاتي.
“لا بأس … أنتَ لم تتسبّب في الانفجار…”
مَن كان يعلم أن المهاجمين سيطلقون طلقةً أخيرة؟
في تلك اللحظة، بدا إيشيد رائعًا لإنقاذي رغم انفجار القنبلة.
“بينما كنتِ غائبةً عن الوعي، الكثير من الناس زاروا القصر.”
بالطبع. بالنظر إلى رد فعله، هو وعائلتي…
لا بد أنهم استدعوا كلّ الأطباء في الإمبراطورية لفحصي.
“قال جميع الأطباء أنكِ بخير، لكنهم لم يعرفوا سبب عدم استيقاظكِ.”
“حقًا؟”
“لم يعرف أحدٌ السبب، لكن طبيبًا واحدًا منهم … قال شيئًا مختلفًا.”
نظر إليّ إيشيد، الذي توقّف للحظة، مباشرةً في عينيّ وأخذ نفسًا عميقًا.
“سبب عدم استيقاظكِ هو أنكِ لم ترغبي في الاستيقاظ.”
حدّق بي إيشيد وكأنه يسألني إن كان ذلك صحيحًا.
“……”
لم أستطع الإجابة بسهولة.
ببساطة، كنتُ في فاقدةً للوعي حينها، لذا لم يكن لديّ أيّ أفكار.
لكن سبب عدم قدرتي على الإجابة بسهولة …
هو أنني في ذلك العالم اللاواعي حيث رأيتُ الذئب، شعرتُ بالخدر ورغبتُ في البقاء هناك.
بالتحديد، لم أكن أرفض الاستيقاظ، لكن كلما بقيتُ هناك، زاد خدر عقلي.
“شاتيريان.”
نظر إليّ إيشيد بوجهٍ غريبٍ عندما لم أُجِب. كن وجهه وكأنه يسألني إن كنتُ حقًا رغبتُ في عدم الاستيقاظ حتى الآن.
“ربما…”
في عالم اللاوعي، كنتُ عاجزة.
ربما كان هذا ما شعرتُ به حقًا.
“هل … هل فكّرتي حقًا في عدم الاستيقاظ أبدًا؟”
بدا وجهه الذي يسألني الحقيقة كشخصٍ جرفه سيلٌ من العواطف.
“أنا … لا أعرف…”
“هل … هل فكّرتي حقًا في تركي وترك هذا العالم؟”
“لماذا تبالغ؟”
قلتُ له ألّا يتسرّع في الاستنتاجات. لكن، بدا إيشيد، الغارق في أفكاره، غير راغبٍ في الاستماع إليّ.
وفي اللحظة التالية، أصبتُ بالذهول.
لأن إيشيد بدأ في ذرف الدموع.
“إ-إيشيد…؟”
إيشيد يبكي؟
لم أجد أيّ سببٍ في حديثنا يجعل بكاءه منطقيًا.
لا، إن كان هناك جزءٌ واحدٌ أستطيع تخمينه..
كان الجزء الذي يعتقد أنني رغبتُ في تركه وعدم الاستيقاظ أبدًا.
كان وجهه عديم التعبير د يذرف دموعًا رقيقة، مما جذب انتباهي بشدة.
“أنتَ تبكي…”
مددتُ يدي لأمسح دموعه، لكن إيشيد تراجع قليلًا ليتجنّب يدي.
تجهّم وجهي عند رؤية ذلك.
لكن هل سأستسلم لمجرّد أنه تجنّبني؟
لم أكن من النوع الذي يتراجع بسهولة.
ابتعد إيشيد خطوتين عني، لكني تقدمت أربعًا.
لم يكن هناك شيءٌ اسمه التراجع من أجل المُضِيّ قُدُمًا.
الآن وعدتُ إيشيد بأنني سأمضي قدمًا فقط.
وقفتُ أمامه، محاصرةً إياه حتى لا يهرب.
وحذّرتُه بصوتٍ منخفضٍ عندما حاول الابتعاد مرّةً أخرى.
“ابقَ ساكنًا. وإلا سأغضب حقًا.”
هل يداي جرثومة؟ لماذا تحاول تجنّبي هكذا؟
منع إيشيد جسده من التراجع عند كلماتي. حينها فقط استطاعت راحة يدي أن تلمس وجهه الملطخ بالدموع.
وبينما كنتُ أمسح دموعه بإبهامي، أسند إيشيد وجهه على يدي.
لا بد أنه كان قلقًا للغاية، دفن أنفه في راحة يدي وأخذ نفسًا عميقًا.
هل يمكن لشخصٍ أن يصبح غير مستقرٍّ إلى هذا الحد في عشرة أيامٍ فقط؟
يبدة كجروٍ يعاني من قلق الانفصال.
انتظرتُ أن تهدأ مشاعر إيشيد المضطربة قليلًا وأنا أفكّر في مثل هذه الأفكار العبثية.
سرعان ما توقّفت دموع إيشيد ببطء.
“شاتيريان، لقد طلبتِ مني التوقف عن قبول العقاب.”
سألني بصوتٍ أجشٍّ بسبب البكاء.
تذكّرتُ محادثتنا في ذلك اليوم في دوقية أستريا. أومأت برأسي قليلاً قائلة “نعم”.
“إذا توقّفتُ عن قبول العقاب … حينها أريد أن أصبح بشريًّا، لا وحشًا إلهيًّا، أريد أن أفعل ذلك.”
“بشري؟ لا وحشًا إلهيًّا كاملاً؟”
لم يسعني إلّا أن أستغرب الكلمات التي خرجت من فم إيشيد.
كان من المدهش أنه قال إنه سينهي عقابه، لكنه لا يريد العودة إلى كونه شينسو، بل سيظلّ إنسانًا.
“حياة البشر قصيرة. يموتون بسهولة.”
“أعرف.”
“ومع ذلك، تريد أن تصبح بشريًّا وليس وحشًا إلهيًّا؟”
“نعم. أريد أن أصبح بشريًّا.”
كان إيشيد حازمًا. يبدو أنه عقد العزم حقًا على أن يصبح بشري.
“لا أريد أن أُترك وحيدًا مرّةً أخرى.”
غمرتني مشاعرٌ ثقيلةٌ عند سماع هذه الكلمات.
إذا قرّر إيشيد ألّا ينتظر تجسّد روحي، فهذا جيدٌ لي.
لن أشعر بهذا الذنب الثقيل بعد الآن.
“لديّ الحق في أن أطلب منكِ أمنية.”
“ها… هل ما زلتَ تتذكّر ذلك؟”
كانت هذه الأمنية التي تلقاها إيشيد مني عندما أسستُ وزارة
الرعاية.
كيف يتذكّر شيئًا من ذلك الوقت ولا ينسى المطالبة به؟
لكن بما أنني وعدتُه، لا يمكنني تجاهل طلبه.
نظرتُ إلى إيشيد بشعورٍ مرتبك.
“ما هي أمنيتُك؟”
نظر إليّ إيشيد مباشرة.
“لا تتركيني وحيدًا وتموتي.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 83"