***
كان إيشيد يتدخل في حياة البشر وموتهم في كلّ مرّة، وبسبب ذلك كان لا يزال يُعاقَب من قِبَل الآلهة.
عاش مئات السنين في حالةٍ غير مستقرة، لم يكن كشينسو ولا كإنسان، يحمل عبء الزمن وحيدًا.
لكن خلال كلّ تلك السنوات العديدة، لم يخطر ببال إيشيد أبدًا أن ينقذهن بنفسه.
ربما لأنه أساسًا وحشٌ إلهي لا يفهم مشاعر البشر.
لم يكن إيشيد لينقذهم إلّا إذا توسّلوا له لإنقاذ حياتهم.
لم يكن هناك سببٌ خاص، لكنه عاش دائمًا بهذه الطريقة.
كان هذا أشبه بتعايشٍ غير معلن.
أيام، مئات، آلاف الأيام مرّت حتى الآن.
لأوّل مرّةٍ في حياته، راودت إيشيد فكرة رغبته في إنقاذ شاتيريان.
ما الفرق بين شاتيريان الحالية وأولئك الذين ولدوا من جديدٍ من قبل؟
لم يكن إيشيد يعرف الإجابة المؤكدة، لكنه عرف الحل.
ربما لأن المشاعر التي شعر بها تجاه شاتيريان كانت مختلفة قليلًا عن مشاعره تجاه الآخرين.
ربما نشأ بداخله مفهوم ‘الارتباط’ الذي يمتلكه البشر العاديون.
كان هذا تغييرًا كبيرًا جدًا بالنسبة لإيشيد.
إيشيد الذي لا يعرف حتى شعور الخوف، ابتلعته الجزع من أن شاتيريان قد لا تفتح عينيها إلى الأبد.
نظرة إيشيد لشاتيريان كانت تتّجه نحو أعماقٍ لا قاع لها، هُوَةٌ لا نهاية لها.
لذا أرجوكِ، استيقظي.
لأوّل مرّة، شعر إيشيد بأنه يريد أن يتوسّل إلى الآلهة لإيقاظ شاتيريان.
استمر هذا الشعور الكئيب في نهش قلبه.
رغم أنه لم يدرك تمامًا ما كان هذا الشعور.
***
هذا الإحساس بالطفو في الهواء… كنتُ أعرفه جيدًا.
“ماذا تريدين هذه المرة؟”
أصبحتُ الآن معتادة جدًا على هذا الإحساس الذي يأتي عند الحديث مع كائنٍ متسامي.
هذه المرّة أيضًا، انطلق من فمي سؤالٌ غاضبٌ عما إذا كان لديها أمرٌ ما حتى استدعتني.
لكن لم يأتِ أيّ ردٍّ في المقابل.
“هل من أحدٍ هنا؟”
سألتُ مرّةً أخرى، لكن مجددًا لم يكن هناك رد.
ما هذا؟ ما الأمر؟
بغض النظر عن عدد المرات التي ناديت، لم يعد أيّ صوتٍ في المقابل.
هل هي غير موجودةٍ هنا الآن؟
استدعتني بينما غير موجودة…
ضحكتُ بتعبيرٍ غير مصدّق.
“هل هكذا تعاملون البشر؟!”
صرختُ غاضبة، ثم استسلمتُ بصمت.
توقفتُ عن البحث عن الوجود وبدأتُ أخطو ببطء.
نعومة …
كانت الأرض التي أسير عليها ناعمةً لدرجة أنني شعرتُ وكأنني أمشي على السحاب.
تسائلتُ إن هذا هو حلم اليقظة الذي سمعتُ عنه فقط.
“أتراقبينني الآن من مكانٍ ما؟”
سألتُ إن كان هناك سببٌ لفعلها هذا، لكني ظللتُ أثرثر لنفسي.
“آه، لن أتكلم بعد الآن.”
بدا أنها لا تنوي الظهور أمامي اليوم.
إذن ما سبب استدعائي؟
بينما كنتُ أسير في طريقٍ لا نهاية له، كنتُ أفكر، لكن لم تأتِ أيّ إجابة.
فقط هكذا، بلا توقف.
استمررتُ في التقدّم إلى الأمام.
في وقتٍ ما، بدأ الضباب الكثيف يملأ الطريق.
أصبحت المحيطات أكثر ظلمة، حتى أنني لم أعد أستطيع رؤية شيءٍ على بعد شبر.
تُهت في الظلام. لكن بغض النظر عن كم تجولت، لم أجد مخرجًا.
إلى أين يجب أن أذهب لأجد المخرج؟
لكن هل يوجد مخرجٌ هنا أصلاً؟
فقط ظلام، ظلام، ظلام.
كلما اعتدتُ على الظلام، وصلتُ إلى فكرة أن البحث عن مخرجٍ أصبح بلا معنى.
أصبح الظلام الذي بدا مخيفًا بعض الشيء الآن مريحًا، وكأنه مأواي.
ثم فجأة، خطرت لي هذه الفكرة.
ما الذي أفعله هنا الآن؟
يبدو أنني كنتُ أبحث عن شيءٍ ما بلهفة…
بدأتُ أشعر بأن كلّ شيءٍ يدخل في حالةٍ من الهدوء. أصبح رأسي بليدًا، وعندما شعرتُ أنه لا بأس بأيّ شيء…
في الظلام، لمعت نقطتان.
في اللحظة التي ظننتُ فيها أن هذه النقطتين تشبهان عيون حيوان، بدأ الضوء يتجمّع ويكوّن شكلًا.
كان حقًا حيوانًا. بل ذئبًا يبدو متعجرفًا جدًا.
كانت اللحظة التي التقت فيها عيناي بعينيه اللامعتين بفخر قصيرة.
استدار الذئب وأومأ برأسه كما لو كان يقول لي أن أتبعه.
“أتريدني أن أتبعك؟”
أومأ الذئب برأسه كما لو أنه فهم كلامي.
ضحكتُ من ذكائه، لكن قدمي كانت ثقيلةً جدًا ولم أستطع اتّباعه.
بينما كنتُ أعاني مع ساقي التي لا تتحرّك، كان الذئب يحثّني على الإسراع.
بدا الأمر وكأنه يشبه شخصًا أعرفه، مما أدهشني.
…مَن يكون هذا الشخص؟
استمرّت الذكريات الضبابية بالظهور.
شعرتُ وكأن أحدًا ما يحجب ذاكرتي.
مَن كان… ذلك الشخص؟
فجأة، اقترب الذئب ودفع فخدي برأسه.
وفجأة، تذكّرت.
“إيشيد!”
عندما تذكّرتُ إيشيد، بدأ قلبي ينبض بقوة.
ووش–
في تلك اللحظة، تضخّم جسد الحيوان وانبعث منه ضوءٌ قويٌّ يكفي لطرد الظلام.
جلس الذئب في مكانه ولوّح بذيله وسط الضوء.
بدأ الضوء يغمر جسدي بالكامل.
شعرتُ باليقين. اعتقدتُ أنني أستطيع العودة أخيرًا، فأومأتُ للذئب بابتسامةٍ ولوّحتُ بيدي.
ربما قلتُ وداعًا للذئب، الذي كان نصف زوجي الآخر، على أمل أن نلتقي مرّةً أخرى.
***
بدأ وعيي يعود تدريجيًا. لم أفتح عيني فجأة، لم يحدث شيءٌ من هذا القبيل.
لماذا أصبح جفني ثقيلًا جدًا اليوم؟ كان عليّ أن أستمر في إمساك وعيي الذي يحاول أن يغيب.
“…ريان…”
سمعتُ صوت إيشيد بجانبي مباشرة.
‘لقد استيقظت!’
لكن كيف يمكن لصوتٍ أن يخرج وعيناي لم تفتحا بعد؟
تنهّدتُ في داخلي وانتظرتُ حتى يعود وعيي تمامًا.
“لم يكن عليّ ترككِ هكذا…”
كان إيشيد يلوم نفسه، وهذا ليس مثل شخصيته.
كان ردّ فعله جديدًا لدرجة أنني أردتُ سماع المزيد، لكنني شعرتُ بوخزٍ في ضميري عندما أدركتُ أن سبب لومه لنفسه هو أنا.
لكن ماذا يمكنني أن أفعل وأنا لا أستطيع فتح فمي؟
كان عليّ أن أستمر في سماع إيشيد يلوم نفسه.
“ظننتُ أنكِ ستكونين بأمانٍ إذا بقيتِ بجانبي…”
اممم… أردتُ أن أخبره أنني ما زلتُ حيّةً بسبب ذلك.
كنتُ أتذكّر. في لحظة سماع صوت الانفجار المتتالي من خلفي، أمسك إيشيد بيدي وسحبني.
“أنا نادمٌ لأنني لم أُعِدْكِ.”
لكن حتى لو أعادني، لكنتُ قد عدتُ مرّةً أخرى.
بدأتُ أشعر بالضيق الآن. أتمنى أن يتحرّك جسدي ويتوقّف عن هذا.
“بدلاً من ذلك… أودّ أن أحبسكِ.”
هاه ..؟
كنتُ أحاول تحريك يدي، لكنني توقفتُ فجأةً عند سماع ذلك. ظننتُ أنني ربما أخطأتُ السمع، لكن هذا الأمل تحطّم بسبب كلمات إيشيد التالية.
“حيث لا يستطيع أحدٌ رؤيتكِ … حيث لا يمكنكِ مواجهة مواقف خطيرة.”
ماذا… ماذا يقول الآن…؟
نوع هذه الرواية ليس من النوع المظلم!
الآن يحاول البطل الفرعي تغيير نوع الرواية!
“أريدكِ أن تسمحي لي بحبسكِ …”
“هل تعتقد أنني سأفعل ذلك؟”
فتحتُ عيناي.
جسدي الذي كان ثقيلًا للتوّ أصبح خفيفًا كالريشة ونهضت.
نظرتُ إلى إيشيد الذي كان يتفوّه بهذا الكلام الغبي بينما كنتُ فاقدةً الوعي بنظرةٍ مليئةٍ بالدهشة.
نظر إيشيد إليّ ببرودة عندما نهضتُ فجأة.
عندما رأيتُ عينيه، هدأ غضبي الذي كنتُ على وشك تفجيره في الحال.
“ما هذا… هل كنتَ تعرف أنني مستيقظة؟”
أومأ إيشيد برأسه موافقًا دون تردّد.
هل قال كلّ ذلك وهو يعرف أنني مستيقظة؟
أصبحتُ أكثر حيرة.
“هل من المعقول أن تحبس إنسانًا وكأنه شيء؟”
“…كانت مزحةً لأنكِ لم تستيقظي.”
“لا تمزح. كان هناك بعض الجدية في كلامك.”
تحت ضغطي، أومأ إيشيد برأسه مجددًا على مضض.
نعم. لا تحاول خداع أحد.
ربما لو لم أستيقظ، كان إيشيد سيجبرني على الموافقة ثم يحول نوع هذه الرواية إلى نوعٍ مظلم.
لقد عدتُ للتوّ من رؤية الذئب بمزاجٍ جيد، ثم ظهر إيشيد بهذا الشكل، يبدو أن لمّ الشمل المؤثر قد ذهب أدراج الرياح.
تذكّرتُ الذئب الذي رأيتُه في الحلم.
في ذلك الوقت، لم أستطع تذكّره جيدًا، لكن الآن استطعتُ تذكّره بوضوحٍ لدرجة أنني تساءلتُ كيف لم أدرك ذلك من قبل.
من الواضح حقًا أن تلك المساحة كانت تحجب أفكاري.
لقد رأيتُ ذلك الذئب من قبل. لم تكن هذه المرة الأولى.
إذا أردتُ ذِكر ذكرى حديثة…
لحظة وقوع حادث المرور الذي يطلق عليه عادةً شاحنة الولادة
من جديد.
مثلما حدث سابقًا، عندما كنتُ ضائعةً وتائهة، كان ذلك الذئب هو الذي قادني من الظلام إلى النور.
تنهّدتُ بعمق.
اليوم فقط عرفت.
أن إيشيد هو الذي أحضرني إلى هنا.
أنه كان مقدّرٌ لنا أن نلتقي مرّةً أخرى.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 81"