* * *
كان سباق الجري من الألعاب غير الشعبية في الإمبراطورية، لذا كان من المفترض أن يكون عدد المشاهدين محدودًا.
لكن اليوم، كان الملعب مزدحمًا بالجماهير بسبب الشائعات عن ظهور متسابقٍ جديدٍ في التصفيات أمس.
وبعد مشاهدة السباق، اتضح أن الشائعات لم تكن مبالغًا فيها.
انطلق المتسابقون مع إطلاق إشارة البداية، وكان أليكس، المتسابق المذكور في الشائعات، الأبرز بينهم.
تفوّق على الجميع بفارقٍ كبير، لدرجة أنكَ بالكاد ترى قدميه تلامسان الأرض.
بدا فوزه في النهائي حتميًّا بعد تصدّره جميع التصفيات …
إلى أن اصطدم بمنافسٍ قبيل النهاية وسقط.
ملأ التذمّر الملعب، واختلطت أصوات المتعاطفين معه بالمنتقدين.
رغم أنه كان بإمكانه الاستسلام، نهض أليكس فجأةً وبدأ الجري مرّةً أخرى.
تجاوز المتسابقين واحدًا تلو الآخر، من المركز الأخير إلى العاشر، ثم الخامس …
واستمرّ في التقدّم بهدوءٍ حتى تفوّق على المتصدّر قبل خط النهاية مباشرةً واحتلّ المركز الأول.
تحوّلت آهات الجمهور إلى هتافاتٍ عاليةٍ ملأت الملعب مع كلّ تقدّمٍ له.
“واااه…!”
انضممتُ للتصفيق الحادّ الذي انهمر كالرعد، واقفةً من مقعدي بحماس.
شعرتُ بإثارةٍ نادرةٍ جعلت قلبي ينبض بقوّة.
“إيشيد، هل رأيتَ ذلك؟ فاز بفارقٍ ضئيل! أليس ذلك رائعًا؟”
صفعتُ إيشيد الذي وقف بجانبي بسعادة.
لم أستطع تصديق كيف فاز بعد سقوطه!
“يبدو أن لقب الأسرع في الإمبراطورية لم يكن مبالغًا فيه!”
حاولتُ معرفة رأيه، لكن السؤال علق في حلقي.
كان إيشيد يحدّق في الملعب بتعبيرٍ خالٍ أكثر من المعتاد.
ربما لم يفهم سبب حماسة الجمهور.
حاولتُ شرح الأمر له بصبر، كما لو كنتُ أُعلِّم طفلًا.
“عندما ينجح شخصٌ في شيءٍ يبدو مستحيلًا، يعبّر الناس عن إعجابهم بقولهم ‘هذا مذهل’ أو ‘أصابتني القشعريرة’ أو ‘أشعر بالإلهام’.”
أومأ إيشيد كأنه فهم، ثم نظر إليّ فجأةً وسأل.
“وماذا عن كلمة ‘رائع’؟”
هل كان ذلك بسبب تعليقي السابق؟
“تُستخدم كثيرًا أيضًا! رغم أنها تصف المظهر غالبًا، لكنها تُقال أيضًا عند التصرّف بلباقة.”
في هذه الحالة، كان ما فعله مستحيلًا ورائعًا.
قاطعتنا أنيلا فجأة.
“لكن أليكس وسيمٌ أيضًا، أليس كذلك؟ شكله جذّابٌ وشخصيته تبدو لطيفة!”
“هذا صحيح.”
أومأتُ موافقة. رؤية المتسابق يبكي من الفرح وهو ينحني للجمهور أذابت قلبي.
“حسنًا، فهمت…”
أثار صوت إيشيد الهادئ فضولي، لكنني لم أسأل.
تعبيره الخالي من المشاعر وهو يحدّق في الملعب كان كحيوانٍ يركّز على فريسته.
‘هل يُخطط لشيءٍ مؤذٍ؟’
كان عليّ إيقافه عند الشك. لكن ندمي جاء سريعًا.
* * *
تجاوز الحصان رقم 5 عقبةً أخرى كقطارٍ مسرع.
مع كلّ هتافات الجمهور، كان يتخطّى عقبةً تلو الأخرى في سباقٍ مثاليٍّ بلا أخطاء.
بعد فوزه بالمركز الأول في سباق الخيل السابق، كان هذا انتصاره الثاني على التوالي.
بدون مفاجآت، كان من الواضح أنه سيفوز بالبطولة الرباعية.
رغم إعجابي بمهارته الفائقة … شعرتُ بعدم ارتياحٍ غريبٍ طوال الوقت.
المسافة بين الملعب والمدرّجات كانت كبيرة، والخوذة حجبت وجهه، لكن هيئته وأجوائه بدت مألوفة.
‘كأنه إيشيد…’
غادر إيشيد الذي كان بجانبي بالأمس فجأةً اليوم صباحًا بحجّة أمرٍ طارئ، مما زاد من شكوكي.
“أشمّ رائحةً مألوفةً مَن هذا الرجل الغريب…”
ومع ذلك، لم يكن لدى إيشيد أيّ سببٍ للمشاركة في السباق، ولم يكن هناك سببٌ يدفعه إلى ذلك …
كان مجرّد شكٍّ صغير.
استمر هذا الشعور الغريب في مسابقة الصيد التالية.
كانت القواعد بسيطة: اصطد حيوانًا من على ظهر حصانكَ باستخدام القوس.
مع إطلاق إشارة البداية، انطلق المتسابقون نحو الجبل.
كان لديهم أربع ساعاتٍ قبل غروب الشمس.
استمتعنا بفترة استراحةٍ مع الشاي.
كل ما كان علينا فعله هو الجلوس وانتظار اللاعبين الذين سيعودون لاحقًا.
“بالمناسبة، ما الأمر الطارئ الذي جعل إيشيد منشغلًا؟”
سألتُ يوريل، المرافق المؤقت ليومٍ واحد.
“لا أعرف التفاصيل. سمعتُ الخبر فجأة.”
حتى أنه قال ‘سمعتُ’! كنتُ قلقةً من أن يحدث شيءٌ لإيشيد، لكنني تذكّرتُ أن هذا إيشيد.
‘القلق على إيشيد رفاهية!’
نقشتُ ذلك في ذهني كشعار.
“قديسة، هل ستعودين إلى المعبد بعد المهرجان؟”
“نعم، على الأرجح.”
“لديّ حيوانٌ تحت رعايتي المؤقتة. هل يمكنكِ الزيارة ورؤيته قبل المغادرة؟ لدي طلبٌ أيضًا.”
“حقًا؟ إذا كان طلبًا من السيدة شاتيريان، فسأفعل. أريد حقًا رؤية الحيوان الذي هو تحت رعايتكِ.”
“شكرًا لكِ على قولكِ ذلك.”
هذا جيد. بحلول نهاية المهرجان، ستنتهي تحقيقاتنا تحت الأرض، وسيكون تسليم الراكون لأنيلا فكرةً جيدة.
إذا كان الأمر متعلّقًا بالمعبد، فإن أنيلا ستكون أفضل مني بكثير، لأنها من تلك المنطقة.
بالتفكير في الأمر، لقد طلبتُ للتوّ من فيل إعداد وجبة الشينسو.
أتمنى أن يستمع الشينسو إلى فيل …….
“لقد عاد المتسابقون!”
بينما كنا نتحدث هكذا، عاد المتسابقوز الذين أمسكوا بفرائسهم إلى الثكنات واحدًا تلو الآخر.
“هل ننهض أيضًا؟”
نهضنا ونظرنا إلى الحيوانات التي أمسك بها المتسابقون. من الأرانب الصغيرة إلى الماعز الجبلي والخنازير البرية، إلخ.
عندما وضع اللاعب رقم 9 غزالًا ذا قرونٍ جميلةٍ على الأرض، اندهش الجميع. كان أكبر وأجمل غزالٍ اصطادوه على الإطلاق.
ولكن سرعان ما أصبح اللاعب رقم 5، الذي وصل متأخّرًا، محط دهشةٍ لا تُوصف.
وبينما بدا الناس منشغلين، وصل اللاعب رقم 5 ومعه عدّة أشخاصٍ وثلاثة أحصنةٍ تجرّ عربةً كبيرة.
ذُهِل الناس عندما رأوا الحيوان مربوطًا بالحصان ومُدخلًا.
بأذنيه المستديرتين وجسمه الضخم المغطى بالفرو الأسود، كان من الواضح أنه دبٌّ عملاق.
“هـ هذا…!”
قَلَب الشخص الذي اقترب وفحص مخلب الدب الأمامي الذي كان بحجم غطاء قِدر. فتح فمه دهشةً على الجرح الطويل.
“هـ هذا، مخلبه مصاب …. أليس هذا الدب الآكل للبشر الذي هاجم القرى مؤخرًا؟”
“الذي فشل حرّاس القصر في اصطياده؟”
دوت أصواتٌ مختلفةٌ هنا وهناك.
بدأ الجميع يتهامسون عن هوية هذا الرجل الغامض.
تجاهل المتسابق رقم 5 الجميع وقفز بهدوء، ثم داعب وجه حصانه.
“مذهلٌ حقًا…”
حتى إيوريل بجانبي كان منبهرًا.
بمثل هذه المهارات، من الغريب أنه ظهر فجأة.
“كان من المقرّر أن يتولى فرسان القصر أمر هذا الدب …”
إذا تطلّب الأمر تدخّلهم، فهذا يعني أن الدب كان خطيرًا للغاية.
بلا شك سيُعرَض على المتسابق الانضمام لفرسان القصر بعد المسابقة.
شخصٌ ماهرٌ كهذا كان سيتمكّن من الترشّح لقيادة فرقةٍ منذ البداية.
استمرّ الجمهور في مدح المتسابق رقم 5. بل وهنّأوه دون تردّد، كما لو أنه قد ضَمِن فوزه بالفعل.
سيفوز المتسابق رقم 5، الذي فاز في جميع المباريات الثلاث السابقة، بالبطولة النهائية ما لم تحدث مفاجأةٌ كبيرة.
حتى لو احتل المركز الأخير في آخر مسابقةٍ من المسابقات الأربع، وهي مسابقة المبارزة، فقد حُسِم فوزه النهائي بالفعل.
تشبّث المراسلون الصحفيون الذين كانوا ينتظرون اللاعب المتسابق رقم 5 به.
رفع المتسابق رقم 5، الذي لم يُجب، رأسه فجأة.
ظننتُ أن أعيننا التقت، لكنني لم أكن متأكدًا لأنه كان يرتدي خوذة. علاوةً على ذلك، أدار الرجل رأسه بسرعة، فتساءلتُ إن كان هذا من وحي خيالي.
انتهت جميع مباريات اليوم بأسئلةٍ عالقةٍ في ذهني.
عندما عدتُ إلى المنزل، تمكّنتُ من مقابلة إيشيد، الذي كان قد اغتسل للتوّ.
“هل كنتَ مشغولاً بالعمل لهذا الحد؟”
مَن الذي يبقى بجانب أنيلا الآن، ومَن الذي يختفي هكذا؟
ضاقت عيناي وأنا أنظر إلى إيشيد. بدا على إيشيد، الذي كان ينفض الماء عن رأسه، علامات الحيرة عندما التقى بنظراتي.
‘لكن كان من الممتع مشاهدة المهرجان مع أنيلا، فلا بأس.’
هززتُ رأسي وانتهيتُ من الاغتسال والاستعددتُ للنوم.
“هام….”
تثاءبتُ بعمقٍ وأنا أستلقي على السرير وأرفع الغطاء. وبينما أصبح جسدي أكثر راحة، شعرتُ بالنعاس أخيرًا.
كانت هذه ليلةً لنومٍ هانئٍ بالتأكيد.
“هل أنتِ متعبة…”
“نعم … كنا نتجوّل كثيرًا طوال اليوم…”
غدًا يومٌ حافلٌ آخر من التجوال. وللقيام بذلك، كان من الأفضل أن أنام جيدًا وأحافظ على طاقتي.
“ماذا فعلتِ اليوم؟”
“اليوم، آه …. اليوم، ذهبتُ لمشاهدة المسابقة الرباعية … كانوا جميعًا رائعين في الرماية وركوب الخيل.”
“هل استمتعتِ؟”
“أجل … نعم. أوه، المتسابق الخامس فاز بالمسابقات الثلاث. لذا حتى لو احتلّ في المركز الأخير في مسابقة المبارزة غدًا، فسيظلّ الفائز النهائي.”
“حقًا؟”
“نعم. وذلك اللاعب أمسك بدبٍّ آكل لحوم البشر اليوم… سمعتُ أن فرسان الإمبراطورية كانوا يخطّطون لملاحقته.”
“بلى، كذلك.”
“كان الدب ضخمًا. أعتقد أنني أعرف لماذا لم يستطع الحراس الإمساك به.”
“شاتيريان.”
“همم؟”
“هل كان ذلك المتسابق … رائعًا؟”
“هاه؟ … كان … رائعًا؟”
فجأةً، غاص السرير تحتي.
وقبل أن أدرك ما يحدث، وجدتُ إيشيد فوقي، ينظر إليّ.
“ماذا تفعل؟”
“أحاول الحصول على وعدتِني به. الوعد بأن نصبح عائلةً حقيقية.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 78"