اتجهنا إلى مكتب ولي العهد وأبلغنا عن الطاقة التي شعرنا بها خلال الموكب. فور سماع ذلك، تغيّر تعبير وجه أورغون بسرعةٍ إلى الأسوأ.
“تقولون أنكم شعرتم بطاقةٍ مشبوهةٍ خلال موكب العربات؟”
“نعم.”
“إذا كان قائد الفرسان قد شعر بها، فلا بد أنها حقيقية. وتيري، ماذا عنكِ؟ هل شعرتِ بأيّ شيءٍ مختلف؟”
“لا، لم أشعر بأيّ شيء.”
“إذن فهي ليست سحرًا أسود…؟”
على الرغم من أننا ناقشنا الأمر بالفعل مع إيشيد، إلّا أننا لم نتوصّل إلى إجابةٍ واضحةٍ حول تلك الطاقة.
أنا أعرف طاقة السحر الأسود أفضل من إيشيد، لذا إذا لم أشعر بها، فهذا يعني أنها شيءٌ آخر غير السحر الأسود.
لكننا لم نكن متأكدين تمامًا، لذا احتفظنا باحتمالية أن يكون سحرًا أسود في أذهاننا.
نظرتُ إلى وجه أورغون القلق.
كان لون بشرته شاحبًا، وبدا عليه التعب الشديد، وكأنه لم ينم لثلاث ليالٍ متتالية.
لم أكن أرغب في إثقال كاهله بالمزيد من الهموم، لكن…
“أورغون، ألا تعتقد أنكَ بحاجةٍ إلى بعض الراحة؟ قالوا أنكَ لم تغادر مكتبكَ منذ أيام.”
قبل دخول المكتب، تحدّث مساعد ولي العهد معي قائلًا إنه قلقٌ على سموّه.
أورغون شخصٌ قادرٌ على العمل دون نومٍ لأسبوعين دون مشكلة، لكن عند رؤيته الآن، بدا وجهه أسوأ مما توقعت، مما أثار قلقي.
لم أكن جاهلةً بالسبب الذي جعله يغوص في العمل بهذا الشكل. لقد كان حزينًا بسبب انفصاله القسري عن حبيبته.
“أنا بخير…”
كلا، لا تبدو بخيرٍ على الإطلاق.
لكنه هزّ رأسه وقال ‘أنا بخير’، ثم حوّل نظره إلى الأوراق، وكأنه لا يرغب في مواصلة هذا الموضوع.
“يجب زيادة مرافقي القديسة. قائد الفرسان وتيري سيعملان عن قربٍ مع حاشيتها. وأيضًا…”
“أنت …”
في تلك اللحظة، سال دمٌ أحمرٌ من أنف أورغون. بمجرّد أن سقطت قطرة دمٍ على الأوراق، ارتبك أورغون وأمال رأسه للخلف، ممسكًا بأنفه.
بحثتُ حولي عن شيءٍ لإيقاف النزيف، ثم تذكّرتُ فجأةً منديل إيشيد الذي كان يحمله معه دائمًا.
أسرعتُ إلى جيب إيشيد، وأخرجتُ المنديل وسلّمته لأورغون.
على الرغم من أنه أخذ المنديل، إلّا أنه بدا في حيرةٍ شديدة.
“لماذا كان هذا هنا…؟”
“الآن ليس الوقت المناسب للحديث عن ذلك.”
بالطبع، كنتُ مندهشةً في البداية أيضًا…
“أرأيت؟ لو استمعتَ إليّ واسترحتَ عندما طلبتُ منكَ ذلك! هل تعتقد أنكَ ما زلتَ في ريعان شبابك؟ أنتَ في السادسة والعشرين من عمرك، يجب أن تبدأ بالاهتمام بصحتك.”
“أليس من المبكر القلق بشأن الصحة في هذا العمر؟”
“استمر هكذا وسينتهي بكَ الأمر إلى الانهيار.”
عندما نقرتُ بلساني، ابتسم أورغون ابتسامةً خفيفة.
شعرتُ ببعض الذنب تجاهه. لقد كانوا على علاقةٍ مستقرةٍ وجميلة، لكن بعد تتويج أنيلا كقديسة، بدأ الشقاق بينهما.
التغييرات في القصة الأصلية لم تؤثر فقط على بدايتهم، بل أيضًا على مسار علاقتهم.
في القصة الأصلية، لو بقيت أنيلا قديسةً متدربة، لكان الوضع مختلفًا. لكن أصبحت أنيلا قديسةً حقيقية، مما تحوّل إلى عائقٍ كبيرٍ بينهما.
القديسة أنيلا، حارسة المعبد في الجنوب، وولي العهد أورغون في الشمال.
كانت المسافة بينهما كبيرة، ولكونهما حارسين لمواقعهما، أصبح من الصعب عليهما اللقاء.
أورغون هنأ أنيلا بصدق على تتويجها، لكنه في الوقت نفسه كان مكتئبًا.
كلّ ما فعلتُه هو التخرّج من الأكاديمية مبكّرًا، ولم أكن أتوقّع أن تتغيّر القصة بهذا الشكل.
“هل كان هناك أيّ شيءٍ آخر غريب؟”
بمجرّد أن توقّف نزيف الأنف، عاد أورغون إلى موضوع النقاش الأصلي، مما جعلني أتذمّر. إنه لا يستمع إلى كلامي أبدًا.
“لا، لم يكن هناك … آه.”
بترتُ جملتي لأنني تذكّرتُ فجأةً وجه ماسيتيكي الذي رأيتُه هناك.
بالطبع، بدا وجه ماسيتيكي مظلمًا بعض الشيء… لكن لا شيء مشبوهٌ بما يكفي لاعتباره أمرًا غريبًا، مما أثار حيرتي.
اليوم هو يوم موكب القديسة التي تم اختيارها بعد مئة عام، لذا من الطبيعي أن يكون كلّ الناس في الإمبراطورية قد خرجوا إلى الشوارع لمشاهدة الموكب. لذا، فإن رؤية شخصٍ تعرفه بين الحشود أمرٌ طبيعيٌّ للغاية.
“ماذا؟”
“لا … لا شيء.”
من الواضح أن ذلك الوجه المظلم بقي عالقًا في ذهني. بالإضافة إلى ذلك، خطر لي تفكيرٌ ساذجٌ بأنه لو كان ماسيتيكي مشبوهًا، لكنتُ لاحظتُ ذلك على الفور.
أنا وإيشيد، الذي كان يتردّد على غرفة الاستشارات كثيرًا، لم نشعر بأيّ طاقةٍ غريبةٍ منه.
على أيّ حال، الآن هو الوقت المناسب للتركيز أكثر على حراسة القديسة.
عندما أنهيتُ الحديث وهممتُ بمغادرة المكتب، سمعتُ صوت أورغون يعيدني.
“… اعتني بنفسكِ.”
همس أورغون بهذه الكلمات بهدوء. فقلت له ببرود.
“أنتَ تقلق على كلّ شيء. سأراقب الأمور بعناية، لذا استرِح أولًا. إذا ظهرتَ بهذا المظهر في حفل التتويج، فسوف يغمى على أختي أو جلالته.”
‘وأنيلا أيضًا.’
لم أنطق بها بصوتٍ عالٍ، لكن أورغون فهم ما أعنيه وابتسم بخجل.
“نعم. شكرًا لكِ.”
إنه ممتنٌّ بشكلٍ غريب. شعرتُ بالحرج وأدرتُ عيني ثم غادرتُ المكتب.
***
أقيم حفل لتتويج القديسة في القصر الإمبراطوري. كان حفلًا فخمًا بُذِلت فيه جهودٌ واضحةٌ لإظهار الاحترام لعلاقاتهم مع المعبد.
وفي أحد جوانب قاعة الحفل، وقفتُ بمفردي كأنني جزءٌ من زخرفة الجدار.
لم أكن شخصًا غير اجتماعيٍّ فقط، بل بدوتُ كشخصٍ غير قادرٍ على التكيف مع المجتمع.
لكنني لم أرغب في الانتقال إلى المركز.
رأيتُ أختي تقترب من بعيد. عندما اقتربت، لاحظتُ أن وجنتيها ورديتين مثل شعرها، كانت تبدو في حالة سُكر.
الحفل لم يبدأ منذ وقتٍ طويل، ومع ذلك كانت تتنقّل بوجهٍ مخمور.
تذمّرتُ بهدوء.
“سكّيرة …”
ضحكت أختي ساخرة وقالت.
“هل مَن حق السكّيرة أن تنتقد سكّيرًا آخر؟”
لم أستطع إنكار ذلك. السبب الذي جعلني لا أشرب الخمر اليوم هو سلوكي السابق عندما كنتُ في حالة سُكر.
على أيّ حال، هذا ليس موضوعنا الآن. وجّهتُ نظري إلى الطاولة التي كانت تجلس عندها أختي.
كان هناك الإمبراطور، ورئيس الوزراء الذي أوقفه أحدهم أثناء مروره، وقائد فرسان الوسام الثاني للإمبراطورية ودوق مونت فيلينيير، سيد عائلة مونت فيلينيير.
بالإضافة إلى صهر الإمبراطور الأول، روهيلين ميليس، وصهره الثاني، دوق إيشيد أستريا.
كان النبلاء الآخرون يتوقون للانضمام إلى تلك الطاولة، لكنني شعرتُ بالخجل وأغمضتُ عيني.
للوهلة الأولى، بدت كتجمّعٍ لأقوى شخصيات الإمبراطورية، ولكن عند النظر عن كثب، كانت تشبه اجتماعات العائلة في الأعياد.
لم أعرف متى تحوّل الجو إلى ما هو عليه الآن.
كانت الكؤوس تُشرَب بمجرّد رفعها، لذا لم يكن واضحًا، لكنها كانت أشبه باجتماعٍ لشرب الخمر تحت غطاء حفلٍ اجتماعي.
بالطبع، لم ينضم إيشيد إليهم بمحض إرادته.
لقد كان يتحدّث مع جلالته ثم انضم إليهم بشكلٍ طبيعي.
كان الإمبراطور في مزاجٍ جيدٍ بشكلٍ غير معتادٍ اليوم، فقدّم كأسًا لإيشيد وهو يضحك بحرارة.
شربه إيشيد، الذي عادةً ما يتجنّب الكحول، دون ترددٍ اليوم، وكأن الرياح حملته معها.
عندما شرب إيشيد الكأس تلو الأخرى دون رفض، ضحك الإمبراطور بحرارةٍ مرّةً أخرى.
لم يكن يبدو أنه يشرب مضطرًّا، بل كان يبتسم وكأنه في مزاجٍ جيدٍ للغاية.
‘هل سمع أخبارًا سارّة للتوّ؟’
حدّقتُ به بنظرةٍ متشكّكة، لكنني لم أستطع تخمين السبب… سأسأل الإمبراطور لاحقًا عما قاله له.
على أيّ حال، إنه يشرب بتهوّر. نقرتُبلساني وأنا أراه يشرب كلّ ما يُقدَّم له الإمبراطور، بل ووحتى ما يقدّمه له الآخرين دون تردّد.
“سيُصبح ثملًا بهذا الشكل…”
“انظروا إليها! هل تقلقين على زوجكِ الآن؟”
“ماذا؟”
نظرتُ إلى أختي بذهول.
لكنني لم أغضب. للأسف، كنتُ قلقةً حقًا من أن إيشيد قد يثمل.
عندما زممتُ فمي فجأة، نظرت إليّ أختي وابتسمت بخبث.
آه، صوتها المليء بالمعاني الضمنية كان مزعجًا للغاية.
“إذن اذهبي وانضمّي إليه.”
أضافت أختي أنه إذا كنتُ قلقة، فيمكنني الجلوس بجانبه ومراقبته.
“لا أريد ذلك. إذا جلستُ هناك، سأضطرّ للشرب أيضًا. لقد توقّفتُ عن الشُرب.”
“أنتِ؟”
انفجرت أختي ضاحكة. يبدو أنها اعتبرت إعلاني عن الامتناع عن الشرب أفضل نكتةٍ سمعتها هذا العام.
“حسنًا، إذا كنتِ لا تريدين المجيء، فلا بأس.”
انسحبت أختي بسهولةٍ مفاجئة. عندما تفعل ذلك، يكون لديها دائمًا مخطّطٌ ما.
شعرتُ بعدم الارتياح وفكّرتُ للحظةٍ في إيقافها قبل أن تبتعد.
“أميرة شاتيريان… لا، الآن يجب أن أسميكِ دوقة، أليس كذلك؟”
بينما كنتُ أشاهد أختي تبتعد، سمعتُ صوتًا يناديني. كانت أنيلا، بطلة الحفل اليوم.
كانت قد ربطت شعرها الأزرق وتركته يتدلّى بشكلٍ طبيعي، وارتدت ثوب القديسة الأبيض.
مجرّد وقوفها بهدوءٍ كان كافيًا لجعلكَ تشعر بأنكَ تريد الصلاة، لقد بدت مقدّسةً للغاية.
كان يحفّها ذلك الشعور الذي يجعلها تبدو وكأن صلاتها ستتحقق مباشرة.
لكن كان هناك شخصٌ فعل ذلك بالفعل.
توقّف أحد النبلاء الذين مرّوا بجانبنا فجأةً عند رؤيتها، ثم ضم يديه بخشوعٍ وبدأ بالدعاء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 74"