***
كان روث، الذي تتمثل مهمته في مساعدة قائد الفرسان، أول مَن لاحظ التغيير الذي طرأ على إيشيد.
لذا عندما جاء الفرسان يشتكون، كان يفهم مشاعرهم أكثر من أيّ شخصٍ آخر.
لكن الفهم والحل شيئان مختلفان تمامًا.
هذه المرة كانت المشكلة خارج نطاق قدرة روث على التدخل.
كان الحل بالطبع لدى رئيسة مركز الاستشارات التي تسبّبت في هذا الموقف، ولم يكن أمام روث خيارٌ سوى التوجّه إليها لحل الأمر.
كان ينوي التحدث بهدوءٍ مع المديرة وإيجاد طريقةٍ لحل الموقف، لكن…
“سيدتي، كيف يكون هذا خطئي؟ لقد كانوا فقط يحبّون بعضهم!”
“هل تهربين من المسؤولية الآن؟ أمام الجميع تتظاهرين بدعم الحب بين النبلاء والعامة، تطلقين عباراتٍ برّاقة، ثم تتزوجين أنتِ بنبيل، بل بالدوق أستريا نفسه؟!”
“إذن… ما علاقة زواجي بالدوق بهذا الموقف؟ لماذا تستمرّين في انتقاد الأمر؟”
“دوقة، لقد أمسكتِ برجلٍ نبيلٍ، ثم تعطين ابني فتاةً من العامة؟!”
أصبح مركز الاستشارات الذي زاره روث في حالةٍ من الفوضى.
لم يكن بين الموظفين هناك مَن يستطيع أن يوقف الجدال المحتدم بين النبيلتين رفيعتي المستوى.
وفي أسوأ توقيتٍ ممكن، كان قائد الفرسان غائبًا في اجتماعٍ مع ولي العهد.
“ها، إذن تقصدين أنكِ غاضبةٌ لأنني سمحتُ لابنكِ بمواعدة فتاةٍ عاميّة بينما تزوّجتُ أنا بنبيل؟”
عندما لامست كلماتها صميم المشكلة، ارتبكت كونتيسة روبيلتير بشدة.
“كونتيسة روبيلتير، أهذا هو سبب غضبكِ؟ هل بروك روبيلتير طفل؟ لا أحد أجبرهم على الارتباط، هم اختاروا ذلك بمحض إرادتهم. لا أفهم لماذا تأتين إليّ بهذا!”
أطلقت شاتيريان تنهيدةً طويلة.
“بصراحة، أن تتصرّفي هكذا بسبب ابنكِ البالغ يجعلكِ تبدين غير ناضجة.”
تجمّدت الكونتيسة في مكانها وكأنها تمثال، واتسعت عيناها من الصدمة.
“أمي!”
حضر بروك مسرعًا بمجرّد سماعه بالخبر، وجذب كونتيسة روبيلتير التي بدت مذهولة.
عندما رأته، استعادت وعيها فجأة، وظهر الغضب على وجهها.
“أرجوكِ توقفي عن هذا!”
كان صوت بروك منهكًا، وكأنهما قد تشاجرا كثيرًا حول هذه القضية.
“اعتذري لرئيسة الاستشارة الآن.”
“ماذا؟!”
نظرت إليه الكونتيسة بنظرةٍ مليئة بالخيانة، متسائلة كيف يجرؤ على فعل هذا بها.
“إذا لم تعتذري، فلن أرى وجه أمي مرّةً أخرى.”
صدمت الكونتيسة بشدة من القسوة والحزم في صوته.
رغم أنهم قد تشاجروا كثيرًا مؤخرًا بسبب سماعها عن علاقته بفتاةٍ عامية، إلّا أن هذه كانت المرّة الأولى التي يصل فيها إلى هذا الحد من الجدية.
لكن الكونتيسة التي أتت إلى هنا وأحدثت كلّ هذه الضجة لن تستسلم بهذه السهولة.
فهذا يتعارض مع كبرياء النبلاء.
ارتجفت لبعض الوقت، ثم هزّت يد بروك بعنفٍ وخرجت من الغرفة.
تنهّد بروك وهو ينظر إلى ظهرها، ثم انحنى معتذرًا للجميع عن الإزعاج.
“أعتذر بشدة. لم أتوقع أن تأتي أمي إلى هنا.”
ثم انحنى باحترامٍ أكبر لشاتيريان، التي اعتذرت بدورها قائلةً إنها لم تقصد أن تكون قاسيةً مع الكونتيسة، لكن الكلمات خرجت بحدّةٍ دون قصد.
“لا، والدتي هي المخطئة.”
بعد أن هدأت الأجواء، نظر ماسيتيكي إلى شاتيريان وسألها.
“هل أنتِ بخير؟”
أجابت شاتيريان بوجهٍ متعب وهي تمرّر يدها على شعرها.
“نعم، سأخرج للتنزّه قليلًا.”
شجّعها الموظفون على ذلك ودفعوها برفق للخارج.
“سير؟”
عندما خرجت شاتيريان، لاحظت روث واقفًا متجمّدًا في مكانه، فنادت عليه.
أدرك روث – الذي جاء لاستشارتها بشأن إيشيد – أن الوقت غير مناسب، فهزّ رأسه رافضًا.
غادرت شاتيريان المكتب دون أن تقول شيئًا.
***
لماذا أرى دائمًا مثل هذه المواقف؟
خرجتُ للتنزه لتهدئة رأسي، لكنني سمعتُ صوت نحيبٍ من بعيد.
في الحديقة بجوار القصر، كانت كونتيسة روبيلتير، التي غادرت سابقًا، تمسح دموعها.
انفجرت في البكاء، ثم هدأت قليلًا، شهقت، وعادت للبكاء مرّةً أخرى.
أردتُ الابتعاد لتجنب إحراجها، لكن قدمي رفضت التحرّك.
شعرتُ بالانزعاج الشديد.
دفعني القليل من الندم للتوجّه نحوها.
عندما شعرت بوجودي، رفعت رأسها فجأة، وعندما التقت أعيننا، عبست قليلًا ثم أدارت وجهها بعيدًا.
جلستُ على مسافةٍ معقولةٍ منها.
نظرت إليّ باستغراب، وكأنها تتساءل لماذا لم أغادر.
“لا يوجد مكانٌ آخر للجلوس.”
هززتُ كتفيّ بلا مبالاة.
مع وجودي، خفّ بكاؤها قليلًا.
كان يومًا هادئًا، حتى السحب كانت تتحرك ببطء.
“هل… هل أبدو غير ناضجةٍ إلى هذا الحد؟”
ارتعش صوتها قليلًا. يبدو أن كلماتي السابقة علقت في قلبها. .
لا أعرف لماذا تريد التأكد من ذلك، لكن…
“نعم، كنتُ جادة.”
تشوّه وجهها بشكلٍ مؤلم، وبدأت دموعها تنهمر مرّةً أخرى.
تنهدت.
“سيدتي، بروك روبيلتير رجلٌ بالغ. بصراحة، أنا أيضًا من النبلاء، لذا أفهم مشاعركِ. لكن بما أنه قرّر ذلك، ألّا يمكنكِ مراقبة الأمر من بعيد؟”
“لكن! كيف يمكنه أن يكون مع عامية …؟!”
“ما الفرق بين العامة والنبلاء؟ كلنا بشر.”
“إنهم! دماء وضيـ…!”
كادت أن تتفوّه بإهانة، لكنها التقطت أنفاسها وأمسكت لسانها.
لكني استطعتُ تخمين ما كانت تريد قوله.
“في عيني، كلّنا متساوون. الفرق الوحيد هو أن النبلاء يعيشون حياةً مترفةً بسبب الثروات الموروثة، بينما العامة مشغولون بكسب قوت يومهم. هذا فرق، لكنه ليس عيبًا.”
“لكن إذا تركتُ الأمر هكذا، سيطردونه من العائلة!”
صرخت الكونتيسة بحزن، ثم أخبرتني كيف غضب الكونت عندما سمع عن علاقة بروك بفتاةٍ من العامة.
لم يستطع الأب والابن حلّ خلافهما، وكان الكونت هو مَن أنهى العلاقة أولًا.
“إذا لم يتزوّج فتاةٍ نبيلةٍ على الفور، فسيُطرَد من المنزل اليوم!”
عندما انتهت من الكلام، عادت للبكاء مرّةً أخرى.
“أتفهّم مشاعركِ كأم، لكن للأسف لا يمكننا فعل شيء. هذا شيءٌ يجب على بروك تحمله.”
“كيف يمكنكِ أن تكوني قاسيةً هكذا؟!”
انفجرت غضبًا. البكياء، ثم الغضب … اليوم كان يومًا مليئًا بالتقلبات العاطفية.
“هو بالغ، وعليه تحمّل عواقب خياراته.”
“ألا تبالغين في قسوتكِ؟!”
“لأنه ليس من شأني.”
كلما استمر الحوار، بدت الكونتيسة وكأنها على وشك الإصابة بانهيارٍ عصبي.
كان الغضب أفضل من البكاء على أيّ حال.
“دوقة، أنتِ لا تفهمين مشاعر الآباء.”
“للأسف، لقد نشأتُ بدون والدين.”
“……”
“حسنًا، ربما عندما يصبح بروك أبًا يومًا ما، سيفهم مشاعركِ.”
لكن هذا لا يعني أنه سيعود إلى منزل الكونت.
“هل قابلتِ الفتاة التي يواعدها بروك؟”
“آه، لا…”
“ستحبينها بالتأكيد. سيلفدا…”
توقّفتُ فجأةً ونظرتُ حولي. ثم انحنيتُ نحو الكونتيسة وهمست.
“إنها لطيفةٌ جدًا.”
“…هل كان عليكِ الهمس بهذا؟”
نظرت إليّ الكونتيسة وكأنني شخصٌ غريب.
ضحكتُ بهدوء.
“نعم، أريد أن يبقى جمال سيلفدا سرًّا. إذا زادت شعبيتها، سيواجه بروك مشكلة.”
تذكّرتُ خدود سيلفدا الممتلئة وهي تبتسم كلما استقبلتني قصر ولي العهد.
بما أن سيلفدا كانت مهذّبةً للغاية مع الكبار، كنتُ متأكدةً من أن الكونتيسة ستقع في حبّها في لمح البصر.
“دوقة … هل كانت شخصيتكِ دائمًا هكذا؟”
بدت الكونتيسة في حيرةٍ شديدة.
بدلًا من الإجابة، هززتُ بكتفيّ.
“على أيّ حال.”
حان وقت العودة إلى المكتب.
نهضتُ وتمدّدتُ، مددتُ ساقي المتعبة من الجلوس طويلًا.
“إذا كان ابنكِ البالغ سيعيش حياته كما يريد، فافعلي ذلك أيضًا. اسمكِ هو كلوي روبيلتير، لستِ مجرّد أم بروك.”
أصيبت الكونتيسة بصدمة وتجمّدت في مكانها، كأنها تمثال.
“شفتيكِ.”
لمستُ طرف شفتي الكونتيسة التي كانت مضغوطةً بشدة.
“إذا جرحتِها، ستؤلمكِ وتزعجكِ. لذا كوني حذرةً في طريقكِ إلى المنزل.”
“سـ سيدتي!”
أمسكت بي عندما استدرت. بعد تفكيرٍ طويلٍ وتردّد، قالت.
“آ-آسفة، جئتُ إليكِ هكذا وسببتُ لكِ مشكلة.”
“لا تقلقي، الأمر لا يستحق.”
ابتسمتُ ابتسامةً قصيرةً ثم غادرتُ.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 67"