“آه!”
انتشرت صرخة ماسيتيكي في الحديقة. سمعتُ صوت شهقة فيل بجواري.
أمسك ماسيتيكي بيدي التي كانت تتشبّثت بقوّة بشعره، ثم خفض جسده ببطء.
“انزلي… انزلي أولاً…”
كان صوته يرتجف. حتى عينيه كانتا تلمعان بالدموع عندما نزلت.
“أ-أنا آسفة.”
عندما فتحت يدي، كانت هناك خصلةٌ من شعره الأحمر عالقةٌ بين أصابعي، حاولتُ إخفائها بسرعة. تجنّبتُ النظر إلى عينيه المليئتين باللوم.
“شكرًا لكِ، سيدتي!”
“لكن هذا العم قام بكلّ العمل الشاق.”
“شكرًا لك، أيها العم!”
“عم …”
كرّر الأطفال الأبريا كلامي ببساطة، بينما فرك ماسيتيكي رأسه المنتوف بيديه وظهر عليه تعبيرٌ مرير.
“هناك الكثير من الحلوى في غرفة الاستشارات، يمكنكم المجيء في أيّ وقت.”
“نعم!”
ابتسم الأطفال بسعادة وابتعدوا.
“لقد فكّرتُ مؤخرًا، هل تغيّر اسم قسم استشارات المشاكل إلى قسم حلّ المشاكل؟”
“لا؟ لا يزال قسم استشارات المشاكل.”
“لكن منذ متى وأنتم تحلّون المشاكل؟”
“لأننا لم نحقّق أيّ إنجازات … حدث الأمر ببساطة.”
شعرتُ بالحرج دون سبب. كنتُ أعلم أنه كان ينظر إليّ باستغرابٍ بسبب تصرفاتي الأخيرة.
«أيتها الأميرة. قسم استشارات المشاكل هو مكانٌ للاستماع إلى المشاكل، وليس قسمًا لحلها.»
كان إيشيد محقًّا. قسم استشارات المشاكل كان حرفيًا غرفة استشارات وليس ‘غرفة حلول’…
لكن البذرة التي زرعتُها قد نمت لتصبح كرمةً خصبةً سدت كل طريق للهروب.
‘لماذا أكرّر نفس الأخطاء دائمًا…؟’
لم يكن أمامي سوى أن أندم على خطئي الذي ارتكبتُه بسبب الطمع في الإنجازات وأخفي دموعي.
بينما كنتُ أتنهّد، ربّت ماسيتيكي على كتفي محاولًا مواساتي.
“لقد صمدتِ بطريقةٍ ما بمهاراتٍ استشاريةٍ سيئة.”
“هل هذه مواساة أم إهانة؟”
دفعتُ يده بعيدًا وتذمّرت.
“لكنكِ تعبتِ حقًا…”
مرة أخرى، فيل هو الوحيد الذي يفهمني.
نظرتُ إليه بعيونٍ ممتنةٍ وهو يدافع عني…
“بالطبع، كانت الرئيسة هي مَن طردتِ العملاء.”
بالطبع.
نظرتُ إليه بنظرةٍ باردة.
“لنذهب للعمل.”
بعد استراحةٍ قصيرة، عدنا إلى العمل مرّةً أخرى.
بعد قضاء هذا الوقت المرهق دون لحظةٍ لالتقاط الأنفاس، حان وقت مغادرة العمل.
بمجرّد دخولي منزل الدوق، استُنزِفَت طاقتي وسقطتُ على الأريكة في ردهة الطابق الأول.
كانت الأريكة ناعمةً جدًا لدرجة أنها لم تنقص منها وسادةٌ
واحدة، ربما لأنها كانت جديدة.
‘ولكن هل كانت هناك أريكةٌ في الطابق الأول أصلًا؟’
على أيّ حال، وماذا في ذلك؟ أشعر براحةٍ كبيرةٍ الآن.
“شاتيريان. إذا غفوتِ في مكانٍ كهذا، ستمرضين.”
هبط صوتٌ خافتٌ من فوق رأسي. سقط ظلٌّ كثيفٌ على وجهي مع صوت حفيف الملابس.
لم أشعر برغبةٍ في الإجابة، فأغمضتُ عينيّ فقط، مسحت يدٌ ناعمةٌ شعري الذي كان يدغدغ خدي.
“هل ستنامين هنا؟”
لم أشعر برغبةٍ في فتح فمي، فالتفتُّ كأنني أتجنّبه، وسمعتُ ضحكةً خافتةً من فوقي.
شعرتُ بشخصٍ ينهض ويتحدّث إلى شخصٍ ما، ثم يجلس بجانبي مرّةً أخرى.
الشيء التالي الذي لامس وجهي كان قطعة قماشٍ ناعمةٍ مبلّلةٍ بماءٍ دافئ. فتحتُ عيني ببطء، وكان إيشيد يمسح وجهي بتعبيرٍ حريص، مستخدمًا يديه الدقيقتين.
التقت أعيننا. مسح إيشيد المنطقة تحت عينيّ بقطعة قماشٍ وتحدّث بحنان.
“لا يجب أن تنامي هنا.”
لم أكن أنوي النوم على أيّ حال. كنتُ أستريح للحظةٍ فقط، لكنني أُعامل هكذا…
لم يكن هناك سبيلٌ لمنع وجهي من الاحمرار.
“هل تتألمين في مكانٍ ما؟ وجهكِ احمرّ فجأة.”
“بل لأنها ساخنة …”
ألقيتُ باللوم على قطعة القماش المبلّلة بالماء الدافئ. نظر إيشيد إلى قطعة القماش للحظةٍ وأومأ برأسه كما لو أنه فهم.
“إذن سأجعلها أبرد قليلاً في المرّة القادمة.”
هل هناك مرّةٌ قادمة …
لكنني لم أخبره ألّا يفعل هذا مرّةً أخرى. لم أكره شعور معاملته الودودة لي.
على العكس من ذلك… شعرتُ برغبةٍ قويةٍ في الاستمرار في الاعتماد على يده.
أعتقد أن سبب رغبتي في الاستمرار بالاعتماد على إيشيد هكذا هو أنني أدركتُ مشاعري.
عندما تلتقي القلوب، يتبادل الناس المشاعر، قائلين إنهم يشعرون مثلك. لكن سبب عدم قدرتي على فعل ذلك هو الحزن الكامن وراء هذا الشعور.
كلّما اختلطت المشاعر، ازداد اللون قتامة. تمامًا كما يحدث عندما تختلط ألوان الطلاء المختلفة، فإنها في النهاية تصبح سوداء قاتمة.
“شاتيريان.”
“آه، عليّ أن أغتسل.”
قفزتُ، متجنّبةً يد إيشيد التي كانت تحاول حملس. انتهى بي الأمر ببناء جدارٍ مرّةً أخرى دون أن أدرك ذلك بسبب تعقيد أفكاري.
تركتُ إيشيد خلفي، الذي بدا فارغًا نوعًا ما، وتوجّهتُ إلى الحمام حيث تم الانتهاء من تحضيره للاستحمام.
كما هو متوقع، عندما يكون ذهني مُعقّدًا، لا شيء يُضاهي الاستحمام، لذا أذبتُ جسدي في الماء الساخن.
تمنّيتُ أن تُغسَل حتى هذه المشاعر القاتمة مع الماء المتساقط.
***
كانت الذراع التي تلوّح بالسيف خفيفة. كانت الضربات الموجّهة نحو الثغرات أكثر دقّةً من المعتاد، كان تفادي ضربات الخصم سلسًا، وحركة القدم كانت خفيفة.
عادةً، كانوا يشاهدون مهارات قائد الفرسان بالمبارزة بذهول، لكن اليوم لم يستطع أحدٌ حتى إغلاق فمه من الدهشة.
“إنه يطير، حقًا يطير…”
هزّ أحد الفرسان رأسه مندهشًا، فلكزه الشخص الجالس بجواره.
“إنه في شهر العسل. من الطبيعي أن يطير.”
“آه، إنه في أوج عطائه.”
تبادل الفرسان نكاتًا غير لائقةٍ بينما ينظرون إلى العريس الجديد بعيونٍ راضية.
“هناك شائعاتٌ تقول إن الرئيسة تبدو سعيدةً هذه الأيام.”
“إنها في شهر العسل، بالطبع ستكون سعيدة.”
“لكن هناك شائعاتٌ أخرى تقول أن سبب سعادتها ليس القائد، بل رئيس الاستشارات السابق الذي عاد.”
أثار كلام الفارس ذعر الجميع. ثم صفعوه على ظهره بغضب.
“أين سمعتَ هذه الإشاعة؟!”
“إنها حقيقية! يقولون إن الرئيسة تضحك كثيرًا عندما تكون مع رئيس الاستشارات السابق.”
“ربما كانت تضحك دون سبب؟”
“من المستحيل أن تضحك الرئيسة دون سبب.”
أيّد الفرسان الآخرون هذا الرأي.
“ربما كانت تفكّر في القائد بالصدفة فظهرت على شفتيها ابتسامة. أنا أيضًا كنتُ أضحك فجأةً عندما كنتُ أفكّر بزوجتي خلال شهر العسل.”
“لو كان الأمر كذلك، لما انتشرت هذه الإشاعة.”
لم يفهم الفرسان ما يحدث بالضبط، فبدأوا يتناقشون بصوتٍ خافت.
في تلك اللحظة، توقف قائد الفرسان فجأةً وأدار رأسه.
نهض الفرسان من ذهولهم ووقفوا فجأة، لكن نظرة القائد كانت تتجاوزهم نحو مدخل ساحة التدريب.
‘لماذا يفعل هذا؟’
سرعان ما حُلَّ اللغز. ظهرت الرئيسة في الطريق المؤدي إلى قصر ولي العهد.
أخرج الفرسان ألسنتهم من الدهشة.
كيف عرف ونظر إلى هناك؟ خاصةً من هذه المسافة البعيدة.
كانت الرئيسة مع الموظف الذي عاد مؤخرًا. كانا يسيران جنبًا إلى جنب ويتحدّثان. بدا أنهما قريبان جدًا، يضحكان ويتلامسان.
بينما كانا يبتعدان، بدا الفرسان في حيرةٍ من سبب ترك قائدهم فقط يشاهدهما.
“لماذا لا نتحقّق من الأمر الآن؟”
“ماذا؟”
“رئيسة!”
نادى أحد الفرسان بصوتٍ عالٍ، حتى أن صوته صدح في ساحة التدريب.
توقّفت الرئيسة. حتى من هذه المسافة، كان واضحًا أنها مرتبكة.
“آه …”
حتى الفرسان الذين شكّكوا في الإشاعة توقّفوا عند رد فعلها.
لم يكن هذا ما توقّعوه. كانوا يتوقّعون أن تفرح الرئيسة عندما ترى قائد الفرسان.
أومأت الرئيسة برأسها، فانحنى الفرسان جميعًا تحيةً لها.
بعد رد التحية، اختفت بسرعةٍ نحو الممشى.
“أرأيتم؟ كلامي كان صحيحًا.”
قال الفارس الذي بدأ الإشاعة وهو يرفع بأنفه.
“هل ارتكبنا خطأً كبيرًا؟”
“كل ما فعلناه هو مناداتها!”
“هذا صحيح…”
أصبحت وجوه الفرسان قاتمة. نظروا خلسةً إلى قائدهم، لكن تعابير وجهه كانت دائمًا صعبة القراءة.
“لا يمكن أن تكون الرئيسة هكذا…”
رفض أحدهم تصديق الموقف، مؤمنًا بأن هناك خطأً كبيرًا.
لكن المشكلة هي أن هذا المشهد تكرّر عدّة مرّات بعد ذلك.
يومين، ثلاثة، أربعة…
دوقة أستريا تتجنب دوق أستريا.
بدأت إشاعةٌ جديدةٌ تنتشر في القصر الإمبراطوري.
“لماذا؟”
كان الفرسان في حيرة. لا يبدو أنهما يتشاجران، لكنهما يحافظان على مسافةٍ غريبة. فكّر الفرسان في الأمر بجديّةٍ أكبر حتى من الزوجين أنفسهما.
لكن مهما فكّروا، كيف يمكنهم الوصول إلى نتيجةٍ وهم ليسوا الأطراف المعنية؟
في البداية، كان من الغريب رؤية قائد الفرسان في مزاجٍ سيء. لكنهم اعتبروا أن
هذا طبيعي، فهو أيضًا إنسان.
لكن عندما يتدرّبون مع قائد الفرسان وهو في مزاجٍ سيء، يكون الضحايا هم الفرسان.
ذهب الفرسان الذين كانوا في حالةٍ من الفوضى لرؤية نائب القائد بوجوهٍ حزينة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 66"