***
كان وقت الغداء في يومٍ مشمسٍ حار.
ندمتُ بشدة على عدم استدعاء سِيد إلى غرفة الاستشارات.
لكن للأسف، خرجتُ في وقت الغداء بالذات، فكان الجو حارًا والشارع مزدحمًا بالناس.
حاولتُ تجنب الازدحام قدر المستطاع، لكني في النهاية اصطدمتُ بشخصٍ ما.
“أعتذر.”
سقطت الأغراض التي كان يحملها الرجل على الأرض. نظرًا لأنها سقطت عند قدمي، التقطتُها وسلّمتُها له.
“شكرًا لكِ.”
أومأت برأسي ردًا على تحيّته وواصلتُ سيري.
عندما وصلتُ إلى مكان الاجتماع، كان سِيد ينتظرني بوجهٍ جادٍّ وهو يفحص بعض الأوراق. بمجرّد أن رآني، وضع الأوراق جانبًا.
“هل هناك مشكلة؟”
“هناك تقاريرٌ عن زيادة نشاط عصابات السرقة مؤخرًا.”
“عصابات السرقة؟”
“نعم. يُقال إن عربةً قادمةً من إقطاعية آرتُوريتو إلى العاصمة سُرقت من قبل عصابة سرقة. يبدو أن الجريمة كانت تستهدف سرقة الأرز.”
“هذا أمرٌ خطير. ألا يجب تعزيز الأمن؟”
“نعم. لقد استأجرت النقابة حرّاسًا خاصين، لذا لا داعي للقلق الشديد.”
“هذا مريح. نحن فقط بحاجةٍ إلى تسليم الأرز في الوقت المحدّد.”
أومأتُ برأسي موافقةً، طالما أن الضرر لم يصل إلينا، فلا بأس.
“وبما أن عدد اللصوص في ازدياد، يجب أن نحرص على تأمين المتجر جيدًا.”
“لصوص؟”
هذا كان غريبًا بعض الشيء. في الوقت الحالي، حيث تنتشر برامج الرعاية الاجتماعية للعامة، من المفترض أن تكون السرقة من الجرائم التي تنخفض بشكلٍ كبير.
“بالمناسبة، يا رئيسة. أنتِ لا ترتدين خاتمكِ اليوم؟”
نظر سِيد إلى يدي وقال ذلك. نظرتُ إلى يدي متسائلةً، طان إصبعي خاليًا من أيّ خاتم. لم يكن الخاتم الذي أرتديه دائمًا منذ أن تلقّيتُه موجودًا.
“آه…”
كنتُ متأكدةً أني ارتديتُه عند الخروج. فكيف اختفى؟
لكن لم يكن لديّ أيّ فكرة. لم أتذكّر أنني نزعتُه، لذا كنتُ متفاجئة.
“هل اصطدمتِ بأحدٍ في الطريق؟”
“نعم، اصطدمتُ بشخص … هل تعتقد أنه كان لصًا؟”
عندما أومأ سِيد برأسه، شعرتُ بالإحباط. كان من الغريب أن أقع ضحيةً لخدعةٍ بهذه البساطة.
“هل هناك طريقةٌ لاستعادته؟”
“من الأفضل أن نذهب إلى مركز الشرطة أولًا.”
بعد كلّ شيء، كان هذا خاتم زواج. لا يمكنني ببساطةٍ تجاهل الأمر.
في النهاية، ذهبتُ إلى مركز الشرطة للبحث عن الخاتم المفقود.
عند دخولي المركز الواقع في وسط المنطقة المركزية، اعترض طريقي رجلٌ عند المدخل.
“كيف يمكنني مساعدتك …؟ أوه! أليست هذه دوقة أستريا؟”
كان الرجل يبدو متعبًا، لكنه تحدّث بصوتٍ ودود. ابتسمتُ ببرودٍ لأن اللقب لم يكن مألوفًا لي بعد.
“ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
“لقد سُرق مني شيءٌ وأريد الإبلاغ عن ذلك.”
“آه، لقد انتشرت سرقة الجيوب مؤخرًا بشكلٍ كبير.”
“سمعتُ أن عدد اللصوص في ازدياد.”
“نعم، لا أعرف السبب، لكن عدد اللصوص زاد فجأة. حتى وقتٍ قريب، كانت وزارة الرعاية الاجتماعية التابعة للقصر الإمبراطوري توفّر المال والوظائف للعامة، فهدأت الأمور قليلًا.”
أطلق الفارس تنهيدةً طويلة، متذكّرًا الأسبوع الماضي عندما كانت الأمور هادئة.
لكنني كنتُ قلقة. إذا زاد عدد اللصوص فجأة، فلا بد أن هناك سببًا.
الاحتمال الأكبر هو اختلاس الأموال.
لا يمكن أن تكون سيفجي هي المسؤولة. إذن، فهذا يعني أن شخصًا ما في وسط سلسلة التوزيع سرق الأموال المخصّصة للعامة…
“إذن، ما الذي سُرق منكِ؟”
“لقد فقدتُ خاتم زواجي.”
“ياللهول! خاتم زواجكِ؟”
استفسر الرجل بصوتٍ مرتفعٍ مما جعل الفرسان الآخرين ينظرون إلينا.
“صوتكَ مرتفعٌ بعض الشيء.”
“اعذريني. انتظري قليلًا، سأُحضر الأوراق اللازمة.”
بينما كان الفارس يذهب لإحضار الأوراق، اقترب فارسٌ آخر وسأل.
“لا بد أنكِ حزينةٌ جدًا لفقدان خاتم زواجكِ. هؤلاء اللصوص الأوغاد! بالمناسبة، قائد فرسان القصر موجودٌ هنا بالداخل، هل تريدين أن أستدعيه لكِ، سيدتي؟”
“ماذا؟”
ارتبكتُ كثيرًا عند سماع الاسم. كنتُ أفضّل إنهاء الأمر بهدوء، لذا هززتُ رأسي رافضة.
“لا أريد إزعاج شخصٍ مشغول. ربما من الأفضل أن أعود في وقتٍ آخر.”
تركتُ الفترس الذي بدا متعاطفًا وحاولتُ المغادرة بسرعة، لكن…
“شاتيريان؟”
سمعتُ صوتًا مألوفًا.
اقترب إيتشيد بخطواتٍ ثابتة، وكان يبدو سعيدًا لرؤيتي. على الرغم من أننا رأينا بعضنا في الصباح، إلّا أنه تصرّف وكأننا لم نلتقِ منذ وقتٍ طويل.
شعرتُ بالحرج. لم أفعل شيئًا خاطئًا، لكنني شعرتُ بتأنيب الضمير.
“آه … لـ لقد فقدتُ شيئًا.”
أخفيتُ إصبعي خلف ظهري وتجنّبتُ النظر إليه، محدقةً في قدمي.
“ماذا فقدتِ؟”
“سيدتي! هذه الأوراق التي تحتاجين لمِلئها. لكن للأسف، من النادر العثور على أشياءٍ ثمينةٍ مثل خاتم الزواج.”
كما هو متوقع، جاء الفارس صاحب الصوت العالي بالأوراق وكشف الحقيقة.
ليس لدي خيارٌ الآن. تنهّدتُ وهززتُ رأسي.
“آسفة، لقد فقدتُ خاتم زواجي.”
أريتُه إصبعي الخالي من الخاتم. شعرتُ بالندم لعدم قدرتي على الحفاظ على شيءٍ بسيطٍ مثل الخاتم.
لكن تعابير وجه إيشيد ظلّت هادئةً كالعادة.
“لا داعي للأسف. ليس خطأكِ أنكِ سُرقِتِ.”
هذا صحيح، لكن… لماذا أشعر بهذا الغضب الغريب؟
“هل يمكننا العثور عليه؟”
“سنعثر عليه قريبًا.”
كان متأكدًا بشكلٍ غير عادي.
“هل عثرتَ بالفعل على مخبأ اللصوص؟”
“لا.”
“إذن ماذا؟”
“في الواقع، سرقة الخاتم ستساعدنا في القبض على عصابة اللصوص.”
“ماذا؟”
قال إيشيد ذلك وهو يخلع الخاتم من إصبعه ويضعه على كفه.
“ماذا ستفعل بهذا؟”
“أحجار الذاكرة المستخدمة في خواتم الزواج تسمى “ميميرايت”. حتى إذا قُسِمت إلى نصفين، فإنها تميل إلى الاتحاد مرّةً أخرى. لذا، إذا كان لديكَ نصف، فإنه يقودكَ إلى النصف الآخر.”
“حقًا؟ هذا مدهش.”
عندما أغلق كفّه ثم فتحه، بدأ الخاتم يتوهّج بضوءٍ خافت. ثم بدأ يتحرّك وكأنه يتم جذبه إلى شيءٍ ما.
كنتُ مبهورةً بوظيفة الخاتم التي لم أرها من قبل.
“لكن لماذا لم تخبرني بهذا من قبل، إيشيد؟”
إذا كانت هذه الميزة موجودة، فسيتمكّن إيشيد من العثور عليّ بسهولةٍ أينما ذهبت. حتى بعد الطلاق.
بقي إيشيد صامتًا لفترةٍ قبل أن يرفع رأسه فجأة.
“…سنذهب الآن للقبض على عصابة اللصوص.”
‘أنظر إلى هذا؟’
حثّ إيشيد الفارس الذي بجانبه. كان من الواضح أنه يريد تغيير الموضوع، فابتسمتُ بضحكةٍ مكتومة.
‘إنه لطيف، جدًا لطيف.’
لطيف؟ تيبّست زوايا فمي من إدراكي المفاجئ.
من الصحيح أنني بدأتُ أشعر بانجذابٍ عاطفيٍّ تجاه إيشيد، لكن التعبير عن ذلك كان لا يزال مُحرِجًا للغاية.
كنتُ بحاجةٍ إلى وقتٍ لأستعد. في الحقيقة، ربما أحتاج إلى وقتٍ طويلٍ جدًا.
مجرّد تخيّل التعبير عن مشاعري لإيشيد جعل معدتي تضطرب.
لمحاولة التخلّص من هذا الشعور الغريب، فركتُ صدري ونظرتُ حولي في مركز الشرطة المزدحم. كان فرسان القصر الإمبراطوري والجنود يستعدّون للخروج للقبض على المجرمين.
“هل ستذهبين إلى القصر أولًا؟”
“مم… لا. إذا استغرق انتظاركَ وقتًا طويلًا، فسأذهب لاحقًا.”
قرّرتُ أن أقضي الوقت في انتظاره بمراجعة الأوراق التي أعطاني إياها سِيد.
بدا إيشيد سعيدًا عندما أخبرتُه أنني سأنتظره.
أولًا بدا سعيدًا لرؤيتي، والآن يبدو مسرورًا لأنني سأنتظره…
‘في الآونة الأخيرة، قدرتي على قراءة مشاعر إيشيد أصبحت ضعيفة.’
“سأُنهي الأمر بسرعةٍ وأعود.”
“حسنًا.”
أجبتُ بهدوءٍ بينما هززتُ كتفي.
تحقّق إيشيد من سيفه عند خصره وغادر مركز الشرطة، ثم تبعه البقية.
“سيدتي، هل ترغبين في الجلوس هنا؟ هل تريدين بعض الشاي؟”
“نعم، من فضلك.”
بينما كنتُ جالسة، مرّ العديد من الأشخاص عبر مدخل مركز الشرطة. نظرًا لأنني كنتُ جالسةً بالقرب من مكتب الاستقبال، سمعتُ العديد من المحادثات دون قصد.
بما أن هذا مركز شرطة، كانت معظم المحادثات متعلّقةٌ بالجرائم والحوادث. أشبه بغرفة شكاوى موسّعة.
لكن الاستماع إلى محادثات الآخرين دون إذنهم ليس من الأدب، لذا ركّزتُ على الأوراق، لكن لا يمكن منع الصوت من الوصول إليّ.
“كيف يمكنني مساعدتك؟”
“لقد فقدتُ شيئًا في الشارع.”
“اكتب اسمكَ والشيء المفقود هنا.”
كان هذا الزائر الخامس الذي يفقد شيئًا بسبب اللصوص.
رفعتُ نظري قليلًا ورأيتُ الرجل يملأ الأوراق. كان رجلاً أشقرًا يرتدي ملابس مسافر، وبدا مألوفًا جدًا.
عندما شعر الرجل بنظري، رفع رأسه فالتقت أعيننا. كنتُ متأكدةً أنني أعرفه، لذا ابتسمتُ.
“هل سُرق منكَ شيء؟”
ابتسم ماسيتيكي بسعادة، لكنه بدا مُحرَجًا بعض الشيء. أنهى تعبئة الأوراق وسلّمها للفارس، ثم جاء إليّ.
“ما الذي تفعله دوقة أستريا هنا؟”
قالها وهو يبتسم بخبث. كان يعرف أنني لا أحبّذ هذا اللقب، لكنه استخدمه عمدًا.
أجبتُ بلطف
“أنا في انتظار زوجي.”
تصّرفتُ كزوجةٍ مطيعة. الشخص الذي ارتبك هذه المرة كان ماسيتيكي.
هذا ما يستحقه، لماذا تلعب مقلبًا لا تستطيع الفوز به؟
تجاهلتُ إحراجه وحاولتُ تغيير الموضوع.
“إذن، ما الذي سُرِق منك؟”
“قلادة. كان بداخلها صورةٌ لعائلتي.”
نظرته كانت فارغة، لكنها مليئةٌ بالحنين. وضع يده على رقبته، ثم أدرك أن القلادة ليست هناك فأعاد يده.
شعرتُ ببعض الإحراج بسبب الجو العاطفي.
حتى لو كنتُ لا أستمتع بالحديث عن الأمور الشخصية، فإن العمل مع
شخصٍ لمدّة عامين يجعلني أعرف بعض التفاصيل عن حياته، خاصة العلاقات العائلية.
تذكّرتُ وجه ماسيتيكي المنشرح بسعادة عند تلقّيه رسائل من عائلته البعيدة.
لكن الآن، تعابيره كانت مختلفةً تمامًا، مليئةٌ بالحزن.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 61"