«تذكّري جيداً، الوحيد الذي يمكنه إنهاء العقاب هو ذلك الطفل، لكن الوحيدة التي يمكنها إنهاء الوضع هي أنتِ.»
هذا ما قالته لي الآلهة. لا بد أن إيشيد هو مَن أراد أن ينتهي العقاب.
لا أعرف ما هو ‘ذلك الموقف’، لكني متأكدةٌ أن المقصود هو طريقة إنهاء العقاب.
في المعبد القديم الذي زرناه، قال إيشيد إن العقاب سينتهي عندما يتوقّف عن التدخّل في حياة وموت البشر.
«أنتِ لا تعرفين كم تعرّضتِ للخطر في حياتكِ السابقة.»
تبعتها همسةٌ غامضةٌ جعلت الدموع تملأ عينيّ فجأة.
كلّ شيءٍ كان يشير إلى حقيقةٍ واحدة. كان إيشيد ينقذني طوال الوقت. القديسة منذ 500 عام، وأيضًا كلّ مَن ولدوا من جديدٍ بعدها.
“توقف عن إنقاذي الآن. لنُنهِ العقاب.”
اتّسعت حدقات إيشيد وارتجفت. نظراته الحائرة كانت تشبه تلك التي كان يرمقني بها في ذلك اليوم على التلّ حيث أعلنتُ نهاية الحرب.
“توقف عن تحمّل العقاب بسببي، وعُد إلى ما كنتَ عليه.”
“لكنني…”
هزّ رأسه.
“لستَ مضطرًا لإنقاذي. لذا حتى لو متُّ، لا تنقذني.”
قلتُ ذلك بحزم.
“لا تقلق. في هذه الحياة… اترُكني أموت.”
“….”
لكنني لم أستطع تركه وحده، لذا وعدتُه.
“لكنني سأحاول ألّا أموت. سأعيش بأمان… بعيدًا عن الحوادث والمخاطر. وسأعيش معكَ لأطول فترةٍ ممكنةٍ قبل أن أموت.”
هل تعلم حتى كم كان هذا القرار صعبًا؟ لقد تخلّيتُ حتى عن حلمي في حياةٍ ريفيةٍ هادئة! لذا لا ترفض طلبي، أتفهم؟
لذا ناشدتُه بصمت.
بعد تردّد، أجاب إيشيد بتنهّد.
“حسنًا. سنعيش معًا… لفترةٍ طويلة.”
“نعم. معًا.”
لم نَعِدْ بوعدٍ بالخلود. لن نعقد أيّ وعودٍ تتجاوز الزمن.
كلّ ما أريده هو أن ينتهي هذا القيد في هذه الحياة.
في تلك الليلة، صلّيتُ من كل قلبي أن ينتهي هذا الألم هنا.
***
في وقت الظهيرة الهادئة، كان فيل يستمتع بوقت فراغه بعد أن أنهى عمله مبكّرًا.
ولم يكن الوحيد الذي يفعل ذلك.
مكتب مساعد قائد الفرسان كان مليئًا بالضحكات هذه الأيام.
لو تم السؤال عن أكثر قسمٍ في القصر الإمبراطوري هدوءًا وسعادةً هذه الأيام، لتم اختيار هذا المكتب دون تردّد.
والسبب الرئيسي كان سعادة الإمبراطور بعد أن تحقّق حلمه القديم.
جعلته حالته المزاجية الجيدة يوافق على كلّ الطلبات بسهولة.
انتهز رؤساء الأقسام الآخرين الفرصة لتقديم أوراقهم المُعلَّقة، ممّا أرهق الموظفين تحته.
لكن مكتب مساعد قائد الفرسان كان الاستثناء الوحيد.
“أتمنى لهما حياةً سعيدةً معًا.”
“نعم، بالتأكيد.”
كان الموظّفون يردّدون هذه العبارة كأنها تعويذةٌ هذه الأيام.
جميعهم يتمنّون السعادة لرئيسيهم.
“لو تشاجرا يومًا…”
“سيكون أمرًا فظيعًا.”
“لكن أليس من الجيد أن القائد لا يهتمّ حتى لو تشاجرا؟”
“صحيح، لكن لو كان زوجي يتجاهلني هكذا، لكنتُ غضبتُ!”
“حسنًا، السيدة شاتيريان عاشت معه وقتًا أطول منا. هي تعرفه جيدًا.”
“لكن ما زلتُ لا أصدق أنهما تزوّجا بعد كلّ تلك المشاحنات!”
“لهذا السبب يقولون إن الكره القريب من الحب أخطر!”
عاد المشهد نفسه إلى أذهان الجميع.
كلما التقى الاثنان، اشتعلت بينهما مشاجراتٌ صاخبة. مع أن الطرف الأكثر صخبًا كان رئيسة المكتب ذات الشعر الوردي.
لكن لا يمكن لومها وحدها، فقائد الفرسان ذو الشعر الفضي كان يستفزّها بمهارة.
“أنا أتفهّم لماذا تغضب السيدة شاتيريان هكذا.”
رغم أن البعض يخاف من ‘أميرة غرفة الشكاوى’، إلّا أن موظّفي مكتب المساعدين يكنّون لها احترامًا كبيرًا.
فهي تتظاهر بعدم الاهتمام بالآخرين، لكنها في الحقيقة تهتم بهم أكثر من أيّ أحد.
تعتني جيدًا بكلّ ما تعتبره ضمن نطاق مسؤوليتها.
“كم نحن محظوظون أنها أدرجت مكتبنا ضمن نطاقها، رغم كرهها لقائد الفرسان!”
أشاد الموظفون بكرمها مرّةً أخرى.
**
بينما كان القصر الإمبراطوري، أحد مراكز السلطة في إمبراطورية كينتري، يتمتع بالهدوء، كان المعبد المقدّس، المركز الآخر للسلطة، في حالة فوضى.
“وحي! لقد نزل وحيٌ من الآلهة!”
لأوّل مرّةٍ منذ قرن، نزل وحيٌ إلهي.
لكن المفاجأة كانت أن المُستقبِل لم يكن البابا، بل ‘أنيلا’، المتدرّبة على منصب القديسة.
تجمّع الكهنة بقلقٍ أمام غرفة الصلاة حيث كانت أنيلا.
عندما خرجت، كان تعبيرها غامضًا.
“ماذا قالت الآلهة؟!”
“لقد … تم تعييني كقديسة… ممثلتها على الأرض.”
“يا إلهي!”
حبس الجميع أنفاسهم.
القديسة هي ممثلة الآلهة، ولا يمكن تعيينها إلّا بوحيٍ إلهي.
لكن لم ينزل وحيٌ منذ قرن، لذا لم تكن هناك قديسةٌ رسميةٌ في الإمبراطورية.
بدلًا من ذلك، كانوا يختارون متدرّباتٍ ذوات قوّةٍ مقدّسةٍ عالية.
وأنيلا، الأقوى بينهن، أصبحت القديسة الجديدة.
قبل أن يتمكنوا من الاحتفال، أضافت أنيلا بصوتٍ حزين.
“وأيضًا… “
بلع.
اخترق صوت شخصٍ يبتلع لعابه الآذان بوضوح.
” سيظهر ساحرٌ أسودٌ قريبًا ويعيث فسادًا في العالم. عليكم إنقاذ العالم.”
تذكّروا البرقية الإمبراطورية التي وصلت قبل فترة، والتي تحدّثت عن الساحر الأسود.
“يبدو أن العالم على وشك الاضطراب مرّةً أخرى.”
نظر الجميع إلى السماء الصافية، التي بدت كهدوء ما قبل العاصفة.
***
انتهت الرحلة الطويلة. عندما رأيتُ واجهة القصر من بعيد، شعرتُ برغبةٍ في البكاء من الفرح.
“لا شيء يضاهي العودة للمنزل، مهما كانت الرحلة جميلة.”
قلتُ هذه العبارة النمطية وأنا أغطّ في السرير كعادتي، راغبةً في البقاء هناك لأيام.
لو كان معي كتابي المفضل، الشاي، والوجبات الخفيفة، لكنتُ حققتُ حلم ‘الكسولة المحترفة’.
لكن أكبر مشكلةٍ هي أنني سأعود للعمل غدًا دون استراحةٍ كافيةٍ بعد السفر الطويل.
“على الأقل حظيتُ ببعض الاسترخاء.”
“سيعجب زوجتي. شكرًا لكِ.”
كانت هديتي لـفيل عبارةٌ عن مجموعة أواني مصنوعة يدويًا. أبقيتُ السعر سرًّا من أجله.
أيضًا، اشتريت هدايا لموظفي مكتب المساعدين، وأعضاء فرقة الفرسان، وطلبتُ من كيرين زيارة مقرّ جلالته، أورغون، والدوق ميليس.
بينما كنت أوزّع الهدايا، مرّ الصباح سريعًا.
“هل سمعتِ عن الوحي الإلهي وتنصيب أنيلا كقديسة؟”
“نعم، سمعت.”
وسمعتُ عن الجزء الآخر من الوحي من الإمبراطور.
“الأحداث السعيدة لا تتوقف هذه الأيام.”
لو سارت الأمور كما في القصة الأصلية، لكان تنصيب أنيلا قديسةً خبرًا سعيدًا.
لكن مع نزول وحيٍ عن الساحر الأسود، لم يعد الأمر بهذه البساطة.
حاولتُ الحصول على معلوماتٍ في الإمبراطورية، لكن دون جدوى.
حتى الصحراء التي زرتُها لم أجد فيها أيّ أدلّة.
بينما كنتُ أفكّر في البحث في الكتب المحظورة في المعبد والقصر، سمعتُ طرقًا على الباب.
كان سِيد آرتوريتو.
“الأميرة شاتيريان … همم، أم هل يجب أن أناديك الآن دوقة أستريا؟”
جعلني هذا اللقب أشعر بغرابة. هززتُ رأسي.
“فقط… نادني ‘رئيسة’.”
انتقلنا إلى غرفة الاستشارات المجاورة.
“أولًا، ألقِ نظرةً على هذا من فضلكِ.”
فرد سِيد رسوماتٍ للمبنى من الخارج والداخل. كلّها مطابقةٌ لطلباتي.
“هل هذا ما تريدينه؟ المتجر اكتمل بنفس المواصفات.”
“أجل. إنه مثالي. كنتُ مشغولة، لذا لم يتسنَّ لي الوقت لرؤيته بنفسي.”
“في الطابق الأول، صنعتُ واجهة عرضٍ من الزجاج المُعالَج لعرض المنتجات كما أردتِ.”
“هذا جيد، أحسنت.”
“والأمر الذي أوكلتيه لشركة آرتوريتو قد اكتمل أيضًا.”
“حقًا؟ حسنًا… أحتاج عشرة عمّالٍ أقوياء للعمل في المتجر لمدّة شهر.”
“حسنًا.”
“ماذا عن باقي الموظفين؟”
“اختار لطاهي جيف فريق المطبخ بنفسه، وسنوفر الباقين م
ن الشركة.”
“جيد. هل جيف مستعد؟”
“نعم، أخبريه متى شئتِ.”
“حسنًا. إذًا لنفتح المتجر في الوقت الذي ستزداد فيه الشهية!”
ابتسمتُ وأنا أتخيّل الأرباح الوفيرة القادمة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
يمكنكم قراءة الفصول المتقدمة لغاية فصل 69 على قناة التيلجرام، الرابط: Link
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 59"