من الواضح أن تلك الكلمات كانت مما قالته عجوزٌ في القرية التي مكثنا فيها قبل الذهاب إلى غابة هالتونيا.
عندما التفتُ نحو مصدر الصوت، رأيتُ عجوزًا جالسةً أمامها بضائع منشورة.
كانت قد وضعت كرةً بلوريةً تتلألأ بضوءٍ بنفسجي، مما جعلها تبدو كعرّافةٌ تقدّم خدمات التنجيم.
قالت العرافة التي كانت ترتدي رداءً أسودًا فجأة.
“لكن الطريق أمامكِ لا يزال طويلًا. تسك تسك. طاقتكِ ليست جيدة جدًا.”
ابتسمتُ بتكتمٍ عندما رأيتُها تهزّ رأسها وهي تتكلم. كان نمط كلامها واضحًا. تقول إن طاقتكَ ليست جيدة، ثم تطلب منكَ أن تستمع لنبوءتها أو تشتري شيئًا.
“يا سيدتي، انتبهي لمَن حولكِ. إنه أمرٌ سيءٌ جدًا.”
“لا يوجد أحد حولي سوى هذا الشخص بجانبي.”
“هذا الشخص ليس إنسانًا.”
“… هااه!”
لم أستطع كتم تعجبي. هل من الواضح أن إيشيد ليس إنسانًا؟ نظرت إليه مندهشة، لكن مهما تفحصته، بدا إيشيد في هيئة إنسان.
‘ماذا؟ هذا يزيد مصداقيتها تمامًا.’
“وهل هناك المزيد؟”
جلستُ أمام العرّافة وأنا متحمّسة. كان من الممتع جدًا رؤية نبوءةٍ بعد فترةٍ طويلة.
“أنتما ثنائيٌّ مقدّرٌ من الآلهة، رفيقا أرواحٍ لا يمكن فصلكما.”
يا إلهي! أصابتني القشعريرة من شدّة الدهشة.
كانت نبوءةً دقيقةً جدًا. لدرجة أنني بدأتُ أشكّ بشكلٍ منطقيٍّ أن الآلهة نفسها تتلبّس هذه العرافة.
هزّت العرافة جرّةً فارغةً قائلةً إنها قالت كلّ ما لديها.
أخرجتُ عملةً ذهبيةً وأظهرتُ كامل تقديري، ثم هممتُ بالنهوض، لكن العرّافة ألقَت كلماتها الأخيرة بنبرةٍ عابرة.
“لا تتباعدا دون سبب. قد يودي ذلك بحياتكما.”
نظرتُ إليها بقلق، لكنها أصرّت على الصمت وهي تربّت على ظهرها المنحني. كان واضحًا أنها لن تجيب لو سألتُها عن معنى كلامها.
لم يكن أمامنا إلّا أن نغادر ونحن نحمل هذا الشعور المزعج.
* * *
بدا أن الشوارع كانت مكتظةً بسبب مهرجان المياه.
قيل إن هناك عرضًا في الساحة المركزية اليوم للاحتفال بالمهرجان.
“سوف تضيعين.”
نبّهني إيشيد بينما كنتُ ألتفتُ حولي، ثم أخذ ذراعي ووضعها في ذراعه.
“تلك العرّافة كانت بارعةً جدًا، أليس كذلك؟”
تحدّثتُ بحماسٍ عن العرّافة بينما كنتُ أعانق ذراع إيشيد.
“ربما خمّنت أننا من العاصمة لأننا نبدو وكأننا من مكانٍ بعيد.”
“لكنها عرفت أنكَ لستَ إنسانًا.”
“عادة… لا يقول الناس إنني أبدو كإنسان.”
امم، هذا صحيح.
“لكن، لكن! قالت إننا ثنائيٌّ مقدّرٌ من الآلهة، رفيقا أرواح!”
“هذا شيءٌ تقوله العرّافات غالبًا للأزواج الجدد.”
عندما فكّرتُ في الأمر، كان هذا منطقيًا. كلّ شيءٍ بدا مترابطًا.
“إذن ماذا كان قولها الأخير…؟”
“مجرّد تحذيرٍ مثيرٍ للاهتمام ربما سَمِعته في مكانٍ ما.”
“أجل. ما الذي قد يجعلنا نموت إذا تباعدنا؟”
تبًا. لقد أهدرتُ عملتي الذهبية الثمينة.
“لكن الأمر كان ممتعًا للحظة، وهذا يكفي.”
قرّرتُ أن أنسى الأمر وأفكّر فيه بشكلٍ إيجابي.
كانت أراضي دوقيية أستريا مكانًا مثاليًا لقضاء ما تبقى من إجازتنا. كانت حيويةً بشكلٍ معتدلٍ ومجهّزةٌ بكلّ ما نحتاجه، تمامًا مثل العاصمة.
كانت مدينةً مريحةً جدًا، لدرجة أنه يمكن اعتبارها المدينة الثانية للإمبراطورية.
بينما كنتُ أتأمّل الفوانيس الملونة التي تليق باسمها، اصطدمتُ بشخصٍ ما.
“أوه. أنا آسف. هل أنتِ بخير؟”
“آه، نعم… أوه…”
عندما رفعتُ رأسي، أصبتُ بالصدمة.
شعرٌ أحمر وعيونٌ حمراء. كان وجه الرجل اللطيف مألوفًا جدًا بالنسبة لي.
“ماسيتيكي!”
“شاتيريان؟”
ظهرت الدهشة على وجهه عندما تعرّف عليّ، وسرعان ما ابتسم ابتسامةً سعيدة.
“ما الذي تفعله هنا؟”
“بل ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
عانقني بقوّة. بينما كنتُ في أحضانه بعد فترةٍ طويلة، كنتُ لا أزال مصدومة.
لم أتخيّل أبدًا أنني سأقابله هنا. ثم فجأة، جاءت يد تفصل بيننا.
كنتُ مندهشةً لدرجة أنني نسيتُ أن إيشيد كان بجانبي.
أدرك ماسيتيكي وجود إيشيد وأصابته الدهشة.
“أوه… لماذا يكون قائد الفرسان هنا…؟”
نظر ماسيتيكي بيني وبين إيشيد. ابتسمتُ له ابتسامةً محرجة.
“هل حدث شيءٌ في القصر الإمبراطوري؟ هل خرجتما للتحقيق معًا؟”
حاول استنتاج السبب، وظهرت على وجهه تعابيرٌ جادّة.
يبدو أنه اعتقد أن الأمر يجب أن يكون خطيرًا جدًا لدرجة أن نخرج معًا إلى هذا المكان البعيد، نظرًا لعلاقتنا المتوترة.
“لا، ليس ذلك…”
من الطبيعي أن الأخبار لم تصل إلى هذا المكان البعيد. شعرتُ بالحرج دون سبب ومسحتُ عنقي.
“لقد تزوّجنا وجئنا في رحلة شهر العسل.”
“آه، فهمت. كان هذا هو السبب.”
“نعم.”
“آه… أوه… ماذا؟ ماذا فعلتِ…؟”
“لـ لقد تزوجنا.”
من الصعب تصديق ذلك، أليس كذلك؟ لا بأس، لا أحد يصدّق من المرّة الأولى على أيّ حال.
أظهرتُ له يدي ويد إيشيد التي ترتدي خواتم الزواج، محاولةً تفهّم ارتباكه.
كان خاتم الزواج الأخضر الذي ألبسني إياه إيشيد يتلألأ على إصبعي البنصر.
بغض النظر عن التعبير الفخور المليء بالرضا على وجه إيشيد، تجنّبت نظرات ماسيتيكي المليئة بالحيرة والتي تنتقل بيننا. كان سؤاله واضحًا.
“كيف حدث هذا؟”
“هل يحتاج الزواج إلى سببٍ خاص؟ لقد نشأت مشاعر بيننا، وهذا يكفي.”
إذا كانت المشاعر الكافية للكراهية تعتبر مشاعر، فهذه ليست إجابةً خاطئةً تمامًا.
“على أيّ حال، تهانينا. تهانينا، سيدي القائد. آه، بدلًا من ذلك، أودّ أن أدعوكما للاحتفال بلقائنا بعد فترةٍ طويلة، هل توافقان؟”
كان صوته متحمّسًا. مع أجواء المهرجان المرحة، لم أرغب في ترك ماسيتيكي يذهب بعد لقاءٍ طويل.
بدا أن إيشيد فهم نظراتي، فأعطى موافقته بسرعة.
“بالطبع.”
أخذنا ماسيتيكي إلى حانةٍ يعرفها في مكانٍ هادئ.
كان لديّ الكثير من الأسئلة.
لماذا كان في أراضي دوقية أستريا؟ كيف كان حاله كلّ هذه الفترة؟ لماذا استقال فجأة؟
“لا داعي للنظر هكذا، شاتيريان، سأخبركِ بكلّ شيء.”
قال وهو يبتسم، وكأنه قرأ أفكاري.
لطالما كان ماسيتيكي هكذا. لم يكن من العبث أنني قلتُ إنه يبدو وكأنه عاش ثلاث حيوات.
“احمم…”
شعرتُ بأنني بدوتُ متلهفة، فشعرتُ بالحرج وتحرّكتُ مقعدي بينما أشرب الماء.
“ما زلتِ تحبين السلطة بدون صلصة، أليس كذلك؟”
دفع الطبق نحوي بعد وضعه من قبل النادل.
“ما زلتَ تمتلك ذاكرةً قوية. لكن لا تخلق مثل هذه المواقف، سأرفضك.”
“تتكلمين بكلماتٍ غامضةٍ مرّةً أخرى. لقد كسبتُ قوت يومي من هذا.”
كانت ذاكرته ممتازةً مثل مهاراته في الكلام، وقد ساعدته كثيرًا في عمله الاستشاري.
“كيف كانت حياتكَ كلّ هذه الفترة؟”
سألتُ بينما أضع جزءًا من السلطة في طبق إيشيد.
“كنتُ أسافر هنا وهناك. وجئتُ إلى هذا المكان بالصدفة. مكثتُ هنا لمدة عامٍ تقريبًا.”
“هذه مدةٌ طويلة! لماذا استقلتَ فجأةً من مركز الاستشارات؟”
كان سؤالًا عاديًا، لكن للحظة، ظهرت موجة حزنٍ على وجهه المبتسم.
ثم لعب بشكلٍ اعتياديٍّ بالقلادة التي حول عنقه.
“لقد تعبت. بصراحة، سماع مشاكل الناس طوال اليوم ليس أمرًا سهلًا.”
كان سببًا منطقيًا جعلني أتفهّم استقالته.
بما أنه كان الأفضل في مركز الاستشارات، كان لديه الكثير من العملاء، وكان هذا معروفًا لدى الجميع في القصر الإمبراطوري.
‘همم، حتى العلاج بالمال لا يستطيع تحمل هذا الضغط.’
حتى مع أن رواتب مركز الاستشارات كانت أعلى من الأقسام الأخرى، إلّا أن الضغط كان هائلًا.
“يكفي حديثًا عن الأشياء المحزنة! لنشرب!”
أمسكتُ الكأس المليء بالنبيذ، لكن إيشيد – مدمّر اللحظات السعيدة – أوقف يدي.
دارت معركةٌ صامتةٌ بيننا. حاولتُ سحب الكأس بقوّة، لكنني لم أستطع التغلّب على إيشيد.
“لقد قابلتُ صديقًا بعد فترةٍ طويلة…”
قلتُ بأكثر صوتٍ متوسّلٍ ممكن.
“مَن يعرف متى سنلتقي مرّةً أخرى…”
بدأت قوة إيشيد تضعف تدريجيًا.
“آه، أنا أيضًا سأعود إلى العاصمة قريبًا.”
“ماذا؟”
عادت القوة إلى يد إيشيد فجأة، وسحب الكأس مني.
“آه، يا للهول…”
نظرتُ إلى ماسيتيكي الذي تسبّب بذلك دون قصد، فتجنّب نظري وشرب من كأسه.
هو لا يشرب حتى، ومع ذلك …
نظرتُ إلى الكأس المسحوب بحسرة. لقد أهدرنا المال دون داعٍ.
“يبدو أن لديكَ مالًا فائضًا.”
“لدي.”
“… أنتَ مزعج! مزعجٌ جدًا!”
لم يبقَ لي إلّا أن أغضب وأمضغ الخضار.
“يبدو أن الزواج لم يغيّركِ …”
ضحك ماسيتيكي. نظرتُ إليه بعينين منزعجتين وطلبتُ منه ألا يضحك.
وبالحديث عن التغيير … نظرتُ خلسةً إلى يدي اليسرى التي كان إيشيد يمسكُ بها.
كان يمسكُ بها كطفلٍ يخشى الضياع، وأصبح الأمر طبيعيًا الآن. على الرغم من أنه كان مزعجًا، إلّا أنني لم أكره ذلك فتركتُ الأمر.
“بالمناسبة، مَن هو رئيس مركز الاستشارات الآن؟”
“أنا.”
“ماذا؟”
“لا تسخر مني. أعرف أن المنصب لا يناسبني.”
لم يكن المنصب الذي أُجبِرتُ على شغله بسبب كوني نبيلةً أمرًا أسعى إليه حتى.
على الرغم من أنني قابلتُ ماسيتيكي بعد فترةٍ طويلة، إلّا أنني لم أشعر بأيّ غرابة.
كنتُ سعيدةً بهذا اللقاء الصدفة.
كنتُ أشعر بالأسف دائمًا لأنه اختفى فجأة، لذا كان من الجيد سماع أخباره ولو بهذه الطريقة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 57"