تمت السيطرة على الوضع في المعسكر بسرعة. بعد التخلّص من الوحوش المتبقّية، لم يتبقَّ سوى تنظيف الجثث.
أصابني النسغ الأخضر المتناثر هنا وهناك بألم في معدتي وشعرتُ بالشحوب، فأرسلني الفرسان المسؤولون عن مرافقتي إلى الداخل لأستريح في العربة.
سهرتُ طوال الليل. كنتُ أعلم أن القلق لا طائل منه، لكنني لم أستطع النوم بسبب قلقي على إيشيد الذي دخل إلى الغابة.
قبيل الفجر، عندما كان الوقت متبقياً قليلاً لطلوع النهار، فجأة، أصبح الجو في الخارج صاخبًا. خرجتُ مسرعةً من العربة.
“أنت …”
ثم أصبتُ بالصمت عندما واجهتُ إيشيد. كان إيشيد يتكئ على ثالتوس للحصول على الدعم.
كانت هذه هي المرّة الثانية التي أرى فيها إصابته، لكنها المرّة الأولى التي أرى فيها دمه.
كادت جملة ‘ألم أقل لكَ ألا تذهب؟’ أن تخرج مني، لكني كتمتُها.
ذهبتُ إلى الفارس الذي كان يضمّد جرح إيشيد ونكزتُ ساعده.
“أعرف كيفية استخدام القوّة المقدّسة للعلاج.”
على الرغم من أنني كنتُ منزعجةً من أورغون وتصرّفاته المزعجة، إلّا أن الطريقة التي علّمتني إياها أنيلا للتعامل مع القوة المقدسة كانت مفيدة.
كما أنني تعلّمتُ عن الإحساس الذي وصفه كاهن معبد آلهة الرحمة، حيث شعرتُ أن القوّة المقدّسة تتدفّق بينما يحجب شيءٌ ما تدفّقها.
لتبسيط الأمر، كان الأمر مثل سدادة زجاجة. القوّة المقدّسة موجودةٌ بالداخل، لكن شيئاً ما يعيقها.
نظراً لأنني لم أكن أعرف كيفية فتحها، فقد استخدمتُ حيلةً لاستخدامها. كنتُ أستخرج القوّة المقدسة من خلال الشقوق الدقيقة في السدادة. الكمية كانت قليلة، لكنها مفيدةٌ جداً.
“لا تستمع إلى الكلام أبداً.”
تذمّرتُ ووضعتُ يدي على جرح إيشيد. استخدمتُ طريقة العلاج بالقوّة المقدسة كما تدرّبتُ مع أنيلا.
على الرغم من أن الجرح بدا عميقاً جداً، إلّا أن إيشيد لم يتأوّه من الألم ولم يقطّب وجهه.
نظراً لأن القوّة المقدّسة ضعيفة، لم يكن هناك تأثيرٌ دراماتيكي، لكن الجرح كان يشفى تدريجياً.
“لقد تحسّنتِ في استخدام القوّة المقدّسة.”
“بالطبع. مَن تعتقد أنني أكون؟”
نزعتُ يدي من الجرح الذي شُفِي تقريباً وتركتُ المتابعة للفارس مرّةً أخرى. قام بتنظيف الدم المتجلّط ولفّ قطعة قماشٍ بيضاء حوله تحسّباً.
فقط عندها خفّ التوتر وثقلت جفناي.
“هل تأذّيتَ في أيّ مكانٍ آخر؟”
غطّت يده، الباردة من هواء الصباح الباكر، جفوني الساخنة. لم أستطع الغضب لأنني كنتُ أعرف أن هذه طريقته في طلب المغفرة، لأنه شعر بالأسف اتجاهي.
“كنتُ قلقة. كنتُ سأغضبُ حتى لو عدتَ سالماً، لكنني غاضبةٌ أكثر الآن بعودتكَ مصاباً.”
“أنا آسف.”
“كيف لشخصٍ يطير بسهولةٍ في العادة أن يُصاب؟”
بعد أن حظي بحظٍّ لا يُصدَّق حيث لم يتعثّر حتى بحجر، لماذا يجب أن يُصاب الآن، أمام عيني؟
“سأكون أكثر حذراً في المستقبل.”
عندما أزال يده عن جفني، التقت عيناي بإيشيد الذي كان يبتسم.
“لماذا تبتسم؟ ما الذي فعلتُه حتى يجعلك تبتسم؟”
حدّقتُ في إيشيد، عابسة.
“حسناً… آه. أُعذراني على المقاطعة، لكنه الصباح. لقد انتهينا تقريباً، لذا عليكما الذهتب إلى أراضي دوقية أستريا أو إلى أيّ مكانٍ آخر قبل أن تظهر الوحوش مرّةً أخرى وتصبح الأمور خطيرة.”
كان السبب واضحاً، لكنه كان طرداً واضحاً أيضًا للضيوف.
“حسناً … حتى قائدٌ كهذا تزوّج…”
“أنا أيضاً سأتزوّج هذا العام …”
“……”
لماذا يتفاعل الجميع بهذه الطريقة مع ما فعلناه؟
على أيّ حال، كنا نخطّط لمغادرة المعسكر اليوم، لذا لم يستغرق تجهيز أمتعتنا وقتاً طويلاً.
قال إيشيد إن لديه ما يناقشه مع أعضاء فرقته وغادر. ثم اقترب ثالتوس بخفة.
“الرئيسة. كنتُ في حيرةٍ من أمري إذا كنتُ سأخبركِ أم لا، لكن يبدو أن غضبكِ قد خفّ.”
“لماذا؟ ما الأمر؟”
“رأى القائد حوريةً في الغابة. اتّخذت الحورية شكلكِ وسقطت من على الجُرف أمامه، لذا تبعها حتى مع أنه عرف أنها ليست أنتِ. ثم تعرّض للهجوم وأصيب. هل كانت قوّة الحبّ أو شيءٌ من خذا القبيل …”
“أنت تفسد اللحظة، سير.”
“احمم.”
“على أيّ حال، شكراً لإخباري.”
“نعم. إذن أتمنى لكِ رحلةً سعيدة. سأراكِ لاحقاً في القصر الإمبراطوري.”
“إذا أتيتَ إلى العاصمة، سأحضر لكَ بعض النبيذ الجيد.”
عند هذه الكلمات، ابتسم ثالتوس ابتسامةً عريضةً وابتعد.
ظننتُ أنه أصيب فقط أثناء قتاله مع الوحوش، لكنه وقع في خدعة حوريةٍ وأصيب. علاوةً على ذلك، اتّخذت الحورية شكلي…
ندمتُ على سماع ذلك. شعرتُ بطعمٍ مرٍّ في فمي.
“هل أنتِ مستعدة؟”
“نعم. أعتقد أننا نستطيع الذهاب الآن.”
ودّعنا الفرسان.
كان استخدام قطعة الرّق التي تحمل دائرة الانتقال من أعلى مستويات الجودة بسيطاً. كل ما عليكَ فعله هو كتابة إحداثيات المكان الذي تريد الانتقال إليه في المكان المحدّد وتلاوة التعويذة المكتوبة بجانبه.
أخرجتُ قطعة الرّق من جيبي وتلوتُ التعويذة.
شعرتُ باهتزازٍ طفيفٍ في الفضاء، وعندما فتحتُ عيني مرّةً أخرى، كنتُ داخل أراضي دوقية أستريا.
اختفى الرّق الذي كان في يدي.
بعد المرور على الأرضية المنقوش عليها نفس الرسم الموجود على الرّق، خرجنا من المبنى ورأينا أراضي الدوقية بأكملها أمامنا.
توجّهنا أولاً إلى المقر السابق لدوق أستريا، والذي أصبح الآن مؤسسةً حكوميةً تدير أراضي الدوقيية، لتقديم تقريرٍ عن الوضع. هناك، كان هناك جهاز اتصالٍ يتّصل مباشرةً بالعائلة الإمبراطورية.
ظننتُ أن التواصل معهم سيستغرق وقتاً طويلاً، لذا كتبتُ رسالةً موجزةً وسلّمتُها وغادرتُ المؤسسة.
كانت الشوارع صاخبةً جداً، ربما لأنها فترة مهرجان المياه. كما هو متوقعٌ من أكثر المناطق التجارية ازدهاراً في الدوقية، كانت الشوارع مزدحمةً بأنواعٍ مختلفةٍ من الناس.
أكثر ما لفت انتباهي في الشارع كان التمثال في منتصف الطريق، الذي لم يكن تمثالاً لإلهة بل تمثالاً لم أره من قبل. كان التمثال يصوّر شخصاً جاثباً يرتدي حجاباً ويدعو.
“تمثال قديسة أستريا؟”
كان اسم التمثال مكتوباً على اللوحة الموضوعة أمامه.
“إنها بطلةٌ أنقذت هذه المنطقة من الوحوش منذ زمن.”
أضاف أحد المارّة بفخر.
“هذا مثيرٌ للاهتمام.”
نظرتُ حولي بعينين متحمّستين. كان لدي أهدافي الخاصة وطموحاتي لقدومي إلى هنا، لكن … نظراً لأنها مكانٌ مشهورٌ كوجهةٍ سياحية، لم أستطع مقاومة النظر إلى المعالم السياحية.
“لنبحث أولاً عن مكانٍ للإقامة.”
“نعم.”
على الرغم من أنه كان بإمكاننا البقاء في منزل نبيلٍ قريب، إلّا أننا قرّرنا البقاء في نُزُل. نظراً لأنها وجهةٌ سياحية، كانت أماكن الإقامة مجهّزةٌ جيداً.
قيل أن النُزُل كان في السابق قصراً نبيلاً تم تجديده.
دخلنا إلى القصر عبر حديقةٍ متناظرةٍ على جانبي الطريق.
كما كان الحال في الخارج، كان الداخل كبيراً وفاخراً لا يُقارَن مع النُزُل الذي أقمنا فيه في القرية السابقة.
استقبلنا موظفٌ عند المنضدة بابتسامةٍ مُرَحِّبة.
“هل أنتما اثنان؟”
عندما أومأت، عرض عليّ الموظف قائمة الأسعار. كان الترتيب الأنيق يستحق السعر المرتفع.
بعد أن قضيتُ الليل بأكمله مستيقظة، كنتُ أرغب فقط في وضع رأسي على الوسادة والنوم.
حجزتُ أفضل غرفةٍ لعدّة أيام واتّبعتُ الدليل إلى الغرفة التي حجزتُها.
“شاتيريان. لديّ مكانٌ أريد الذهاب إليه، لكنني أشعر بعدم الارتياح لترككِ هنا وحدكِ.”
“إلى أيّ مدًى هو بعيد؟”
“أخطّط للذهاب إلى معبد آلهة العدل في الغابة الشرقية.”
إذا كان هذا هو المكان، فقد رأيتُه من قبل سواء في حلمٍ أو ذكرى.
على الرغم من أنني كنتُ متعبةً جداً لدرجة أنني كنتُ على وشك إغماض عيني، إلّا أنني أردتُ أن أرى ذلك المكان شخصيًا لسببٍ ما.
“أريد الذهاب أيضاً.”
“هل ستكونين بخير؟”
لمس إيشيد عيني المتعبتين. خلع قفازيه أثناء ترتيب الأمتعة، ولمست بشرته عيني مباشرة.
كنتُ أشعر بالتعب للتوّ، لكني شعرتُ أنني بخيرٍ الآن لسببٍ ما.
“أنا بخير. يمكننا النوم بعد العودة.”
ثم طلب إيشيد أن أذهب معه.
أغلقنا الباب بإحكامٍ وتركنا الغرفة.
كانت الشوارع لا تزال مزدحمةً بالناس.
نظراً لأننا كنا بحاجةٍ إلى ركوب الخيل للوصول إلى المعبد الذي ذكره إيشيد، بحثنا أولاً عن إسطبلٍ لاستئجار الخيول.
كانت آخر مرّةٍ ركبتُ فيها حصاناً منذ الأكاديمية. كنتُ قلقةً إذا كنتُ سأتمكّن من الركوب جيداً.
لكنني تلقّيتُ تعليماً مبكراً لأنني نبيلة … لذا سأكون بخير.
بينما أمسك الحوذي باللجام، صعدتُ إلى السرج بخطوة.
أمسكتُ اللجام بإحكامٍ واستقمتُ بظهري. قاد إيشيد حصانه بمهارةٍ وجاء إلى جانبي.
“هل تريدين الركوب معي حتى الآن؟”
“يمكنني الركوب بمفردي.”
رفضتُ عرضه وقُدتُ الحصان بحذر. كانت السرعة بطيئةً مثل زحف السلحفاة، لكنني استطعتُ التعوّد عليها تدريجياً.
عندما كنا على وشك مغادرة وسط المدينة، تمكّنتُ من الجري بالكامل.
هبّت الرياح وطارت خصلات شعري. مع الرياح المنعشة، شعرتُ أن التعب المتبقي يزول بعيداً.
“اتبعيني جيداً.”
بدا أن إيشيد سيركض بسرعة، لكنه أبقى على سرعةٍ معقولةٍ مع مراعاة سرعتي.
بينما كنتُ أتبع إيشيد، ركضنا على طول مسار غابةٍ هادئ.
كان طريق الغابة، الذي يتناوب بين المنحدرات الصغيرة والأراضي المسطحة، هادئاً.
فقط صوت أغصان الأشجار التي تهتز، وزقزقة الطيور، وصوت حيوانٍ يُسمَع أحياناً.
أخيراً، توقّفنا عند معبدٍ مهجورٍ لم تطأه قدم إنسانٍ منذ زمن.
من بين العمودين اللذين يدعمان مدخل المعبد، اختفى أحدهما بالفعل، ولم يعد هناك سقف.
بينما كنتُ أربط الحصان بالعمود السليم نسبياً، لاحظتُ نقشاً جديداً في قاعدة العمود. لحسن الحظ، لم يتآكل مع مرور الوقت، ويمكن رؤية دقّته.
تركتُ الحصان مربوطاً وسلكتُ الطريق إلى المعبد، حيث ظهرت كنيسةٌ صغيرةٌ رأيتُها في الحلم سابقًا.
لم يكن هناك سقف. لكن خلف تمثال الإلهة الحامل لميزان العدالة، كان الجدار الزجاجي لا يزال سليماً، منتشراً بهالةٍ مشرقة.
على الرغم من أنه لم يكن سليمًا كما رأيتُه في الحلم، إلّا أنه كان لا يزال معبداً جميلاً وساطعاً.
بدا وجه إيشيد، الذي كان ينظر إلى تمثال الإلهة، وحيداً بشكلٍ غريب.
في القصة الأصلية، كانت آلهة العدالة هي مَن عاقبت إيشيد. سبب العقاب كان أنه، باعتباره وحشًا إلهياً، أحبّ إنساناً.
في الآونة الأخيرة، علمتُ أن هناك ساحراً أسود متورّطاً في هذا أيضاً … لكن لا يزال هناك أجزاءٌ غير واضحة.
الكائن الإلهي والإنسان. ثم الساحر الأسود.
‘هل تواطأ إيشيد مع الساحر الأسود لكسب حبّ القديسة؟’
نظرتُ إلى إيشيد عند هذه الفكرة التي خطرت لي فجأة. لم يكن هناك شيءٌ آخر يمكن أن يثير غضب الآلهة.
‘لا، هذا ليس صحيحاً. لقد قيل إنها علاقةٌ شريرةٌ وطويلة الأمد.’
ما الذي حدث بينهم قبل 500 عام؟
من الصعب فهم كيف يمكن أن يُعاقَب كائنٌ إلهيٌّ لمئات السنين لمجرّد أنه أحبّ إنساناً.
“هل … يمكنني أن أسألكَ شيئاً؟”
نظر إليّ إيشيد دون إجابة. كان هذا تأكيداً.
ومع ذلك، كان من الصعب طرح السؤال على الفور، لذا تردّدتُ قليلاً قبل أن أفتح فمي بصعوبة.
“قبل 500 عام… أعني سبب عقابك. ماذا حدث بالضبط؟”
“لم يكن الأمر كبيراً. فقط …”
“فقط؟”
“إنسانٌ أنانيٌّ دفع القديسة في ذلك الوقت إلى الموت من أجل سلامته. كان هناك ساحرٌ أسودٌ وراء ذلك.”
“هل … انتقمت؟”
هزّ إيشيد رأسه.
“كان أقرب إلى الغضب من الانتقام. مات الساحر الأسود في ذلك الوقت، وعوقبتُ بأن أصبح إنساناً لقتلي إنساناً.”
“إلى متى ستستمرّ هذه العقوبة؟”
“حتى لا أتدخّل بعد الآن في حياة البشر وموتهم.”
لم يس
عني إلّا أن أشكّ في تلك الكلمات. لأنه بقدر ما أعرف، لم يهتم إيشيد أبداً بما إذا كان البشر يعيشون أو يموتون.
عندما لاحظ إيشيد نظري، ابتسم فقط ابتسامةً باهتة.
“أنتِ لا تعرفين كم تعرّضتِ للخطر في حياتكِ السابقة.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 55"