من بعيد، بدت معسكراتٌ متناثرةٌ هنا وهناك حيث انتشرت الخيام. أمامها، ترفرف أعلام إمبراطورية كينتري المطرزة بالذهب تحت هبوب الرياح.
عندما اقتربت عربةٌ تحمل شعار العائلة الإمبراطورية، انطلق صوت البوق. تجمع الفرسان عند سماع الصوت. أشرقت وجوههم فور رؤية المؤن. ثم لمحوا إيشيد ينزل أولاً من العربة فهتفوا ‘القائد!’ قبل أن يلاحظوا نزولي من بعده، سألوا، بنظرة حيرةٍ على وجوههم ‘أهذه الرئيسة؟’
“القائد!… والرئيسة أيضاً؟!”
لم يكن هناك شك، هذا صوت السير ثالتوس. التفتُ نحو مصدر صوته المليء بالبهجة.
“التقارير.”
كان هذا التصرّف نموذجياً لإيشيد، حيث انتقل مباشرةً إلى صلب الموضوع دون أيّ كلمات تشجيع.
“لا شيء غير عادي. لم تخرج أيّ وحوشٍ من الغابة. لا زيادةً ملحوظةً في أعداد الوحوش، لكننا نقوم بالقضاء على تلك التي تسبّب إزعاجاً.”
“سير ثالتوس، من الأفضل تفريغ المؤن من العربة أولاً.”
“آه! بالضبط عندما كادت مؤن الطعام تنفد. لم أتوقع أن يحضرها القائد والرئيسة شخصياً.”
بدت شفتاه الممزقتان تبدوان مبتهجتين حقاً. لم يتردّد ثالتوس وأمر الفرسان بنقل الأمتعة على الفور.
طوال الوقت الذي كان الفرسان ينقلون فيه الإمدادات، كانوا يلقون نظراتٍ خاطفةٍ في اتجاهي.
بالنسبة لإيشيد، فقد فهموا وجوده كقائد، لكن ظهور رئيسة مكتب الشكاوى ليس لها علاقةٌ بهذا المكان كان أمراً محيراً حقاً.
“هل هذا لأجل الصحة العقلية …؟”
آه، بدا أن هذا التفسير منطقياً بالنسبة لهم، فأخذوا يتهامسون فيما بينهم. ثم بدأوا يتحدثون عن أن هذا قد يكون جزءاً من برنامج رعاية الموظفين في القصر الإمبراطوري للفرسان المتعبين من صيد الوحوش.
“لكن استشارات الرئيسة المُباشِرة جداً …”
قام أحدهم بسرعةٍ بمقاطعة حديث ذلك الفارس.
أما أنا، التي وجدتُ نفسي فجأةً في وحدة استطلاع الوحوش، فقد هززتُ رأسي لتصحيح سوء فهم الفرسان.
“لقد تزوّجنا. نحن الآن في شهر العسل، وقد توقّفنا لفترةٍ قصيرةٍ لتسليم الإمدادات ولسماع التقرير عن الوضع الحالي من القائد.”
“آه … لقد تزوّجتم ثم أتيتم.”
حلّ صمتٌ مفاجئٌ على المكان. لم تكن صدمةً كبيرةً لهم، فقد كانوا قد غادروا بعد نشر خبر زواجنا في الجريدة، لكن يبدو أنهم ما زالوا غير مصدقين.
همس أحدهم متسائلاً إذا كان هذا موسم مهرجان المياه.
حسناً، سواء صدّقوا أم لا، كنّا زوجين شرعيين بعد تقديم وثيقة الزواج في المعبد.
“لا أستطيع تصديق أن القائد قد تزوّج.”
“لا بأس. في الحقيقة، أنا نفسي لا أصدق أن إيشيد تزوّج.”
لأكون دقيقة، حقيقة أن إيشيد تزوّج بي هي التي لا تُصدَّق.
سأل ثالتوس ضاحكاً إذا كنا سنبيت في المعسكر الليلة ونغادر غداً إلى إقطاعية ماركيز كولينس.
“لا.”
أجبتُه برفضٍ مبتسمةً انتصارًا.
مَن يكون داعمي؟ إنه إمبراطور هذه الإمبراطورية العظيمة.
أخرجتُ من جيبي قطعة الرق التي حصلتُ عليها من برج السحرة.
كانت قطعة رقٍّ عليها رسم أعلى مستوى من دوائر الانتقال السحري.
“بهذا يمكننا الانتقال فوراً.”
كان هناك بعض الجدال مع سيد البرج الذي لم يرغب في التخلي عنها، لكنني انتصرتُ في النهاية فلا مشكلة.
“إذن ماذا ستفعلون الليلة؟ الوقت متأخّرٌ بالفعل.”
بعد يومٍ من السفر، كانت الشمس قد غربت بالفعل. كان المبيت في المعسكر تجربةً جديدةً بالنسبة لي، ورؤية الفرسان مجتمعين حول النار جعلتني أرغب في الانضمام إليهم.
“يمكنني النوم في العربة، لا داعي للقلق.”
“والقائد إذن …”
“سننام معًا في العربة.”
“……”
من الطبيعي أن ينام الزوجان معاً. لكن لماذا يقع عليّ العار وحدي؟
حتى ثالتوس صاحب الشخصية المرحة لُجِم لسانن للحظة. تجمّد جميع الفرسان حولنا في الحال.
‘أرجوكم … ليس ما تعتقدونه.’
على الإنسان أن يعرف الوقت والمكان المناسبين.
‘آه. هذا الرجل ليس إنساناً.’
بلّلتُ شفتي الجافة بشدّة قبل أن أتمكّن من الكلام.
“سأنام وحدي. سيكون من غير المريح أن ننام اثنين في العربة.”
شرحتُ بهدوءٍ كما لو كنتُ أوبّخ طفلاً صغيراً.
نظر إليّ إيشيد بصمت.
“العقد …”
“… يمكن تعديله بمرونة.”
أشرتُ بكتفي أن هذه بالضبط إحدى تلك الحالات.
أومأ إيشيد موافقاً، لأنه يعرف أن كلامي صحيح، لكنه ظل عابساً كما لو كان يجد صعوبةً في قبول ذلك.
“هل ستكونين بخيرٍ وحدكِ؟”
“نعم.”
“لكن …”
“سأكون بخير.”
قلتُ ذلك مازحةً بأنني لستُ جبانةً إلى هذا الحد، وأنه لا داعي لمعاملتي كطفلة.
في الحقيقة، كنتُ قد بدأتُ أشعر مؤخّراً أنني قادرةٌ على النوم وحدي. لم أعد أخشى الليل كما قبل.
مع ذلك، كنا قد وقعنا عقداً يمنع النوم في غرفٍ منفصلة، ولم يكن نوم إيشيد بجواري مزعجاً لي.
على أيّ حال، نجحتُ في إبعاد إيشيد وفرشتُ بطانيةً سميكةً حصلتُ عليها من أحد الفرسان على أرضية العربة.
خرجتُ عندما أعلنوا أن العشاء جاهز. قدّم لي الفرسان يخنةً مليئةً بمختلف المكونات التي قالوا إنها طعامٌ خاصٌّ لا يمكن تذوّقه إلّا في المعسكر.
كانت اليخنة لذيذةً كما وصفوها، بنكهة المكونات الأصلية دون أيّ إفراط، كانت مثالية.
أنارت النيران المشتعلة هنا وهناك المعسكر بعد غروب الشمس.
كانت سماء الليل مرتفعة. بدت النجوم المتلألئة في السماء مع حلول الظلام وكأنه متجمعةٌ بكثافة لتشكّل نهراً متدفقاً.
سمعتُ صوت حيوانٍ يعوي من بعيد. كان الصوت قادماً من عمق غابة هالتونيا البعيدة.
كان صوت وحشٍ أسمعه لأوّل مرّة، صادمٌ بما يكفي ليقشعرّ بدني، لكن مع وجود إيشيد بجانبي والفرسان حولي، لم أشعر بأيّ خوف.
بدا من وجوه الفرسان أن زيادة أعداد الوحوش في غابة هالتونيا ليست حالةً طارئةً كما تخيّلنا، حيث بدوا مرتاحين نسبياً.
“مع ذلك، لقد تزوّج قائدنا، كيف يمكن أن نتجنّب الشرب في يومٍ كهذا؟”
أخرج ثالتوس بعض الزجاجات التي كان قد خبّأها في مكانٍ ما.
تجعّدت جبهة إيشيد فوراً، يبدو أن الشرب ممنوعٌ في المعسكر.
“مجرّد رشفةٍ واحدة.”
لكن سير ثالتوس ليس من النوع الذي يهتم لمثل هذه القواعد. تجاهل نظرة إيشيد الباردة وملأ الكؤوس التي أحضرها بدقة، ثم وزّعها علينا.
لم تكن الزجاجات كثيرة، والحضور كثيرون، فكانت الكمية تكفي لرشفةٍ واحدةٍ فقط لكلّ شخص.
مع ذلك، احمرّت وجوه الفرسان قليلاً وهم يتذوّقون الكحول لأوّل مرّةٍ منذ زمنٍ طويل.
“تهانينا على زواجكما.”
“مباركٌ لكما!”
من فضائل الرئيس أن يتقبّل التهاني من مرؤوسيه بكلّسرور.
ابتلعتُ ضحكةً خفيفةً عندما رأيتُ إيشيد يتخلّص من تعبيره المرتبك.
في الخارج مع منظرٍ جميلٍ وتهنئة الجميع، كان طعم الخمر النقي ألذّ قليلاً. لدرجة أن رشفةً واحدةً لم تكن كافية.
نظرتُ إلى كأس إيشيد، الذي كان لا يزال يفيض بالسائل. عندما لعقتُ شفتي، لاحظ هذا الشيطان نظري فشرب كأسه دفعةً واحدة.
تجعّد جبين إيشيد من طعم السائل المرّ ثم عاد إلى تعبيره المحايد المعتاد.
“تسك …”
“من الأفضل أن تقلّلي من الشرب.”
تجاهلتُه بهدوء قائلةً ‘هذه النصيحة مرّةً أخرى؟’
اندمج إيشيد مع الفرسان دون أيّ شعورٍ بعدم الارتياح. كان يجيب عندما يخاطبه أحدهم فقط، لكنه كان يندمج بسهولة، وهو أمرٌ كان مثيراً للاهتمام.
بينما كنا نتبادل أطراف الحديث ونضحك، تعمّق الليل وحان وقت النوم.
“شاتيريان.”
“نعم؟”
نادى إيشيد باسمي فجأةً وأمسك بسيفه ااذي كان بجانبه. تحوّل جو المَرَح بين الفرسان فوراً، ولم يعد هناك أثرٌ للارتياح الذي كان قبل قليل.
سمعنا صوت بوقٍ من بعيد.
دوم، دوم!
اهتزّت الأرض. أمسك إيشيد بذراعي ورفعني من مكاني.
“إنه غول. لقد خرجت الوحوش من الغابة.”
الغول، وحوشٌ ضخمةٌ لكنها غبيةٌ يسهل التغلّب عليها.
“شاتيريان، السيف.”
“إنه معي.”
لمستُ مقبض السيف على جانبي. كان هذا ما اتفقنا عليه قبل الرحلة. أن أحمل السيف في جميع الأحوال.
“السيف لحمايتكِ فقط. لا تتدخّلي أبداً.”
“أعرف ذلك.”
أنا أعرف جيداً أن مهاراتي ليست كافيةً لقتل الوحوش.
بما أنهم فرسان وحدة استطلاع الوحوش، كان الجميع هنا مؤهّلين. لذا كلّ ما عليّ فعله هو ألّا أكون عبئاً عليهم.
‘أنا أعرف مكاني.’
ازدادت قوّة اهتزازات الأرض. مع كلّ صوت ‘دوم دوم’، ارتجف جسدي.
سمعتُ زئير الوحوش قريبٌ جداً، كصراخ إنسانٍ عملاق.
“هاربي!”
هبّت رياحٌ قويّةٌ مع صوتٍ يشقّ الهواء. ظهرت ثلاث حوريات هاربي مع ظلٍّ يغطي المعسكر.
مع صراخ أحدهم وصوت تصادم السيوف، تحوّل المعسكر إلى فوضًى في لحظة.
اخترق الغول، الذي ركض بقوّةٍ كافيةٍ لتحطيم الأرض، وسط المعسكر بسرعة. سحب إيشيد سيفه وشقّ الغول الذي كان ضعف طوله إلى نصفين بضربةٍ واحدة.
بانغ!
سقط الغول على الأرض بصوتٍ عالٍ كما كانت خطواته.
نظر إيشيد إلى الحوريات الطائرة ثم ألقى نظرةً على المعسكر حيث كان الفرسان يواجهون الغول. كانت الحوريات ما زالت تحلّق في السماء، بدت وكأنها تترّصد أكثر من كونه هجومًا.
“رانين، تاي. احميا شاتيريان. ثالتوس وإياثون، اتبعاني إلى الغابة.”
“انتظر، إلى الغابة؟”
وراء الحوريات، ظهر القمر الكامل تقريباً. بدا دخول إيشيد إلى الغابة في هذه الحالة خطراً.
“هل ستكون بخير؟”
جرحه الذي تلقّاه من ساحر الظلام قد شفي بالكاد مؤخّراً. بسبب تأثير اللعنة، كانت عملية الشفاء بطيئةً جداً.
بهذا الجسد، الدخول إلى غابةٍ تعجّ بالوحوش في ليلة اكتمال القمر حيث تكون قو
اه الإلهية في أضعف حالاتها، كان أشبه بالانتحار.
“سيكون التعامل مع الأمر في الغابة أسرع.”
لم يغيّر إيشيد رأيه. ثم انطلق مع الفرسان.
تبعته الحوريات، وكأنها تستهدفه تحديداً.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
تجدون الفصول المتقدمة لغاية فصل 64 على قناة التيلجرام، الرابط: Link
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 54"