انتهى حفل الزفاف.
بعد أن غيرنا ملابسنا، صعدنا إلى العربة على الفور. كانت وجهة شهر العسل في أراضي دوقية أستريا.
“تيري، أليس من الأفضل أن تبقي في العاصمة لمدّة أسبوع قبل المغادرة؟”
“نعم، يمكنكما الاستمتاع بالمهرجانات في العاصمة لمدة أسبوع… لن تجدا أماكن إقامة مناسبة في الطريق.”
أبدى أفراد العائلة قلقهم من رحلة شهر العسل التي سنبدأها مباشرةً بعد الزفاف.
“هل ستقضين ليلة الزفاف الأولى في نُزُلٌ رخيص؟ أم أنكما فعلتماها بالفعل؟”
“أختي!”
“سيلين!”
انظروا إلى هذه الوقاحة!
عندما ذُعرنا أنا وجلالته، هزّت أختي كتفيها وكأنها لم تقل شيئًا خاطئًا.
عند سماع ذلك، أصبح تعبير وجه اللورد روهيلين متجهّمًا على الفور، وأخذ إيشيد إلى جانبٍ آخر بهدوء.
“ما خطبكم جميعًا؟ أنا لا أهتم سواء نمتُ في العربة أو نمتُ في العراء.”
“نعرف أنكِ تأكلين حتى ما يسقط على الأرض، لكن لا يمكننا إلّا أن نقلق.”
“حتى لو كان الأمر كذلك، لم آكل أبدًا شيئًا سقط على الأرض…”
“هذا ما تظنينه. على أيّ حال، بما أنكِ جهزتِ إمدادات الجميع، يبدو أنكِ لا تنوين التأجيل. لكن يجب أن تكوني حذرةً وتعودي بأمان. اتركي الإمدادات وارحلي فورًا إن حدث شيءٌ ما.”
ساد الظلام عيني أختي للحظة. يبدو أنها قلقةٌ من ظهور وحوشٍ فجأة، كما حدث في حادثة الوحوش قبل عامين.
“حسنًا، لا تقلقي كثيرًا واستريحي.”
“هل أنتِ متأكدة أنكِ لا تريدين أخذ كيرين معكِ؟”
“نعم. كيرين، لا تحزني. الطريق طويل، وأنتِ تعرفين أنني لا أحتاج الكثير من الخدمة. لكن سأجلب لكِ الكثير من الهدايا.”
“سيدتي …”
في الحقيقة، الخدمة التي أتلقّاها عادةً لا تتجاوز تحضير ماء الاستحمام وشاي، لذا لن أواجه صعوبةً كبيرةً في حياتي اليومية دون كيرين.
“حسنًا، سنذهب الآن.”
“نعم، كوني حذرةً وعودي بأمان.”
“اعتنِ بنفسك دائمًا.”
على الرغم من أننا سنعود قريبًا، إلّا أن توديع العائلة كان طويلاً. شعرتُ أن الأمر لن ينتهي، لذا قطعتُ المحادثة بصورةٍ مناسبةٍ وصعدتُ إلى العربة بسرعة.
بدأت العربة بالتحرّك. كان موكب العربة المغادِرة للعاصمة طويلًا.
كان سبب اختياري أراضي دوقية أستريا كوجهةٍ لشهر العسل في هذا الوقت الخطير هو أننا سنلتقي بجاسوسٍ ذهبت للتحقيق في أمر الساحر الأسود وتسليم الإمدادات. بدا أن إيشيد لديه أعمالٌ أخرى ينوي القيام بها.
في النهاية، كانت رحلة عملٍ طويلةٍ أكثر من كونها رحلةً ترفيهية.
داخل العربة التي تجري عبر السهول الزرقاء، كان الجو مريحًا للغاية. لأنها عربةٌ سحريةٌ من صنع قوّة ورأس مال عائلة الدوق.
شعرتُ براحةٍ كما لو أنني مستلقيةٌ على سريري في المنزل …
“سنبيتُ الليلة في قريةٍ قريبة.”
أومأتُ برأسي موافقةً. ولأنني لم أكن أعرف شيئًا على أيّ حال، كان من الأفضل اتباع ما قاله إيشيد.
كلما ابتعدنا عن العاصمة، قلّ عدد القرى. سرعان ما انتشرت أمامنا أرضٌ قاحلةٌ تمامًا.
وفقًا للشرح، كلما اقتربنا من غابة هالتونيا، أصبحت المنازل المسكونة أكثر ندرة.
كان هذا طبيعيًا. لا أحد يريد أن يعيش حادثة العامين الماضيين مرّةً أخرى.
بينما كانت أراضي ماركيز كولينس، المحاذية لسلسلة جبال سورون المتصلة بالغابة، قد عزّزت قوّتها العسكرية منذ القدم ولم تواجه مشاكل كبيرة، إلّا أن القرى الصغيرة تحمّلت العبء الكامل للضرر.
قبل تلك الحادثة، لم تكن الوحوش تغادر موطنها في غابة هالتونيا أبدًا. بسبب هذا، نشأ إهمالٌ أدّى إلى الكارثة الكبرى قبل عامين.
منذ ذلك الحين، كانت العائلة الإمبراطورية والمعبد يراقبان غابة هالتونيا عن كثب. إذا زاد عدد الوحوش، يتم تنظيم حملاتٍ لإبادتها.
اقترح الناس حرق الغابة بأكملها للتخلّص من الوحوش، لكن… لسوء الحظ، لم تحترق الغابة.
لم يكن بالإمكان تدميرها حتى باستخدام السحر أو الأشياء المقدسة.
بعد السفر عبر السهول لفترةٍ طويلة، وصلنا عند الغسق إلى قريةٍ صغيرةٍ بجوار جدولٍ مائي.
نظرًا لأنني لم أسافر من قبل، كانت هذه القرية الريفية أوّل تجربةٍ لي. كلّ شيءٍ بدا مثيرًا للاهتمام.
“هل أنتِ متأكدة أنكِ لا تحتاجين إلى خادمة؟”
“أنا بخير.”
نزل إيشيد، الذي كان يحمل حقيبتي بخفة، من العربة. ثم مدّ يده مرتديًا قفازاتٍ زرقاء داكنة، وكأنه يطلب مني أن أمسك بها لأتمكّن من النزول.
‘يبدو أن آدابه تتحسّن تدريجيًا.’
هل درس آداب النبلاء في مكانٍ ما؟
أمسكتُ بيده ونزلتُ من العربة.
“إذا احتجتِ أي شيء، سأساعدكِ.”
“ستخدمُني؟”
“نعم.”
بدا من تعابير وجهه الجادّة أنه مستعدٌ حتى لتحضير ماء الاستحمام إذا طلبتُ ذلك.
رفضتُ بابتسامةٍ وهززتُ يدي.
“سيدي، يمكنكما البقاء في هذه الغرفة.”
في تلك الأثناء، اقترب فارسٌ كان قد دفع ثمن الغرفة وسلّمنا المفتاح.
تجاوزنا الأشخاص الذين كانوا يفحصون العربة ودخلنا إلى النزل.
***
كان النُزُل المكوّن من ثلاثة طوابق يحتوي على مطعمٍ في الطابق الأول، وغرفٍ للنوم في الطابقين الثاني والثالث.
كما هو متوقعٌ من قريةٍ صغيرةٍ قديمة، بدا المكان قديمًا ومتهالكًا.
كانت الأرضية الخشبية تصدر صوت صريرٍ مع كلّ خطوة.
كانت الغرفة المخصصة لنا قديمةً بعض الشيء ولكنها واسعةٌ إلى حدٍّ ما ومزودةٌ بحمّام. كانت أغطية الأسرّة نظيفة، ولم يبدُ أن هناك أيّ إزعاجٍ يمنع قضاء ليلةٍ واحدةٍ فيها.
بعد وضع الأمتعة في جانبٍ من الغرفة، نزلنا إلى الطابق الأول لتناول عشاءٍ لائقٍ لملء بطوننا الجائعة.
بعد ذلك، خرجنا للتنزه تحت ذريعة المساعدة في الهضم واستكشاف القرية.
مع حلول الظلام، أضاءت النيران المنتشرة في أنحاء القرية الشوارع.
كانت القرية الهادئة عادةً صاخبةً بعض الشيء بسبب زيارتنا.
سِرنا على طول الطريق الترابي المغطى بالعشب، ووصلنا إلى ضفة النهر حيث يتدفّق الماء الجاري. دغدغ الهواء البارد خدي، وصرصرت الصراصير مع صوت الماء العذب.
امتزجت مع ضحكات الناس الصاخبة التي سُمِعت من بعيد، مشكّلةً تناغمًا جميلًا.
‘إذا عشتُ في الريف لاحقًا، سيكون العيش في قريةٍ مثل هذه على ضفّة النهر لطيفًا.’
أومأتُ لنفسي موافقةً على أن العيش بالقرب من الماء هو الأفضل.
وفجأة، التقى نظري مع إيشيد فجفلت. كم من الوقت مضى وهو يحدق بي؟
نظرته المباشِرة جعلتني أشعر وكأنه قرأ أفكاري. تجنّبتُ عينيه وسعلتُ دون سبب.
“هل نعود الآن؟”
بدأ الليل يزداد عمقًا، وأصبح الجو باردًا قليلاً. وكأنه عرف ذلك، قدّم لي إيشيد دفء يده بعد أن خلع قفازاته أثناء العشاء.
هل يمكنه قراءة أفكاري حقًا؟
لكنني أحببتُ الدفء الذي قدّمه، لذا لم أُبعد يدي.
وبينما كنا نمسك بأيدينا ونستعد للعودة إلى النزل.
“هل أنتما متزوّجان حديثًا؟”
عندما التفتُّ على السؤال، رأيتُ امرأةً عجوز تجلس على كرسيٍّ تحت شجرة.
“نـ نعم …”
عندما تردّدتُ في الإجابة على السؤال المحرج نوعًا ما، ابتسمت المرأة العجوز بلطف.
“لقد قطعتم مسافةً طويلة.”
بدا واضحًا أننا من العاصمة، فأومأتُ برأسي موافقة.
“الجو بارد، لذا ادخلا بسرعة.”
بعد أن ودّعنا بعضنا البعض وتمنينا لها ليلةً سعيدة، عدتُ إلى غرفتي واغتسلتُ أولًا.
عندما جلست بهدوء، سمعتُ الأصوات التي كانت تصل من الخارج بوضوح. لكن يبدو أن الناس تفرّقوا، ولم يعد يُسمَع سوى أصوات الطبيعة.
غرفةٌ غير مألوفة، بيئةٌ جديدة، علاقةٌ متغيرة. هذا الجو الغريب بالتأكيد ناتجٌ عن كل ذلك.
‘على أيّ حال، هذه هي ليلة الزفاف الأولى.’
ارتعشتُ من الفكرة المفاجئة واحمرّ وجهي من الخجل.
سمعتُ صوت الباب يُفتَح، ثم صوت خروج إيشيد. بمجرّد أن أدركتُ ذلك، لم أستطع النظر إليه.
منذ تلك الليلة في الأوبرا، لم يقم إيشيد بأيّ اتصالٍ جسديٍّ مماثل. بالطبع، أنا أيضًا امتنعتُ عن شرب الكحول منذ ذلك الحين.
بالنظر إلى الماضي، تذكّرتُ أنه كلما شربت، وقعتُ في المشاكل.
«ستندمين على ذلك لاحقًا.»
في مثل هذه اللحظات، أتذكّر دائمًا كلمات أورغون. أشعر بالندم لعدم الاستماع إليه، لكن في نفس الوقت أستاء من نفسي.
‘لماذا لم تمنعني بقوة أكبر؟’
غضبتُ، وألقيتُ باللّوم على أورغون عبثًا. بينما كنتُ أنا مَن تجاهل تحذيراته وشربت.
“ألن تنامي؟”
“آه؟ نـ نعم … سأنام …”
انطفأ الضوء وسرعلن ما خيّم الظلام.
بينما كنتُ أتقلّب في السرير بسبب الأفكار المشتتة، أمسك إيشيد بيدي فجأة ففزعت.
“وااه!”
ذعرتُ وأصدرتُ صوتًا غريبًا، فارتفعت حاجبا إيشيد أيضًا.
كان اتصالاً عاديًا، لا يختلف عن المعتاد.
ساد صمتٌ ثقيل بيننا. وكان الإحراج إضافةً لذلك. كان من الصعب اختلاق الأعذار في هذا الموقف.
بينما كنتُ أحاول معرفة كيفية الخروج من هذا الموقف، تحدث إيشيد أولاً.
“لا داعي لأن تنظري إليّ هكذا.”
دفن رأسه بعمقٍ في الوسادة، وتحدّث بصوتٍ هادئٍ وكأنه تخلّى عن كلّ شيء. وكأنه يعرف تمامًا ما كنتُ أفكّر فيه مما تسبّب في ردّ فعلي هذا.
بالطبع، بالنظر إلى الموقف، لا يمكنه إلّا أن يعرف … لكنه كان محرجًا للغاية.
كان من حسن الحظ أن الضوء كان مطفأً. وإلّا لكان من الممكن أن يرى وجهي المحمر من الخجل حتى رقبتي.
“مـ مَن ينظر إليكَ هكذا… أكنتُ أفكّر في شيءٍ آخر فقط، ففوجئت …”
حاولتُ إخفاء إحراجي، ثم استلقيتُ مرّةً أخرى بعد أن جلستُ قليلاً.
“إيشيد، لا تنسَ. زواجنا قائمٌ على عقد.”
“أنا أعرف، لذا لننَم الآن.”
سحب إيشيد الغطاء حتى رقبتي، بدا وكأنه يطلب مني التوقّف عن التفكير بالهراء والنوم.
شعرتُ بالارتياح نوعًا ما بعد تأكيده. عندما خفّت حدّة أعصابي، بدأت جفوني الثقيلة تستسلم للنوم الذي كنتُ أؤجله.
بعد كلّ شيء، على الرغم من أن العربة مريحة، إلّا أن السفر لساعاتٍ طويلةٍ للمرّة الأولى كان مرهقًا.
“ليس لديّ أيّ نيّةٍ للمسكِ.”
نعم، نعم، شكرًا لك.
بدا الصوت المنخفض الذي يهمس بوعدٍ وكأنه تهويدة، بفضل ذلك، تمكّنتُ من النوم بسرعة.
“ليس بعد.”
دون أن أستمع لتلك الكلمة الأخيرة.
***
أشرق لصباح. بعد الانتهاء من صيانة العربة، غادرنا القرية على الفور، وبعد يومٍ آخر من القيادة عبر السهول، وصلنا أخيرًا إلى المعسكر حيث كان فريق الاستطلاع.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 53"