كلما اقترب موعد حفل الزفاف، ازدحمت قاعة استقبال قصر دوق أستريا حتى لم يعد هناك متسعٌ لخطوة.
لم تكن الهدايا التي أرسلها النبلاء من كلّ مكانٍ هي السبب الوحيد، بل كان إيشيد مسؤولاً عن 80% من هذا الازدحام.
لأنه قام بطلب كلّ شيءٍ موجودٍ في الكتالوج الذي رميتُه أمامه دون تفكير.
عندما دخلت أربع عرباتٍ محمّلةٍ بالبضائع إلى القصر لأوّل مرّة، أُصبتُ بالصدمة حتى شحب وجهي.
قال إيشيد إن هذه هدايا لي، لكنني لم أستطع الشعور بالسعادة ببساطة.
بصراحة، عائلة أستريا لا تملك أراضي خاصة تديرها، ولا تملك شركاتٍ تجاريةٍ تحقّق دخلاً إضافياً.
بالطبع، كانت هناك ثروةٌ متراكمةٌ لعائلة الدوق، لكن الراتب الشهري لقائد فرسان الهيكل كان المصدر الوحيد للدخل المنتظم.
لذا كانت هذه النفقات باهظةٌ إلى حدٍّ لا يمكن فهمه.
“لا تقلقي، هذا من الثروة متراكمة.”
على عكس قلقي من الإفلاس، لم يبدُ إيشيد منزعجاً على الإطلاق.
“بهذا المعدل، لن تلاحظي حتى نقص الثروة.”
إذا جمعتُ أسعار كل هذه الأشياء، فستكفي لشراء قصرٍ بحجم هذا القصر.
لكنه يقول إنني لن أُلاحظ حتى نقص الثروة؟
كان من الصعب تصديق ذلك، لكنه ليس الرجل الذي يتفاخر أو يكذب بشأن مثل هذه الأمور، لذا هززتُ رأسي فقط.
‘ظننتُ أنهم مجرّد عائلةٍ ثريةٍ فحسب.’
على أي حال، هو نفسه الذي أعطاني كيساً من الذهب دون تردد عندما طلبتُ منه مالاً لشراء تذكرة دخول لمزاد غير قانوني قبل فترة.
“لكن هذا مبالغٌ فيه. أنتَ ستعيش طويلاً، لذا يجب أن تدير أموالكَ بحكمة.”
قلتُ له إنه بهذه الطريقة سيعيش براحةٍ في المستقبل. أو أن يشتري أراضي أو عقاراتٍ لزيادة ثروته.
كان تعبير وجهه غريباً في تلك الأيام، لكنني تجاهلتُه ورتبتُ إعادة بعض الأشياء إلى المتاجر.
وهكذا مر الوقت بسرعة.
لا أعرف لماذا أنا مشغولةٌ رغم أن الخدم هم مَن يقومون بكل تحضيرات الزفاف.
يجرونني هنا وهناك، ويقلقونني …
وهكذا عاد موسم مهرجان المياه. كان اليوم الأول من المهرجان هو يوم زفافنا.
“إنه وقتٌ مثاليٌّ للزواج…”
“آنستي، ليس لدينا وقتٌ لهذا.”
انجذبتُ دون مقاومةٍ بيدٍ تسحبني بقوة.
قررنا إقامة حفل زفافنا في معبد آلهة الرحمة الواقع في أطراف المنطقة المركزية.
لأنه مكانٌ هادئ يسهل فيه التحكم في الحضور.
عندما قلتُ في البداية إنني أريد زفافاً صغيراً بحضور العائلة فقط، صرخ الإمبراطور رافضًا.
قال إنه حتى لو دعوتُ كل نبلاء الإمبراطورية وجميع المواطنين لحفل زفافٍ ضخم، فلن يكون ذلك كافياً، فما هذا الذي أقوله؟
عندما تخيلتُ ذلك، شعرتُ بالدوار من كلام الإمبراطور وهززتُ رأسي بسرعة.
«إذا فعلتُ كل شيءٍ كما يريد جلالتك … فلن يكون هذا زفافي … إذا كان زفافي المتواضع يزعجكَ بهذا الشكل، فليس لدي خيار. سنقيمه ببساطة بدون حضور صاحب الجلالة.»
فشل السهم الليّن مرّةً أخرى في اختراق الدرع الصلب.
في النهاية، سارت الأمور كما أردتُ أنا، صاحبة الشأن.
ظل الإمبراطور متجهماً حتى صباح يوم الزفاف. تنهد بعمق وهو ينظر إلى قاعة الزفاف الفارغة التي بدت بائسة لدرجة محرجة.
“هادئٌ وجميل، أليس كذلك؟”
صفعتني أختي بقوة على ظهري.
انتظرتُ في الغرفة المجاورة لقاعة الزفاف قبل بدء الحفل. اضطررتُ لقضاء وقتٍ مملٍ وأنا أتذمر.
‘لماذا التأخير إذا كان زفافاً بدون ضيوف؟ فلننتهِ منه بسرعة.’
عندما حان وقت دخول القاعة، دخل إيشيد إلى الغرفة.
بدا إيشيد وسيماً للغاية ببدلته السوداء الرسمية التي تتناقض مع قفازيه الأبيضين، رغم بساطة ملابسه.
كان إيشيد، الذي كان مشغولاً أكثر مني هذه الأيام، يأتي متأخراً إلى المنزل ويغادر قبل شروق الشمس، لذا كانت هذه أول مرة أراه فيها منذ فترة طويلة.
توقف إيشيد فجأةً عند دخوله الغرفة عندما رآني جالسةً بهدوء.
“ماذا؟ هل أنا جميلة؟”
مع أن الحجاب يغطي وجهي ولن يتمكّن من رؤيته بوضوح، إلا أن الكلمات الفظة خرجت أولاً لأنني شعرتُ بالحرج.
“هل ستكون كلمة ‘جميلة’ كافية لوصفكِ حتى؟”
همس بهدوء، لكنني سمعتُه بوضوح. احمرّ خداي من كلماته، لكنني أيضاً شعرتُ بالانزعاج. تساءلتُ إذا كان هذا امتداداً لتلك الحماقة التي فعلها أورغون.
حاولتُ إخفاء مشاعري المضطربة وتحويل نظري عن إيشيد.
“لنذهب الآن.”
مدّ إيشيد يده. كنا قد اتفقنا على الدخول إلى القاعة معاً، لذا جاء إيشيد لاصطحابي.
أمسكتُ بيده.
أردتُ تبريد حرارة وجهي. كان وجهي ساخنًا لدرجة أنني تمنيتُ ألا أضطرّ إلى رفع الحجاب.
وقفنا جنباً إلى جنب عند المدخل. نظر الخادم الواقف بجانب المدخل إلينا ونحن مستعدان، ثم أعلن بصوتٍ عالٍ فورًا.
“العريس والعروس يدخلان!”
كان صوتاً عالياً لا يتناسب مع قاعة زفافٍ بدون ضيوف.
ابتسمتُ ابتسامة خفيفة وسرتُ على السجادة البيضاء الممتدة حتى مكان وقوف الكاهن.
على الرغم من عدم وجود ضيوفٍ مدعوين إلى حفل الزفاف، إلا أن غرفة الصلاة المزينة كانت جميلة.
كان ضوء الشمس المتدفق من النافذة فوق المنصة يضيء المكان الذي سنقف فيه.
تبادلنا أطراف الحديث في أمورٍ تافهةٍ أثناء سيرنا على السجادة المؤدية إلى الكاهن.
“هل انتهيتَ من كل العمل؟”
أومأ إيشيد برأسه موافقاً.
قررنا إغلاق غرفة الاستشارات لفترةٍ قصيرةٍ خلال شهر العسل. سيأخذ فيل إجازةً قصيرةً ثم يعود أبكر مني ليساعد في أعمال مكتب المساعد.
“سمعتُ في الطريق أن الإمبراطور سيوزع هدايا على شعب الإمبراطورية احتفالاً بزفافنا.”
“قال أنه سيشتري لي المزيد من الملابس والمجوهرات، لكن خزانة ملابسي ممتلئةٌ بالفعل بما اشتريتَه لي، ولا يوجد مكانٌ لتخزين المزيد.”
“إذاً، يمكننا بناء خزانة ملابس أخرى.”
“سأموت قبل أن أتمكّن من ارتداء كل هذه الملابس.”
“… لا تتحدثي عن الموت بهذه الطريقة.”
ابتلعتُ ضحكةً خفيفةً عند سماع صوته الغاضب.
“نعم، هذا خطئي. آسفة. على أيّ حال، أخبرتُه أن يستخدم الأموال التي ينفقها عليّ في تقديم الطعام مجاناً لشعب الإمبراطورية. لم أتوقع أنه سيفعل ذلك حقاً.”
“لا أفهم. لماذا تهتمين بشيءٍ كهذا لهذه الدرجة؟”
كان صوته فضولياً بصدق.
‘من المحتمل أنكَ لن تفهم أبداً.’
“فقط، لنقل إنها مجرّد لطفٍ صغيرٍ وقليلاً من التعاطف. وأيضاً… أمنيةٌ صغيرةٌ أن يعيش شعب الإمبراطورية بشكلٍ جيد.”
“لا أحد يفكّر في أمن الإمبراطورية مثلكِ.”
“أعتقد ذلك أيضًا. أتسائل إن كنتُ سأصبح إمبراطورة بدلاً من أورغون.”
ضحكتُ بصوتٍ خافتٍ وكأنني أخبره سراً.
في غضون ذلك، وصلنا إلى الكاهن.
كان الكاهن يقف تحت تمثال آلهة الرحمة يدعو بابتسامةٍ لطيفةٍ.
“أهنئكما بصدقٍ على زواجكما، لتُبرككما الآلهة.”
كانت محاولتي لإقناعه بإبقاء الخطبة قصيرة ناجحة. أظهرتُ له إبهاماً سراً.
كالعادة، قرأ الكاهن عهود الزواج.
“أيها العريس، إيشيد أستريا، هل تقسم أمام الآلهة أنكَ ستحب العروس بكل روحكَ حتى ماتتك؟”
كانت الكلمات نذير شؤم. شعرتُ بالارتباك، لكن إيشيد أجاب دون تردد.
ثم سرعان ما التفت نظر الكاهن إلي.
“أيتها العروس، شاتريان ميليس، هل تقسمين أمام الآلهة أنكِ ستحبين العريس بكل روحكِ حتى بعد مماتكِ؟”
كان قسمي مختلفاً عن قسم إيشيد. هل تختلف عهود الزواج بين العريس والعروس أصلاً؟
لكن لم يكن الوقت مناسباً للسؤال، لذا اكتفيتُ بإيماءة.
“نعم.”
ابتسم الكاهن برضًى وقدّم لنا عقد الزواج.
الآن، بالتوقيع هنا وتقديمه للمعبد، سنصبح زوجين رسمياً.
أيتها العروس، هل تقسمين أنكِ ستحبين العريس بكل روحكِ حتى يوم مماتكِ؟
كان هذا مكتوباً فوق مكان التوقيع، مختلفاً عما قاله الكاهن.
ربما يكون نصّاً متغيّراً حسب كلّ حالة، لذا لم أهتم ووقّعتُ بسرعة.
“والآن، قُبلة القسم.”
“ماذا؟”
نظرتُ إلى الكاهن متسائلة، لكنه تراجع خطوةً للخلف وحثّنا باليدين على الاقتراب من بعضنا البعض.
‘هذا ليس ما اتفقنا عليه، أيها الكاهن! كيف تجرؤ على وضع الجزء الذي طلبتُ منكَ حذفه دون قيدٍ أو شرط؟’
شعرت بعيون عائلتي تنصبّ علينا، لذا أستطع الرفض. تنهدتُ ووقفتُ أمام إيشيد.
ارتفع الحجاب. أصبح وجه إيشيد، الذي كان ضبابيًّا، واضحاً فجأة.
شعرتُ بإحراجٍ شديدٍ وحوّلتُ نظري عنه. أردتُ إنهاء هذا بسرعة، لكن إيشيد كان يحدّق بي فقط.
‘هيا!’
رفعتُ كعبي. كنتُ أنوي بصفع شفتي بخاصة إيشيد وإنهاء الأمر بسرعة …
“آه!”
سمعتُ صوت “طق!” وأحسستُ بألمٍ في لثتي.
لك تكن صفعة شفاه، بل صفعة أسنان. اصطدمت أسنانه بأسناني.
كان الألم شديداً لدرجة أن الدموع تجمّعت في عيني. خفضتُ كعبي بسرعةٍ ولمستُ أسناني الأمامية.
“لماذا انحنيتَ فجأة؟”
نظر إيشيد إليّ مندهشاً بينما فقدتُ أعصابي.
بالتفكير في الأمر، لم يكن هذا وقت الغضب. عندما أدركتُ مكاني، احمرّ وجهي خجلاً.
“أعلن… بفت .. أعلن أنكما أصبحتما زوجين.”
أعلن الكاهن، الذي كان يحاول إخفاء ضحكته، أننا أصبحنا زوجاً وزوجة.
عندما سحب الكهنة الحاضرون الحبل، رنّ صوت جرسٍ واضح.
عندما نظرتُ خلفي، كانت عائلتي أيضًا تُكتم ضحكها. تمنيتُ لو أختبئ في جحر فأر.
***
هبّت رياحٌ غريبةٌ في قاعة الزفاف التي تحوّلت إلى مسابقةٍ لكتم الضحك.
“في النهاية، هكذا تسير الأمور …”
على الرغم من الفوضى، بدا الشخصان الواقفان في قاعة الزفاف سعيدين للغاية.
“لأن ذلك الطفل بدأ الأمر أولاً.”
همس أورغون – أو الإلهة التي استعارت جسده – بهدوء.
لذا يجب على ذلك الطفل أن ينهيه أيضاً.
همس وكأنه يقول إن الوقت قد حان لإنهاء هذه العلاقة الطويلة والعنيدة، ثم اختفى ببطء.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 52"