“ماذا……”
دحرجتُ عيني. شعرتُ بحيرةٍ شديدةٍ بسبب ردّ الفعل غير المتوقّع.
«أليس هذا أكثر واقعيةً من أن أقول إن إيشيد ‘غيور’؟»
شاتيريان الماضية، اصمتي! لماذا قُلتِ ذلك؟ مَن لا يشعر بالغيرة؟
‘لا، لكن هل يُمكن اعتبار هذا غيرة؟ إنه يبدو حزينًا الآن.’
ظننتُ أن ضميري قد أصبح متبلّدًا تمامًا ولا شيء سيوقظه، لكن ذلك الصوت الحزين والوجه الكئيب وخزا ضميري.
“أمم …”
لم أستطع تحمّل مواجهة تلك العينين، فحوّلتُ نظري إلى ما وراء كتف إيشيد.
“إ … إذا كنتَ تقول ذلك.”
ليس من الصعب الحفاظ على مسافة.
أضفتُ السبب كما لو كنتُ أختلق عُذرًا.
فقط عندها بدأ الجو المحيط بإيشيد يصبح أكثر دفئًا. بدا الدفء يظهر في عيني إيشيد التي شعرتُ بها دائمًا باردة.
من الصعب تصديق أن مزاجه تحسّن بهذه السرعة، رغم أنه يبدو بسيطًا.
“حسنًا، إن كان هذا يشعركَ بتحسّن، فلا بأس.”
اكتفيتُ بابتسامةٍ صغيرة.
***
كانت خطة ‘فريق التلاعب بالحبّ’ الذي شكّله أورغون بسيطةٌ حقًا.
العين بالعين، والسن بالسن، والغيرة بالغيرة. أو بعبارةٍ أخرى، خطة ‘ردّ النار بالنار’.
كانت الخطة السخيفة لجعل شاتيريان تشعر بالغيرة، وبالتالي تدرك مشاعرها تجاه إيتشد، تُنفَّذ في ساحة التدريب.
حدّقت أربعة أعينٍ في اتجاهٍ واحد. هناك، كانت المساعدة التي تم إقناعها بصعوبةٍ تحاول التحدث إلى قائد فرسان الهيكل.
في البداية، بدا وكأن رياحًا باردةً هبت، لكن سرعان ما استمرّ الجو المشحون لفترةٍ طويلة.
“أين تيري؟”
نظر أورغون حوله بسرعة. كان يحتاج إلى أن ترى شاتيريان هذا الجو الدافئ بأسرع ما يمكن.
“لماذا تطلب من الناس المجيء والذهاب مجددًا؟”
في ذلك الوقت بالضبط، سمع صوتًا غاضبًا من الخلف. أورغون، الذي أشرق وجهه، أسرع بقيادة شاتيريان إلى مكانٍ يمكنها فيه رؤية إيشيد بوضوح.
“حان الوقت لممارسة التحكّم في القوّة الإلهية. قالت أنيلا إنها تعلّمت طريقةً جديدةً من المعبد لتدريب الكهنة المتدرّبين، لذا استدعيتُكِ لتعلِّمكِ.”
انسابت الكذبة التي أعدّها مسبقًا بسهولة. استجابت شاتيريان، التي صدّقت العذر المعقول، وهزّت رأسها.
“حقًا؟ حسنًا، يجب أن أتعلّمها.”
ثم سرعان ما توقّفت عيناها عند الشخصين اللذين بدا عليهما المودّة. كانت لحظةً مشحونة.
“إذن… ماذا عليّ أن أفعل أولاً؟”
لكن ردّ الفعل كان مختلفًا عمّا توقّعه.
حسنًا، لم يكن يتوقّع شيئًا كبيرًا. لكنه ظنّ أنها قد تهتمّ قليلًا على الأقل …
لكن وجهها المتحمّس، الذي لم يُرَ منذ وقتٍ طويل وهي تسأل عمَّ يجب فعله لم يضع حتى في الاعتبار الموقف الحالي.
‘هذا ليس ما خطّطنا له.’
“شاتيريان.”
اقترب إيشيد. معه المساعدة التي كانت تتحدّث إليه.
أطلقت المساعدة، التي كانت تتبع إيشيد بتردّد، تنهيدةً وهزّت رأسها بخفّة.
“كاننت تهنِّئُنا على زواجنا.”
كان قد طلب منها أن تهيّأ جوًّا وديًّا، لكن يبدو أنه لم يكن لديها ما تقوله، فتحدّثت عن الزواج بدلًا من ذلك.
لا عجب … لقد بدا الجو غريبًا وجميلًا.
أطلق أورغون تنهيدةً طويلةً بسبب الخطة التي فشلت منذ البداية.
انسحب أورغون وأنيلا بهدوءٍ من بين الزوجين المستقبليين اللذين كانا يتلقّيان التهاني وتحدّثا بصوتٍ منخفض.
“لهذا السبب قلتُ إن علينا إشراك قائد الفرسان أيضًا.”
“أوه، ومَن كان الذي رفض كلام السيد روث منذ البداية؟”
“…؟”
أُغلِق فم أورغون بسبب ردّ أنيلا.
قرّر أنه بما أن الأمور سارت بهذا الشكل، فلننفّذ الخطة الثانية، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة.
كان فيل قد تنحّى منذ البداية، وثالتوس، الذي تم اختياره كقائدٍ لفرقة استكشاف غابة هالتونيا، استقال منذ فترةٍ طويلة، وروث، الذي كان غير متعاونٍ منذ البداية، هرب بسرعةٍ بعد سلسلةٍ من الإخفاقات.
“لا خيار لدينا. يجب استخدام الطريقة الأخيرة.”
كانت الطريقة الأخيرة إقناع إيشيد بإغواء شاتريان.
على الرغم من أنها كانت الطريقة الأكثر ضمانًا، إلّا أنها كانت مؤجَّلةً لأنهم كانوا يأملون أن يدرك إيشيد مشاعره الخاصّة بشكلٍ طبيعي.
وكان الحصول على تعاون إيشيد أسهل ممّا توقعوا.
أصبح أورغون متحمّسًا وهو يشرح لإيشيد طرقًا مختلفةً لكسب قلب الشخص الآخر.
الاستمرار في الإطراء دون توقّف، النظر إليها كثيرًا، قُل أنكَ افتقدها بعدما ينفصلان، وما إلى ذلك.
لكن الأمل الضئيل في أن ينجح الأمر هذه المرّة تحطّم بعد وقتٍ قصير.
لقد نسي أورغون شيئًا، أن الوحش الإلهي إيشيد ليس لديه أيّ مرونةٍ على الإطلاق.
***
بدأ الأمر على مائدة الإفطار. تفوّه إيشيد، الذي كان يحدّق في شاتيريان وهي تأكل، بكلامٍ فارغ.
“تأكلين جيدًا اليوم. هذا رائع.”
تردّدت شاتيريان عند نبرة صوته التي بدت كما لو كان يمدح حيوانًا أليفًا.
“طريقتكِ في الأكل لطيفة.”
فقد شاتيريان شهيتها ووضعت السكين والشوكة ونهضت من مقعدها.
حتى في القصر الإمبراطوري، حيث هربت للعمل، استمرّ إيشيد في تصرّفاته الغريبة.
“شاتيريان، أداء غرفة الاستشارات يتحسّن أكثر فأكثر. تنظيم الأوراق أيضًا نظيف. أنتِ تقومين بعملٍ جيد….”
جعلها الثناء الذي لم تسمعه من قبل، على أشياء لم تفعلها، بل تتجهّم.
أغلقت شاتيريان فمها بإحكامٍ وحملت الأوراق الموقّعة وخرجت من المكتب، لكنها تذكّرت شيئًا لم تقله فعادت إلى المكتب. وهناك كان إيشيد …
“اشتقتُ إليك.”
“أيّها الوغد المجنون!”
لم تستطع منع نفسها من الشتم.
بعد ذلك، بسبب نصيحة النظر إليها كثيرًا، كان إيشيد يحدّق في شاتيريان حقًا. طوال اليوم، في غرفة الاستشارات.
“……”
لم يفعل شيئًا سوى الجلوس على الكرسي المجاور والتحديق فقط.
كان إيشيد الوحيد الذي لم يلاحظ أن جو الغرفة أصبح خانقًا.
‘رئيسة، هل أخطأتِ في شيءٍ كبير؟’
‘هاه، أنا؟ لا، لكن، ما هذا التصرف بحق الإله؟’
في الصمت، دار حوارٌ بصريٌّ مليءٌ بالغمزات والإشارات بينهما.
في تلك الظهيرة الدافئة، أطلقت شاتيريان تنهيدةً عميقة ثم ألقت بالأوراق بين ذراعي إيشيد.
“وقِّع.”
حاولت أن تعطيه القلم أيضًا، لكنه بدا أن العمل بدون طاولةٍ يبدو صعبًا، لذا لم يكن أمامها خيارٌ سوى سحب كرسيه إلى طرف الطاولة الواسعة لتوسيع المساحة.
“تعال إلى الجانب.”
أطاع إيشيد دون اعتراضٍ وسحب الكرسي إلى جانبها. اعتقدت شاتيريان أنها اتخذت القرار الصحيح بتبديل الطاولة بواحدةٍ أوسع.
“توقّف عن التحديق ووقِّع.”
أشارت إلى الأوراق بإصبعها. فقط عندها أمسك إيشيد بالقلم ببطء.
في العادة، كان إيشيد سيكمل العمل من تلقاء نفسه، لكنه الآن كان يفعل فقط ما تطلبه شاتيريان ثم يضع القلم، ويكرّر ذلك.
في كلّ مرّة، كانت تأمره بصبرٍ أن ينجز المَهمة التالية.
كتم فيل، الذي رأى هذا التصرّف يتكرّر مرارًا، ضحكته وهو يرى شاتيريان تكرّر ذلك دون أن تُظهِر أيّ انزعاج، وإيشيد الذي يُنصت جيدًا بمجرّد أن يُطلَب منه القيام بشيءٍ ما.
بغض النظر عن نيّة أورغون … أليس من الجيد أن الأمور تسير على ما يرام؟
جلس الاثنان متلاصقين أمام الطاولة التي بالكاد تتّسع لهما، يعالجان الأوراق بمودّة. كان التوافق بينهما لا مثيل له.
بعد فترةٍ من العمل، همست شاتيريان بصوتٍ غير مبال.
“كما تعلم، إيشيد، أيًّا كان ما سمعتَه، ما تفعله الآن … ليس صحيحًا.”
أخبرته مباشرةً أن طريقته خاطئة.
إذا كان هناك أمرٌ آخر أغفله أورغون، هو أن شاتيريان، التي كانت أكثر حساسيةً للتغيير من أيّ شخصٍ آخر، مع أنها أقلّ اهتمامًا بمحيطها، لم تكن لتغفل عن تغيّر جو إيشيد.
حتى لو قلب الأمر للأمام وللخلف، كان من الواضح أن أورغون متورّطٌ في التصرّفات الغريبة المفاجِئة لإيشيد.
لم تسأل عن السبب. لأنه إذا عرفته، فسيكون الأمر مزعجًا بالتأكيد.
في تلك الليلة، كانت غرفة النوم المظلمة هادئة.
كما هو معتاد، أمسك إيشيد بيد شاتيريان. بينما كان على وشك النوم، رمشت شاتيريان وأمسكت بإبهامه.
أصبح إيشيد يحبّ هذا الوقت من اليوم أكثر من أيّ وقتٍ آخر. كان يشعر بالدفء بينهما أثناء النوم، وتمنّى أن تستمر هذه الأيام الهادئة إلى الأبد.
لم يكن هذا فقط بسبب القوّة الإلهية التي يتلقّاها من شاتيريان بالتأكيد.
صحيحٌ أن القوة الإلهية جعلت آلام قلبه تختفي، لكن هذا الدفء لم يكن مصدره ذلك فقط.
في الليل، عندما كانت شاتيريان نائمةً بعمق، ضغط إيشيد شفتيه سرًّا على ظهر يدها التي كان يمسكها.
كان هذا سرّه الخاص، الذي لن تعرفه شاتيريان أبدًا.
***
بعد برهة، أمسكت شاتيريان بأورغون من رقبته وهو يتجوّل أمام غرفة الاستشارات.
“أورغون، توقّف عن فعل الأشياء غير المجدية.”
أنا متعبةٌ جدًا بالفعل، وأنصحكَ ألّا تضيف أعباءً أخرى إلى عملي.
“ماذا فعلت؟”
“هل ستلعب دور الجاهل؟”
رفعت شاتيريان شفتيها بامتعاضٍ وحذّرت أورغون وهي تمسك برأسه.
“إذا استمررتَ في هذا … هل أقدّم لأنيلا شخصًا آخر؟ سأجعلكَ تشعر بالانزعاج بقدر ما تُزعجني.”
“… لا تزعجي أنيلا.”
أنتَ من سأزعجه، وليس أنيلا.
هزّت شاتيريان رأسها وهي تشاهد أورغون يبتعد بصمت.
***
يبدا أن إيشيد يستمتع بالعمل بجانبي.
توقّف عن التصرفات الغريبة، لكنه لم يتوقّف عن العمل معي على نفس الطاولة.
بالطبع، كان لديه عمله الخاص، لذا لم يكن ملتصقًا بي طوال اليوم.
لكن لمدّة ثلاث ساعاتٍ كلّ ظهيرة، كان إيشيد يجلس بجانبي لمعالجة الأوراق، ثم يعود إلى مكتبه.
كان ذلك قبل الزفاف ببضعة أيام.
“سمعتُ تنه قبل الزفاف، تُقدِّم خاتمًا وتطلب الزواج.”
“أليس هذا ما يحدث عادةً عند الخطوبة؟”
عندما أجبتُ، مدّ إيشيد صندوقًا صغيرًا. كان واضحًا أنه صندوق خاتم.
“هل تتزوّجيني؟”
حسنًا … كان عرضًا غير متوقعٍ تمامًا، بدون أيّ جوٍّ رومانسي، تمامًا كالعرض الذي قدّمتُه له.
انبعث ضحكةٌ خفيفةٌ من شفتيّ.
مددتُ يدي اليسرى.
“إذا كان الخاتم يناسب يدي، فسأقبله.”
ضحك إيشيد
معي. كان الخاتم المرصّع بالزمرد الأخضر يناسب إصبعي البنصر تمامًا.
أخذت الخاتم الآخر ووضعتُه في إصبع إيشيد البنصر.
حتى من بعيد، كان الخاتمين، الذي من الواضح أنهما زوجًا، يتلألآن في أيدينا.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 51"